أبناؤنا والواجبات المنزلية

أبناؤنا والواجبات المنزلية

 تعد الواجبات المنزلية من الأنشطة التي درج المدرسون على تكليف المتعلمين بإنجازها في بيوتهم. وقد ذهب المشتغلون في ميدان التربية في شأنها مذاهب شتى، واختلفوا اختلافات بينة. فهناك من يرى أنها رديف للتغذية الراجعة لترسيخ المعارف والمهارات في أذهان الأطفال، وهي من العناصر التكميلية للدروس النظرية والتطبيقية التي يتلقونها في الفصل الدراسي، إضافة إلى كونها وسيلة تربوية تُعوِّد الطفل الاعتماد على نفسه وبناء شخصيته.

 

لا يعد البحث في قضايا الواجبات المنزلية ترفًا، بقدر ما هو حاجة ملحة إلى معالجة إشكاليات طفت على سطح الحقل التربوي في أكثر من بلد. وما ظهور أصوات متعددة تنادي بوجوب إنهاء العمل بالواجبات المنزلية إلا دليل على أن وراء الأكمة ما وراءها. وقد عرف المجال تطورًا بظهور نظريات تربوية ترى أن الواجبات المنزلية يمكن أن تكون عائقًا أمام التعلم، بل إنها تسبب مشاكل نفسية وجسدية للأطفال، وبخاصة في غياب الشروط البيداغوجية المطلوبة. وترى هذه الفئة ضرورة إعادة النظر في المناهج التربوية وحصر عمليات تطبيقها داخل الفصل الدراسي، وفق طرق بيداغوجية مناسبة لذلك. أما الوقت الذي يقضيه المتعلمون خارج ذلك الفصل فهو حق لهم لإشباع حاجاتهم في اللعب والراحة. وقد أصبحت هذه الواجبات في نظرها عبئًا ينغص حياة الآباء كذلك، حتى إنهم ينجزونها بأنفسهم تلبية لاستعطاف أطفالهم خوفًا من العقاب. إذ هناك من المدرسين من يكلف التلاميذ في الأقسام الأولى من المدارس الابتدائية بإنجاز تمارين صعبة ومكثفة، إضافة إلى مشاريع على شكل منحوتات أو مجسمات مختلفة الأشكال والأنواع، يعجزون على إنجازها، والتي تحيد عن أهدافها التربوية. ويتفاقم الأمر حين يتعلق بالأطفال الصغار في أقسام الحضانة بين الثالثة والخامسة من العمر. لهذا ألغت بعض الدول الواجبات المنزلية وعوضتها بأنشطة خاصة تهدف إلى صقل مواهب الأطفال كالموسيقى والرسم والنحت والقراءة الحرة وغير ذلك من الأنشطة التي تنمي الجوانب الوجدانية والثقافية والاجتماعية في شخصياتهم. 

عوْد على بَدء
إن الواجبات المنزلية عمليات تربوية لابد منها شريطة اعتمادها على طرق بيداغوجية وعلمية، لأنها تجعل التلاميذ دائمي الصلة بما يتلقونه في المدرسة من المعارف، وهي تساعدهم على الحفظ والفهم وإتقان المهارات الأساسية، وتعزز حصيلتهم في الفصل الدراسي، وتحفزهم لتلقي الدروس الموالية بشغف معرفي. ولابد أن يتدخل المدرسون والآباء لجعلها مصدر متعة وسعادة، عن طريق حوافز تربوية مناسبة لجعلهم يقبلون عليها بلذة، حتى لا ينظروا إليها كعقوبة، بل كوسيلة لترسيخ المعلومات في أذهانهم، فيكتسبون الثقة في نفوسهم. ومن واجب الأبوين تعليم أبنائهم كيف يعتمدون على مجهوداتهم، فينجزون واجباتهم بمفردهم، ويتعلمون كيفية إدارة أوقاتهم ويسطرون برامج منظمة لأداء أعمالهم المنزلية،  وإفهامهم أن تلك الواجبات جزء من مسؤولياتهم.
 وبما أن الأم التي تعتني بأبنائها هي الحاضرة دائمًا والساهرة غالبًا على كل متعلقاتهم، فعليها أن تتقمص شخصية الموجه المرشد، وتبتعد عن دور الخادم الذي يقوم بكل شيء، وينفذ الإنجاز بكل حيثياته، لأن ذلك سيجعل الطفل متواكلًا متكاسلًا لا يبذل أي مجهود، وكل همه أن يقدم الواجب لمعلمه. عليها أن تهيئ الظروف المناسبة لابنها لإنجاز واجباته، لأن كل ما يحيط به له دور في عملية التركيز، فتخصص مكانًا مناسبًا لأداء تلك الواجبات بعيدًا عن التلفاز أو الحاسوب أو الهاتف، أو كل ما يجعل انتباهه يتشظى وتفكيره يتشتت. إن للعناية بنظافة المكان وترتيبه وتوفير الوسائل التعليمة التي يحتاجها دورًا كبيرَا في انسيابية العمل وتيسيره. ويجب الحرص على التعامل مع الابن برفق وتفهم، وعدم إرهاقه حتى لا ينفر ويمل مما بين يديه، وأسلوب تعامل الأب أو الأم مع ابنهما أثناء إنجاز الواجبات هو الذي يحدد موقفه منها. ومن الخطأ تأنيبه وانتقاده والتركيز على هفواته،  وإذا تبين أنه لم يستوعب مسألة مَّا، فلابد من توجيهه ليسأل معلمه كنوع من الدعم. 

أخطاء تربوية
كثيرة هي الأخطاء التربوية الممارسة في المدرسة والبيت على حد سواء، ويعد أسلوب الثواب والعقاب من أفظع تلك الأخطاء، وقد أثبتت التجارب أضرارها. فلا يصح ربط النتيجة بالجزاء، بحيث أقول للطفل: إذا أنجزت واجبك سأعطيك الحلوى، وإذا لم تنجزه سأحرمك منها. فبهذه المعاملة سنجعل من الطفل كائنًا نفعيًا لا يركز على التعلم، بل على ما سيجنيه من ربح مادي، فينجز الواجب دون فهم، لأن هدفه هو المنفعة الآنية. وقد أكد علماء النفس أنه إذا أردت أن تنسى شيئًا فاربطه بهدف، فبمجرد أن يتحقق ذلك الهدف تنسى الوسيلة التي أوصلتك إليه. فالطفل في هذا الموقف يكون تحت ضغط الخوف من العقاب، ونشوة الطمع في الفوز بالشيء الذي وعدناه به. وقد يتحول إلى شخصية محبطة عدمية،  فيمل من الثواب، ويتعايش مع العقاب، ويفقد الشغف في كل ما يعمل.  
هناك مسألة أخرى يجب أن ينتبه لها الآباء، وهي النتائج الدراسية، فما يحصله التلميذ من الدرجات دليل على مقدار المجهود الذي بذله. والمفروض أن يتعلم ويفهم ويتطور ويفكر ويستفيد من كل ما تعلمه، ومن أكبر الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء، الإلحاح على نيل أبنائهم الرتب الأولى فيتعاملون معهم بأساليب الضغط والإلزام والترغيب حيًنا والتهديد أحيانًا، مع ما يواكب ذلك من تكثيف الدروس الخصوصية المرهقة ماديًا ومعنويًا. وبعضهم قد يفشل مستقبلًا ويتراجع، وربما يتوقف عن الدراسة. كما يجب الحذر من المقارنة بين الإخوة وتفضيل المتفوق وتحقير المتعثر، وتذكيره دائما بتميز أخيه، وذلك يعد تصرفًا مدمرًا ومحبطًا، ويمكن أن يسبب ذلك تأنيب ضمير للأول، فيتراجع كنوع من التعاطف اللاشعوري مع أخيه المتعثر الذي سيكون مشحونًا بالحقد والكره تجاه الجميع، وستتعقد شخصيته ويلازمه الإحساس بالدونية من صغره إلى كبره.

للعب نصيب 
إن اللعب غريزة في الصغار وضروري لنموهم العقلي والجسدي، وهو هبة ربانية تساعدهم على اكتساب الخبرات والتجارب والمهارات. لذلك لابد من تخصيص وقت للتسلية، لأن الطفل يستوعب أكثر عندما ينال قسطًا من اللعب والراحة والاسترخاء. وكما أن هناك وقتًا مخصصًا للمراجعة والدرس، فلابد من وقت للعب والترفيه. لهذا نرى كثيرًا من الأطفال يتهربون من أداء الواجبات، لأنهم يقضون  معظم اليوم داخل المدرسة، أما المنزل في نظرهم فهو فضاء للمرح واللعب مع أسرهم أو أصدقائهم. فتجدهم يختلقون أعذارًا مختلفة للتملص من الواجب، ويهيئون مبررات مدهشة يواجهون بها المعلم حين يسألهم عن الإنجاز. لهذا لابد من خلق التوازن بتخصيص وقت للواجبات المنزلية، ووقت للعب والمرح والتسلية.

التربية بحب
إن إقامة جسور التواصل مع الأبناء أعز ما يطلب، ولتحقيق هذه الغاية لابد من إحاطتهم بقدر معقول من الغطاء العاطفي، قوامه الحب والحنان من غير إفراط، يستوي في ذلك الآباء والمدرسون، مع الحرص على التكامل التربوي القويم بين الأسرة والمدرسة، وبذلك نستطيع إنشاء أجيال سليمة قمينة ببناء مجتمعات تمتاح من نبع القيم النبيلة، وقادرة على التنمية والتطور والتقدم ■