أمثال من الماضي لا تصلح للحاضر

أمثال من الماضي لا تصلح للحاضر

أُتخم النشء العربي بمقولات جمة آمن بها أولياء الأمور، ما بين حِكم ونصائح، وأحيانًا آراء لعلماء دين باختلاف توجهاتهم، وأدباء وشعراء وفلاسفة عبر العصور، وأمثال تم تداولها عبر التاريخ والسنين. 
ومع تغير الزمن منذ أول كتابة اكتشفت في الحضارة السومرية قبل 3400 سنة قبل الميلاد لزماننا هذا، وبعبورنا عوالم الإنترنت الفارهة، وكثرة الولوج لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، زاد الاهتمام بالاتصال بالآخر وإبراز الأنا في سباق محموم يعرض كل شخص فيه ما يميّزه وما يطرحه من أفكار يؤمن بها، كلها نتاج دمج جميع الخبرات والمقولات السابقة عبر التاريخ البشري، لينشر على منصات وتطبيقات مختلفة، مثل تويتر والفيسبوك والإنستغرام وكذلك التيك توك وأخرى كثيرة ما بين نصٍ مكتوب وفيديو محمول.
قليل من تعمّق بما يدار من تكرار لهذه المقولات الأثرية، ولكن مهلًا... هل فكرنا بما ننقل كل هذه السنوات من أناس وحضارات سادت ثم بادت؟
في أحد الأمثال الكويتية يقال: «مد رجولك على قد لحافك»، وبمثل المعنى بالمغربية: «على قد فراشك مد رجليك»، هذا المثل كان يطلق أيام العوز والفقر في البلاد العربية قديمًا، لكن عندما نمعن النظر نجد أن فيه قتلًا للطموح والآمال بألا تتعدى أصابع قدمه اللحاف ويبقى مغطى راكنًا في الظل والدفء، في حين أن الوقت الآن يتطلب منا الانطلاق للتطور والمنافسة والتحدي وبلوغ التميز.
وكذلك ما قيل في المثل: «حلاة الثوب رقعته منه وفيه»، بينما الواقع يقول إن جمال الثوب بلا رقعة ولا إصلاح وإنما يكون بالتخطيط الجيد والبناء المتين.
ويتردّد مثل في سورية: «إذا بدك يكبر همك، خود واحدة قد أمك»، فنجد الفتيات في بلادنا العربية غالبًا ما يتزوجن في عمر مبكر، ويكون أبناؤهن في العشرينيات والثلاثينيات، ونرى الأم في شبابها الأربعيني أو حتى الخمسيني تزهو بالنضج والهدوء والحكمة، وتكون أركز من بنت العشرين، بل وتعتني بذاتها لدرجة لا تفرق بينها وبين ابنتها التي تميل للعناد والعصبية والواقعة تحت ضغط المغريات والنزوع للحرية بعيدًا عن الأهل ومتطلبات العصر الجديد.
وبالمصري يقال: «اقلب القدر على فمها تطلع البنت لأمها»، فاليوم تخرج الفتاة بشخصية قوية ومعتمدة على ذاتها وتربيتها وثقافتها ومستقلة تمامًا عمّا عاشته والدتها وجدتها، فالمجتمع يتغير والثقافات تتقارب وتتداخل وما كان محظورًا في زمن والدتها مثلًا (كالهاتف) أصبح عاديًا ومرغوبًا في يد كل بنت للاطمئنان والتواصل... إذن فكل المقولات والأمثلة السابقة هي مقولات عفى عليها الزمن. 
وأخيرًا يقول الإمام علي بن أبي طالب (): «لا تربّوا أبناءكم كما رُبيتم، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم». وما أدرانا ما سيكون شكل المسموح القادم وكيف ستكون التربية لأجيال ما بعد 2023، فلا شيء يبقى ثابتًا أبدًا ■