الطاقة الأحفورية المستدامة الحاضر البترولي والمستقبل الهجين

الطاقة الأحفورية المستدامة الحاضر البترولي والمستقبل الهجين

أصدر الدكتور وليد خدوري كتابه القيم: «الطاقة الأحفورية والمستدامة... الحاضر البترولي والمستقبل الهجين» في عام 2022 عن طريق المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. الدكتور وليد يوسف خدوري عمل في مجال تدريس العلوم السياسية في جامعة الكويت ثم انتقل ليعمل مديرًا لإدارة الإعلام والعلاقات الدولية في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، بعد ذلك عمل محررًا ورئيس التحرير في نشرة MEES) Middle East Economic Surny المتخصصة في شؤون الاقتصاد والطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي كانت تصدر في قبرص. 

 

لازال الدكتور وليد خدوري المقيم في بيروت متابعًا لاقتصاديات الطاقة، فقد ساهم في تأسيس ملتقى الطاقة العربي وظل يكتب مقالًا أسبوعيًا في جريدة الحياة حتى تم توقفها وانتقل ليكتب حاليًا في جريدة الشرق الأوسط. لا شك في أن هذا الاهتمام باقتصاديات الطاقة يظل مستحقًا في هذه المنطقة من العالم والتي تشكلت اقتصادات بلدانها بموجب تطورات الاقتصاد النفطي منذ عشرينيات القرن الماضي.

قصة الطاقة
يتكون الكتاب من ستة فصول: تطور الطاقة عبر الحضارات، البترول في القرن العشرين، المجتمع العربي وعصر النفط، التحول إلى عصر طاقة هجين، تحولات الطاقة في عصر العولمة، المستقبل... طاقة هجينة؟ غني عن البيان أن هذه العناوين مثيرة لاهتمام القارئ المتخصص والمثقف العام حيث هناك قلق على مستقبل بلدان المنطقة في ظل المتغيرات الجارية في البلدان المستهلكة الرئيسية وتأثيراتها على طلب النفط وإمكانية تراجع استخدامات النفط لتوليد الطاقة الكهربائية أو لتشغيل المركبات المتنوعة. يشرح الكاتب «بأن للنفط الخام خصائص مختلفة يمكن الاستفادة منها بعد تكريره، تتمثل في الوقود المخصص لتوليد الكهرباء أو الوقود الضروري للمركبات وبقية وسائل النقل أو للقيم المستخدم في الصناعات البتروكيماوية». وينطبق الأمر على مصادر الطاقة الأخرى مثل الفحم والطاقة الشمسية. خلال العصور الأولى كان استخدام الطاقة محدودًا نظرًا لضآلة متطلبات الإنسان آنذاك. 
ولم يبدأ استخدام النفط كمصدر للطاقة إلا في نهاية القرن التاسع عشر، ثم تحسن في العقد الأول من القرن العشرين ليرتفع الطلب إلى مليون برميل يوميًا بعد التوسع في صناعة المركبات واستخدام النفط في السفن والإنتاج المحدود من الطاقة الكهربائية. خلال القرن العشرين تحسنت الأوضاع المعيشية في البلدان الصناعية الرئيسية في أوربا والولايات المتحدة واليابان، ثم لحقها التحسن المعيشي في بلدان نامية أخرى مثل الصين وكوريا الجنوبية والبرازيل وعدد آخر من بلدان جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. خلال القرن العشرين تطورت الصناعات التحويلية وتشعبت أعمالها بما زاد من الاحتياجات للطاقة ومصادرها، وسعت شركات النفط إلى تطوير قدراتها لتلبية الطلب.

تطورات مصادر الطاقة
الصناعة النفطية التي هيمنت عليها شركات النفط الكبرى التي يذكر الكاتب بأنها «استغلت نفوذها مع حكوماتها وعلاقاتها مع الدول المنتجة للحصول على الاتفاقيات النفطية المناسبة لها». من أهم الأحداث في علاقة الشركات النفطية الكبرى «الأخوات السبع» هو تدخلها لإسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق في إيران الذي أمم صناعة النفط الإيرانية، بعد أن تعاونت مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية التي أعادت شاه إيران إلى عرشه في عام 1953 وإسقاط نظام التأميم. لكن الأمور لم تستمر على هوى شركات النفط العملاقة حيث بدأت حكومات البلدان المنتجة تستشعر عدم العدالة في علاقاتها مع الشركات وعدم كفاية الريع الذي تتقاضاه من إنتاج وتصدير النفط. لذلك سعت مجموعة من الدول وهي فنزويلا والسعودية وإيران والعراق والكويت لخلق كيان يمكن أن يعمل على تحسين شروط منظمة الدول المصدرة للنفط OPEC، والذي أعلن عن تأسيسها في بغداد يوم 14 سبتمبر 1960. ولا شك أن تأسيس الأوبك ساهم في السنوات اللاحقة في تعديل الأوضاع وتحسين شروط التعاقد وعزز القدرة على رفع الإيرادات النفطية بما يؤدي إلى الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة. 
يعيد الدكتور وليد خدوري إلى الأذهان تحولات الطاقة المتوازنة مع التطور الإنساني، ويذكر: «لجأ الإنسان مع نمو الحضارات والمتطلبات العمرانية والحربية التي تواكبها إلى اختراع العجلة لاستخدامها في العربات، للتمكن من نقل الأخشاب والصخور والمحاصيل وتأمين سرعة النقل التجاري بين المدن، والتنقل العسكري في ساحات المعارك». كما هو معلوم أن اختراع العجلة سارع في تطوير الطرق والممرات الأرضية بما مكن من تنمية المدن والقرى. اختراع العجلة والتي اعتمدت على الخيول والبغال وغيرها من حيوانات داجنة في بداية الأمر حفز البحث عن عناصر وقود للحركة ونماذج عربات مختلفة بما دفع إلى تطوير القطارات ثم العربات أو السيارات، فضلًا عن أهمية النقل البحري والنهري. استخدم الفحم لفترة طويلة مولدًا للطاقة، ثم جاء اكتشاف النفط في منتصف القرن التاسع عشر ليعجل من تحديث وسائط النقل. 
يشير الكاتب إلى أن البداية الفعلية والمهمة لاستخدام النفط كانت في بداية القرن العشرين عندما دخل المصباح الكهربائي والذي اخترعه توماس أديسون في نهاية القرن التاسع عشر، ثم بعد ذلك قام هنري فورد في العقد الأول من القرن العشرين بإنتاج السيارة «فورد ـ » التي اعتمدت على محرك الاحتراق الداخلي، وبذلك انتقلت الحاجة للعربات التي تجرها الخيول. توسع اقتناء السيارات نظرًا لاعتدال أسعارها. هذه السيارة التي اعتمدت على البنزين اكتسحت الأسواق في أمريكا وأوربا قبل أن تصل إلى الأسواق الآسيوية والشرق أوسطية.

عصر النفط
استخدم النفط في إحداث متغيرات مهمة في الحياة، حيث تحسنت إمكانيات السفر عبر المحيطات بواسطة الطائرات التي اعتمدت على مكرر النفط الكيروسين كوقود. كما أن السفن التجارية وسفن الركاب بدأت باستخدام مكررات النفط بدلًا من الفحم. أصبح النقل من أهم عناصر الطلب على النفط، يضاف إلى ذلك زيادة الاعتماد على النفط كمصدر لوقود محطات توليد الكهرباء. تطورت استخدامات النفط بعد أن أصبح له قيمة في الصناعات البتروكيماوية التي تنامت في البلدان الصناعية والبلدان المنتجة للنفط. وبات النفط متوفرًا بكميات مهمة بينها التقديرات العلمية للاحتياطيات المعتمدة على الشركات النفطية والمعاهد المتخصصة في كل البلدان المنتجة. في السنوات الأخيرة تم اكتشاف كميات نفطية جديدة أطلق عليها «النفط الصخري» في الولايات المتحدة وكندا وعدد آخر من البلدان، لكن إنتاج النفط وتكاليفه يعتمدان على تكوينات جيولوجية متنوعة، ولذلك فإن تكاليف إنتاج برميل النفط في البلدان الخليجية تقل كثيرًا عن إنتاج برميل من النفط الصخري. 
وعندما تتراجع الأسعار في السوق النفطية يصبح إنتاج نفوط معينة، مثل النفط الصخري، غير مجدٍ، ويحدث العكس عند ارتفاع الأسعار. أسعار النفط تتفاعل مع الأوضاع الجيوسياسية أو الأحداث الأمنية والحروب والتي قد ترفع الأسعار. كما أن مقاطعة بلدان معينة أو الامتناع عن التصدير إلى بلدان مستهلكة محددة، كما حدث إبان حرب أكتوبر 1973 قد أدت إلى رفع الأسعار نظرًا لانخفاض المعروض من الإمدادات.
  بعد تأسيس الأوبك في بداية الستينيات من القرن الماضي وتزايد المطالب في البلدان المنتجة للنفط من أجل تحسين العقود مع الشركات النفطية الكبرى وتحول قضية النفط إلى قضية تتعلق بالسيادة الوطنية على الثروة فقد أصبح أمام البلدان المستهلكة خيارات صعبة بشأن اقتصاديات الطاقة. ارتفعت أصوات مطالبة بالشراكة أو التأميم وتصدى لها عبدالله الطريقي من السعودية وعبدالله النيباري من الكويت بما أوجد تيارًا واسعًا في البلدان المنتجة يدعو إلى خيار الهيمنة الوطنية الكاملة على النفط. 
إيران التي عاد الشاه إليها مدعومًا من الغرب بعد إسقاط حكومة مصدق التي أممت النفط أصبحت من البلدان الداعية إلى إعادة النظر في العلاقات مع شركات النفط منذ بداية سبعينيات القرن الماضي. معلوم أن إيران هي من أول الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط حيث سجل الاكتشاف الأول في عام 1908 في منطقة مسجد سليمان في منطقة الأهواز، كما يورد الكاتب. العراق، أيضًا، ارتفعت فيها المطالب لتحقيق العدالة في العلاقات النفطية، وهي أيضًا دولة اكتشف فيها النفط في حقل كركوك عام 1927. وعمل عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء العراقي على صياغة القانون رقم 80 في عام 1961 حيث ينص على إعادة 90 في المئة من الأراضي التي حددت في امتياز التنقيب في الاتفاقية مع «شركة نفط العراق»، وفي عام 1972، بعد انقلاب حزب البعث الثاني في يوليو 1968، تقرر تأميم صناعة النفط في العراق.

العلاقات مع مستهلكي النفط 
لكن التداعيات المهمة في صعيد العلاقات بين شركات النفط الغربية والدول المنتجة للنفط، خصوصًا دول الشرق الأوسط، تسارعت بعد حرب العبور في السادس من أكتوبر عام 1973 والتي دفعت الدول العربية المنتجة للنفط إلى وقف تصدير النفط إلى الدول التي ساندت إسرائيل في تلك الحرب، ومنها الولايات المتحدة وهولندا. وهكذا ارتفعت الأسعار إلى ما يزيد عن 12 دولارًا للبرميل بعد أن كانت تدور حول 2 إلى 3 دولارات. عندئذ أصبحت الإمدادات شحيحة وأدت إلى تقنين تزويد المركبات بالوقود في البلدان المستهلكة. وقامت وكالة الطاقة الدولية لمواجهة المتغيرات في اقتصاديات النفط في عام 1974، وشارك في تأسيسها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCED، وهي الدول الصناعية الرئيسية. كان الهدف هو تحديد مسارات اقتصادية ملائمة لمصالح الاقتصادات الغربية وترشيد الاستهلاك والعمل على توفير بدائل مجدية للنفط خلال السنوات والعقود اللاحقة. لا شك أن جهود وكالة الطاقة الدولية حسنت أوضاع الدول المستهلكة وتمكنت من توظيف أموال طائلة من أجل تحسين وسائط الطاقة وفي البحوث الهادفة إلى توفير بدائل متجددة للطاقة.
يعرج الكاتب على الأحداث وآثارها على صناعة وتجارة النفط، ويبين انعكاسات ما تلى الثورة الإيرانية في عام 1979 من أحداث مؤسفة، مثل الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 التي أدت إلى عمليات عطلت إمدادات النفط، مثل التخريب واستهداف الناقلات. يذكر الكاتب أن تلك الحوادث أدت بإصابة ناقلات ومنشآت بحرية لتصدير النفط إلى تسرب نفطي كبير في مياه الخليج، منها التسرب الأكبر المعروف بـ «الغول الأسود» الذي تسبب بتلوث رقعة واسعة من المياه ونفوق الأسماك وتهديد محطات تحلية المياه على السواحل العربية للخليج. لا يعني ذلك مهاجمة الطرفين للمنشآت النفطية وتدمير المصافي فقط، بل عملا على تخريب البيئة البحرية بشكل غير مسبوق. الحرب التي انتهت في أغسطس 1988، واستمرت لمدة ثماني سنوات، كانت كارثة كبيرة للاقتصادين العراقي والإيراني. لم تسلم المنطقة من تبعاتها، حيث أقدم نظام صدام حسين الديكتاتوري في العراق على غزو الكويت بما استدعى قيام الولايات المتحدة وعدد من الدول بقرار من مجلس الأمن الدولي على شن حرب على العراق وإخراج القوات الغازية من الكويت، حيث لم تسلم المنشآت النفطية الكويتية من التخريب بعد إقدام القوات المنسحبة على إحراق مئات الآبار النفطية وتدمير المنشآت. إذًا أصبحت الصناعة النفطية هدفًا سهلًا للمتحاربين في هذه المنطقة من العالم بما أضعف ثقة الدول المستهلكة في أمن المنطقة والقدرة على حماية التدفق النفطي إلى الأسواق العالمية. هذه التطورات غير المواتية دفعت إلى الاستثمار في بلدان عديدة وتطوير القدرات على استخراج النفط الصخري وأهم من ذلك البحث عن بدائل للنفط.

جدوى البدائل
سعي البلدان المستهلكة إلى تطوير بدائل للنفط لم يكن بسبب فقدان الثقة في أمن البلدان المنتجة فقط، ولكن، أيضًا، نتيجة لزخم المطالبات بوقف انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الجو والذي ساهم في التغيير المناخي وتلوث البيئة. حددت دول عديدة مواعيد لتصفير الانبعاثات الكربونية ووقف الاعتماد على النفط ومشتقاته لتوليد الطاقة الكهربائية ووقف إنتاج السيارات العاملة بمحرك الاحتراق الداخلي. وتنامت صناعة السيارات الهجينة والكهربائية خلال السنوات القليلة الماضية بعد أن تمكن العلماء من تطوير آليات لصناعة البطاريات الكهربائية بتكاليف مناسبة. يلمح الكاتب إلى دراسات في جامعة ستانفورد الأمريكية تتوقع تراجع الطلب على النفط لصالح الطاقة الشمسية التي أصبحت ذات كلفة اقتصادية مقبولة في استخدامات مثل توليد الطاقة الكهربائية والتدفئة وتحلية المياه. لكن الدكتور وليد خدوري يشير إلى أن هذه التوقعات ربما متفائلة كثيرًا، ويلفت إلى أن الطلب على النفط مازال قويًا ويدور اليوم حول 100 مليون برميل يوميًا بعد أن تحسن النمو الاقتصادي في البلدان الناشئة في آسيا (الصين والهند وكوريا الجنوبية وتايوان)، وكذلك في بلدان أخرى مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، بل إن الاستهلاك في الدول المنتجة للنفط ذاتها ارتفع بنسب عالية.
 يضاف إلى ذلك أن ارتفاع أعداد المنتسبين للطبقات الوسطى في هذه البلدان عزز الاستهلاك الأساسي والترفيهي بما يعني المزيد من السيارات والأدوات المنزلية الكهربائية والسياحة الخارجية.
التوقعات بتراجع الطلب على النفط واجهت عقبات بعد جائحة كورونا تمثلت بالحرب الروسية في أوكرانيا ومقاطعة النفط والغاز من روسيا بما رفع أسعار النفط والبحث عن بدائل للإمدادات الروسية. الحرب وما تلاها من مقاطعة لروسيا دفعت للعودة إلى استخراج الفحم أو تشغيل محطات الطاقة النووية في بلدان مثل ألمانيا واليابان اللتين كانتا بصدد الاستغناء عن هذه المحطات نهائيًا. 
يؤكد الكاتب أنه «لا تتوفر مصادر للطاقة المستدامة تكفي للاستغناء عن البترول خلال العقدين المقبلين». كذلك يشير إلى أن مؤتمرات الأمم المتحدة للتغيير المناخي لم تعط أهمية مناسبة لمشاركة دول العالم الثالث، حيث إن الاهتمام مقتصر على التحول إلى الطاقة في الدول الصناعية الرئيسية. هناك أهمية لتخصيص أموال كبيرة لبرامج التحول قد لا تتوافر لدى العديد من الدول النامية.
الكتاب يبين ما يتعلق باتفاقية باريس الهادفة لتصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن الحالي، وهناك شكوك كثيرة حول إمكانية تحقيق الأجندة بحلول عام 2050. وأخيرًا، سيظل النفط مصدرًا مهمًا للطاقة خلال العقود القليلة القادمة، كما أن الإمكانيات التقنية لتحرير النفط من الكربون قد تجعل النفط مصدرًا نظيفًا للطاقة وتجري الآن تجارب مفيدة في هذا المضمار ■