العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي

العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي

تتمتع الهند والعالم العربي بعلاقة وثيقة منذ القدم ظهرت عبر التبادل الثقافي بين هاتين الحضارتين القديمتين، والشواهد التاريخية تثبت هذه العلاقات وكونها غارقة في القدم كما نجد في الأسطورة الدينية أن أول شخص سيدنا آدم عليه السلام هبط في سيلان (سري لنكا) وسافر عن طريق الهند إلى شبه الجزيرة العربية حيث قابل حواء عليها السلام في عرفات بعد ما هبطت في الجدة. والعهود القديمة تحمل الشواهد الكافية لإثبات العلاقات التجارية بين الهند والعالم العربي خلال فترة سليمان عليه السلام.

والهند بصفتها مهدا لكثير من الديانات والثقافات، كان هناك تبادل مستمر للأفراد والعلماء بينها وبين العالم العربي من الزمن القديم، وكثير من العلماء يرون أن تاريخ وصول العرب إلى الهند ليس قبل ألف سنة فقط بل يرجع إلى زمن آدم عليه السلام حيث هبط في دجنا (معناها في اللغة الهندية، الجنوب)، والعالم الكبير الهندي السيد سليمان الندوي نقلا عن الحديث يقول إن آدم عليه السلام هبط من جنة السماء في سيلان (سري لنكا) التي كانت جزءا من الهند آنذاك، ويضيف قائلا إن كثيرا من الأشياء مثل المسك والتوابل كانت تصدر من جنوب الهند إلى الدول العربية. وقد أفرد الشيخ غلام علي آزاد البلغرامي (1704- 1785م) فصلا خاصا لهذه الروايات في كتابه «سبحة المرجان في آثار هندوستان».

ومن الزمن القديم، كانت هاتان الحضارتان في روابط مستمرة مع تبادل الأشياء والآراء والأشخاص والثقافة. ومع مرورالزمن، بلغت العلاقات بين الهند والعالم العربي مسارًا مميزًا مع حركة الناس من الهند إلى العالم العربي وبالعكس في شكل الزيارات وهجرة الأيدي العاملة. وهذه المقالة تسعى لبحث التبادل الثقافي مع الإشارة إلى التبادل الأدبي.

عرف العرب الهند في جاهليتهم قديما بسبب رحلاتهم التجارية، فقد كانوا يختلفون إلى المناطق الساحلية للهند والسند وعرفوا الأشياء التي تباع في أسواقها والناس الذين سكنوها. وقد سافر العرب بالطريق البري والبحري، فقد عرفوا المدن الساحلية الواقعة على الساحل الطويل لبحر العرب، وكانت رحلات مجموعات العرب التجارية تمتد إلى خليج البنغال وبلاد الملايو وجزر إندونيسيا حتى كونوا لهم المستوطنات على الساحل الجنوبي الغربي. «كان التجار العرب يصدرون خيرات الهند إلى اليمن، ومنها إلى بلاد الشام وكانت هذه الأموال تباع في أسواق مصر وأوربا».

ومن ناحية أخرى، كان الهنود يرحلون إلى العالم العربي ويشاركون حياة العرب اليومية، فاختلطوا معهم حتى تأثروا بحياتهم وأثروا فيها بجميع نواحيها الفكرية والاجتماعية واللغوية، وهذه الزيارات ساهمت في التقارب الديني نظرا للمشتركات بين العقيدة الهندوسية والعقائد الموجودة في غرب آسيا آنذاك.

وحضارة وادي السند كانت إحدى الحضارات المعروفة الأولى في العالم مع درجة عالية من التحضر. وازدهرت هذه الحضارة في سهول نهر السند والمناطق المجاورة التي هي الآن في باكستان وغرب الهند. وأصبحت المدن الأولى أقرب إلى ثقافة حضرية واسعة النطاق قبل 4600 عام واستمرت هيمنتها على المنطقة ما لا يقل عن 700 سنة من عام 2600 إلى1900 ق.م. وفي عام 1920 اكتشف علماء الآثار هذه المدن والقرى المدفونة في وادى نهرالسند كبقايا حضارة غير مكشوفة، ويرجع تأريخ المدن الأولى في جنوب آسيا إلى 2600 قبل الميلاد، وينتمي الناس الذين بنوا وحكموا هذه المدن إلى ثقافة الهاربان أو حضارة وادي السند كما يشير علماء الآثار. وهذه الحضارة تطورت في نفس الوقت تقريبا كما تطورت المدن الأولى لمصر وبلاد ما بين النهرين.

وانتشرت هذه الحضارة في منطقة واسعة من الجبال المرتفعة من بلوشستان وأفغانستان إلى المناطق الساحلية للمكران والسند وغوجارات، وهناك أدلة مادية على وجود الاتصال التجاري بين الثقافات المحيطة بها في منطقة الخليج العربي وغرب ووسط آسيا وشبه جزيرة الهند خلال ذروة هذه الحضارة.

واعتقد المؤرخون العرب في الفترات المختلفة أن السند والهند هما بلدان مختلفان، والسند كان محاطا بالحدود من الهند وكرمان وسجستان، أما المناطق الأخرى على الحدود مع الصين فكانت تعتبر الهند، والهند كانت معروفة لدى العرب باسم هندوستان. وتسمى هاتان المنطقتان الآن الهند وباكستان على التوالي. وكانت كل من المكران والسند تعتبران جزءا من الهند من الزمن القديم. والأدب العربي كثيرا ما يخلط بين السند والهند على الرغم من وجود الهند والسند في مراجع الأدب العربي ككيانين منفصلين جغرافيًا وسياسيًا.

وقد أثرت التفاعلات التجارية المتواصلة بين العرب والهنود خلال هذه الفترة في لغة كل منهما وثقافته. ووصلت بعض السلع الهندية إلى العالم العربي، وسماها العرب بالهندي والمهند. وكان السيف الهندي مشهورا جدا في العالم العربي وأطلق عليه الهندي والهندواني والمهند. واكتسبت هذه السيوف سمعة جيدا كونها مرنة جدا وحادة. والشعر العربي الجاهلي يشير إليها وإلى العديد من السلع الأخرى. وكانت تحظى بشعبية كبيرة بين البدو. كما قال الشاعر الكبير طرفة بن العبد (538-564) في السيف الهندي:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند

ويذكر امرؤ القيس (نحو 497-545م) المسك والقرنفل في معلقته:

إذا قامتا تضوع المسك منهما
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

وكثير من الكلمات الهندية مثل الصندل والتنبول والقرنفل والنارجيل وغيرها كانت تحظى بشعبية كبيرة وتستخدم على نطاق واسع بين العرب، على الرغم من أن العلماء يختلفون على الكلمات غير العربية المستخدمة في القرآن الكريم، ولكن العالم الكبير السيد سليمان الندوي يقول: نحن نفتخر أن بعض الكلمات الهندية مثل المسك والكافور وزنجبيل موجودة في القرآن الكريم. وكان العرب يستوردون من الهند كثيرا من المنتجات مثل الأحجار الكريمة والتوابل والأخشاب والألوان والأصباغ والفواكه والحيوانات والطيور. ومن ناحية أخرى، كانت الهند تستورد بعض السلع العربية مثل النخيل والخيول من البصرة. وكان العرب يصدرون إلى الهند كثيرا من المنتجات المحلية والبضائع المجلوبة من مصر والشام وأفريقيا، ومنها الخيل والعطور والأقمشة والمرجان والفضة والزعفران والتمور وغيرها.

والقاضي أطهر مباركفوري نقلا عن الحديث يقول إن السلع الهندية مثل المسك والكافور والزنجبيل والقرنفل والفلفل والعود والسيوف والملابس كانت تستعمل بين العرب على نطاق واسع، ويمكن لأي شخص أن يجد عديدا من المراجع لشعبية البضائع الهندية في الحديث.

ولم تقتصر الاتصالات الثقافية على التفاعلات اللغوية فحسب بل تعدت إلى مجموعة واسعة من الأنشطة التي تتراوح بين القائمة وتسمية الاشخاص والقبائل، وكثير من الأسر المتميزة في العالم العربي تحمل اسم الهندي. والهند لاتزال تستخدم كاسم شعبي على نطاق واسع من قبل النساء العربيات. وقد ساهم العرب في تسمية هذه المنطقة «هندوستان».

وعزز انتشار الإسلام هذا الربط بشكل هائل، وصل الإسلام إلى الهند بشكل رئيسي من التجار العرب الذين كانوا ناشطين في التجارة البحرية في مدن الهند الساحلية في القرنين السابع والثامن قبل الميلاد، ومع ظهور الإسلام والنمو المتزايد في حجم التجارة العربية، ساهم التجار العرب المسلمون حيويا في تجارة الهند الساحلية وبدأوا التحدي لهيمنة التجار الآسيويين الجنوبيين.

أما الهنود الذين زاروا العالم العربي خلال هذه الفترة فكانوا من العلماء والمثقفين والأطباء وتجمعوا في بغداد التي كانت مركزا كبيرا للنشاط الفكري والثقافي آنذاك. والتاريخ الشفوي حول رحلة بيرومل جيرمن Perumal Cheraman الملك الأخير من سلالة Chera إلى مكة المكرمة للقاء مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحظى بشعبية كبيرة في جنوب الهند. وتختلف الآراء حول لقائه مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بيرومل جيرمن توفي في عمان في طريق عودته من مكة المكرمة، ودفن في صلالة.

العلاقات الهندية - العربية بعد الإسلام

يرجع تاريخ وصول المسلمين الى الهند عموما إلى الفتح العربي للسند ولكن قبل فترة طويلة من ذلك كانت مستوطنات العرب موجودة على الساحل الجنوبي الغربي من الهند، ومع ذلك، تختلف الآراء حول ظهور الإسلام في الهند، وهناك رأي بارز يقول إنه كان هناك وجود العرب في منطقة السند قبل الغزو العربي لها. وعلى الرغم من أنهم كانوا عددا قليلا لكن وجودهم كان ملحوظا.

والجيش العربي بقيادة محمد بن القاسم غزا السند في عام 710م بناء على أمر الحجاج وهزم مكران وقبض على بلوشستان، وأخيرا فتح السند عام 711. وهذا الفتح أدى إلى احتلال دائم للسند والبنجاب الجنوبية، ولكن بقيت المناطق الأخرى من الهند إلى نهاية القرن العاشرعندما بدأ غزو جديد تحت قيادة محمود الغزنوي.

ورحب سكان المدن المحتلة بمحمد بن القاسم بصفته محررا وساعدوه ضد الطغاة. وكانت سياسة الحجاج ومحمد بن القاسم الليبرالية وراء توقعات أهالي السند. وكان الهندوس يتمتعون بتلك الدرجة من الحرية الدينية التي كان يتمتع بها المسيحيون من الحرية الدينية واليهود في الدولة الإسلامية بدفع الجزية.

وأدى حكم المسلمين في شمال الهند الى آثار بعيدة المدى في مجال الثقافة والتعليم. وقد تم إرسال بعض العلماء المسلمين من السند إلى مكة المكرمة لتعلم الفقه الإسلامي. وفي الجانب الآخر زار علماء العرب الهند لغرض تعلم الرياضيات والعلوم والفلك والفلسفة. وقام العرب بتوفير بعض الابتكارات التكنولوجية وأقاموا بعض المصانع الجديدة في السند. وقد تم تطبيق بعض أساليب جديدة في مجال الزراعة من قبل العرب.

العلاقات الثقافية

أما العلاقات الثقافية بين العرب وجنوب الهند فيرجع تاريخها إلى قبل دخول الإسلام الهند.

وقد ساهمت التجارة ذات المسافات الطويلة في تعزيز العلاقات الثقافية بين الهند والدول العربية. وعلى مدى القرون، كانت الهند ملتقى لعديد من الثقافات. وكانت هناك رحلات كثيرة من الروم والصين والعرب إلى سواحل الهند الجنوبية والغربية بحثا عن التوابل. وامتصت الهند أفضل هذه التأثيرات وبقيت كمستودع مثالي لجميع الثقافات المختلفة على مدى قرون طويلة.

وتاريخ علاقات الهند مع العالم العربي يعود إلى 5000 سنة. وأثبتت الحفريات الأثرية في جميع أنحاء المنطقة روابط العرب التجارية مع الحضارة الهندية في موهن جودارو وهربا (Mohenjodaro and Harappa). وهناك أدلة على العلاقة بين حضارة الهاربان ومجتمع دلمون. والتجار العرب قبل الإسلام قاموا بدور الوسطاء في التجارة بين بهاروش (Bharuch) في ولاية غوجارات وبودنتشيري (Puduchery) والبحر الأبيض المتوسط عن طريق الإسكندرية.

وكانت العلاقات بين الهند والعرب في جنوب الهند على مسار مختلف. فقد جاء العرب إلى الشمال كفاتحين ومارسوا قوتهم السياسية، أما في الجنوب فلهم تاريخ مختلف لوصولهم، فقد جاءوا كمسافرين وتجار وأحيانا مبشرين. ولم تكن العلاقات تستند إلى الخصومة السياسية بل إلى الصداقة والمحبة. ووفرت هذه العلاقة فرصة ملائمة لانتشار الإسلام والتبادل الثقافي والتواصل الفكري بكل سهولة. كما أدت إلى الزيارات العادية للعلماء وتبادل الثقافات من كل جانب. وبعض العلماء يرجعون الدراسات حول الحديث من قبل الهنود إلى الأيام الأولى من وصول الإسلام إلى الهند، في الجنوب في القرن السابع وفي الشمال في القرن الثامن.

وقد قام العلماء المسلمون من مطلع القرن الثامن الميلادي إلى ابي ريحان محمد بن احمد البيروني (973-1048م) في كتاباتهم بتوثيق الروابط الثقافية بين الهند والعرب بما فيها المساهمات الهندية في الفكر والثقافة العربية. ولم تكن الزيارات بين الهند والعالم العربي مخصصة للتبادل العلمي فقط بل للتفاعل الثقافي أيضا على المستوى الشعبي.

أما العلاقات الثقافية المباشرة بين العرب والهنود فيبدأ تاريخها بعد ظهور الإسلام وتحديدا مع تأسيس الخلافة العباسية في منتصف القرن الثامن الميلادي. وكانت هذه الفترة بداية لتاريخ طويل من التواصل الثقافي الذي استمر عدة قرون. وكانت عملية التبادل الثقافي نشطة، وتم تعميم ونشر أكبر قدر ممكن من المعرفة في مجال العلوم والفنون والدين والفلسفة والقيم الاجتماعية والأفكار والقيم الثقافية. وقد ترجمت الكتب الهندية الى اللغة العربية في مواضيع مختلفة تتراوح بين الطب والرياضيات وعلم الفلك تحت رعاية الخلفاء العباسيين وخاصة تحت رعاية الخليفة هارون الرشيد.

وكانت عملية الترجمة من اللغتين اليونانية والسريانية في مختلف مجالات العلوم إلى اللغة العربية قد بدأت بعد ظهور الإسلام. ولكن الدولة الأموية شددت على العلوم الشرعية وكتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ فقط. ولكن خالد بن يزيد بن معاوية توجه إلى الطب والكيمياء خلال هذه الفترة.

ومع تأسيس الخلافة العباسية في بغداد، بدأت اللغتان الهندية والفارسية تحصدان أهمية كبيرة. وكان للخليفة العباسي المنصور (754-775م) شغف بالعلم. وتلقى وفدا من علماء الرياضيات من السند بقيادة مثقف هندي. ووصل الوفد إلى بغداد مع كتاب سوريا سدهانتا (Surya Siddhanta) في اللغة السنسكريتية، وقد رعى الخليفة نفسه ترجمة هذا الكتاب إلى العربية بمساعدة عالم الرياضيات في المحكمة إبراهيم الفزري.

واستقبل الخليفة المنصور وفدا من العلماء الهنود من السند مع نظريات مختلفة في الرياضيات وعلم الفلك. وقد ترجمت هذه النظريات إلى اللغة العربية بأمر الخليفة مع تعاون العلماء الهنود. وهكذا بدأ التعاون العلمي بين الهند والعرب حوالى منتصف القرن الثامن.

وقد عرف العرب الأدب الهندي العلمي لأول مرة بعد تقديم الأعمال السنسكريتية في بغداد من قبل هذا الوفد. ويشير إلى ذلك السيد سليمان الندوي نقلا عن الكاتب العربي الشهير الجاحظ أن يحيى بن خالد البرمكي دعا عددا من العلماء والأطباء الممارسين مثل منكا وبلها وبازغر وفبربل وسندباد إلى بغداد.

وأنشأ العباسيون «بيت الحكمة» في بغداد حيث جلس العلماء المسلمون وغير المسلمين معا وقاموا بترجمة الأعمال العلمية من جميع أنحاء العالم إلى اللغة العربية. وخلال هذه الفترة كان العالم الإسلامي بوتقة للثقافات التي جمعت المعرفة من كل الثقافات المتقدمة. وتنفيذا لسياسته أنشأ الخليفة مأمون هارون الرشيد بيت الحكمة عام 830م في بغداد التي كانت مكتبة وأكاديمية ووكالة للترجمة. وقد أصبح بيت الحكمة أهم مؤسسة تعليمية منذ تأسيس متحف الإسكندرية في النصف الأول من القرن الثالث.

وكانت مكة المكرمة مركزا للتجارة في شبه الجزيرة العربية. وأصبحت زيارتها للحج مناسبة لتبادل الأفكار والسلع. وبدأ العرب السيطرة على التجارة في بحر العرب ووصلوا إلى الشبكات التجارية الساحلية في الجنوب وجنوب شرق آسيا. ونمت الحضارة العربية الإسلامية وتوسع نطاقها لعالم غير معروف بحريا آنذاك.

التبادل العلمي

وكان علم الفلك أحد العلوم التي عرفها العالم العربي لأول مرة من خلال ترجمة كتاب Surya Sidhhanta السنسكريتي في نهاية القرن الثامن، وقد ترجم إبراهيم الفزري هذا الكتاب بناء على أمر الخليفة المنصور وأصبح العلماء العرب على اطلاع على التطورات التي حدثت في مجال علم الفلك في الهند. وبعد هذا، درس العرب علم الفلك الهندي بكل الجد والاهتمام. ومن الأعمال الفلكية السنسكريتية التي اطلع عليها العرب في ذلك الوقت: آريه بتيه (Aryabhatiya) لآريه بت (476) من كوسوم بوره وخند خدياكا (Khandkhadyaka) لبرهمه غبتا (598). والكاتب الشهير أبو ريحان محمد بن احمد البيروني أشار إلى بعض المراجع ذات الشهرة الهائلة التي اكتسبها علم الفلك بين الهنود.

وقد حصل علم الفلك على شعبية كبيرة في العالم العربي حينما تولى الخليفة منصور العرش. وكان مولعا بعلم الفلك، وذلك عندما قرر بناء مدينة بغداد، أمر ببنائها وفقا للقواعد الفلكية. وقد شغل عدد من علماء الفلك العرب أنفسهم بدراسة الأعمال الهندية وترجمتها مع أكبر كمية من الارتجال على أساس ملاحظاتهم. وقد كتب إبراهيم الفزري كتاب الزج في الفلك استنادا إلى كتاب Surya Siddhanta. ومجموعة طويلة من علماء الفلك مثل محمد بن موسى الخوارزمي وحبش بن عبدالله بن المروازي، استفادت من أعمال العلماء الهنود. ومساهمة علم الفلك الهندي في نمو وترقية علم الفلك العربي كانت على حد سواء مفهوما ولغة. وقد تم تعريب عدد من المصطلحات الفلكية السنسكريتية من قبل علماء الفلك العرب واستخدموها في معاهداتهم مثل كردجا (Karamajaya السنسكريتية) والجب (Jiva السنسكريتية) وبعده استبدلوا بالوتر المستوي.

ومثل علم الفلك الهندي ترجم العرب الرياضيات في أواخر القرن الثامن. وقد قام إبراهيم الفزري بترجمة المعاهدات الرياضية من اللغة السنسكريتية إلى اللغة العربية. ومن خلال ترجمة هذه الأعمال أصبح النظام العددي الهند ومفهوم الصفر معروفا لدى العرب. وقد علم العرب الرياضيات من الهنود وسموها الرياضيات الهندية أو الأرقام الهندية. واستفاد الأوربيون من الابتكارات الرياضية في الهند عن طريق العرب وأطلقوا عليها الأرقام العربية. ومن الصعب التوصل إلى نتيجة متى عرف العرب الرياضيات ولكن يقال إنهم عرفوها بترجمة Surya Siddhanta التي تتضمن الرياضيات والعدد في الفصول من الثالث عشر والرابع والعشرين.

وقد عرف العرب نظام الطب الهندي على الأرجح في وقت مبكر جدا، لأن قبيلة قريش من مكة المكرمة كانت تتاجر بالتوابل، وبالتالي كانت على اتصال دائم مع الهند وبلاد فارس.

وقد وصل علم الطب الهندي (الأيورفيدا) إلى العالم العربي بشكل صحيح بعد ترجمة عديد من الأعمال الهندية الكلاسيكية حول هذا الموضوع إلى اللغة العربية تحت رعاية الخلفاء العباسيين.

وكان انتشار الطب الهندي في العالم العربي مرتبطا بمرض الخليفة هارون الرشيد (786-809م). وكان الأطباء العرب غير قادرين على علاج الخليفة عندما كان يعاني من مرض خطير. ولذا دعا الخليفة طبيبا هنديا اسمه منكا بناء على اقتراح واحد من رجال الحاشية. وعالج منكا الخليفة وشفي الخليفة من مرضه. وقد منحه الخليفة العطايا وبعد ذلك عمل بمستشفى البرامكة. وقد ترجم منكا عددا من الأعمال السنسكريتية إلى اللغة العربية. ومن الأطباء الهنود الذين حصلوا على شهرة واسعة في العالم العربي كان ابن دهن وبلهه وصالح ابن أو سليل Bhela. ومن الأعمال الهندية المشهورة التي ترجمت إلى اللغة العربية Charaka Samhita وSusrud وHridya Astanka وSindhsan Siddhyoga وNidan وكتاب السم.

وبين الكتب الهندية المترجمة إلى اللغة العربية، كتاب Susurd (يطلق عليه العرب سسرو) وكتاب Chakara Smitha للطبيب الهندي الشهير Chakara. وكتاب Susurd الذي يحتوي على عشرة فصول مع تفاصيل علامات الأمراض وعلاجها.

وترجم كتاب Chakara Smitha لأول مرة إلى اللغة الفارسية ثم إلى العربية من قبل عبدالله بن علي. ومن الكتب الهندية المترجمة إلى اللغة العربية كتاب Nidan الذي يشرح 404 من علامات ومظاهر الأمراض فقط وليس العلاج. علاوة على ذلك، تمت ترجمة الأعمال الأخرى حول أنواع مختلفة من الثعابين وسمومها والعلاج للنساء الحوامل، والمسكرات والأمراض والأدوية وآثار الهوس والهستيريا إلى اللغة العربية. ومن المهم أن نظريات طبيبة هندية اسمها روضا قد ترجمت إلى اللغة العربية وكانت تلك النظريات تحتوي على الأمراض النسائية.

التبادل الأدبي

وقد تمت كثير من التفاعلات في مجال الموسيقى. والكاتب العربي الشهير الجاحظ أشاد بالموسيقى الهندية في كتاباته. ويقال إنه لم يترجم أي كتاب في الموسيقى الهندية في بغداد ولكن المؤرخ الإسباني القاضي سعيد الأندلسي (1070م) كتب عن كتاب اسمه «نفر» ومعناها «ثمار الحكمة» في الموسيقى الهندية توصل إليه العرب. ووفقا له فإن هذا الكتاب يحتوي على الألحان والأنغام. ومن الممكن أن يكون الكتاب قد وصل إلى العرب من خلال الترجمة من الفارسية. وكان يحمل عنوان «نوبر» بالفارسية وتعني «الثمر الجديد».

ونقلا عن صديقه الهندوسي، يقول السيد سليمان الندوي إنه يمكن أن يكون الند معناه الصوت في اللغة السنسكريتية. وكان المطربون من السند مشهورين جدا بين العرب، وكان الشعراء والمثقفون العرب يستمتعون بطربهم. وكان هناك مغن شهير من السند لدى ابي جميل، الشاعر الشهير في عهد المهدي (775-785م) وكان اسمه مطرز سندي مدني. وقد اشترى عبدالله بن ربيع مغنية هندية مشهورة خمار قندهارية بدرهمين وجلبها إلى الجزيرة العربية.

وبالمقارنة مع الكتابات العلمية الهندية، كانت الأعمال الأدبية باللغة السنسكريتية معروفة أقل لدى العرب، لم يكن هناك أي ترجمة عربية للأعمال الكلاسيكية. وقد ترجم بعض ما هو معروف وأصبح من الأدب الشعبي في العصور الوسطى.

وبقيت الملاحم الهندية الكبيرة والأعمال الفلسفية مثل Upnishads ورامايانا غير المترجمة في العصر العباسي على الأرجح بسبب محتواها الديني. ومن الأعمال الهندية الأدبية التي اكتسبت شهرة واسعة كانت كليلة ودمنة، وهي مجموعة من القصص التي تحتوي على أقوال حكيمة. وقد ألف العالم الهندوسي الكبير بندت وشنو شرما هذا الكتاب الشهير. وقد ضاع هذا الكتاب بعد ترجمته إلى اللغة البهلوية في القرن السادس الميلادي. وترجمه عبدالله بن المقفع إلى اللغة العربية باسم كليلة ودمنة في القرن الثامن الميلادي.

وفي العصر العباسي، أصبحت القصص والحكايات الهندية مشهورة بين العرب بعد ترجمتها. ومن الكتب المشهورة كانت كليلة ودمنة وسندباد كبير وسندباد صغير وكتاب البد وكتاب بوناسيف وبلوهر وكتاب آداب الهند والصين وقصة هبوط آدم وكتاب الطرق وكتاب الدبق الهندي (حول الرجل والمرأة) وكتاب السويرم وكتاب الشنق في التدبير وكتاب بيدبا (حول الحكمة والمعرفة) وكتاب عطر المشروبات.

ومن العلماء والأدباء الهنود الذين خدموا اللغة العربية وحصلوا على شهرة عظيمة في الدول العربية:

(1) أبو العطاء السندي (المتوفى 796م): كان أحد فحول الشعراء شهد احتضار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، كان أبوه سنديا وقد مدح بني هاشم وحاول التقرب إلى العباسيين فمدح أبا العباس السفاح ولكنه لم ينل ما كان ينتظره من عطاء فهجاه أيضا، ومما يدل على علو كعبه في صناعة الشعر أن أبا تمام ذكر مقاطع له في الحماسة.

(2) ابو الهندي (المتوفى 796م): هو غالب - وقيل عبدالمؤمن -بن عبدالقدوس، قد أدرك الدولتين: الأموية والعباسية، كان جزل الألفاظ وكان طريفا ماجنا ومغرما بالخمر، وقيل إنه أول من وصف الخمر في الإسلام، وقد تأثر أبونواس بشعره تأثرا شديدا.

(3) ابوالصلع السندي: كان شاعرا وطنيا، وهو أول من تغنى بأمجاد الهند في المجتمع العربي. ولم يصل إلينا من شعره إلا القليل ولكنه كان بمقدار لا بأس به.

وكان البيروني، أول عالم لترجمة الأعمال العربية العلمية إلى اللغة السنسكريتية. ونقلا عن Sachu ، مقبول أحمد يقول إن عمله كمترجم كان مزدوجا. وكان يترجم من اللغة السنسكريتية إلى اللغة العربية ومن العربية إلى السنسكريتية. إنه كان يريد أن يعطي المسلمين فرصة لدراسة علوم الهند وفي الجانب الآخر كان يسعى لنشر تعليم اللغة العربية بين الهندوس. وقد قام بترجمة Samkhya لكابيلا وكتاب Patanjali، لبراهماغوبتا وBrihatsamhita وLaghujatakam لواراها ميهيرا إلى اللغة العربية. وترجم أيضا عناصر إقليدس والمجسطي لبطليموس ونظرياته على بناء الإسطرلاب.

وبإقامة الممالك الإسلامية في شمال الهند وجنوبها وإدخال نظام التعليم العربي والشريعة جاء عدد كبير من علماء الدين ورجال القانون والتعليم إلى الهند خلال القرون الوسطى، كما زار بعض علماء المسلمين الهنود العالم العربي وحصلوا على وظائف مرموقة في مجال تخصصهم. فقد شهد التاريخ تبادل العلماء بين المنطقتين على نطاق واسع. ووفقا لتقاليد السيخ الدينية يقال إن جورو ناناك (1469-1539م) زار السعودية والعراق والتقى هناك العديد من علماء الدين وألقى المحاضرات في الأماكن العديدة.

وبعض الرحالة العرب، مثل ابن بطوطة المغربي، وجدوا أنفسهم في بعض الأحيان يتولون مناصب السلطة من جانب مضيفيهم، وكان ابن بطوطة قاضي دلهي لفترة، حتى أنه كان غير مألوف مع مدرسة الفقه الإسلامي المستخدمة في الهند. وقد وثق العلماء الهنود أيضا جمع عدد كبير من الأعمال الهندية في الدراسات القرآنية على مدى الخمسمائة سنة الماضية ، كما في الفقه الإسلامي على مدى فترة أطول.

وبعد العصر العباسي انخفض التفاعل الأدبي بين الهند والدول العربية. ولكن النهضة الثقافية في مصر في أواخر القرن التاسع عشر قادت إلى تشجيع تجديد الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الهندية وبالعكس. وترجمت أعمال بعض الشخصيات مثل طاغور والعلامة محمد إقبال إلى اللغة العربية من قبل علماء من مصر ودول عربية أخرى.

وترجم وديع الحقي في لبنان كتاب طاغور(Geetanjali) الحائز على جائزة نوبل للآداب. وقد تم ترجمة كتاب السيد سليمان الندوي الشهير حول العلاقات بين الهند والعرب وكتاب العلامة شبلي النعماني «الفاروق» الذي قام بترجمته د. جلال سعيد الحفناوي. كما تم ترجمة Gaodan للكاتب الأردي الشهير بريم جند إلى اللغة العربية. وقد نشرت مكتبة رضا في رامبور حاليا كتابا حول «الهند في الشعر العربي» الذي يقدم صورة الهند كما تتجلى في الشعر العربي. كما أعد المفكر والباحث المصري ثروت عكاشة موسوعة الفنون الهندية باللغة العربية في الآونة الأخيرة.

وهناك قائمة طويلة من العلماء الهنود الذين ساهموا مساهمة كبيرة في الحفاظ على العلوم الإسلامية بما فيها علوم القرآن والحديث والفقه الإسلامي واللغة العربية وآدابها في القرن العشرين. ومن غير الممكن أن نذكر كل الأسماء ولكن الذين قاموا بأعمال جليلة في هذا المجال هم العلامة أشرف علي التهانوي ومحمد أنور شاه الكشميري والشاه ولي الله الدهلوي والعلامة عبدالحي الحسني والقاضي أطهر المباركفوري والسيد سليمان الندوي وغلام علي آزاد البلغرامي والنواب صديق حسن خان والسيد أبوالحسن علي الحسني وآخرون.

وفي الآونة الأخيرة، يتم عقد اللقاءات الثقافية والأدبية بين الهند والعالم العربي على نطاق واسع ولاسيما بعد إنشاء المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي. وهذا المركز يبذل كل الجهد لتعزيز العلاقات الثقافية القديمة من خلال انعقاد البرامج الثقافية العربية في الهند وتطوير الثقافة الهندية في العالم العربي. ويقوم المركز بنشر الدراسات والبحوث بالجوانب الثقافية ويبذل قصارى جهده في تعزيز الدبلوماسية الثقافية. وينظم المركز اللقاءات الأدبية بين الكتاب الهنود والعرب بشكل متواصل. وخلال العامين الماضيين قام المركز بترجمة أكثر من 20 كتابا للكتاب الهنود مثل السيد اي بي جي عبدالكلام (الرئيس الهندي السابق) والسيد امرتيا سين والسيد اميتاب غوش والبروفيسور مشير الحسن والسيد مبشر جاويد أكبر والسيد بافان ورما والسيد تلميذ أحمد إلى اللغة العربية. كما تمت ترجمة الأعمال الأدبية العربية مثل باص القيامة لروضة البلوشي ووجه أرملة فاتنة لفاطمة المزروعي ومريم والحظ السعيد لمريم السعيدي وغرفة القياس لعائشة الكعبي إلى اللغات الهندية المختلفة.

وحاليا، يعمل الفنان الهندي الشهير مقبول فدا حسين على مشروعين كبيرين وهما تاريخ الحضارة الهندية وتاريخ الحضارة العربية. وكلف المشروع «تاريخ الحضارة العربية» من قبل الشيخة موزة بنت ناصر المسند زوجة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وسيحفظ المشروع (اللوحة) في متحف مستقل في الدوحة.

 

 

 

أفتاب أحمد