خلال حوار لم ينشر مع قيثارة فلسطين وشاعرها المترجِّل د.جميل علُّوش: الحداثة ظاهرة أخذت من اهتمام الناس أكثر مما تستحق

خلال حوار لم ينشر مع قيثارة فلسطين وشاعرها المترجِّل د.جميل علُّوش: الحداثة ظاهرة أخذت من اهتمام الناس أكثر مما تستحق

إذا كان شاعرنا العربي الكبير عبدالكريم الكرميّ «أبو سلمى» زيتونة فلسطين وجذعها النازف المنتفض، فإن شاعرنا الدكتور الأستاذ جميل علوش، لهو بحق سنديانة الوطن السليب وقيثارته التي لم تهدأ يومًا عن بثِّ آمالها وآلامها وهو يقف بكبرياء يغالبه تطلّع واقتدار على المواجهة والصمود!
فقد استطاع شاعرنا علوش، عبرَ هذا الحوار الذي لم ير النور من قبل، منذ ترجله 2004م، فقد وضع عدة نقاطٍ مهمةٍ، فوق حروف مُهمَلة باشتياقٍ وحنينٍ ومصارحَةٍ عاليةٍ لا تنقصها جرأة. رجل أمضى عقودَ عُمره في خدمةِ اللغة العربية، سادنًا منافحًا عنها شعرًا ونثرًا، في مسيرةٍ طويلةٍ بحثًا عن جديد جيد، مفيد ومُثر،ٍ تواصُلًا مع ماضٍ عريقٍ، وتطلعًا مع حاضرٍ مُترَدٍ نازفٍ، لكنه مكابر عنيد!

 

شاعرنا المربّي واللغوي العاشق المعشوق، شاهدنا على مراحل القضية المقدسة منذ وعاها ووعته، ومنذ اقتلعته رياح النكبة وسَفَتهُ رمالها، وهو يتدحرج كعرجون نخل تلهو به رياحُ الغربة، ويحمله الطموح فوق شراعٍ حزين متنقلًا به من شاطئ لشاطئ عبر تخوم وطنه العربي الكبير! فيحيا الحنين بين ضلوعه ويشدّهُ الانتماء فيصبح ريشة تقطر حبرًا مبدعًا في لحاف فضائنا المزمجر.
هكذا كان فارسنا المغوار مُعينًا لا ينضب وزادًا لم ينقطع ونطاسيًا غيورًا على لغته، ما إن يطرق سمعه لحنًا إلا وينبهُ صاحبهُ إلى الصحّة اللغوية برفقٍ ولينٍ وأناة، وهو ما دفعه إلى تدوين الخطأ الشائع وصوابه في كتاب، فكان - يرحمه الله بعمله هذا - مشروعًا لغويًا متكاملًا بل منهاجًا نهضويًا لُغويًا، ترك بصمةً مميزةً على ساحة اللغة في بلاد الشام على الأقل، تاركًا لنا حصادًا مميزًا من الكتب والمصنفات التي وعت علوم العربية ورعتها فكانت مفاصل لُغويةً للعالِمِ والمتعلّم معًا.
نافت كتبه عن الثلاثين مؤلفًا وعنُوانًا، مناصفة بين النتاج الشعري والعلمي والترجماتي بمعيار بياني... كابن الأنباري وجهوده النحوية، وعمر أبو ريشة شاعر من شعراء العصر، الحداثة بمعيار بياني. وهكذا كان راحلنا جنديًا حارسًا على تخوم اللغة، وسادنًا أمينًا تغردُّ اللغة في جناحيه، من ملامح القصيدة العربية، وقد سوّر كتبه بما يزيد عن عشرة دواوين شعرية، تجلّت فيها نظرته وفلسفته الإنسانية، واشتباكه الحياتي. 
وقد تيّمته بحبها فأوسعها عشقًا حتى أقرت له بذلك بين معارفه علماء ومتعلمين، فسلام على (أبي سالم) في موكب الخالدين، سلام على عاشق اللغة ومتيّمها المتين فوق أرض الشام وطن العروبة والإسلام.
لقد كان علوش أكثر من شاعر وأكبر من أديب، مما أهله لتشكيل ظاهرةٍ أدبيةٍ لافتة، انبنت على أكتاف جيل الرواد الإحيائيين الأعلام الكبار: اليازجي والبستاني، طه حسين وشوقي، حافظ ومطران والمعري وبدوي الجبل وأبو ريشة وغيرهم مما بعث الروح في جسم الحركة الأدبية في شرق الوطن وغربه، معيدًا لها رونقها الجميل!
مع شاعرنا الراحل الذي حمل راية القومية العربية جنبًا إلى جنب، مع شاعرها وبلبلها رفيق دربه الذي جمع القدر بينهما فرحلا معًا تضامنًا ومصداقية لنبضهما المشترك حرصًا على أمتهما الماجدة المكابرة، الصابرة على جمر التحدي وشعلة الأمل! فمع رفيق دربه حامل مشعل القومية ابن الكويت الشاعر البار: أحمد السقاف، يقفُ المرءُ منصفًا. وكم كنت صادقًا في نعيك، الناعي لابن فلسطين، حين قلت فيه:
أنت صنوٌ لأمير الشعراء    
    شوقي والخوري وإيليا تماما
يا أبا التَّبيانِ حيّاك الحَيا
    ولتَعْش للضَّاد حِصنًا مُستداما
يشهدُ التاريخُ قد خلَّدت في
    شِعرَكَ الرائعِ أشعارَ القُدامى
هذه الأجيالُ لن تسلوَ من
    أمضى في تعليمها خَمسينَ عاما
شِعرُكَ الخالدُ صوتٌ صارخٌ
    يُلهمُ الأَجيالَ كي ترعى الذِّماما
كي يهبُّوا للمعالي قُدُمًا
    بقوافٍ تُضرِمُ القلبَ اضطرَاما

• ماذا عن بداية الشوط؟ المؤثرات والمنعطفات؟
- ولدت في مدينة بير زيت/ فلسطين في (12/6/1937م)، وبير زيت مدينة جميلة تكسوها أشجار الزيتون وقد تعلقت بها وقلت فيها شعرًا كثيرًا أذكر منه هذا البيت اللطيف:
إني لأعشق كل ما في قريتي
    حتى سواد ظلامها وضبابها
تعلمت في مدرستها الابتدائية ثم أنهيت الدراسة الثانوية في الكلية الأهلية في  رام الله.
كان الوالد إبراهيم سالم علوش - رحمه الله - مولعًا بالعلم والشعر والثقافة على الرغم من أنه لم يُتَح له أن يدرس أكثر من الصف الأول الابتدائي، لكنه كان غاية في الذكاء والألمعية، فيحفظ نماذج من شعر المتنبي وعنترة العبسي ومقاطع في الشعر المعاصر، كما كان يحفظ أنماطًا من القرآن والإنجيل.
في هذا الجو نشأت، فكنت أقرأ الشعر وأحفظه، ثم توجهت إلى النحو وأتقنته منذ كنت صغيرًا، بسبب تعرفي على مدرس لبناني نابغة اسمه (جميل فاخوري)، كان لغويًا شاعرًا وقد ترك أثره فيّ، حتى أني كتبت عنه فصلين في كتاب صدر لي بعنوان: «من جدل النحو والإعراب».
ومن البدايات التي يجدر بي ذكرها علاوة على ما سبق، بكلية بير زيت ومدرسة ثانوية كانت تقوم بنشاطات أدبية جمّة، وكان يبرز في هذه النشاطات شاعر وطني من أقارب أصحاب المدرسة هو الشاعر «كمال ناصر»، الذي اغتالته يد الغدر في لبنان بتاريخ (10/5/1973م)، كان المرحوم كمال شاعرًا وخطيبًا انغمس في السياسة ورشح نفسه للانتخابات النيابية الأردنية مرتين وقد استمعت إليه وهو يدعو إلى نفسه فأعجبت به، وحينما توفي رثيته بقصيدة عصماء تبلغ زهاء (120) بيتًا ومنها هذا البيت النادر:

لله عقد الثائرين كأنما من
    سِلكهِ انتثرت ثلاثُ جواهر

• الحداثة... لوثة أم نعمة، ما موقفكم منها؟
- الحداثة ظاهرة عجيبة غريبة أخذت من اهتمام الناس أكثر مما تستحق، ولقد لاحقت هذه الظاهرة وكتبت عنها وتحدثت فيها وهي تحمل في التناقضات ما يعجز عنه القلم ولا بد من إبداء هذه الملاحظات:
أ- يطالب رواد الحداثة بتوسيع ثقافة الشاعر بحيث يطلع على علم النفس والتصوف والفلسفة وكل غريب عجيب في العلم والثقافة ثم تراهم يقصِّرون في طلب علوم العربية فيهملون النحو والعروض واللغة وهي ألزم للشاعر من غيرها أليس هذا تناقضًا.
ب- يُدخلُ أدونيس أبا تمام في الشعراء المحدثين، ثم ينفي شوقي، وأنا خبير بالشاعرين، فلا أرى مُسوّغًا لما يفعله أدونيس فهل عنده من بيان؟
ج- ثم ترى أدونيس بعد ذلك يخلع عباءة الحداثة على الجواهري وبدوي الجبل وليس لذلك في سبب إلا المجاملة، أو لأن كلًا منهما علويّ مثل أدونيس وإلا فكيف يكون ذلك والجواهري وبدوي الجبل يُجلاّنِ شوقي إجلالًا عظيمًا.
د- خرّجت الحداثةُ شعراءَ كثيرين، ومع ذلك لا تجد أحدًا منهم يجلُّ الآخر فلا محمود درويش ولا البياتي ولا نزار قباني، كان يرى أن أحدًا من هؤلاء يستحق التقدير، وكان كل منهم ينفي من قيمة الآخر كما غضَّ شكري في المازني والعكس وكما غضّ أحمد زكي أبو شادي في العقاد وزمرته وغضّوا هم منه.
هـ - فالحداثة ظاهرة ليس لها معيار، وكل شيء ليس له معيار لا بد أن ينهار.
إنني لا أؤمن بكل ظاهرة تغض من قيمة اللغة العربية والنحو والفصاحة وتحتقر التراث وأربابه وأعلامه، ولا شك أن كل من يشكك في أحمد شوقي هو رجل منحرف المزاج له غايات وأهداف.

• ماذا عن تضاريس الخريطة الشعرية، وأنتم أحد ملامحها البارزة؟
- يشكو الشعر في هذه الأيام من خمود في ناره، وركود في ريحه، لقد رفع لواءه مدة من الزمن شوقي وحافظ ومطران، وتوفي هؤلاء فخلفهم الأخطل الصغير والجواهري وأبو ريشة وبدوي الجبل، وتوفي هؤلاء فبقيت الساحة خالية لدعاة الحداثة الذين انتشروا في عالم العروبة كما ينتشر الجرَاد، وأصبح يزعم الشعر من لا يحفظ منه بيتًا واحدًا، ولا يقيم وزنًا ولا يعرف نحوًا، وهكذا طغت ظاهرة الحداثة على عالمنا العربي، كأنما كان مقصودًا بها أن تخمد نيران الشعر، وتكتمَ أنفاسه فصرنا نسمع حديثًا كثيرًا عن الصدق والانفعال والتجربة النفسية والتجديد والحداثة والتحديث، ولم نعد نسمع حديثًا عن الإتقان وصفاء الديباجة وقوة الصياغة وفصاحة اللغة، وهكذا اندثر الشعر الأصيل وذهبت ريحه وصار يتحدث في الشعر من لا يجيد القراءة، ولا يعرف الوزن، ولا يحفظ بيتًا في الشعر الأصيل. 
كان الشاعر مدرسة متنقلة تنشر العلم واللغة والوطنية فأصبح قبرًا تنتشر منه ريح الموت والعفن، وفي المدارس لا تستطيع أن تجد مهما حاولت راوية للشعر ولا من يحسن قراءة هذا الشعر حتى بين المدرسين، ولذلك صاروا يشغلون أنفسهم بتفسير الألفاظ الغامضة وشرح معاني الأبيات، دون أن يلتفتوا إلى وزن أو لغة أو قراءة جيدة، وهي عمود هذا الفن، وصار الحديث عن التجديد هو أولى الأولويات في هذا الميدان، والسؤال هو: من أين يأتي الجديد والتجديد لأناس لا يجيدون القراءة، ولكل ما أوضحت سهل الادعاء وكثرت الدعاوى وكثر مدّعو الشعر والشاعرية في كل البلاد العربية.
ولا يصدق على هذه الحال مثلًا كما يصدق المثل القائل: أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا (الطِحنُ بكسر الطاء هو الطحين).

• شعر المناسبات له نصيب من نتاجكم، ترى ماذا يمثّل لكم هذا اللون؟
- شعر المناسباتِ كغيرهِ من الشعر، أما الذين يشنون عليه هجماتهم، فهم عاجزون عن فهم الشعر، ذلك أن الموضوع أو الشعر ليس له في ذاته فضيلة وليس جميع الشعراء سواء في شعر المناسبات، فشوقي شاعر مبرر له شأنه في هذا الميدان، وكذلك حافظ ومطران والجواهري، وغيرهم، إذ لم يشتهر شاعر في هذا العصر وقبله، ولم يكن شاعرَ مناسبات.
الشاعر هو الذي يرفع مستوى قصيدته في المناسبة، وهو الذي يهبط بمستواها. لقد شنَّ المحدثون غارات شعواء على شعر المناسبات، فهل ارتقى مستوى هذا الشعر؟

شعر المناسبة
إن فهم المناسبة هو المشكلة في القضية لا شعرَ المناسبة بصفة عامة، إن الذي يُنظَم في عُرُسٍ أو طهورٍ، غير الذي ينظم في قضية وطنية أو في رثاء زعيم وطني، مع أن المناسبة ليست هي سبب هبوط مستوى الشعر، إن فهم الشاعر للشعر هو سبب هبوط شعره أو ارتفاعه، إن الشاعر المشهور أحمد الصافي النجفي أعرض عن شعر المناسبات وقد انغمس الجواهري في هذا الشعر، وعلى الرغم من ذلك بقي الجواهري مُبرّزًا وتخلف عنه النجفي على الرغم من أن الثاني لم يكن شاعر مناسبات، وحينما أراد إلياس أبو شبكة أن يشيد بشعر النجفي دافع عن هبوط مستوى الفصاحة في شعره، وزعم أن الفصاحة ليست لها قيمة في الشعر، كل ذلك في سبيل الدفاع عن نفسه إذ لم يكن أبو شبكة ممن يملكون زمان الفصاحة، مما حمله الأخطل الصغير على أن يقول فيه:

أبا شبيكة والأقدار هازلة ماذا
    أحقًا نظمت الشعر أم كذبا؟
إن كنت في الوحش لا أرضاك لي ظفرًا
    أو كنت في الطير لا أرضاك لي ذنبًا

أما المناسبات التي شاركت فيها فهي تتميز بأنها مناسبات وطنية وأن المناسبة لم تكن تحملني على قول ما لا أريد قوله. فلم أكن صوتًا لحزب، أو منظمة أو دولة، ولذلك بقيت حيث أنا لأني لا أستظلّ بظل أحد.

• ترى ما دور الشعر المعاصر في مواجهة ظاهرة العولمة؟
- لا تكاد العولمة تبدّد ملامحها للناظر فهي ما زالت مشروعًا لم يكتمل. ولا شك أن فلسفة العولمة مشتقة من فلسفة الحداثة أو العكس. ذلك لأن الحداثة ظاهرة انبثقت من تأثر الدراسين العرب بالنقد السلوكي والفرنسي والروسي.
ولما كانت أسس الشعر العربي غير موجودة في هذا الشعر (أي الشعر الأجنبي) طالب النقاد العرب المتأثرون بالنقد الأجنبي، بإسقاط الوزن والقافية والسجع وكل ما لا يمتّ بصلة إلى الشعر الأجنبي، أما العولمة فهي تريد أن تسقط كل خصوصيات الشعوب، حتى تدور هذه الشعوب في فلك أمريكا التي تهيمن على مقدرات العالم والشعر العربي التاعس البائس لا يستطيع مواجهة العولمة لأنه، فقد رجولته وفحولته، فكيف يواجه العولمة؟ لقد أسقطَنا الأعداء سياسيًا فلا بِدعَ أن يسقطونا ثقافيًا واجتماعيًا مع الأسف فلا دور لهذا النوع في مواجهة العولمة، كما أن أحدًا من المسؤولين في الوطن العربي لا يريد أن يحارب العولمة أو أن يقف في وجهها.
• ما مدى تأثير الظواهر الثقافية عربيًا وعالميًا على حركة الشعر العربي؟
- مع الأسف ليس ثمّةَ من دور تقدمه الظواهر الثقافية في رفد حركة الشعر العربي، لأن المسؤولين لا يريدون لهذا الشعر أي خير، ما دامت هذه الظواهر الأدبية تنشأ في بلاد الأجانب، فأيُّ خيرٍ يُرجى منها؟ لقد أرادت السياسة الأجنبية اجتثاث كل ظاهرة عربية منعًا للتقارب العربي، أو وقوفًا في وجه المشاعر الوحدوية العربية فهؤلاء لا يريدون أية رابطة تقرب بعض العرب من بعض.
ولا شك أن الشعر العربي الفصيح الأصيل يقف في مقدمة هذه الظواهر العربية التي تخيف الأعداء ولذلك يراد له أن يسقط كما يراد للغة أن تسقط وأن تصطنع مثل بكل قطر عربي لغة خاصة به، حتى لا يبقى بين العرب شيء مشترك وأكثر من ذلك أنهم يريدون إلغاء الدين الإسلامي خشية من توحد العرب والمسلمين.
ومع الأسف فإننا لا نتخذ موقفًا موحدًا من هذه الظواهر التآمريّة العدائية، ولا بد لي من أن أشير إلى إحدى تلك الظواهر الثقافية ألا وهي «البنيوية» فهذه ظاهرة أخذت من العناية والاهتمام أكثر مما تستحق، ثم بدأت تنكشف وتبين أنها ظاهرة لا تملك أسس وجودها، وهي محاطة بالشكوك فأية فائدة ترجى منها؟!

الشاعر والناقد
• أيهما المدَينُ للآخر؟ الشعر أم النقد؟!
- الشعر والنقد موضوعان متلازمان، ذلك أنهما يقومان على أصول واحدة، فالشاعر لا بد أن يطّلع على علوم العربية وكذلك الناقد، وإذا كان الاطلاع على ثقافة أجنبية لازمًا للناقد فهو أيضًا لازمًا للشاعر وقد يكون الناقد أكثر قدرة على الحديث ووصف النظريات وطرح الآراء ولكن الشاعر أيضًا لا بد أن يكون ملمًا بأصول التراث مطلعًا على بعض الثقافات الأجنبية، وفي العصر الحديث تقارب الشاعر من الناقد، بل إن أكثر الشعراء هم نقاد، ولكن ليس في وسع الناقد أن يكون شاعرًا لأن الشعر موهبة والنقد الأدبي علم، ومن الفروق الظاهرة بين الشاعر والناقد، أنّ الناقد أكثرَ إلمامًا بأصول النقد وأكثر قدرة على الحديث عن قضايا النقد، أما الشاعر فقد يكون قادرًا على الحديث والتنظير ولا شك أن القضايا التي يعرفها الناقد علمًا وبحثًا، يعرفها الشاعر حَدسًا وذوقًا. 
لقد كان العقاد وطه حسين قادريْن على إجراء المحاورات والمناقشات ولم يكن شوقي قادرًا على ذلك ولكنه كان أدرى بجوهر الشعر في زميليه ولذلك قال العرب: من الأشياء ما تحيط به المعرفة ولا تؤويه الصفة ولا نستطيع أن نقرر من من الاثنين مدين للآخر، فليس ثمة أحد مدينًا لأحد، وكل منهما مدين لثقافته وجهده في اكتساب تلك الثقافة.
• عايشتم تيار الشعر العربي الخليجي عقدين من الزمن، ترى ما هي طوابعه الخاصة وملامحه المميزة، مقارنة بتوأمة الشعر العربي؟
- عشتُ في الكويت زُهاءَ عشرين عامًا كانت تلك الأعوام خصبةً عارمةً بالإنتاج الشعري والنحوي والنقدي، وقد كنت عضوًا في رابطة الأدباء في الكويت. 
وأقول على ما خبرت وشاهدت: إن الحركة الأدبية في الكويت والخليج هي جزء من حركة الشعر في الوطن العربي لها همومها واهتماماتها، كما أن لها جذورها وتطلعاتها وأصولها التاريخية الواحدة وكل القضايا الموجودة في الوطن العــربي لها جذور في الخليج، وعلى رأس هذه القضايا قضية الحداثة، ولستُ أرى للحركة الأدبية الكويتية أو الخليجية سمات خاصة أكثر من أنها تصف الخليج بما فيه ومن فيه وتعبّر عن همومه وتطلعاته مثلها مثل بقية الحركات العربية، والملاحظة التي أبديها هنا هي أن الأدب في الخليج يخلو من النغمة التي نلمسها في الأدب الفلسطيني والأردني مثلًا.
• جوائز الإبداع العربي، ما هو تقييمكم لها على ضوء الراهن؟
- الجوائز الإبداعية في مختلف أنحاء الوطن العربي، تؤسس قضية لا بد من النظر فيها. لقد استمعت إلى كثير من القصائد التي حصلت على شيء في هذه الجوائر فعجبت، إن لنا عقولًا تقدر وتقرر وليس فيما نرى ونسمع ما يرضي هذه العقول. إن الشك يحوم حول المحكّمين الذين ترد إليهم هذه المواد، وإلى المسؤولين عن تلك الجوائز وما يريدون وما ينوون، ولا أريد أن أُخصص فأذكر أسماء محددة ويبدو أن العلاقات الخاصة هي أساس هذه الهوّة التي ترتكس فيها تلك الجوائز، وقد يقال إن عددًا ممن أخذوا هذه الجوائز يستحقونها وأقول: إنّ هؤلاء أخذوا هذه الجوائز لشهرة يملكونها، أما المشكلة فهي تواجه الذين لا يملكون شهرة ونحن نتساءل:
1- كيف يحكَّم نُقادُ الحداثة في الشعراء الكلاسيكين؟
2- كيف تكون الحداثةُ هي شرط الحصول على الجائزة ؟
3- كيف يعينُ مُحكّمًا من لا يستطيع قراءة الشعرِ ولا معرفةَ وزنه؟
إنّ هذه الجوائز تورثُ الأضغان، وتفقدُ الأدباء الثقة بعدالةِ الآخرينَ، وأخطر ما في هذه الجوائز تعدّدها وعدمِ معرفة المقصود من كل جائزة، ولا شروط كل منها فلا بد من توفر معايير يستطيع أصحاب هذه الجوائز أن يدافعوا بها عن جوائزهم ■