كيف السبيل إلى سفر الاستجمام؟

كيف السبيل  إلى سفر الاستجمام؟

كثيرًا ما نسمع في الآونة الأخيرة مقولة: «نسافر كثيرًا...  لكن
لا نجد الراحة والاستجمام»! فما المشكلة؟ وكيف الحل؟   
منذ بدء الخليقة والبشر في ترحال دائم بحثًا عن الطعام أو الأمان وأسباب أخرى عدة... تطورت خلالها وعبر الزمن وسائل التنقل والاتصال من بداية ركوب الدواب إلى اختراع العجلة والعربات والسفن والقطارات والطائرات، وإلى المزيد من السرعة والراحة والأمان.

 

كلنا يعلم أن أسباب السفر عديدة، فهناك من يسافر للعلاج، وهناك من يسافر للدراسة وزيادة التحصيل العلمي والالتحاق بإحدى الجامعات أو الدورات والورش التأهيلية أو لعمل أو حرفة ما، كما أن البعض يسافر مضطرًا للعلاج غير المتوافر في محل إقامته، أو للبحث عن أفضل مركز علاجي لمشكلة يعاني منها شخصيًا أو أحد أقاربه وأصحابه، أو بحثًا عن فرصة عمل ووظيفة لائقة... فأين الاستجمام في ذلك؟!
قد يكون سبب السفر ممتعًا حين يكون وصلًا للأهل والأحبة وقضاء وقت معهم، لكنك ستكون مرتبطًا بزياراتهم ومواعيدهم وجداولهم المخصصة لترفيهك كونك ضيفًا لديهم، فتنتفي الخصوصية نوعًا ما...  وقد تسافر لتكون في رحلة خاصة مع الشريك في شهر العسل مثلًا... أو تجديد عهود المحبة والزواج، فتختار الجزر البعيدة ذات الشاليهات المنفصلة والمنعزلة بخدماتها المميزة حيث الدلال والهناء، فتكون قبلها مضطرًا لعمل بحث استكشافي شامل للمكان والأنشطة التي تحتويه لتسعد لحظاتك وتكون مخزونًا للذكريات، ويغلب الوقت إرضاء الشريك والبحث من مطاعم مميزة بمستويات عالية من الرفاهية وسهرات موسيقية تلون اللحظات وعروض حية مبهرة من كل مكان.
وتغلب على سفرات الموسم الصيفي الرحلات العائلية التي لها متطلباتها أيضًا... من اختيار للأماكن الترفيهية للأبناء والمنتجعات العائلية التي تكثر فيها أحواض السباحة والأنشطة الساحلية، وحضور عروض ترفيهية مثل السيرك والمسرحيات العالمية المليئة بالإبهار والتشويق، والدخول إلى قاعات السينما لمشاهدة عرض لفيلم جديد للأطفال أو اليافعين بتقنيات متطورة وعالية الجودة، ولزيارة القصور الأثرية والملكية، والمتاحف والجبال والبحيرات والأنهار... ولسفرات التسوق رحلات لابد منها لشراء مستلزمات لمناسبات معينة، وعلى أحدث صيحات الموضة التي تنتجها دور الأزياء العالمية، وقد يكون السفر لتأثيث منزل أو شاليه فيصبح مرهونًا بورقة وقلم، ندوّن فيها الحاجيات والنواقص من جهة، ومن جهة أخرى تضم تلك الورقة الأمكنة المقترحة والمتوقع زيارتها والتبضع منها، والشخصيات التي سيتم اللقاء معها، ما يعني جداول ومواعيد ومتطلبات وملاحظات كلها في دوران وترحال...  فأين الاستجمام؟ 
إذا سافرنا بصحبة أصدقاء بغية الاستمتاع بالنشاطات التي تقدمها تلك البلاد نكون في دوامة من رحلات سفاري وسباق السيارات ومغامرات لا تخلو من تسلق جبال أو ركوب الخيل والقفز من الطائرات الصغيرة بالمظلات، كل ذلك من شأنه أن يعرّضنا لإجهاد بدني ممتع نحيي فيه كل عضلة في أجسامنا وحواسنا في تجارب لم نألفها من قبل، فقد قطعنا المسافات لأجل خوضها والاستمتاع بها. 
فكيف يكون مخطط إجازات السفر للراحة... وما الذي يقلبها همًّا؟

السفر الفردي في تزايد
تشير دراسة أجراها موقع «بوكينج.كوم» على شريحة من عشرين ألفًا وخمسمائة مسافر عالمي، إلى ارتفاع معدلات السفر الفردي، حيث قام خمسا المسافرين في العالم برحلة فردية عام 2021، وخمس آخر يخطط للقيام بذلك في المستقبل. بينما بلغت القيمة السوقية في سوق السفر العالمية الترفيهية 4.405.5 مليار دولار أمريكي عام 2021، ومن المتوقع تصل إلى 6.347.8 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027.

السفر الترفيهي
مصطلح السفر الترفيهي بات سائدًا في الفترة الأخيرة، ويعني الإجازة التي يقوم بها فرد أو مجموعة من الأفراد للتمتع الشخصي، كما أن التنوع السكاني في جميع أنحاء العالم يقرب العلاقات الاجتماعية بين البشر ويدفع الناس لاستكشاف أماكن جديدة والتعرف على أشخاص جدد والانخراط في تنوعات ثقافية وأعراق مختلفة، ما يجعلهم متشوقين للسفر إلى أماكن مختلفة.
وتلعب منصات السفر عبر الإنترنت دورًا رئيسيًا في تخطيط وتنفيذ خطط السفر الفردية والجماعية، باعتماد باقات الحجز المريحة والسهلة بضغطة زر، أو لمسة بنان على الهاتف الجوال، ما أدى إلى زيادة نمو سوق السفر الترفيهي بكل سهولة ويسر.
ونظرًا لتوافر الإنترنت السريع وبشكل كبير ، أصبح الناس على دراية بجميع الأماكن في كل أنحاء العالم، كما مكنت صناعة الطيران المتنامية الناس من تجربة السفر بسهولة، عن طريق ربط جميع المواقع بوسائل النقل المختلفة، واختيار تفاصيل رحلتهم محمولين على كفوف الراحة الاختيارية، ما أدى إلى تعزيز وزيادة اعتماد السفر الترفيهي، الأمر الذي شكّل تأثيرًا إيجابيًا على السوق بشكل عام.
على الرغم من وجود سلبيات الخدمات وعوامل عدم الاستقرار السياسي ببعض المناطق حول العالم، وتغير الظروف البيئية والمناخية، وبناء فكرة على التجربة الشخصية السابقة، ونقص الأيدي العاملة الماهرة في المستوى المتوسط وما دون ذلك، إلا أن السفر ضرورة لا غنى عنها.
وتهدف الدراسات إلى تطوير هذه الصناعة وتحويلها إلى تجربة ممتعة للعملاء، عن طريق العمل في بيئة أعمال تنافسية بشكل متزايد، حيث التطور السريع والتغير هما اللذان يتحكمان بالسوق بشكل رئيسي، وبعوامل مثل أنماط الإنفاق للمستهلكين، وزيادة التنوع والاتصال العالمي.

تحولات في سلوك المسافرين
أصدرت وكالة التسويق المتخصصة في دعم قطاع السفر والفنادق Travel Boom أول دراسة رئيسية لاتجاهات السفر في عام 2019 قبل عام من جائحة وباء كورونا... واليوم كشفت دراسة جديدة كيف غيّر المسافرون سلوك عطلاتهم بشكل كبير وذلك بسبب الوباء (COVID-19)، وارتفاع أسعار الوقود والغاز والمعيشة، إضافة إلى الاقتصاد غير المستقر، فلا يزال للتكاليف المرتفعة للسفر ولفيروس كورونا وتحوراته الكثير من التأثيرات الرئيسية على كيفية تخطيط المسافرين لرحلاتهم.
يقول بيت ديمايو الرئيس التنفيذي للعمليات في Travel Boom: «لا يزال السفر الترفيهي أحد أكثر الصناعات تأثرًا في فترة ما بعد الوباء، ويدرك المستهلكون تمامًا حجم التضخم، والمخاوف المستمرة من تداعيات (COVID-19)، إلى جانب الأسعار العالية للوجهات وأماكن الإقامة».
إن أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على سلوك المسافرين في السنوات الأخيرة وتشكل مصدر قلق رئيسي للعديد من المسافرين هو تأثير ارتفاع التكاليف على خطط السفر، ففي عام 2022 أشار استطلاع لوكالة Travel Boom إلى أن 46.3 في المائة ممن شملهم المسح قالوا إن السعر هو الاعتبار الأساسي عند التخطيط لقضاء عطلة، مقارنة بـ37.9 في المائة عام 2019. وأضاف أن 53 في المائة أشاروا إلى المخاوف المتعلقة بالميزانية العامة باعتبارها عاملًا مهمًا في تخطيط سفرهم، في حين أن 48 في المائة يرون تكاليف النقل مشكلة، كما أن العدد نفسه تقريبًا 45 في المائة اعتبر تكاليف الإقامة مصدر قلق.
وذكر الاستطلاع أن أكثر من ثلث المشاركين فيه قد يضطرون إلى إلغاء خطط العطلات الحالية بسبب مخاوف تتعلق بالميزانية، في حين قال 56 في المائة إن ارتفاع أسعار الوقود يؤثر «بشكل معتدل أو كبير» على قرارات سفرهم.

من إجازة... لجنازة!
إن كثرة عدد المسافرين الذين تكون مسؤولًا عنهم في رحلتك من زوجة وأبناء أو أصدقاء وغيرهم تنجم عنها زيادة المبالغ التي ستصرفها على التذاكر والإقامة في الفنادق والمنتجعات والنزل المؤجرة، ومضاعفة المصاريف المتعلقة في التنقل مثل التاكسي أو القطار أو حتى السفن البحرية والطيران الداخلي إذا لزم الأمر، وينطبق ذلك أيضًا على نوعية الطعام واختيار المطاعم والوجبات المختلفة، كل حسب ذائقته، وزيارات سياحية مكلفة وغيرها، كل هذا يشكّل عبئًا على صاحب فكرة السفر، أو الذي يتحكم بالمجموعة ويكون قائدها، فينحصر تفكيره وتُسخر طاقته في ضرورة توفير الاحتياجات الأساسية لمن حوله، ومن ثم يقتصر الترفيه على الشخص الرديف أو المجموعة المسافرة معه، فتنقلب الأمور لتصبح همًا بدلًا من راحة واستجمام.

إذن... كيف السبيل إلى سفر يوفر الراحة والاستجمام؟
إن كانت لديك القدرة المالية أو الفائض المالي الذي لا يجعلك تلجأ للاقتراض لقضاء إجازة استجمام فخذ القرار.  والوفرة المالية مرتبطة بالمكان الذي ترغب في زيارته، فأغلب التكاليف تعتمد بعد التذاكر والسكن على مصروفاتك اليومية. 
لنسافر بهذه الطريقة: نقوم باختيار دولة نحبها ومنطقة بعينها نرغب في البقاء فيها بسلام، ونشعر بالراحة لزيارتها في توقيت مناسب من السنة، فتكون هذه أول خطوة في بداية الإجازة، ثم نقرر هل سنسافر وحدنا، وهو الأمتع، أم مع شخص ثان لا أكثر يكون قريبًا لنا نفسيًا وفكريًا وذوقيًا أو نألف السفر معه،  ومن ثم نحجز التذكرة على أن تكون مباشرة قدر الإمكان للموقع المراد قضاء الوقت فيه، وضرورة اختيار الفندق على درجة عالية من الراحة والخدمات المميزة التي يقدمها لنزلائه، على أن يكون في مكان نحبه، مثلًا بين الجبال أو قرب البحيرات والأنهار... قرب حديقة أو مكتبة، وقد يكون في المدينة وسط صخب الحياة والتسوق والأعمال... كلّ حسب ذائقته. 
لا وجود لجدول الرحلة ولا أي مخططات لزيارتها، وإنما عند الاستيقاظ نهارًا تعد نفسك للنزول والإفطار ثم السير في اللاهدف... مجرّدًا تفكيرك من مشاكل تخصك أو مشاغل الحياة، فتسير أينما حلت قدماك واستهوى قلبك وتفتح حواسك للتنفس والتذوق بلا نظام غذائي معين... فلا حمية مع السفر ولا حساب لوقت معين. 
اركب أي قطار أو أي مركب أو ما يكون متوافرًا وترغب في تجربته، تفرج وتمشي... ولا تبحث عن شيء معين، فإذا أعجبك غرض ما ورغبت في الشراء فلا تمنع نفسك من ذلك. لا تضع لنفسك قائمة مشتريات أو طلبات ولا أماكن لزيارتها. استمتع بالمكان والجو والوجوه والسلع والمناظر الطبيعية والحركة والليل والنهار، وفي الطعام والطيور وكل ما حولك من أشياء. 
فقط انطلق بلا هدف... في أمان الله ■