محمية الكريباني للطيور

محمية الكريباني للطيور

كان الربيع يشارف على الرحيل، لاتزال الصحراء مكتسية بالخضرة، طوال الطريق الصحراوي نباتات الخبيز وزهور النوير الصفراء متناثرة وبعض العرفج والخزامى التي استفاقت من سبات طويل بعد موسم الأمطار، الوقت الأمثل للقيام في رحلة ميدانية إلى منطقة المزارع في الصحراء الكويتية. قطعنا حوالي 100 كيلومتر جنوبًا من مدينة الكويت للوصول لمحمية الكريباني في منطقة الوفرة، وصلنا حيث كان بمقدمة مستقبلينا صاحب المحمية المهندس بدر الكريباني. 

 

في المدخل المؤدي للمحمية أشجار فاكهة استوائية وأشجار موز محملة بثمار أوشكت على الاستواء، ومن محمية الأشجار باب موصد يؤدي إلى محمية الطيور، التي هي عبارة عن قفص عملاق يصل ارتفاعه إلى حوالي 10 أمتار، زرعت بداخله أشجار وزعت بطريقة جميلة. طيور بمختلف الأحجام تتجول بحرية وتطير في الأرجاء، أصوات العصافير تتداخل مع صوت خرير الماء الصادر من الشلالات الصناعية، جو بديع يشعرك وكأنك في إحدى الغابات الاستوائية، الممرات المائية حيث طيور البجع تسبح بوداعة، طيور الفلامنجو الوردية وسيقانها الطويلة واقفة من دون حركة في تلك البرك المائية، كأنها تماثيل مزيج غريب ومتنوع من الطيور التي أرى بعضها للمرة الأولى! 

طيور حقيقية
رافقنا ابن أحد الزملاء الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر، كانت الدهشة واضحة على وجهه، سأل المهندس بدر: هل هذه الطيور حقيقية؟ حتمًا سينبهر فتلك الطيور الزاهية وريشها الغريب ليست كالطيور التي نشاهدها في بيئتنا الكويتية الصحراوية، فأغلب طيور بيئتنا بألوان الصحراء بدرجات اللون البني وباهتة، ولذلك حكمة إلهية، لجعلها تتخفى وتنسجم مع محيطها القاسي، حيث البقاء للأقوى.  

أنواع نادرة
يبلغ عدد المحميات الطبيعية في الكويت 11 محمية، تشرف عليها الهيئة العامة للبيئة، حيث توفر ملاذًا آمنًا للطيور المحلية بحمايتها من خطر الصيد الجائر وللمساهمة في زيادة أعدادها في الطبيعة، كما أن أغلبها معرض لخطر الانقراض. أما بالنسبة لمحمية الكريباني الخاصة فقد كان الأمر مختلفًا، فالمحمية التي تم إنشاؤها في عام 2015 كهواية وتوسعت لتضم أنواعًا نادرة من مختلف دول العالم هي محمية خاصة بالكامل، تحت إشراف المهندس بدر الكريباني وإخوته الذين يعاونونه في إدارتها. 
في حديثنا مع المهندس بدر الكريباني عن فكرة إنشاء المحمية، قال إن الفكرة جاءت نتيجة شغفه منذ سن مبكرة بتربية الطيور، كما أنه محب للسفر إلى الدول الاستوائية ومشاهدة الغابات، لذلك تكونت لديه الرغبة في جلب أجواء تلك الغابات الخضراء التي يفتقدها في دولة الكويت ورؤية الطيور الملونة النادرة، حيث قام بإنشاء المحمية لتكون متنفسًا له ولأسرته لقضاء أوقات الفراغ فيها، بالإضافة إلى محمية للنباتات تقع في المكان نفسه، بها أشجار فواكه وحمضيات وبعض أنواع الورود والأعشاب التي نجحت المحمية في زراعتها في الأجواء الكويتية.
وعن التحديات التي واجهتهم في بداية إنشاء المحمية يذكر الكريباني أن من أكثر الصعوبات التي واجهته هي تأقلم الطيور على البيئة الكويتية، حيث إن جميع طيور المحمية مستوردة من بيئات وظروف مناخية مختلفة تمامًا عن البيئة الكويتية، فعلى سبيل المثال طائر الفزن القادم من جبال الهمالايا حيث درجات الحرارة المنخفضة، ولكن مع الممارسة والخبرة استطاع أن يهيئ الأجواء المناسبة لتلك الطيور وتعويدها على البيئة المحلية، فيقوم بعزل الطيور عند وصولها وتغذيتها وتقويتها بالمكملات الغذائية حتى تتعود على بيئتها الجديدة.
يميز المحمية تصميم فريد يقرب للطيور أجواء بيئتها الطبيعية، حيث تمت زراعة المحمية بأشجار متنوعة وبناء ممرات مائية وشلالات مصغّرة تساعد على تلطيف الجو خلال فصل الصيف، ووضع مراوح داخل المحمية تساعد على خفض الحرارة لتصل إلى 24 درجة مئوية تقريبًا. كما تلعب الأشجار التي تمت زراعتها في المحمية، كأشجار السدر والأراك «المسواك» وغيرها، دورًا كبيرًا بمساعدة الطيور في التعشيش والتغذية حيث توفر تلك المزروعات الحماية للطيور الصغيرة الحجم وأعشاشها من هجمات الطيور الكبيرة.
تحتضن المحمية طيورًا صنفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ضمن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض، تم استيرادها من أماكن مختلفة من العالم كدول شرق آسيا والأمريكتين والقارة الإفريقية وأستراليا، ويبلغ عددها 350 نوعًا تنقسم إلى طيور مغردة وطيور الغابات وأنواع نادرة من الحمام والطيور الصغيرة إلى متوسطة الحجم من فصيلة الفنش، بالإضافة إلى 70 نوعًا من البط. 
أما عن آلية خروج هذه الطيور المهددة بخطر الانقراض من موطنها الأصلي، فيذكر الكريباني أن دخول الطيور إلى دولة الكويت يتم بعد أخذ موافقة من الجهات المعنية من الدول المراد الاستيراد منها ومن الجهات المعنية في دولة الكويت أيضًا، ويتم ذلك بالتعاون مع الجمعيات المختصة بحماية الطيور في تلك الدول وباشتراطات يتم وضعها، منها توفير بيئة مناسبة تساهم في تكاثرها، بالإضافة إلى إهداء تلك الدول بعضًا من الطيور التي يتم إنتاجها في المحمية ليتم إطلاقها في موطنها الأصلي.

حمامة السمان
ومن أبرز الطيور النادرة التي تعيش في المحمية، حمامة السمان ذات الرأس الأزرق التي جلبها الكريباني من موطنها الأصلي كوبا، وتتميز هذه الطيور ببناء أعشاشها في أرضية الغابة وتتغذى على البذور والتوت والقواقع وتعيش بشكل عام في أزواج. كما يعيش في المحمية مجموعة من طيور الفزن أو التدرج، ومنها فزن الهمالايا والفزن الذهبي، وهي من الطيور الداجنة، وتتميز بطول ذيلها وألوانه المتعددة، كذلك طائر الفزن الطاووسي. 
كما يمكن مشاهدة طيور التوراكو الجميلة القادمة من القارة الإفريقية، وتتواجد في الطبيعة جنوب الصحراء الكبرى، وتضم 18 نوعًا تعيش معظمها في جماعات في الغابات الكثيفة، وتتميز بريش أخضر فاقع وأحمر وبنفسجي، وبريش أعلى رأسها أشبه بالتاج، كما تتغذى على الفواكه والحبوب والبراعم والحشرات. واستطاع الكريباني بخبرته الممتدة لسنوات ترويض هذا النوع من الطيور حيث ألفت الزوار وتقترب منهم وتتناول العنب والفواكه بأريحية من يد الزوار.
 ولطائر الكركي المتوّج الذي يستوطن القارة الإفريقية حضور في المحمية، يكسوه ريش رمادي ويتميز بأرجله الطويلة ويعلو رأسه تاج من الريش. وحمام نيكوبار الذي يعد من أجمل أنواع الحمام في العالم، وموطنه الأصلي جزر نيكوبار الواقعة في المحيط الهندي بالقرب من إندونيسيا، ويتميز بريش أخضر مزرق غامق وذيل أبيض قصير ويتغذى على الفاكهة والنباتات والحشرات.

حمام القلب الدامي
 ومن الطيور الغريبة في المحمية طائر يعرف باسم حمام القلب الدامي، يتميز بوجود بقعة من اللون الأحمر في صدره شبيهة بالدماء، تبدو كأنها جرح غائر، وموطنه الفلبين، بالإضافة إلى وجود العديد من أنواع اليمام النادر كحمام الإمبريال وحمام فيكتوريا وحمام الامبراطور وحمام برونز، وبعض الطيور المغردة كطائر الشحرور الأبيض النادر الوجود، الذي يتميز بصوت شجي تطرب له الأذان.
 كما يوجد بعض الطيور الصغيرة من فصيلة الفنش مثل طيور الزيبرا والحسون والغولدن فينش، الذي يتميز بريش ملون أشبه بألوان القوس قزح وموطنه الأصلي القارة الأسترالية. كما تتواجد في المحمية بعض الببغاوات الصغيرة مثل طيور البادجي والكوكتيل واللوف بيرد التي نجح في ترويضها وجعلها تألف الزوار وتتناول الطعام من يدها، بالإضافة إلى طائر الحباك الذي اكتسب اسمه لشهرته في صناعة أعشاشه بإتقان، حيث ينسجها على الأشجار بطريقة فريدة ويمكن مشاهده أعشاشه متدلية من أشجار المحمية، حيث نجح الكريباني في زيادة أعدادها في المحمية، ويغطي جسمه ريش أصفر مع وجه أسود أو بني وموطنه الأصلي قارة إفريقيا وجنوب وغرب الجزيرة العربية وبعض أجزاء آسيا. كما تتواجد مجموعة كبيرة من الطيور منها طائر البربيت اللحوي والبربيت الآسيوي القادم من سومطرة والكاردينال ذو العرف الأحمر والصفاري وغيرهما من الطيور النادرة. 
وللبط تواجد ملحوظ في المحمية بمختلف أنواعه ومنها البط الأسترالي وبط المهرج وبط الخشب وهو من أشهر الطيور المائية التي تعيش في أمريكا الشمالية، ويتميز الذكر من هذا النوع من البط برأس أخضر وبطن باللون الأحمر والأبيض، أما الأنثى فتتميز برأس رمادي اللون وبط الماندرين، وموطنه الأصلي جنوب شرق آسيا، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى ريشه الملوّن الذي يشبه فاكهة الماندرين، كما يعيش في المحمية التم الأسود الذي يتميز بمنقار أحمر زاهٍ وموطنه أستراليا ويعيش في الأنهار العذبة والبحيرات المالحة والمستنقعات، وطيور الفلامنغو أو النحام الوردي الذي نجح في التأقلم والتكاثر بالمحمية.   
ترجع ندرة تلك الطيور التي تحتويها المحمية إلى تضاؤل أعدادها في الطبيعة بسبب العديد من العوامل، منها الكوارث الطبيعية وقطع الأشجار والافتراس من الحيوانات الأخرى، ومن بعض الممارسات التي يقوم بها الإنسان، كالصيد الجائر، ما أدى إلى انقراض العديد من الأنواع حول العالم ودخول الكثير منها في لائحة الطيور المعرضة للانقراض. وهنا يأتي دور المحميات الطبيعية التي تساهم بشكل فعّال في حماية النادر منها من خطر الانقراض. 

انقراض الطيور
وقد لعب التطور الصناعي والنمو العمراني دورًا كبيرًا في انقراض أعداد كبيرة من الطيور، فقطع أشجار الغابات لاستغلال مساحاتها في بناء المنشآت الصناعية والسكنية ساهم في تدمير تلك البيئة التي تشكل ملاذًا ومسكنًا لها وتوفر لها التغذية، كما أن تلك المباني وناطحات السحاب الشاهقة تؤدي إلى نفوق الكثير من الطيور باصطدامها بها خلال فترات الهجرة السنوية. 
والتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة عالميًا وكميات الأمطار والجفاف، أدت إلى انقراض العديد من الأنواع حيث تؤثر تلك التغيرات على مواقيت الهجرة السنوية التي اعتادت عليها الطيور، وقد يدفعها التغير المناخي إلى البحث عن أماكن أبعد من الأماكن المعتادة للتكاثر، مما يؤدي إلى نفوق أغلبها خلال تلك المسافة الطويلة، وتصبح الطيور أكثر عرضة للأمراض حيث تضعف أنظمتها الدفاعية لمحاربة الأمراض.
 يذكر أن بعض العوامل الأخرى كالمبيدات الحشرية السامّة تشكل خطرًا كبيرًا على صحة الطيور وتغذيتها، حيث تقتل تلك المبيدات الكثير من الحشرات التي تتغذى عليها الطيور في الطبيعة. وقد يؤثر انقراض أنواع من الطيور على نمو بعض النباتات في الطبيعة، حيث تلعب الطيور دورًا في نثر البذور التي تأكل ثمارها ونقلها إلى أماكن بعيدة.
وقد نجحت محمية الكريباني بعد سنوات من التجارب في توفير بيئة مقاربة للبيئة الطبيعية لتلك الطيور، واستطاعت بجهود القائمين عليها جعلها تتأقلم، بل وتتكاثر وسط هذه البيئة القاسية وتتزايد أعداد بعضها في الأسر، كما نجحت المحمية في جمع العديد من الأنواع في مكان واحد، ويصعب تواجد مثل هذا النوع من المحميات التي تجمع كل هذه الأنواع في مساحة صغيرة نسبيًا وهي جهود تستحق الشكر لنشر الوعي البيئي محليًا وجعل الكويت في مصاف الدول التي تهتم بالحياة الفطرية والبيئة وهناك مشروع مستقبلي لإنشاء محمية خاصة بالبط ومحمية أخرى تحتوي على طيور البطريق.

استقبال الزائرين
وللراغبين في زيارة المحمية يرحب المهندس بدر الكريباني وإخوته بزوار المحمية، حيث يقومون باستقبال طلبة المدارس والجامعات والباحثين والمهتمين بتربية ودراسة سلوك الطيور من دولة الكويت وخارجها، كما يقومون باستضافة العديد من هواة التصوير والقيام بورش تصوير للطيور، مساهمة منهم في دعم الأنشطة المجتمعية وزيادة الوعي بأهمية المحافظة على البيئة، ونشر وعي بيئي للمساهمة أيضًا في حفظ وحماية الطيور التي تتواجد على الأراضي الكويتية. ويمكن زيارة المحمية من خلال حجز موعد مسبق عن طريق حساب المحمية على تطبيق الإنستقرام ■