الصحراء في السينما فضاء فني زاخر بالمعاني

الصحراء في السينما فضاء فني زاخر بالمعاني

الصحراء من الفضاءات التي تسحر المبدعين وتبهر الفنانين، نظرًا لما تتمتع به من مميزات تجذب الناظرين وتمتعهم بمقوماتها الطبيعية وعوالمها الجغرافية وخصائصها التداريسية، وكل هذه العناصر لها دور في تشكيل فضاء جمالي مساهم في الخلق الفني والإبداع السينمائي والتشكيل البصري. 

 

إذا كانت الصحراء مرتعًا صعبًا من حيث تضاريسها، ومجالًا قاسيًا من حيث مناخها (الجفاف، قلة الأمطار، الحرارة، ندرة الغطاء النباتي...)، فإنها تمثل فضاء فنيًا رائعًا، وقطاعًا جغرافيًا ماتعًا، يمنح المبدع السينمائي اختيارات جمالية متعددة في تعامله مع هذا الفضاء الذي يمزج مختلف العناصر الطبيعية والديكورات البصرية والمؤثرات الفيزيائية المغرية لكل عشاق الإبداع والتصوير، ومن أهم هذه الخصائص التي تلفت نظر المهووسين بالفن السابع: الشساعة، الامتداد والفراغ، عمق السراب، تنوع الألوان، انتشار الضوء، طلوع الصبح وغروب الشمس، ظلام الصحراء الدامس، حركية الرياح والعواصف والزوابع الرملية... إلخ.

وقفة مع المفهوم
الصحراء في لسان العرب «الْمُسْتَوِيَةُ فِي لِينٍ وَغِلَظٍ دُونَ الْقُفِّ، وَقِيلَ: هِيَ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ... لا نَبَاتَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الصَّحْرَاءُ مِنَ الأرْضِ مِثْلُ ظَهْرِ الدَّابَّةِ الْأَجْرَدِ لَيْسَ بِهَا شَجَرٌ، وَلا إِكَامٌ، وَلَا جِبَالٌ مَلْسَاءُ». وفي المعجم الوسيط تعرف الصحراء بأنها «أَرض فضاء وَاسِعَة فقيرة المَاء (ج) الصحارى». بينما نجد في معجم الرائد ما يلي: الصحراء «أرض واسعة لا نبات فيها ولا ماء، ج صحارى وصحار وصحاري وصحراوات». أما في معجم اللغة العربية المعاصرة فلفظ: «صَحَراءُ (مفرد): ج صَحْراوات وصَحارَى وصَحارٍ وصَحارِي: أرض فضاء واسعة نادرة الماء، مرتفعة درجات الحرارة ولا حياة فيها». نستشف من خلال هذه التعاريف أن الصحراء مرادفة للاتساع والامتداد، الفراغ والاستواء، الخلاء والخواء، فهي جرداء، خالية من مصادر الحياة: النبات، الشجر، الماء... إلخ.

الصحراء في السينما
لقد سعت السينما، منذ نشأتها، إلى تمثل الصحراء ورصدها من خلال المشاهد الفيلمية التي تركز على جمالية المكان، وفتنة الزمان، ورمزية الكثبان، فالصحراء في السينما ليست حيزًا صامتًا وكيانًا جامدًا، فقط، بل هي مرتع إيحائي يبوح بمجموعة من الأسرار النفسية والفكرية والاجتماعية المرتبطة بالشخوص وعلاقتهم بالفضاء والصراع الدرامي الذي يجري في هذا المعترك... ويستفيد المخرج السينمائي، كثيرًا، من الإمكانيات الجمالية التي يزخر بها هذا المكان، فرغم أرضها اليابسة، ومناخها الجاف، وحالة القفر والقحط التي تعرفها، إلا أنها غزيرة من حيث ديكوراتها الفنية التي تحفز السينمائيين على استثمار جمال رمالها الناعمة، وبهاء أشعتها الذهبية، ورونق هضابها المتعرجة، ونسيم رياحها العطرة، وصفاء ليلها المنير.
والصحراء فضاء شاعري يتسم بسكونيته وصمته، وهذا ما يطلق العنان للخيال والتعبير والإبداع. وإذا كانت السينما هي فن الصور المتحركة التي لا تعرف الثبات والتموضع القار إلا في لحظات معينة تفرضها الغايات الفنية، فإن الصحراء بسكونها وصمتها هي أيضًا مرتع للترحال والتنقل والحركة، «السينما صور متحركة، والصحراء فضاء متحرك، وإن التقيا صار لزامًا علينا التفكير في معنى العبور والترحال والانتقال والتحول، في معنى الزمن وكيفية مقاومته، امتلاكه ثم تحويله إلى واحة، أي إلى وقفة تأمل خارج البينين، بين اللحظة واللحظة الموالية، بين المكان والمكان المجاور، بين المركز والهامش». 
والحركة في الصحراء لا تتم إلا بواسطة تنقل البدو والرحل والحيوانات المرافقة لهم، بحثًا عن واحات تتوفر فيها مصادر الحياة من ماء وعشب وظلال وما يفي بغرض الرعي وتوفير الكلأ للقطيع. غير أن السينما لا تركز فقط على صمت المكان وتوقف الزمان في هذا النوع من الأفلام، بل يمزج المخرج السينمائي مشاهد الصحراء الساكنة بأصوات طبيعية وصرخات تروج كثيرًا في هذا الفضاء: ضجيج الحيوانات، هزيز الرياح، نقيق الصراصير، نعيق الغربان، صفير النسور، زقزقة الطيور، حفيف الأشجار... إلخ. ويستثمر السينمائي هذه الأصوات في خلق البنية الدرامية للأحداث وتشكيل الحبكة الفنية لقصة الفيلم، خاصة وأن هذه الأصوات تبوح بمعان كثيرة مرتبطة بتشويق المشاهد، ولفت انتباهه، وتوجيه خياله، وتحفيز فكره، وزعزعة مشاعره، وخلخلة أفق انتظاره. فرتابة الصحراء وتمطط الزمن فيها، يفرضان على المخرج التنويع والتشكيل وخلق الدينامية في المشاهد بغية تجاوز الضجر وتجنب الملل.
 أما فيما يخص القيم الفكرية، فمعاني الصحراء تختلف باختلاف سياق كل عمل فيلمي. فتدل أحيانا على التطهر والصفاء والفطرة والخير والانجذاب، وتوحي أحيانًا أخرى بقيم التوحش والصراع والتصادم والشر والتجاذب. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل، أحيانًا، تضمر الصحراء في السينما دلالات رمزية مرتبطة بقضايا فكرية، فلسفية، وجودية، أخلاقية، روحانية... إلخ، وهي قضايا يحورها المخرج السينمائي بطريقته الفنية ليعبر عنها بأسلوب مرئي بليغ، تحتل فيه الصحراء مساحة أساسية في الموضوع، ومكانة مركزية في القصة، وعلامة بارزة في الحبكة. «الصحراء هي الفراغ، إنه فراغ ممتلئ بالضوء، حيث يسقط كل واحد منا استيهاماته من بعيد. هناك إسقاط سلفًا، وكما هو الشأن في أي مكان آخر، فنحن لا نجد في الصحراء إلا ما نحمله إليها، لأن أفراحنا وأحزاننا ترافقنا حيثما رحلنا». 
 وتقدم لنا السينما البيئة الصحراوية بالتركيز على حضور الإنسان في محيطها، بجانب التقاط المخرج لخصائصها الطبيعية التي تمنحها الجاذبية والتميز أثناء التصوير. وهي بيئة تمتاز بأوصاف ثلاثة: «شموخ الصوت، براءة النور، عري الامتداد، وبالتالي تجد السينما نفسها في تحدي ملء فضاء صامت وممتد وعار يسود فيه نور خاص به، منبعه الشمس أو المكان في حد ذاته، أي ملؤه بالحركة والحكاية، وهما كما يعرف الجميع عصبا الفن السابع». ولا يمكن ملء هذا الفراغ إلا بحضور الركائز الأساسية للفيلم السينمائي، ونقصد هنا الشخصيات المجسدة، والديكورات المزينة، والمؤشرات الزمنية التي تضفي على الصورة الصحراوية طابعًا جماليًا مثيرًا، ورونقًا فنيًا بديعًا، ومنظرًا طبيعيًا فتّانًا. ويهتدي المصور السينمائي في التقاطه للمشاهد الصحراوية إلى ما يزخر به هذا الفضاء من مؤهلات طبيعية خلابة: شعاع الشمس الآسر في الشروق والغروب، سراب الصحراء المستحوذ على الانتباه، شفق السماء المتوهج، صوت الريح اللافت، ضوء السماء المنير، دهمة الليل القاتمة، نسيم الهواء العليل، صفاء الجو الممتع... إلخ.
لذا فإن المخرج السينمائي يجب أن يحترس أثناء اختياره للشخصيات، وانتقائه للديكورات، وتوظيفه للعناصر الفنية، تبعًا لموضوع الفيلم وشروط النص السينمائي وسياقه الزمني وقصده الفني، فالصحراء في الفيلم الديني هي غيرها في السينما الكولونيالية مثلًا، والصحراوي الكريم في خيمة القرى والضيافة يختلف عن الصحراوي اللص، المتوحش وقاطع الطريق، والصحراء في العصر الجاهلي لا تشبه صحراء القرن العشرين وأطماع المستعمرين في ربوعها... إلخ.

الصحراء في أفلام الغرب الأمريكي 
 استثمر عديد الفنانين المقومات التي تزخر بها الصحراء لتخليد أفلام عالمية اتخذت من الصحراء مقرًا لها وبساطًا لتصوير مشاهدها. ومن أبرز هؤلاء الفنانين نذكر المخرج الإيطالي الشهير سيرجيو ليوني في أفلام «الويسترن سباغيتي» التي صورت في الصحراء الجنوبية بإسبانيا (ألميرية)، بمشاركة ممثلين كبار في سماء هوليوود: كلينت ايستوود، لي فان كليف، إيلي والاش... وغيرهم. ومن أبرز هذه الأفلام: الطيب والشرير والقبيح 1966 - حفنة من الدولارات 1964، حدث ذات يوم في الغرب 1969... والكثير من الأعمال الأخرى التي اهتمت بالتقاط المشاهد الصحراوية في بيئة قفرة وشاسعة، بالاعتماد على التصوير الطبيعي الذي يركز على «التضاريس الصعبة، ثم الحضور القوي لرجل الكوبوي المقدام، الذي يتكلف بمهمة الحماية والمعارك والقتال، بالاعتماد على شجاعته ومغامراته وتخطيطه المحكم. وتكون الصحراء مسرحًا لمشاهد التهديد التي تشكلها الحرب الأهلية أو جحافل الهنود الحمر ولصوص القطعان». 
وهي صورة نمطية دأبت عليها السينما الأجنبية، والأمريكية بالخصوص، من خلال رسم الهنود الحمر في هيئة اللصوص وقطاع الطرق ومثيري الشغب والعنف. فالهندي حسب هؤلاء هو مجرد إنسان متخلف يفتقد لشروط النظام والانضباط وحسن السلوك، لذا وجب تدخل الرجل الأبيض لإعادة الأوضاع إلى نصابها، ومراقبة هؤلاء المتوحشين، وضبط أفعالهم وملاحقتهم في صحارى نيفادا وأريزونا، وزهق أرواحهم إن اقتضى الأمر، حتى يستسلمون ويخضعون للنظام ويمتثلون للقوانين ويرضخون للشروط.
 ويواجه الرجل الأبيض، في هذا النوع من الأفلام، أعداء من حملة المسدسات، أو من الأشرار العدائيين، ومناطق صحراوية تغمرها الفوضى، ويعمها التشتت والتفرق، ويصير من خلال السينما، أسطورة أمريكي جيد يقاتل من أجل الخير، في لحظات بناء الأمة إثر الحرب الأهلية الأمريكية، وأزمنة الويسترن تدور في معظمها، في ذلك الزمان. 

فيلم «الطيب والشرس والقبيح» 
صوِّر هذا الفيلم الذي عرض سنة 1966 في الصحراء الإسبانية، التي تمتاز بكونها من أروع المواقع الملهمة لتصوير الأفلام العالمية، والصحراء في الفيلم هي ملتقى مواجهة ثلاث شخصيات متناقضة: القبيح توكو الذي يفر من صائدي الجوائز الراغبين في القبض عليه، والشرير إينجل آيز القاتل في سبيل إيجاد الكنز، والطيب الأشقر، المجهول الاسم. لكن رغم هذا التناقض والاختلاف في الطبع إلا أنهم يشتركون في رغباتهم الجشعة، وطمعهم في الحصول على الكنوز (البحث عن اسم القبر الذي يرقد الكنز تحته) والأموال والمكافآت (من صيد المجرمين والخارجين عن القانون).
ويلعب الصمت، دوره الفني والدرامي في التعبير عن سكون هذا المرتع الجدب والمهجور والموحش، لكن ما يخلد في النهاية ويدوم هو الصحراء نفسها، هو الفراغ نفسه، هو الجمود عينه. أما البطل الأشقر في الفيلم، فهو «بطل صامت، عديم الاسم وصامت. ويبدو صمته كما لو أنه قد توصل بنوع من المعرفة الفطرية إلى عبثية الحياة وهشاشتها، هو نوع خاص بدائي من النضج القائم على التجربة والترحال الطويل في الصحراء». ونضج بلوندي، كما يلقب في الفيلم، يفصح لنا عن مدى وعيه وإدراكه لواقعه. هذا الإدراك الذي استمده من تجربته وترحاله وتنقله بين ثنايا الجبال والهضاب، البراري والصحاري، الخلاء والعراء.

الصحراء في السينما الكولونيالية
سعت السينما الكولونيالية إلى ترسيخ الصور النمطية للإنسان الصحراوي المتخلف والمتوحش، واكتفت بالاستعراض التقليدي لفضاء الصحراء، وجعلت من هذا المكان «غطاء لمتخيل عجائبي سحري من خلال الإحالة إلى شخوص ألف ليلة وليلة وشخوص الخرافة العربية: السندباد، لص بغداد، علي بابا والأربعون حرامي، شهرزاد...»(24). 
وهذا ما نصادفه في العديد من الأفلام الغربية، الأمريكية منها أو الأوربية: فيلم «طريق الجنوب للفرنسي» بيير بيون، «قلعة ساغان» لجان كورنو، «صحراء» لبريك أيزر، «الشيخ» لجورد ميلفورد، «الديكتاتور» للاري تشارلز... إلخ.

فيلم الشيخ
 هو فيلم أمريكي صامت، عرض سنة 1921، من إخراج جورج ميلفورد وبطولة رودلف فالنتينو. يركز الفيلم كثيرًا على فضاء الصحراء، وهو موقع بري، فيه حياة بسيطة وبدائية لمجتمع عربي إسلامي (يؤدي صلاة جماعية في افتتاح الفيلم)، التحم في تخوم رماله وكثبانه. وينقل لنا، هذا الشريط، النظرة الدونية للإنسان الأمريكي تجاه رجل الصحراء العربي، وهذه النظرة التي وصف بها الإنسان الصحراوي لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت بتخطيط وتدبير وترسيخ من طرف الدول الغربية التي تهدف دائمًا إلى الاستهزاء بالعرب والأفارقة والمسلمين، تبريرًا لتدخلها في شؤونهم، وتلميحًا منها على قصورهم الفكري والثقافي والسياسي الذي يبيح لها هذا التدخل. 

الصحراء في السينما العربية
 إذا كانت السينما الغربية قد تعاملت مع الصحراء بمنظورات خارجية، بعيدة عن هذا الفضاء وغريبة عن أجوائه، فإن السينما العربية عالجت هذا الموضوع بمنظور داخلي باعتباره جزءًا من محيطها، ومجالًا من مجالاتها، فالمخرج العربي سيواجه هنا قطعة من وطنه أو لنقل من أمته العربية. 
وساهم هذا التوظيف الإبداعي في تبوؤ مجموعة من الأفلام مكانة فنية راقية، مكنتها من تحقيق مجموعة من الجوائز والترشيح لعديد من المحافل السينمائية العالمية، ومن أبرز هذه الأعمال نذكر: «بابا عزيز» و«الهائمون» و«طوق الحمامة المفقود» للمخرج التونسي الناصر الخمير، و«رقصة الريح» و«ظل الأرض» للتونسي الطيب الوحيشي، و«عرق البلح» للمصري رضوان الكاشف، «تمبكتو» و«هيرماكونو» للموريتاني عبدالرحمن سيساكو، «ذيب» للأردني ناجي أبو نوار، «ستموت في العشرين» للسوداني أمجد أبو العلا... إلخ.
 وقد كانت للسينما المصرية الأسبقية في الخوض في موضوع الصحراء سينمائيًا، عبر مجموعة من الأفلام التاريخية والدينية والرومانسية. والسينما العربية نهلت مادتها الخام في البداية من صحراء ما قبل الإسلام أو ما بعدها، كما يتضح ذلك في فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد، وبعض الأفلام الأخرى التي استلهمت مجموعة من القضايا الدينية والتاريخية في تقديمها لعملها السينمائي. إلى جانب ذلك، هناك بعض الأفلام التي روجت لصور نمطية عن الصحراء العربية: جمال، خيول، خيام، بدو، رحل، بطولات الفرسان وشجاعتهم، ثأرهم، شعرهم، حبهم، صراع القبائل... إلخ. «ولا ينفلت من هذا الجنوح غير فيلم (المومياء) لشادي عبدالسلام الذي تمكن من جعل بعض مكونات فضاء الصحراء علامات دينامية في تشييد متخيل الحكاية بكل أبعاده النفسية والثقافية، بل الفلسفية أحيانًا».

 فيلم «تمبكتو»
 هو فيلم للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو، عرض سنة 2014، وحاز على مجموعة من الترشيحات العالمية: ترشحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم ناطق باللغة الأجنبية، ترشحه للسعفة الذهبية لمهرجان كان، وفوزه بجائزة سيزار لأفضل فيلم وأفضل مخرج. تركيز المخرج على التغييرات التي عرفتها تمبكتو بعد قدوم هذه الجماعة الإسلامية الهجينة في تكوينها: طوارق، أفارقة، عرب، أمازيغ... والتي فرضت مجموعة من الشروط والقيود المتشددة على أهل تمبكتو، نظرًا لتفسيراتهم الدينية المتطرفة والمخالفة لتقاليد أهل البلدة. فنرى عناصر هذه الجماعات يجولون في المدينة على دراجات نارية أو بشاحنات صغيرة، داعين عبر مكبرات الصوت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وإلى الالتزام بقائمة طويلة من الممنوعات كالموسيقى والرقص وكرة القدم، وينتشر مسلحوها في الأزقة أو على سطوح البيوت مراقبين الناس.
 وقد استفاد عبدالرحمن سيساكو من المؤهلات الجغرافية التي يمنحها المكان الصحراوي: رمال، رياح، زوابع رملية، حرارة شديدة، شمس حارقة... لتصوير حالات الخنق والقمع والمنع التي يعاني منها أهل تمبكتو، في ظل هذه الشروط والأحكام المبالغ فيها من طرف هؤلاء المتزمتين الذين يفسرون الدين على هواهم. حتى إن المخرج أبدع في مشهد سينمائي وهو ينقل لنا مجموعة من الشباب يمارسون هواية كرة القدم في ملعب صحراوي، لكنهم يلعبون بدون كرة، بحركاتهم وجريهم واندفاعهم فقط، بينما الكرة غائبة عن الميدان في ظل المنع والتحريم والرفض من جماعة «أنصار الدين». نفس الشيء نلاحظه في مشهد آخر، حينما تقوم الجماعة بمنع الغناء وتحريمه، وتتوعد من تجرأ على الغناء أو العزف أو الرقص بالعقاب الشديد. إنه الهوى المقموع، العشق الممنوع، الحب المحظور، الشغف المحجور، فالجماعة حرمت كل هذه الأنشطة، ووقفت في وجه كل من عشق الكرة أو الموسيقى أو باقي الأنشطة الخارجة عن الدين حسب تأويلهم. 
غير أن عبدالرحمن سيساكو وقع - هو الآخر - في فخ النظرة السطحية والصورة النمطية التي يروجها أنصار الغرب عن الإسلام والجماعات الإسلامية، بكونها فرقًا متطرفة هدفها هو القتل وسفك الدماء والاعتقال والتعصب للدين. «وهؤلاء إذ يعرضون عن التعامل مع التطرف كظاهرة لها أسبابها الموضوعية يقعون في التمويه الأيديولوجي بتفسيرها بغير أسبابها والاكتفاء بربطها بما هو خارج عنها كالتزمت أو ما أشبه... وتساهم وسائل الإعلام الغربية في هذا التمويه الأيديولوجي المضاد وتوجهه وتغذيه بالإلحاح على ربطه بالإسلام، وذلك من خلال توجيه الأنظار إلى ما يعبر عنه بـ «الأصولية الإسلامية» أو «الإسلام السياسي».
يبقى أن نشير في الختام إلى أن موضوع الصحراء في السينما هو موضوع غني ومثير للنقاش والتحليل. وقد تعاملت السينما مع هذا الفضاء في كثير من الأفلام الأمريكية والأجنبية والعربية، فحاول كل مخرج الانطلاق من رؤيته الجمالية، وهدفه الفني، وحبكته الدرامية لتوظيف الصحراء كمجال جغرافي له مكانته البارزة في الفن السابع. وقد ارتبطت - الصحراء - بمجموعة من الدلالات الرمزية، التي تختلف باختلاف سياق الأفلام السينمائية ومواضيعها ■