زلزال

زلزال

خلَّف زلزال تركيا وسورية في السادس من فبراير 2023 ما لا يقل عن 53 ألف قتيل، وأضعاف هذا العدد من المصابين، وشرّد نحو خمسة ملايين، أما خسائره المادية فتجاوزت 150 مليار دولار، ناهيك عن الخسائر غير المباشرة، وتعطّل الحياة في المنطقة، وتوقّف العديد من الأعمال في أرجاء تركيا وسورية، وانشغال مئات الألوف بالحدث بين منقذ ومسعف ومنقّب ومساعد وطبيب وعسكري وإعلامي وعامل وسائق وغيرهم. وهذا الحدث أوقف العالم، وخاصة دول الجوار على أقدامها ترقّبًا وقلقًا وخوفًا وتعاطفًا وإنسانية، ولن تعود الحياة إلى طبيعتها لمنطقة الزلزال إلا بعد سنوات؛ فما دُمّر في دقائق يحتاج إلى وقت طويل لإعادة الإعمار ومعالجة الأضرار.
إن الزلازل لا تقتصر على هزّات أرضية قوية تضرب مناطق معينة، بل لكلٍّ زلزاله على مستوى الدول والمجتمعات والأُسر والأفراد؛ فالحرب زلزال، والوباء زلزال، والعاصفة زلزال، والفيضان زلزال، والعمل الإرهابي زلزال. وعلى المستوى الشخصي؛ فإن كل حدث صادم زلزال؛ ففقد حبيب زلزال، ومرض شديد زلزال، وخيبة أو خيانة غير منتظرة زلزال، وعقوق ابن زلزال، والفشل زلزال، وخسارة كبيرة زلزال. وحتى الأحداث السارّة قد تحدث زلزالًا إن كانت قوية غير متوقعة؛ كفوزٍ بجائزة كبرى، أو هدية ثمينة جدًا، أو منصب رفيع، أو ميراث كبير، أو سفر مرغوب مفاجئ، ولكل زلزال آثاره ونتائجه وكلفته المادية أو المعنوية أو كلتاهما.
ما يميّز الزلازل - أيًا كانت - أنها تأتي فجأة، ولا يمكن التنبؤ بها بدقة مكانيًا وزمانيًا، وكما أن جودة البناء ضرورية لمقاومة الزلازل بأنواعها، فإن مرونة المرء وقوته النفسية وقدرته على التكيف ضرورية للتعامل مع زلازله الشخصية، وتجاوزها بسرعة دون خسائر أو كُلف كبيرة. ومن النباهة وبُعد النظر أن يكون المرء مستعدًا لكل شيء، لا يُؤخذ على غفلة، فدوام الحال من المحال. وليخشَ أن يضرب زلزاله المدمر دون مقدمات أو علامات، ولذا عليه أن يُعدَّ العدة، ويُحضّر الزاد، و﴿خَيْر الزَّادِ التَّقْوَى﴾. ولا أجمل من أن يكون المرء على أهبة الاستعداد للرحيل في كل لحظة؛ ليس في العبادة فقط، وكل عمل خير عبادة، بل أن يحرص على سلامة الصدر، وبرّ الوالدين، وعدم ظلم أحد، وإتقان العمل، والصدق، وأداء الحقوق والأمانات، وجبر الخواطر. باختصار؛ أن يكون إنسانًا حقيقيًا في كل لحظة من لحظات حياته، لا يحيد عن سبيل الخير والجمال والحق والنور، وإن تعثّر فليتدارك أمره بسرعة، وليعد إلى سبيل الرشاد.
الحياة قصيرة، مهما طالت، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾، ومتى تموت، فالحذر الحذر أن تكون ضحية زلزال لم تحسب حسابه، وظننت أنك محصّن ضده، بمنأى عن أخطاره. والسعيد السعيد من إذا حضره زلزاله، وجده في أحسن حال، كأنه وإيّاه على موعد، فغادر مستبشرًا، ولم يكن ممن يقولون ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ ■