شوّام مصر عطاء ثقافي لا ينضب

شوّام مصر عطاء ثقافي لا ينضب

يُقصد بشوامِ مصر هم الشوامُ الذين هاجروا من لبنان وسورية إلى مصر على مَدى عِدة قُرون. ويُقال: إنَّ بدايات هجرة الشوام إلى مصر كانت في القرن الثامن عشر، والتاسع عشر الميلادي، وبدايات القرن العشرين، حيث بلغت ذروتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بسبب العلاقة التي قامت بين محمد علي باشا والأمير بشير الشهابي. ونود أن نشير إلى أن الأوربيين هاجروا إلى مصر شأنهم شأن الشوام قبل الحرب العالمية الأولى، وبعدها بسبب الانفتاح وتوافر سبل العيش والتجارة والاستثمار، وقد أشار الخديو عباس الثاني في مذكراته إلى الهجرات التي تمت بعد الحرب العالمية الأولى التي قدرها بآلاف المهاجرين الذين كانت سفنهم ترسو على شواطئ الإسكندرية.

بسبب هذه الهجرات الكبيرة التي أشرنا إليها ظهر ما يُسمى بمصطلح (شوام مصر) في هذه الفترة، وينتمي غالبية المهاجرين المسيحيين إلى الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وهي الكنيسة المارونية، وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك.
يُشار إلى أنَّ مُعظم المهاجرين اللبنانيين، كانوا من جبل لبنان، بينما برع مُعظم المهاجرين المسلمين من سورية في الطباعة والنشر.
انتقل ذوو بعض المفكرين الأغلبية المسيحية من سورية ولبنان إلى القاهرة والإسكندرية، التي كانت في ظل الخديو إسماعيل، المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العُثمانية، وقد كانت هناك أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، أدت إلى انتقال هؤلاء الشوام إلى مصر، لا مجال لذكرها في هذا المقال. 
وقد قام شوام مصر بدور طليعي في تحديث المجتمع وعصرنته، والانفتاح على الغرب الأوربي، وإنشاء الصحف، وتحديث الطباعة والنشر، وكذلك العمل في المهن الحرة، والمصارف، وكانوا جزءًا من الطبقة الثرية والمتعلمة، ولا ننسى دورهم في مجال الفن والتمثيل والمسرح والسينما والطرب والغناء.
وقبل الدخول في المجالات الثقافية التي أبدع فيها هؤلاء الشوام، ارتأينا أن نشير إشارة عابرة إلى سليمان الحلبي، أحد رموز المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، فسليمان الحلبي (1191 هـ/ 1771م - 1216 هـ/ 1801 م) من مواليد حلب، طالب شامي كان يدرس في الأزهر الشريف، وكان عُمره 24 عامًا حين اغتال قائد الحملة الفرنسية على مصر الجنرال (كليبر).
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن تأثيرهم الثقافي، فإنه يمكن القول بأنَّ الكتَّاب والشعراء الشوام أحدثوا ثورة جديدة في الأدب العربي، منهم خليل مطران، ونقولا فياض، ومي زيادة، صاحبة الصالون المعروف، الفلسطينية الأصل، وأسهموا مُساهمة فعالة في حركة اليقظة أو النهضة التي قامت على أربعة أسس هي: إعادة اكتشاف الكنوز المطوية، وترجمة روائع عالمية مثل: إلياذة هوميروس، التي قام بها سليمان السيتاني في القاهرة عام 1905، وإدخال أنواع أدبية جديدة كالمسرح الذي طوره سليمان النقاش، والاقتباس من الآداب والعلوم الألسنية الأوربية، لاسيما الفرنسية والإنجليزية.
وفى معرض حديثنا عن الثقافة تجدر الإشارة إلى الخطاط السوري محمد كمال حسني البابا، المعروف اختصارًا باسم حسني البابا (1312 هـ/ 1894 - 1389 هـ/ 1969) الدمشقي الأصل، الذي لُقبَ بـ «أمير الخط العربي»، هاجر إلى مصر عام 1912م، ومنحه الرئيس جمال عبدالناصر الجنسية المصرية عام 1965 أي قبل وفاته بأربع سنوات، وهو والد الفنانتين سعاد حسني ونجاة الصغيرة.

في المجال العمراني
ومن آثار شوام مصر في المجال العُمراني، كاتدرائية (سانت كاترين) في مدينة الإسكندرية، وهي كاتدرائية رومانية كاثوليكية، بُنيت بين عامي 1847 إلى 1856م، وهي أيقونة معمارية، يزيد عُمرها على 160 عامًا.
ومن آثارهم المعمارية كذلك قصر السكاكيني في ميدان السكاكيني بالقاهرة الذي بناه حبيب باشا السكاكيني عام 1897م، وصممه المهندس الإيطالي: بترو أفوسكاني.
وفى المجال التعليمي أنشأ شوام مصر مجموعة من المدارس ذات النمط والمناهج الأوربية، ومن أشهر المؤسسات التعليمية التي أنشأوها كلية (سان مارك) في الإسكندرية بالفرنسية (College Saint Marc)، وهي إحدى المدارس الكاثوليكية التي تدرس جميع المراحل الدراسية ما قبل الجامعة. وقد أنشئت هذه الكلية في 6 أكتوبر 1928، وهي للذكور فقط.
أما في مجال المكتبات ودور النشر، فإنه يجدر الإشارة إلى ثلاث مؤسسات في هذا المجال:
الأولى: هي السلفية، ومطبعتها بمصر التي أسسها الكاتب والصحفي والمحقق والداعية الإسلامي السوري مُحب الدين الخطيب (1886 - 30 ديسمبر 1969م)، المولود في حي القيمرية، أحد أحياء دمشق القديمة عام 1886، وغادر دمشق عندما دخلها الفرنسيون عام 1920 إلى القاهرة، وأسهمت هذه المكتبة في طباعة الكُتب التراثية، والنشرات، وتحقيق كُتب التراث الإسلامي.
الثانية: هي مطبعة البابي الحلبي الشهيرة، وصاحبها مصطفى البابي الحلبي، والتي طبعت المؤلفات والكتب المهمة وأمهات كتب التراث العربي، والواضح أنَّ هذه المطبعة تحولت إلى مكتبة، مع احتفاظها بدورها الأصيل الذي بدأته وهو الطباعة. وقد تُوفي صاحب هذه المطبعة والمكتبة مصطفى البابي الحلبي في 4 أبريل عام 1932.
والثالثة من المؤسسات الأخرى التي أسسها شوام مصر، هي: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، التي أسسها الحاج عبدالقادر محمود البكار عام 1973 بمدينة حلب في سورية، واستمرت فيها حتى عام 1980، ثم انتقلت إلى القاهرة، وهي دار نشر متكاملة، تضم المطبعة والمكتبة، وبعض الأنشطة الأخرى، التي تظهر في المسمى الرسمي للدار، وافتتحت لها فروعًا أخرى في القاهرة والإسكندرية.

مجلات وصحف
وإذا انتقلنا إلى المجلات والصحف التي أنشأها شوام مصر، فإنه يحسن أن نسجل أنَّ يعقوب صروف أصدر مجلة (المقيطف) في بيروت عام 1885، وأصدر أيضًا يعقوب صروف، وفارس نمر (المقطم) سنة 1889، ومنع نشر هذه الجريدة في ربوع سورية ولبنان.
ومنهم كذلك: فرح أنطون (1291 هـ / 1874 - 1340 هـ / 1922)، أديب وروائي وكاتب مسرحي، وصحفي لبناني، وُلِدَ في طرابلس بلبنان، وسافر إلى الإسكندرية، وأصدر مجلة (الجامعة العثمانية) عام 1899م، وأصدر مجلة (الجامعة)، وتولى تحرير صحيفة (صدى الأهرام) ستة أشهر.
وأصدر سليم النقاش (المحروسة)، وأنشأ محمد رشيد رضا (المنار) سنة 1897م، وأسس بشارة وسليم تقلا جريدة الأهرام في 5 أغسطس 1876م.
وأصدر جورجي زيدان اللبناني الأصل مجلة (الهلال) عام 1892م.  ومن الصحفيين الشوام فاطمة اليوسف المولودة في طرابلس لبنان عام 1897م صاحبة مجلة (روز اليوسف) التي صدرت في القاهرة عام 1925م وأم الروائي إحسان عبدالقدوس وزوجة المسرحي الكبير الدكتور زكي طليمات ■