ورددت الجبال الصدى

 ورددت الجبال الصدى

 «القصة مثل قطار متحرك: أيًا كان المكان الذي ستركب منه، فإنك ستصل إلى وجهتك عاجلًا أم آجلًا» (ص104). جعل الروائي الأفغاني خالد حسيني قطاره الروائي الثالث يتألف من تسع عربات/ فصول.  اختار أن يبدأ بحكاية يرويها صبور لولديه عبدالله وباري عن غول أجبر إحدى العائلات الفقيرة على اختيار أحد أبنائها ليأخذه معه وإلا سيأخذ كل الأبناء، وقد وقع الحظ على الابن الأصغر، الأحب إلى أبيه، الذي سيفقد لاحقًا كل رغبة في الحياة من فرط ندمه، فيقرر أن يذهب إلى قصر الغول ليقتله، لكنه سيكتشف أن ابنه مع الكثير من الأطفال يعيشون حياة رغيدة بهيجة، وعندما يخيره الغول بين ترك ابنه في القصر وإعادته معه إلى حياة الفقر والجوع يختار الخيار الأول.

 

سوف يتضح أن الحكاية الخرافية السابقة تمهيد لحدث مشابه لها في الواقع، إذ يحكي الفصل الثاني عن سفر صبور مع ولديه من قريتهم شدباغ إلى كابول حيث يستقبلهم نبي، ويوصلهم إلى قصر مخدوميه، حيث يلتقون السيد والسيدة وحدتي، ويتبين لاحقًا لعبدالله أن شقيقته باري التي ماتت أمهما أثناء ولادتها، وتولاها هو بالرعاية، سيتم تبنيها من قبل أصحاب القصر. وحكاية فراق الشقيقين هي جذع الشجرة الروائية التي انتقى خالد حسيني حكايات عدة أغصان منها، ولو أراد أن يحكي عن كل فروعها وأغصانها المتشابكة لما انتهى.

الغيرة والجريمة
الفصل الثالث يحكي عن التوأمين معصومة وبروانة، معصومة التي تلفت انتباه كل من يراها بجمالها وخفة دمها، وبروانة التي لم ينتبه إليها أحد، حتى صبور الذي كانت تحبه من طرف واحد، وعندما اكتشفت أن أختها معصومة تحبه وتتوقع أن يطلبها للزواج تسببت في وقوعها من دون أن تعرف من أعلى شجرة، ما أصابها بشلل سفلي. وتكفيرًا عن ذنبها تتولى بروانة رعاية أختها معصومة المشلولة، خاصة بعد وفاة والديها، وحصول أخيهما نبي على عمل ممتاز في كابول التي زارتاها معه مرة واحدة.  
وتحت إلحاح معصومة يذهب التوأمان وحدهما إلى كابول، وفي منتصف الطريق تطلب معصومة من أختها أن تتركها بنية الانتحار، فتعود وتتزوج من صبور الذي سبق أن طلبها من أخيها نبي، وبعد تردد توافق وتنجب لهما ولدًا اسمه إقبال.

الحب المحرم
الفصل الرابع مروي بضمير المتكلم على شكل خطاب يوجهه نبي إلى السيد ماركوس، وفيه نتعرف على حكاية نبي الذي غادر قريته ليعمل في كابول لدى السيد سليمان وحدتي، الذي سيتبين لاحقًا أنه أغرم به، وإن لم يفصح له إلا متأخرًا بعد أن أصيب بسكتة دماغية أقعدته، ومع ذلك يبقى نبي يرعاه حتى بلوغهما الشيخوخة، سيساعد نبي سليمانًا على الموت قتلًا رحيمًا، وبناء على وصيته سيصبح القصر بكل ما فيه ملكًا له.  نبي بدوره أغرم بنيلا زوجة سليمان، العاجزة عن الإنجاب، والشاعرة، وسوف يساعدها في تبني باري، التي سوف تأخذها معها نيلا إلى باريس بعد أن أصيب زوجها بالشلل.

بين أفغانستان وأمريكا
الفصل الخامس يدور حول إدريس وابن عمه تيمور، وهما شخصيتان متناقضتان، وقد عاشا شطرًا من حياتهما في كابول قريبًا من قصر وحدتي، قبل أن تهاجر عائلتاهما إلى الولايات المتحدة، ثم رجعا في زيارة إلى كابول بعد سقوط حركة طالبان بهدف تحصيل العقار الذي كان يخص العائلة. يلتقيان في القصر بنبي، ويتعرفان على ممرضة تعرفهما على الطفلة الأفغانية روشي التي تعرضت لمأساة عائلية قتل فيها كل أفراد أسرتها وأصيبت هي برأسها إصابة بليغة، دفعت إدريس وهو طبيب لأن يفي بوعده لها بأن يؤمن قدومها إلى أمريكا، لكن عندما يعود إلى أمريكا تأخذه الحياة والعمل وينسى روشي التي سوف تكبر وتكتب كتابًا عن حياتها، سنعرف من خلال الإهداء أن الذي ساعدها هو تيمور الانتهازي والوصولي.

الموت والحياة
الفصل السادس يتضمن مجتزآت من حوار أجرته مجلة أدبية مع الشاعرة نيلا وحدتي، تتناوب مع مقاطع تكمل حكاية نيلا وباري بعد انتقالهما إلى فرنسا، حيث ستنتحر نيلا، وتتزوج باري بعد أن تصبح أستاذة جامعية، وتنجب ثلاثة أطفال، وتصاب بالتهاب المفاصل المزمن، وهي على أعتاب الستين، وبعد أن خفّت كثيرًا حتى كادت تختفي تلك الومضات من حياتها في كابول، والتي لم تفصح لها نيلا بأي شيء مهم عنها، يتصل بها ماركوس ويطلعها على الخطاب الذي تركه نبي.

أثرياء الحرب
الفصل السابع يتحدث عن واحد من أثرياء الحرب، الذين تكون الأعمال الخيرية واجهة يغطون بها أعمالهم غير المشروعة من زراعة المخدرات والاتجار بها والاستيلاء على ممتلكات الآخرين، وهنا بالضبط تلتقي هذه الحكاية مع جذع الرواية، إذ يستولي هذا الشخص ليبني قصره على الأرض التي كان يقوم عليها بيت صبور، الذي أصبح فارغًا بعد أن هاجر عبدالله إلى أمريكا، وإقبال مع أمه بروانة وأولاده إلى باكستان.

الغرب والشرق
الفصل الثامن مروي بضمير المتكلم على لسان ماركوس، وفيه نتعرف على حياته منذ كان طفلًا يعيش في إحدى الجزر اليونانية، يعيش مع أمه المعلمة الصارمة وحدها بعد أن توفي أبوه وهي حامل فيه، ودخول ثاليا إلى حياتهما بعد أن تركتها والدتها صديقة أمه. ثاليا تعاني من تشوه كبير في وجهها نتيجة عضة كلب، تتطور العلاقة بينهما لتصبح بمنزلة أخت له، وابنة لأمه، خاصة بعد أن ترك الجزيرة متجولًا ومصورًا في أنحاء العالم، ولاحقًا سيصبح طبيب جراحة تجميلية، ويلتحق بالعمل في كابول بعد إسقاط أمريكا لطالبان، وستكون إقامته في قصر سليمان وحدتي الذي سيؤول إلى نبي الذي سيصبح صديقًا لماركوس إلى درجة أنه يعطيه الخطاب الذي ورد في الفصل الرابع، والذي يستطيع إيصاله إلى باري، التي جاءت وأخذت من القصر خزانتها عندما كانت طفلة وكراسات أبيها.

لقاء في الوقت الضائع
الفصل التاسع والأخير مروي بضمير المتكلم على لسان باري ابنة عبدالله الذي لطالما أخبرها عن أخته التي فقدها طفلة صغيرة وحلمه أن يلتقيها، هذا الحلم الذي سيصبح أيضًا حلم الابنة، وأخيرًا يتحقق، إذ تدرك العمة باري بعد الخطاب الذي تركه لها نبي أن القرية التي تعود إليها اسمها شدباغ، وبالبحث فيها عن أخيها إقبال تعرف أن شقيقها عبدالله مقيم في كاليفورنيا التي تأتيها لترى أخاها الذي كان قد فقد ذاكرته نتيجة الخرف.
تسعة فصول تنوع فيها السرد بين ضميري الغائب والمتكلم، والكثير من الأماكن: أفغانستان، فرنسا، أمريكا، اليونان، وزمن يمتد من 1949 حتى 2010، وحكايات كثيرة انتقى منها خالد حسيني ما شكل به هذه الباقة الروائية ■