الزربية المغربية أنامل نسائية أبهرت العالم

الزربية المغربية أنامل نسائية أبهرت العالم

من منا لم ينبهر بجمال زربية مغربية، إنها تحفة مغربية بصناعتها ونسجها المتقن وألوانها الطبيعية.  ورغم أن الجمال أمر ذاتي إلا أن جمال هذه الزربية يظل موضوع إجماع، لهذا فهي تحظى بصيت دولي. والزربية تدخل ضمن الفنون الشعبية لأن أغلبية الناس يشاركون في صنعها، وهي تختلف من حيث الحجم والزخارف، لكنها تتشابه في المواد الأولية التي تستخدمها، فجميعها يستخدم الصوف الخالص أو القطن. وتصبغ بألوان طبيعية كالحناء والزعفران والرمان والقرفة.

 

وقد اشتهرت الزرابي في المغرب، بأنها تنجز بأنامل أنثوية، إذ تنجز النساجة المغربية للزربية المحلية أعمالًا رائعة تستغرق وقتًا طويلًا، ويتطلب منها ذلك تعبئة طاقات فكرية ومهارية تستحق التقدير. ورغم أن هذه الزربية غاية في الإتقان وزاخرة بالرموز التعبيرية، فإن رأي البعض ما زال يتأرجح بين اعتبارها تحفة فنية أو عملًا يبقى جميلًا، لكنه لا يرقى إلى مستوى الإبداع الفني. ويبقى السؤال مطروحًا: هل النساجة ومثيلاتها ينتمين إلى الفنانين المبدعين أم لا؟! المؤكد أنهن مبدعات، وإن كن لا ينتمين إلى مدارس إبداعية، فهن مبدعات بالفطرة، باختيارهن لألوان متناسقة، ورموز تعبيرية ذات دلالات ومعان ترتبط بحالتهن النفسية، وبمناسبات نسج الزربية، فزربية العروس - مثلًا - ليست كغيرها من الزرابي. وزرابي الأرضيات ليست كزرابي الجدران، وزرابي المساجد والقصور والفنادق والرياضات ليست كزرابي المنازل والدور، فلكل زربية خاصيتها وجماليتها.
والزربية هي إحدى الوسائل المستعملة للتعبير الشعبي التي استطاعت الحفاظ على أصالتها، فنظرًا لكونها إنتاجًا تختص به المرأة المغربية عمومًا، فهي مساهمة عملية وفعلية منها في الحياة الاجتماعية والثقافية، استطاعت من خلالها أن تعبر عن مشاعرها وأفراحها وأحزانها وطموحاتها وقوتها الإبداعية.
 إن ما تحمله الزربية مـن عناصر الزخرفة من رسوم وألوان ورموز هو وليد الإلهام الشخصي للمرأة النساجة، استقته من المخزون الثقافي المتوارث أبًا عن جد.  ولإنجاز عملها لا تعتمد النساجة إلا نادرًا على نماذج مهيأة مسبقًا، وبهذا فكل بداية عمل تعتبر بالنسبة إليها رحلة نحو المجهول تتجدد باستمرار، وعلى الرغم من تعدد أنواع الزرابي المغربية فإنه يمكن حصرها وتصنيفها إلى مجموعتين كبيرتين هما: الزرابي الحضارية والزرابي القروية أو البربرية.

أنواع الزرابي المغربية:
1 - الزرابي الحضرية:
تدخل في هذه المجموعة الزرابي ذات الأصل الواحد، وهي الزرابي الشرقية والفارسية التي تصنف ضمن فئة الزرابي الدقيقة جدًا (من حيث التصميم والتنفيذ)، ومع ظهور هذين النوعين ظهرت رسومات جديدة وتنسيقات في الألوان أغنت الوسائل التعبيرية المختلفة. ومن أهم أنواعها:
- الزربية الرباطية: هذا النوع من الزرابي هو من تراث الغرناطيين القادمين من الأندلس، استطاع أن يندمج في النمط التزييني المحلي حيث أخذ منه رسومًا مستلهمة من الحيوان والنبات وتعرف الزربية الرباطية بأرضيتها الحمراء المزخرفة إما برصيعة وعناصر دقيقه متفرقة، وإما بإطار مركزي مزخرف يسمى القبة، ويتم إنجاز وتنسيق ألوان هذه الزربية بعناية كبيرة.
- الزربية المديونية: هي زرابي الدار البيضاء المعروفة تاريخيًا بمنطقة مديونة، وهذه الزرابي في الأصل اقتباس شرقي، وهي على عكس الزربية الرباطية تنفرد بالأهمية المعطاة لمساحتها الداخلية. والزربية المديونية أكثر زخرفة من غيرها من الزرابي المغربية، وهي تتوافر على رصيعات متعددة لا تترك لأشرطة الإطار سوى مجال ضيق. وتنسج هذه الزربية بعناية فائقة، ومن الألوان الحاضرة بقوة في زربية مديونة الأحمر والأزرق والأصفر والبرتقالي والأسود والأبيض والأخضر.
2 - الزرابي القروية:
إذا كانت هذه الزرابي في الأصل إنتاجًا نفعيًا فلا يخلو طابعها مع ذلك من تعبير فني غني في زخرفته، فالرسوم والأشكال تكون فيها تارة بسيطة وتارة أخرى عالية التركيب، فشكل المعين على سبيل المثال يميز جل زرابي الأطلس المتوسط، وكثافة استعماله تختلف من قبيلة إلى أخرى.   
ويمكن تقسيم هذه الزرابي إلى ثلاثة أنواع:
- زرابي الأطلس الكبير: تنتج هذه الزرابي خاصة في قبائل الكلاوة وآيت أوزكيت، وتحمل أسماء قبائلها الأصلية.  والرسوم تكون فيها عبارة عن أشكال هندسية وفي غالب الأحيان تأخذ شكل مثلثات أو مربعات أو معينات وتستعمل دائمًا منفردة أو مندمجة وفي إيقاع تحدده النساجة. وتحتوي هذه الزرابي أحيانًا على رسوم تشخص أشكالًا إنسانية أو حيوانية.
- زرابي الأطلس المتوسط: لقد حافظ هذا النموذج من الزرابي على طابعه الأصلي الذي تختلف فيه تقنية الإنتاج والزخرفة من قبيلة إلى أخرى. والمراكز الرئيسية التي تنتج فيها هذه الزرابي هي زمور زعير وزيان وابني مكيلد وآيت يوسي وابني وارين. 
ويتوافر هذا النوع من الزرابي على تشكيلات هندسية تماثلية لا تكتنفها أية رتابة، فزرابي آيت وراين بإقليم تازة مثلًا بسيطة لكنها راقية، مميزة بتلاعبها الفني باللونين الأبيض والأسود، واستخدامها لأشكال هندسية مثل المستطيل، المعين، المربع والنقط… تستخدم في الغرف بكل المقاسات والأحجام، إنها قطعة فنية تتماشى مع كل المساحات وتعطي إحساسًا بالشساعة.
- زرابي حوز مراكش: أجمع الباحثون على حصر قبائل حوز مراكش في منطقة تانسيفت. ويتعلق الأمر بقبائل الشياظمة والرحامنة وأولاد بوسبع، وهذه القبائل هي القبائل العربية الوحيدة المعروفة بزرابيها التي لا تمت بصلة إلى الزرابي الشرقية. وتعتبر هذه الزرابي من الأنواع النادرة التي تدرج في تقنية نسج الزرابي أشرطة من دون عقد، كما أن الأسدية المستعملة فيها تتكون دائمًا من خليط الصوف وشعر الماعز أو من شعر الماعز فقط. وزخرفة هذا النوع من الزرابي لا تخضع لأي قالب، لهذا يمكن اعتبارها نموذجًا للتعبير الشخصي الحر.
ويمكن إدخال زرابي المغرب الشرقي ضمن مجموعة الزرابي القروية، وتنجز هذه الزرابي في قبائل بويحيى وابن بوزكو، ولهذا النوع من الزرابي مساحة كبيرة.

الزربية المغربية طاقات بشرية مهمة
ليست المرأة الحضرية فقط من تسهم في مصاريف البيت وتساند زوجها في أعباء الحياة، بل لعل نظيرتها القروية فعلت ذلك قبلها منذ سنين خلت، وساهمت بذلك في الاقتصاد الأسري، حيث كانت المرأة تقوم بنسج الزربية ليقوم زوجها ببيعها في السوق الأسبوعي، وبما تحصل له من مال يشتري مؤونة المنزل من مواد أساسية كالزيت والسكر والدقيق والشاي، ومنهن مَن كن يتكلفن بمصاريف مدارس الأبناء بعد أن يعجز الزوج عن إرسال أبنائه لإتمام الدراسة في المدن، حيث كان يتطلب الأمر مصاريف زائدة لا طاقة له بها، فتتكلف الزوجة بها، فتجدّ في نسج أكبر عدد من الزرابي حتى ترسل إلى فلذة كبدها المال الكافي للدراسة والتحصيل العلمي.
إذًا، بفضل الزربية والأنامل النسائية تخرّج الفقيه والمحدث والطبيب والكاتب والمحامي والأستاذ وغيرهم من الكفاءات التي ساهمت في نهضة البلد.
 وحتى اليوم ما زالت الزربية تسهم في الاقتصاد الأسري والمحلي والوطني بفضل مجهود العديد من التعاونيات التي أخذت على عاتقها الرقي بالمستوى الاقتصادي للمرأة، خصوصًا القروية، وفك العزلة عنها وكذا الحفاظ على الموروث الثقافي المتمثل في الزرابي المحلية للمنطقة.  وتقدم هذه التعاونيات الدعم للنساء اللائي يشتغلن في قطاع النسيج والزرابي، كما تهدف إلى تحسين وضعهن المعيشي من خلال مشاريع إنتاجية وخدماتية صغيرة مدرة للدخل في قطاعات من قبيل تربية المواشي وإنتاج العسل وتربية الدواجن والأرانب وإنتاج الكسكس وصناعة الحلويات.  وتهدف هذه التعاونيات إلى توفير فرص العمل للحد من البطالة والفقر وتفعيل دور المرأة في خدمة المجتمع والبيئة ودورها في التنمية الشاملة، كما أنها مكنت النساء من الاعتماد على أنفسهن وتثمين منتوجاتهن وتطويرها، وبالتالي فك العزلة عنهن وتحسين أوضاعهن الاجتماعية والمادية والحفاظ على الموروث الثقافي المحلي ومنه الزربية.
 إن تدني الإقبال، وجشع الوسطاء وأصحاب متاجر التحف، وغياب قانون تنظيمي للقطاع، ومنافسة الزربية الاصطناعية، وغياب الرؤية والمنظور المستقبلي وضعف التسويق كلها عوامل تدفع عددًا كبيرًا من الصانعات التقليديات إلى ترك هذه الحرفة.  وفي غياب أية مبادرة ستختفي الزربية اليدوية النسج من الوجود، وباختفائها سيكون جزء مهم من التراث المغربي عرضة للضياع إلى الأبد.  هذا ما يلوح به المستقبل بناء على معطيات الحاضر، لكن السجاد المغربي استطاع المحافظة على استمراريته بل تطور، حيث بدأ تاريخَهُ حنبلًا بسيطًا يستعمله الناس لدواعي الضرورة إلى أن استقل سجادًا نفعيًا فنيًا بلغة وأشكال متنوعة أخّاذَة فيما بعد، أليس هذا بقادر على أن يكون مهيأً لمواجهة التحديات التي يفرضها عليه المستقبل ومنها المنافسة!
كذلك فغَزْلُ الصوف، ونسْجُ خيوطه، وتنسيق ألوانِه لحياكة الزّرابيّ، لم تكن محضَ حرفة تقليدية تسرق من عمر كلّ نساجة أيامًا وشهورًا طويلة، بل شكّلت لهن مُتنفَّسًا، يتقمّصن فيه دور الكاتبات والرسّامات اللواتي تشرع أمامهن صفحات ليدوِّنَّ فيها ما يعتصر مشاعرهن، في تلك اللحظات، ويكتبن تاريخ القبيلة الممتد لعصور، وينقشن رموزًا تحيل على تصوّراتها وطقوسها أشكالًا دالّة على معتقداتها المتوارثة فلا يمكن لهؤلاء النسوة التنكر لجزء من تاريخهن وأحلامهن دون التفكير في وريث يليق بهذا التراث ■