الرسّامون الاستشراقيون العسكريون من التفتيش عن الشهرة إلى الترويج للاحتلال

الرسّامون الاستشراقيون العسكريون  من التفتيش عن الشهرة إلى الترويج للاحتلال

حين نستعرض الرسم الاستشراقي الفرنسي الذي اكتسب زخمًا كبيرًا في القرن التاسع عشر، يلفتنا بعض الرسّامين الذين عرفوا الشهرة من خلال انصرافهم لرسم المعارك والأحداث المرتبطة بالحملات العسكرية، وقد أُطلق على تلك المجموعة في الإعلام، ولاحقًا في كتب النقد الفني، اسم «الرسّامون العسكريون».

 

 من بين هؤلاء من كان لديه الحظوة بأن كُلّف رسميًا لتخليد ذكرى تلك الأحداث أو لاستنهاض الهمم في البلد الأم حين كانت تتعالى الأصوات مندّدة أو مشكّكة بجدوى تلك المغامرات، فيما آخرون خاضوا تلك التجربة سعيًا وراء الشهرة. لذا هناك سؤال لا يزال يُطرح إلى اليوم: ما القيمة الفنية لتلك الأعمال، وهل نُدرجها في خانة الفن أم التأريخ؟ 

الحملة الفرنسية إلى مصر وبدايات الرسم الاستشراقي العسكري: جان - أنطوان غرو
كان للحملة الفرنسية على مصر عام 1798 أثر كبير في إعادة وهج الشرق وصورته المتألقة إلى أذهان الفرنسيين الذين تتبّعوا بشغف واهتمام انتصارات نابليون بونابرت. وبالرغم من جهل الجمهور بحقيقة ما يجري وبالتفاصيل العسكرية والجغرافية، فقد بدا متحمّسًا لسماع أسماء مدنٍ طالما استهواه جمالها في كتب التاريخ، وخاصة في الكتاب المقدس، كبيت لحم والناصرة وعكا... إلخ.      
في الواقع، كانت حملة بونابرت التقاءً فريدًا للشرق بالغرب. فعدا عن كونه أول احتكاك مباشر بعد الحروب الصليبية، فإن بونابرت تقرّب بشكل واضح من السكان العرب وعمل جاهدًا على احترام تقاليدهم ومعتقداتهم. وقد قام بعض الأدباء والمؤرخين ممن رافقوه بتدوين مشاهداتهم، مثل فيفان-دونون الذي نشر عام 1802 كتابه «رحلة إلى مصر العليا خلال حملات الجنرال بونابرت»، وفيه من الرسوم والخرائط ما يكفي لإثارة خيال الجمهور. من هنا، دفعت هذه الحملة وما رافقها من معارك بعض الرسّامين إلى استلهام هذه الأعمال البطولية لتصوير مراحل من حياة بونابرت في الفترة الشرقية. ومن أبرز هؤلاء البارون جان-أنطوان غرو (1771-1835) Jean-Antoine Gros الذي أعطى الرسم الاستشراقي دفعًا دون أن تطأ قدماه أرض الشرق. 
يُعتبر غرو من أوائل الرسّامين الرومانسيين، وقد تعرّف إلى الشرق عبر دراسة الوثائق الدبلوماسية وكتب الرحّالة وتقارير العسكريين، وعمل جاهدًا للوصول إلى الدقة في رسم الأحداث والأزياء الشرقية. أما لوحته الأولى في هذا الإطار فكانت «معركة الناصرة» (1801) Combat de Nazareth المحفوظة في متحف مدينة نانت. وقد استقى غرو معلوماته من الجنرال جونو الذي أعطاه تخطيطًا مفصّلًا عليه توقيعه لأرض المعركة وخطة القتال وتوزيع الجيوش، فحاول توخّي الدقّة في تصوير الحدث وفي إبراز اللون المحلّي.
أما اللوحة التي استقطبت اهتمام الجمهور وأعطت اللون الشرقي زخمًا جديدًا فكانت «مصابون بالطاعون في يافا» (1804) Les pestiférés de Jaffa المحفوظة في متحف اللوفر، وفيها نرى بونابرت يلمس قروح أحد المصابين. وما لفت الانتباه هو اعتماد الدقة في رسم الإطار العام. فالبهو الذي يتجمّع به المصابون هو نموذج لبناء شرقي، كما أن الوجوه والملابس والألوان تقترب كثيرًا من صورة الشرق الحقيقية. وقد نجح غرو في لعبة الضوء والظل كما في لعبة الألوان. إلا أن أهمية اللوحة تكمن في الجانب البروباغندي، المتعلق بتجميل صورة الجنرال وتمجيده. فبونابرت يلمس صدر أحد المرضى، بينما يحاول كبير الأطباء منعه، وخلفه ضابط ثالث يضع منديلًا على فمه. كل هذه الإيحاءات تشير إلى شجاعة بونابرت وتعاطفه مع جنوده. وقد دغدغت هذه اللوحة المخيلة الشعبية ولاقت استحسانًا كبيرًا من قبل الجمهور. 
 أما اللوحة الثالثة فكانت «معركة أبو قير» (1806) La bataille d’Aboukir المحفوظة في متحف فرساي، وفيها جمع غرو عناصر كثيرة لجأ إليها الرسّامون الاستشراقيون من بعده. ففي هذه اللوحة يُبرز الأعلام والأسلحة والأزياء، كما يركّز على العنف المرافق لصورة الشرق. فالأحصنة متهاوية والجرحى في العراء يئنّون وينزفون. هذه الصورة للشرق سوف تؤثّر كثيرًا في الرسّامين الرومانسيين الذين اعتبروا طويلًا أن الشرق هو موطن العنف والمشاهد الحسّية المثيرة للخيال. 

احتلال الجزائر: الريشة في خدمة السياسة والعسكر
في عام 1827، اتخذت فرنسا من الحادثة المشهورة باسم «مروحة الداي» ذريعة لها لاحتلال الجزائر، إذ اعتبرتها افتئاتًا على كرامة الدولة الفرنسية، وطالبت باعتذار رسمي لتُتبعه بحصار للشواطئ الجزائرية عام 1829. ثم كانت هذه الحادثة السبب المباشر الذي تذرّعت به الدولة الفرنسية لإعلان الحرب على الجزائر في 25 مايو 1830 وتمكّنت من احتلالها في السنوات التي تلت (1830-1848). 
بالطبع ترافقت الحملة على الجزائر مع مناقشات حامية في البرلمان، وزاد الطينة بلّة المقاومة الضارية التي قادها الأمير عبدالقادر وما كان لها من انعكاسات سيئة على الجيش الفرنسي الذي لم يستطع بسط سيطرته الفعلية على المدن والمواقع الاستراتيجية إلا عام 1848. وأتى قرار زرع المستعمرات الأوربية في الجزائر ليزيد الموضوع تعقيدًا ابتداء من عام 1834 بين المؤيدين والمعارضين. هذا الجو المتوتر الذي كان له الصدى الواسع في الصحافة الفرنسية حوّل الأنظار باتجاه المشكلة الجزائرية. فالأعمال العسكرية والبطولات و«عظمة فرنسا» عادت تغذّي مخيلة الكتّاب والرسّامين بعد أن دغدغتها الحملة الفرنسية على مصر.
هكذا ابتداء من عام 1830 بدأت تغزو المعارض الفنية السنوية لوحات مستوحاة من حرب الجزائر. واستغل هذا الموضوع في البدء رسّامون مغمورون لم يستطيعوا تخليد أسمائهم أو التأثير في الجمهور. وقد جاءت معظم لوحاتهم تكرارًا باهتًا للمشاهد نفسها. ومما زاد من تبسيط وتشويه الوقائع هو أن وزير الحربية الفرنسي أعطى أوامره لبعض الرسامين بالانضمام إلى فيالق الجيش ورسم البطولات والأمجاد العسكرية للتأثير في الجمهور الذي كان لا يزال متأرجحًا بين الرفض والتأييد. لكن في خضمّ هذه «الهجمة الفنية» على الجزائر، تمكّن بعض «المبعوثين الرسميين» من تمييز أنفسهم، وإن لم يتمكّنوا من تصدّر الساحة الفنية لمدة طويلة. من بين هؤلاء: بيار-جوليان جيلبير (1783-1860)، أستاذ الرسم في المدرسة المَلَكية البحرية الذي عُيّن رسّامًا رسميًا للحملة على الجزائر، فواكب بالرسم انطلاق الحملة من مرفأ طولون، قبل أن يعرض بعد عودته عام 1831 لوحتين لاقتا بعض الاستحسان: «إنزال سيدي فرج» Le débarquement de Sidi-Ferruch، «هجوم على حصون ودفاعات الجزائر من قبل البحرية الفرنسية» Attaque des forts et batteries d'Alger par l'armée navale. ثم عرض في السنوات التالية بعض اللوحات التي لم تكن إلا تكرارًا باهتًا لرسومه الأولى، ولم تسترعِ انتباه الجمهور.
بدوره عُيّن تيودور غودان (1802-1879) Théodore Gudin رسّامًا ملحقًا في قطاع البحرية، وقد عاد من الجزائر بموضوعات لرسوم أهّلته لأن يكون «صديق الأمراء والملوك»، والرسّام المفضّل لدى لويس-فيليب، الذي عيّنه بارونًا وكلّفه القيام برسوم تمجّد الإنجازات العسكرية للبحرية الفرنسية، من خلال تزيين المتحف التاريخي في فرساي. ومن أهمّ لوحاته: «الهجوم البحري على الجزائر العاصمة» (1831) 
من ضمن مجموعة «المبعوثين الرسميين»، يبرز اسم ألكسندر جونيه (1799-1850) Alexandre Genet الذي أُلحق بمكتب وزير الحربية ثم انضم إلى الكتيبة الطوبوغرافية، وكُلّف برسم المواقع الاستراتيجية التي يتوجّب على الجيش الفرنسي احتلالها خلال الحملة العسكرية على «معسكر» عام 1835. إلا أنه في إقاماته المتكرّرة في الجزائر لم يكتفِ بالرسوم العسكرية، بل لفتته جوانب عديدة من الحياة اليومية، فرسمها بالكثير من التعاطف. 
ولا يمكن هنا أن نغفل ذكر تيودور لوبلان (1800-1837) Théodore Leblanc هذا الضابط الرسّام الذي التحق بالدوق دورليان محاولًا تخليد مآثره في الجزائر، ومن بعدها طلب اليه الماريشال كلوزيل مواكبته في حملته على قسنطينة؛ أو أوجين إيزابي (1803-1886) Eugène Isabey الذي اشتهر بلوحاته البانورامية؛ أو أنطوان-ليون مورال فاتيو (1810-1871) Antoine-Léon Morel-Fatio الذي عُيّن رسامًا رسميًا للبحرية عام 1853؛ أو لويس غارنري (1796-1873) Louis Garneray الذي التحق بالحملة العسكرية، وترك لوحات عديدة لم تلقّ الوقع الحسن لدى الجمهور. 
أسماء كثيرة طمحت للشهرة، ثم طواها النسيان: لويس-فيليب كريبان (1772-1851) Louis-Philippe Crépin، كلود-أنطوان روزيه (1798-1858) Claude-Antoine Rozet، فيليب تانّور (1796-1873) Philippe Tanneur، الكولونيل لانغلوا (1789-1870) Colonel Langlois، فردينان واشسموس (1802-1869) Ferdinand Wachsmuth وغيرهم.

 المعارك الحربية ومعارك الشهرة: أوراس فيرنيه، أدريان دوزا، أوغوست رافيه
من بين مجموعة الرسّامين «الرسميين» استطاع أوراس فيرنيه (1789-1863) أن يخلّد اسمه وأن يحظى بشعبية واسعة في تلك الفترة ويترك أثرًا في تاريخ الاستشراق الفني. كان فيرنيه سليل عائلة اشتهرت بالرسم. فجدّه جوزيف فيرنيه كان رسّامًا معروفًا في القرن الثامن عشر، وكذلك والده الذي اشتهر برسم المعارك الحربية وكان مقرّبًا من كبار النبلاء الذين خلّدهم برسوم شخصية. أما أوراس، وبالرغم من أن عائلته مؤيدة للمَلَكية فقد ناصر نابليون، ثم أتت ثورة 1830 لتحمل إلى السلطة صديقه لويس فيليب. وعلى ما يبدو كان لديه سهولة الانتقال من تأييد هذا الحكم أو ذاك دون تمسّك بالمبادئ.
بدأ حياته الفنية برسم المعارك الحربية والمشاهد المأساوية، متأثرًا بالتيار الرومانسي الذي كان سائدًا، إلى أن أوفدته الحكومة الفرنسية إلى الجزائر عام 1833، حيث وجد معينًا لا ينضب من الموضوعات التي تستهوي الجمهور. مع تزايد شهرته انهالت عليه العروض الرسمية، وطلب إليه لويس فيليب أن يزيّن قاعة رئيسية في المتحف العسكري في فرساي. فما كان من فيرنيه إلا اختيار أحداث من احتلال الجزائر، فرسم ثلاث لوحات: «حصار قسنطينة» ، «قتال الحبرة»، ثم لوحته الضخمة الشهيرة «معركة الزمالة، أو استسلام قبيلة عبد القادر» Prise de la smalah d’Abd-el- Kader التي بلغ طولها 21.39 مترًا. هذه اللوحة البانورامية التي عُرضت عام 1845، هي الأضخم في القرن التاسع عشر، وهي تمثّل أكثر من معركة في لوحة واحدة وتبرز فيها شخصيات حقيقية فرنسية وجزائرية، إلا أن هذه اللوحة أثارت انتقادات حادّة لأحداثها الملحمية وخلوّها من الدقة والواقعية.
اقتصر نتاج فيرنيه في المعارض السنوية تقريبًا على الموضوعات الشرقية، وقد تنوّعت هذه الموضوعات بعد أن زار المغرب ومصر وسورية ولبنان وفلسطين، حيث أوحت له المناظر الإكزوتية بمجموعة من اللوحات تجاوزت الخمسمائة، ولكنها لم تؤمّن له الموقع المهم في عالم الاستشراق. فبقدر ما كانت تهبط عليه الإنعامات الرسمية والأوسمة، كان الجمهور يبتعد عنه والنقاد ينهالون عليه بالتجريح والتشويه، حتى إنه في نهاية القرن التاسع عشر تحاشى الكثير من النقّاد والكتّاب ذكر اسمه. وقد بقي مغمورًا طيلة القرن العشرين، ولم يُصر إلى التفتيش عن لوحاته وعرضها إلا عام 1980 في باريس وروما.
أما الرسّام العسكري الذي تحلّى بالدقة فهو أدريان دوزا (1804-1868). فبعد إقامته لفترة في مصر وزيارته لفلسطين وسورية ولبنان، أتى تكليفه من قبل الحكومة الفرنسية بمواكبة الدوق دورليان وتسجيل وقائع الحملة على قسنطينة التي كانت تشكّل المتاعب للحكومة بثوراتها المتكرّرة. وصلت الحملة إلى الجزائر-العاصمة في 25 سبتمبر 1839، ومن ثم توجّهت إلى قسنطينة عبر بجاية وجيجل وسطيف، حيث شهد دوزا بأم العين استسلام المقراني. وتابعت الحملة المؤلفة من ثلاثة آلاف جندي سيرها متسلّقة سلسلة جبال جرجرة عبر وادي بيبان المعروف بـِ «بوابة الحديد». وكان دوزا يدوّن مشاهداته بدقّة، خاصة الطبيعة الصخرية الوعرة وما توحيه من رهبة. وقد ظهرت أولى رسوماته في كتاب شارل نودييه الذي كان الدوق دورليان قد كلّفه بدوره بتدوين وقائع الحملة التي اعتبرها من أهم الأحداث العسكرية في حرب الجزائر. 
ثم تتالت الرسوم الزيتية والمائية التي تعطينا عن هذه المعارك صورة حيّة وواقعية، منها: «حملة بوابات الحديد»، «السور الثالث لبوابات الحديد»، «ممر بيبان»، «مخرج بوابات الحديد». 
 
الدقة في الأسلوب
تُعتبر اللوحات المتعلّقة بحملة بوابات الحديد ذات طابع ملحمي. فإلى وعورة المكان الذي يشكّل ممرًا إلزاميًا بين الجزائر العاصمة وقسنطينة، يُضاف الحرارة الخانقة وبأس القبائل المحلية وشراستها في القتال، مما يجعل مغامرة الجنود الفرنسيين محفوفة بالمخاطر، وبالتالي فإن تخطّيهم لكل هذه العقبات يُعدّ عملًا بطوليًا. أضفْ إلى ذلك، فإن إبراز صورة بعض قادة القبائل المحليين يقاتلون إلى جانب الجنود الفرنسيين ويرشدونهم إلى الطريق يشكّل رسالة إلى الداخل الفرنسي بأن جزءًا من السكان المحليين يرحّبون بالوجود الفرنسي. وبذلك أتت لوحات دوزا لتصب في خانة مؤيدي الحكومة التي كانت تخوض معركة لا تقل شراسة في الداخل لتبرير هذه الحملة الخطرة والمُكلفة.
يُعتبر دوزا من الرسّامين الاستشراقيين الذين اعتمدوا الدقة في أسلوبهم، حتى اتهمه البعض بأن الخيال ينقصه. فهو بالغ في إبراز التفاصيل حتى قارب الفن عنده الصنعة. لذا لم يتمكّن بدوره من التأثير في مواطنيه لفترة طويلة، ولم ترسخ لوحاته في مخيلة الجمهور، فالفن لا يمكن أن يكون «رسميًا» أو تلبية لأوامر، إنما ينبع من الإحساس. وهكذا كان في نهاية أيامه منسيًا من الناس، حتى أن السلطة أحجمت عنه مفتّشة عن طاقة فنية أخرى تكون في خدمة مصالحها.
ولا بد من التنويه برسّام آخر استهوته معارك حرب الجزائر هو أوغوست رافيه (1804-1860) الذي اعتمد الرسم بالأسود والأبيض ليترك لنا ست لوحات شهيرة عن «حصار قسنطينة» (1837)، ثم اثنتي عشرة لوحة عن «سقوط قسنطينة» (1838). ومن اللافت أن رافيه لم يزر الجزائر ولم يتسنّ له مشاهدة المعارك، إنما استوحى رسومه من تقارير ومشاهدات الكتّاب والعسكريين الذين كانوا في عداد الحملة. ومن المستغرب أن رسومه قاربت الدقة أكثر من بعض الرسّامين الذين رافقوا الجيش الفرنسي إبّان معاركه العسكرية. من رسومه: «قتال في الشارع الرئيسي في قسنطينة» (1839)، «جيش عبد القادر» (1844).  
من الواضح أن الجزائر استقطبت الكثير من الرسّامين الفرنسيين ابتداء من عام 1830، إنما الطابع الغالب على نتاجهم هو المبالغة سواء في رسمهم للأحداث العسكرية التي اتخذت طابعًا ملحميًا وترويجيًا، أو في استخدامهم للملابس المزركشة والألوان الزاهية والمشاهد الغريبة، لأن هاجسهم الحقيقي لم يكن نقل المشاهدات بشكل دقيق بقدر ما كان التأثير في الجمهور القابع في فرنسا يترقّب الأحداث التي تدور في عالم بعيد أصبح تحت القبضة الفرنسية. لذا نرى الطابع الدعائي واضحًا في معظم اللوحات التي أُنجزت لتخدم مشروع السلطة التي أوفدت معظم هؤلاء الرسّامين ليكونوا جزءًا من الحملة العسكرية. من هنا بدا الاستشراق الفني في منتصف القرن التاسع عشر باهتًا وسطحيًا، إذ لم يسعَ الرسّامون إلى سبر أغوار النفس الشرقية والدخول إلى خفاياها، ولم يتعاملوا مع الواقع الجديد بمحبة وواقعية، لذا فقدَ الاستشراق الفني الذي «وضع الريشة في خدمة السيف» الكثير من جماله وحيويته وبدا صنعة سهلة لكل طالب شهرة■