الإسماعيلية «باريس الصغرى»

الإسماعيلية  «باريس الصغرى»

يتّسم مجتمع الإسماعيلية بثقافته المتنوّعة حيث يميل إلى الانفتاح على الآخر، فهو عبر مساره التاريخي كان نموذجًا للتعددية، وعلى الرغم من اختلاف وتعدد الجنسيات والثقافات على أرضه وداخل محيطه الضيق إلا أنه استطاع إيجاد صور للتعايش والاتفاق، وهي صور ثقافية في الأساس تراكمت عبر الزمن، ولعل ما تعرضت له المنطقة من أطماع بسبب قناة السويس وموقعها وأهميتها لحركة الملاحة والاقتصاد والتجارة العالمية- جعل من تلك المدينة واحدة من البيئات المستهدفة على طول تاريخها، فهي ضمن مدن البوابة الشرقية المنوط بها الدفاع عن مصر عبر تاريخها الحديث والمعاصر.

 

المغامرة الأولى
عاش السكان الأوائل في تلك البقعة على ضفاف بحيرة التمساح ما يشبه السردية الكبرى، حيث كان عليهم أن يتعاملوا مع الطبيعة الموحشة، وأن يتنقلوا وسط رمل الصحراء في الجنوب والشرق، وسبخ المستنقعات في الشمال، يحتضنون ماء البحرين والبحيرات المرة والتمساح. يا ترى كم أخذوا من الوقت كي يألفوا ذلك الواقع الجديد؟ وكان عليهم أيضًا أن يدربوا أنفسهم  للتعايش مع طيور النورس والأسماك والحيوانات البرية، فقد كانت قلّة في الجنوب تعمل بالصيد والتجارة، أما باقي المنطقة فتغوص في اليابسة والأحراش. 
ظل هذا الوضع إلى أن تم حفر قناة السويس والربط بين البحرين عبر تنفيذ أجرأ عملية جراحية في بطن الأرض مارسها الإنسان على مر التاريخ، لترتوي الأرض بماء المتوسط الذي راح يتوضأ بماء البحيرة في قلب البرزخ الصحراوي، ومع حفر ترعة الإسماعيلية التي أعطت هذا الفضاء الموحش قُبلة الحياة دبّ النشاط واستقرت الجماعات المتعبة، ومع الوقت نشأت مدينة الإسماعيلية في وسط القناة لتكون محطة مهمة بين البحيرات المرة والتمساح والمنزلة والبردويل، وتوافد إليها مصريّو الدلتا والصعيد، وتماهوا معًا في تنوع ثقافي فريد يجمع البحاروة والصعايدة والنوبيين وأبناء الصحارى الشرقية والغربية، ليضيفوا بالجهد والعرق أسطورة جديدة لتاريخ هذا البلد المدهش.

فنون السمسمية وأنسنة الحياة
لقد فرضت الظروف على من جاؤوا للعمل في حفر قناة السويس التعاون والتناغم مع الطبيعة البكر، خاصة في ظلّ شحّ الإمكانيات وتدني مستوى الحياة، كان عليهم أن ينتجوا حياة إنسانية بديلة يهربون إليها كل مساء لتعينهم على حياة السخرة والشقاء. وبالفعل استطاع ذلك الوافد الجديد أن يصنع لنفسه منتجًا ثقافيًا مميزًا استقاه من الفنون الشعبية المختلفة التي جاء بها هؤلاء البسطاء من كل ربوع مصر، محمّلين بموروث فني عظيم يتّسم بالتنوع والثراء المدهش، موروث من الغناء المصري القديم المتوارث عبر الأجيال والغناء السائد في ذلك الوقت، من فرق الصهبجية والموشحات والعوالم، وفنون السيرة الشعبية والقصص الشعبي والمديح والموّال، وألوان عديدة من الفنون القولية والحركية التي انصهر معظمها في تشكيل فنون الضمة وأغاني السمسمية، تلك الفنون التي تم حفرها في الذاكرة الجمعية منذ حفر القناة، لتشكل موروثًا تاريخيًا ثقافيًا وحضاريًا ينمو يوميًا، فقد لعبت الفنون التي استحدثها القادمون دورًا بارزًا كان بمثابة العون الذي أنسن حياة المتعبين من قسوة العمل والغربة، وجعلها مقبولة رغم وحشتها، وجعلهم يشعرون بالدفء والحميمية التي افتقدوها بتركهم لمدنهم وأُسرهم وأحبابهم وأصدقائهم، كما كانت آلة السمسمية إحدى أدوات أبناء المنطقة في المقاومة، فقد كانت حاضرة دائمًا بكل تعبيراتهم وممارساتهم الحياتية، في أفراحهم وانتصاراتهم وانكساراتهم وتحدياتهم، خاصة وأن الكثير من إنتاج فنون السمسمية قد تم في فترات الحرب والتهجير والمقاومة، إضافة إلى أن أغاني السمسمية لم تكن مجرد فقرات موسيقية وفنية بقدر ما كانت حالة من حالات العشق الصوفي التي رسخت في وجدان وعقل الأجيال المختلفة، وهو ما سيطر على المزاج العام حتى وقت قريب. 

في مديح القناة
لقد غافلت قناة السويس الناس والزمن، وغازلت التاريخ في دلال، لتبقى بين دفّتيه تصنع الأحداث بسبب تمفصلها داخل فضاءات يتشابك فيها الشرق بموارده الخام ومدلولاته الثقافية والفلسفية والروحية، بالغرب وممارساته التكنولوجية والاقتصادية والسياسية المؤثّرة. لذا كان ومازال تاريخ قناة السويس هو الجزء الأكثر إثارة في حياة هذه المنطقة، فالجغرافيا والتاريخ والبشر وكل شيء هنا في تلك المدينة المطلة على البحيرات وقناة السويس يحدثك عن المئات بل الآلاف من التفاصيل المثيرة التي تظهر في كل شيء، وتدلنا عمّن مروا بها من بشر عبر السنين وتركوا بصماتهم، فمنذ قامت السلطات المنبطحة أمام المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس صاحب تنفيذ مشروع حفر القناة بانتزاع شباب مصر من كافة ربوعها، الذين سيقوا مجبرين على العمل في هذه المنطقة قهرًا لتنفيذ هذا المشروع الجبار بأدوات بدائية وجهد بشري خالص من أبناء مصر البسطاء الذين صنعوا المعجزة وأضافوا تاريخا لتلك المناطق، فقد غيرت قناة السويس وجه العالم وحركة التجارة الدولية، بل إن هذا الشريان قد عجّل بانفتاح العالم قبل اكتشاف العولمة، وساهم في تطور الحياة في الغرب وتقدّمها العلمي والصناعي والتكنولوجي، وإن كان ذلك على حساب خيرات الشرق الذي كان ومازال يعاني من عمليات النهب المنظم.                         

نوافذ خضراء تطل على البحيرة 
هي حدائق الملاحة البديعة المطلة على بحيرة التمساح والتي كانت تسمى الحدائق الفرنسية، وتعتبر من أجمل الحدائق الطبيعية بما تضمه من أشجار نادرة وتنسيق وتنوع قلما يوجد في حديقة أخرى، لوجود عدد كبير من أشجار الزينة المعمرة التي يصل عمر بعضها إلى ما يزيد عن مائة وخمسين عامًا، مثل أشجار الجازورين دائمة الخضرة والنخيل الملوكي، كما تحفل حدائق الملاحة بأنواع الأشجار التي استقدمت من فرنسا لتزيين الحديقة التي يتوسطها مبنى الإرشاد المطل على البحيرة بلونه الأبيض الزاهي، وهو المبنى الذي تدار منه حركة الملاحة في قناة السويس.

الحي الإفرنجي
أحد الأحياء التاريخية في المدينة بمبانيه الفاخرة من الفيلات والشوارع العريضة المظلّلة بالأشجار المورقة، وقد بُني هذا الحي في بداية الأمر كسكن للمرشدين الأجانب الذين كانوا يتولون مهمة إرشاد السفن العابرة للقناة أثناء سيطرة الشركة الفرنسية عليها. وهناك تراث معماري فريد في حي الإفرنج وشارع الأشجار وفيلا ديليسبس والمبنى التاريخي لهيئة قناة السويس، فالمنطقة كلها تنطق بتاريخ عريق، تاريخ على قدر ما يحمل من أشياء جميلة إلا أنه يفضح الماضي الاستعماري والتمييز الفج الذي مارسته الشركة الأجنبية والسلطات الحاكمة تجاه العمال المصريين الذين ظلوا لسنوات عديدة غرباء في تلك المدينة الأوربية، وبعد رحيل الاستعمار بقيت الذكريات بحلوها ومرها، بقيت المباني بالأحياء المتميزة برونقها وبهائها- شاهدة على التاريخ المعماري الفريد الذي تباهت به مدن القناة، وميزها عن الكثير من المدن المصرية، وإن كانت هذه الأحياء مازالت تعيش في خصوصية كمحمية طبيعية لشركة قناة السويس.

موسيقى النوارس
كما هو حال البشر الذين يسعون في مناكب الأرض بحثاً عن الرزق تأتي من بعيد طيور النورس المهاجرة بحثًا عن الدفء على شواطئ المتوسط والقناة وبحيرة التمساح، تلك البحيرة التي يعرف سكانها طائر النورس جيدًا، فهو طائر جميل وذكي يتغير لونه لحسب عمره، يعدو على الأرض بسرعة، ويعوم ويسبح برشاقة، ويغوص في الماء كالسهم، ويبني عشه بين الصخور في المواقع البحرية الموحشة، وقد احتّل النّورس مكانة عند أدباء وشّعراء القناة كون طبيعة حياته ترمز للترحال. 

كاريوكا والسادات
عرفت الإسماعيلية العديد من الفنانين الذين تجاوز عطاؤهم حدود الأعمال الفنية والغناء والتمثيل  فشاركوا بالروح والدم والجسد، وضحوا بأعز الأحباب فداء لتراب الوطن وتحرير أراضيه، ومن هؤلاء النجوم الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا التي اشتهرت بجرأتها ومواقفها الوطنية العديدة منذ بداياتها وفى كل مراحل حياتها، حتى إنها كانت في أوقات كثيرة على استعداد للتضحية بحياتها بسبب هذه المواقف، فقبل قيام ثورة يوليو 1952 ساعدت كاريوكا الفدائيين على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وقامت بتهريب الأسلحة لهم في سيارتها إلى الإسماعيلية، حتى إن هناك منطقة باسم تل كاريوكا، وهي المنطقة التي كانت تقوم فيها تحية بتسليم الأسلحة للفدائيين. 
كما ساعدت كاريوكا السادات على الهرب، وخبأته في مزرعة أقاربها بالإسماعيلية، وذلك بعد اتهامه باغتيال أمين عثمان قبل ثورة يوليو 1952، ولا ننسى دورها البارز في حرب 56 في بورسعيد وحرب أكتوبر، سواء في جمع التبرعات أو مع الهلال الأحمر في المستشفيات.

الخال الأبنودي
ومن الرموز الثقافية المهمة الذين استهوتهم تلك المدينة الساحرة، الشاعر الكبير الخال عبد الرحمن الأبنودي، الذي سكن قلبه قبل جسده مدينة الإسماعيلية منذ أيام الحرب، خاصة وأن بها منزل شقيقته الحاجة فاطمة، فمنذ وطأتها أقدامه للمرة الأولى تمنى الاستقرار بها والارتياح على أرضها من التنقل بين الصعيد وأحياء وشوارع القاهرة الصاخبة، وقد كان القرار، ففي منتصف الثمانينيات وقع اختياره على منطقة الضبعية التي اختارها لتكون بالقرب من بيت شقيقته، وحين اطمأن قلبه للمكان البسيط الذي اختاره في هذه القرية القريبة من القنال باتت الإسماعيلية وطنه الجديد، وأمنيته الأخيرة أن يُدفن بها. 
وكان الخال بسيطًا مع أهالي الضبعية، لا يعاملهم كشاعر كبير بل يشاطرهم الأزمات والأفراح، ويبحث عن حل لمشاكلهم. وكان حريصًا بأن يظل ارتباط الأسرة بالبيت قائمًا بعد مماته، لذا اختار مدفنه في الطريق المؤدي للبيت حتى يراه ويترحم عليه كل من يأتي لزيارة المنزل من أسرته أو من الأصدقاء، واختار أعلى مكان بمنطقة المدافن وقال: «عشان أبقى باصص على الناس اللي بحبهم من عندي»، وهو اختيار يشبه اختيار قوات الاحتلال لموقع الجندي المجهول بمنطقة جبل مريم القريبة من مدفن الأبنودي، فقد أقامت شركة قناة السويس في هذا المكان نصبًا تذكاريًا تكريمًا لكل الجنود الذين سقطوا دفاعًا عن القناة أثناء الحرب العالمية الأولى.

الصمود والنصر
وأنت في رحاب تلك المدينة لا يفوتك أن ترى تمثالَي الصمود والنصر المصنوعين من الشظايا المخلوطة بالدم والنار، شظايا ممزوجة ببقايا بشرية، ولحامتها خيوط من نور، تمثالين للفنان المقاتل جلال عبده هاشم يحكيان قصة الهزيمة والنصر والدموع والأفراح التي مرت بها مصر من عام 67 وحتى انتصارات أكتوبر، وعندما رأت الفنانة الراحلة زوزو حمدي الحكيم تمثال الصمود وهي في زيارة لمدينة الإسماعيلية نزلت على ركبتيها على الأرض، وأخذت تقرأ الكلام المكتوب على لوحة التمثال، ماذا يمثل، وممّ صُنع، خاصة أن العديد من الشظايا مازالت تحمل بعض الأحرف العبرية، لأن التمثال كله مصنوع من مخلّفات الحرب الإسرائيلية على مدن القناة، ثم بكت بكاء مريرًا وقالت للفنان جلال هاشم: هل هذه الشظية قتلت ابنًا من أبنائنا؟ هل هذه القطعة استخرجت من بيت تهدم فوق رؤوس أهله؟ هل قطعة الحديد تلك مازالت تحمل جزءًا من أشلاء شهدائنا من الأطفال والنساء؟

نادي الإسماعيلي «الدراويش»
كان الإسماعيلي أول نادٍ مصري بالإسماعيلية ومنطقة القناة، حيث كانت جميع الأندية الموجودة في ذلك الوقت تابعه للجاليات الأجنبية، وقد تأسس نادي الإسماعيلي عام 1920 تحت مسمى نادي النهضة الرياضي، ثم أصبح نادي إسماعيل نسبة إلى الخديوي إسماعيل عام 1947، إلى أن تغير اسمه وعُرف باسم (الإسماعيلي) نسبةً لاسم محافظة الإسماعيلية، ويذكر أن أول استاد تم بناؤه للنادي كان بالجهود الذاتية، وعن طريق جمع التبرعات من الأهالي.
ويتمتع النادي الاسماعيلي بالعديد من الألقاب، لمَ لا وهو أول نادٍ مصري وعربي يفوز ببطولة إفريقيا؟ فقد أطلق عليه الناقد نجيب المستكاوي «برازيل الكرة المصرية»، كما أطلق عليه «فرقة رضا وشحتة للفنون الكروية» أسـوة بفرقة رضا للفنون الشعبية الشهيرة ذائعة الصيت، وآخر الألقاب كان فريق (الدراويش) الذي ظل ملتصـقًا به حتى يومنا هذا، ويعود هذا اللقب للعديد من الأسباب منها، أن جمهور الإسماعيلية كان يُشجع الفريق بموسيقى السمسمية والدفوف ودقاتها التي تُستخدم في حلقات الذكر، وكانت الفِـرق التي تلاقي الإسماعيلي تتمايل يمينًا ويسارًا بحثًا عن الكُـرة، ولا يجدونها إلا بين أقدام لاعبى الدراويش، أصحاب المهارات الفنية العالية.

متحف الإسماعيلية
 متحف بديع يقع في حضن الحي الإفرنجي، ويضم العديد من الأشياء التي تستحق الرؤية والذهاب إلى هناك لمعرفة كثير من المعلومات عن مصر وتاريخها العريق، فالمتحف يضم أكثر من 4000 قطعة أثرية مختلفة من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية، بما في ذلك التماثيل واللوحات، بالإضافة إلى معلومات عن القناة الأولى التي بناها داريوس الفرنسي بين البحيرات المرة وبوباستيس.

المهرجانات والفنون الشعبية الاستعراضية
مشاهدة الفرق الاستعراضية من مختلف الدول وهي تعرض فنونها في شوارع الإسماعيلية أصبح أمرًا طبيعيًا لسكّان الإسماعيلية، حيث تحتضن تلك المدينة الساحرة العديد من المهرجانات الدولية، وتجتذب الكثير من السياحة الداخلية والخارجية، بما تقدمه من نموذج متميز من التطور المعماري والسياحي والثقافي، فهي تستضيف مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية الذي بدأ دورته الأولى عام 1985، وتشارك فيه الكثير من الفرق الاستعراضية المصرية والعربية والأجنبية التي تقدّم فنونها المختلفة على مسارح الإسماعيلية وشوارعها وحدائقها لمدة 7 ليالٍ متواصلة كل عام، كما تستضيف مهرجان الإسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية، أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي، وأول المهرجانات التي تتخصص في الأفلام الوثائقية والقصيرة، إضافة إلى مهرجان الربيع وأميرات الفراولة، وكرنفال المانجو الذي يقام مع بداية موسم حصاد ثمار المانجو التي تشتهر بها المدينة.

أن تقضي حياتك على متن قارب!
ينظر البعض لحياة الصيادين على أنها حياة هادئة وممتعة إلا أنها في الحقيقة حياة شاقة تحتاج إلى الكثير من الجهد والتعب، ومع ذلك فإن الرزق فيها قليل وغير منتظم، وهو ما يجعل حياتهم تختلف تمامًا عن حياة الناس على البر، حيث تتسم حياة الصيادين بنمط معيشة خاص يعتمد على مفردات بيئية محدودة، ويفتقر إلى التنوع في مصادر الرزق، كما أن حرفة الصيد بطبيعتها تعتمد على الجهد العضلي، وتحتاج للشباب والصحة، خاصة في بحيرة التمساح حيث معظم القوارب «الفلائك» في تلك البحيرة هي قوارب صغير بلا مواتير، وتعتمد بشكل أساسي على المجاديف، فلم تعرف البحيرة على طول تاريخها صيد المراكب الكبيرة الملحقة بمواتير، فالصيادون هنا منذ أن جاؤوا إلى البحيرة يعتمدون على قوارب صغيرة، وغالبا ما تكون قديمة متهالكة، لكنهم يتعكّزون عليها ويسعون بها بحثًا عن رزقهم. وقد ارتبطت حرفة صناعة القوارب بحرفة الصيد التي نشأت مع بداية القناة ومدينة الإسماعيلية منذ أكثر من 150 عامًا، ويسعد المارة بمشهد تلك الفلائك الخشبية الصغيرة حديثة الصنع وهي تقف على الشاطئ الغربي لبحيرة الصيادين جاهزة للإبحار في البحيرة.

احتفالية زفّة وحريق ألنبي 
تجوب زفّة دمية ألِنبي مدينة الإسماعيلية ليلة شم النسيم، حيث تنطلق هذه الزفّة من جميع الأحياء يقودها الشباب والأطفال في الشوارع والميادين الرئيسية، مردّدين بعض المقاطع الغنائية القديمة أثناء هذه الزفّة، حيث يردد فرد من الجماعة مقطعًا من الأغنية وتردد وراءه المجموعة: «يا ألِنبي يا بن حلمبوحة ومراتك عرّة وشرشوحة»، «يا ألِنبي يا بن حلمبوحة مين قالك تتجوز توحة»، وتعود تلك الزفّة مع غروب الشمس إلى المكان الذي انطلقت منه، حيث يقام مجلس للسمر على شكل حلقة دائرية يتضمن رقصًا وغناء بمصاحبة آلة السمسمية، ويستمر حتى فجر يوم شم النسيم، وهي اللحظة التي يتم فيها حرق دمية ألِنبي. وتعد احتفالية ألِنبي من أهم السمات الثقافية الشعبية المعاصرة التي ارتبطت بمدن القناة، وينبع هذا الاهتمام من التعبير عن كراهية المصريين - وخاصة أبناء مدن قناة السويس- للشخصية التي تمثلها الدمية آنذاك - اللورد ألِنبي الحاكم العسكري لمنطقة القناة - وما تحمله من رمز للاحتلال والقهر، وما ترسخه هذا الشخصية من سمات سلبية وذكريات مؤلمة يتحرر الفرد منها ويتخلص من آثارها مع عملية الحرق، ويتفق معظم أهالي المنطقة علي أن احتفالية ألِنبي بدأت في الظهور منذ ثلاثينيات القرن الماضي في منطقة القناة، وهي مازالت معاشه في وجدان الناس، فقد تحولت هذه الحكاية إلى دمية يتم زفّها وتجريسها قبل حرقها في احتفالية شعبية كبيرة ليلة شم النسيم، وقد تجاوزت الاحتفالية أسباب ظهورها لتتخذ الدمية في كل عام تسميات لشخصيات معاصرة يرفضها الضمير الجمعي لأسباب مختلفة.

الأكلات البحرية الشعبية
تشتهر القناة وبحيرة التمساح بأسماك العائلة «البورية» متعددة الأنواع، فهناك سمك اللوط والدنيس والقاروس، إضافة إلى عائلة البوري المكونة من سمك البوري الكبير والطوبارة والهليل والسهلية، والتي تعد أفضل أنواع العائلة من حيث الطعم لدى سكّان الإسماعيلية ومنطقة القناة، وسمكة «السهلية» لها طريقة خاصة في الشواء، حيث تحتاج لنار هادئة ومعاملة خاصة في الشوي توفرها أفران البلاطة. ويحتفظ سكان المنطقة بطابع محلي في طريقة إعداد الوجبات البحرية وخاصة شوي الأسماك، وبرغم تطور أدوات الصيد والطهي إلا أن إنضاج السمك على «بلاطة النار» مازال له وهجه الخاص، وتشتهر المطاعم على بحيرة التمساح بأصناف أطباقها المميزة، منها طبق السمك السنجاري أو طاجن السوبيا والجمبري أو طبق سمك القاروص وشوربة «أم الخلول» المضاف إليها القليل من الليمون والشطّة، وهى واحدة من الأطباق المميزة للمطبخ الإسماعيلي، حيث يعتبر حساء «شوربة أم الخلول» وجبة أساسية بجانب الأسماك، خاصة إذا أضيف إليها الليمون والملح، كما أن أسماك الإسماعيلية تحتوي على نسبة بطارخ عالية، أو كما يطلق عليه سمك محشي مانجو نظرًا للبطارخ التي تحتويها الأسماك، وهي أغلى أنواع البطارخ، ويتم تصديرها للخارج.

الفلوكة نزهة شم النسيم
تشهد بحيرة التمساح كرنفالًا بحريًا بديعًا كل عام مع احتفالات عيد شم النسيم، يقوده أصحاب القوارب ومراكب النزهة، حيث يتوقف الصيد في ذلك اليوم ويأخذ الصيادون أُسرهم للتنزه في البحديرة والحدائق، كما يخرج سكان المدينة بشكل جماعي في ذلك اليوم منذ الصباح الباكر إلى الحدائق والشواطئ والبحر، ويتم إرسال الشباب لحجز أماكن متميزة في حدائق الملاحة ليلة شم النسيم احتفالاً بقدوم فصل الربيع وتفتّح الزهور واخضرار الأشجار وبعث الحياة، كما كان يعتقد أجدادهم المصريون القدماء، فيخرجون للاحتفال بالطبيعة حاملين معهم البهجة والسعادة وأكلاتهم الشعبية التي تميز هذه المناسبة على مر التاريخ المصري، والتي تحتوي على البيض الملون وأسماك الفسيخ المملح والرنجة والسردين المملح، إضافة إلى البصل الأخضر والجرجير والفجل والليمون والعيش البلدي، حيث يخرج أهالي الإسماعيلية في كرنفال شعاره محبة الحياة.

أسطورة الشيخ حنيدق
ربما تكون حكاية الشيخ حنيدق من الحكايات الغريبة التي يتوقف أمامها الكثير من الباحثين في المعتقدات الشعبية، فهو شخصية أسطورية حاولت كل الجاليات الأجنبية التي كانت تسكن مدينة الإسماعيلية أن تنسبه إليها، إضافة طبعًا إلى أبناء المنطقة من المصريين، وقد نال هذا الشيخ الوهمي  قدرًا من القداسة المبالغ فيها من قبل كل الجنسيات التي كانت تعيش في المدينة، بل إن ضريحه والمولد السنوي الذي كان يقام له يعدان مظهرًا قويًا للتوافق والتجانس الذي كان بين المصريين والجاليات الأجنبية، وكان لليونانيين نصيب كبير في أسطورة الشيخ «حنيدق»، حتى إنهم كانوا يروون عنه تلك القصة الخارقة، ومفادها أنه عندما بدأ العمال التابعون لشركة قناة السويس الشروع في حفر القناة ووصل الحفر إلى قبره، كانوا كلما أتموا الحفر يأتون في اليوم التالي ليجدوا أن ما حفروه قدم رُدم، وأن المكان عاد لطبيعته كما كان، وهو ما أدهش العمال المصريين والأجانب، لذا أقاموا له مقامًا بجوار منطقة الحفر عند منطقة جبل مريم. وقصة الشيخ «حنيدق» وتواجده في هذه المنطقة لها العديد من الروايات، كما أن للشيخ الكثير من المريدين من جنسيات مختلفة، وجميعهم يؤكدون نسبه إليهم، فالفرنسيون يقولون بأن هذا الشخص كان ضابطًا في الجيش الفرنسي في حملة نابليون، ورفض أن يسافر إلى الشام مع الحملة، وكان شخصًا متدينًا ولديه أفكار أخلاقية وفلسفية ودينية، وقد جلس في هذا المكان يدعو لهذه الافكار. 
ولدينا أيضًا الرواية المغربية التي تشير إلى أن أصول الشيخ «حنيدق» تعود إلى المغرب، وأن وفاته كانت في مصر أثناء عودته من رحلة الحج، وعند دفنه طار النعش حتى وصل إلى هذا المكان، وهي الرواية التي كان يردد جانبًا منها بعض المصريين الذين كانوا يقولون بأن أجدادنا شافوا نعشًا طائرًا في السماء ثم نزل، فقالوا إن عليه وليًا، وعملوا له مقامًا، وأقاموا له مولدًا سنويًا. 
وهناك رواية مصرية أخرى تقول بأن هذا الضريح ليس به شيخ ولا كرامات ولا غيره، بل إن به عظام كلب قتله الإنجليز ودفنوه في هذا المكان، وأقاموا له الضريح ليسيطروا من خلاله على عقل ووجدان المصريين بعد الاحتلال، فهم يعلمون مدى تقديس المصريين لمثل هذه المعتقدات، ويريدون أن يضفوا هذه القداسة على القناة من خلال موقع الضريح المطل على القناة، فهو حاميها وحافظها، وبالتالي يجب على المصريين أن يحافظوا عليها، ويقال بأن الضريح قد تعرض للقصف ودُمّر أثناء حرب 1967. والمدهش في كل هذه الروايات أن هذا الرجل/ الشيخ/ الضابط/ اليوناني/ المغربي/ الفرنسي/ هو شخص شيخ كوزموبوليتاني متعدد الثقافات والجنسيات، كالمدينة التي حملت  أسطورته ■

الملاحة والصيد في قناة السويس 

بطولة الجمهورية للقوارب الشراعية في بحيرة التمساح

فنون السمسمية حاضرة دائماً في أفراح ومهرجانات الإسماعيلية

شوارع وحدائق الإسماعيلية تتزين بالأشجار والورود 

الإسماعيلية «باريس الصغرى»

تمثال النصر

موقع تبة الشجرة

المتحف أنشئ كنشاط ترفيهي      ( تصوير ياسين محمد)

لقطات لبعض الفرق الاستعراضية المشاركة في مهرجان الإسماعيلية للفونو الشعبية

دولة فلسطين حاضرة في مهرجان الفنون الشعبية 

العاملات يقمن بجني محصول الفراولة