الخروج في «ملحمة السراسوة»

الخروج في «ملحمة السراسوة»

يمكن القول كمقدمة عامة لهذا المقال إن الجزء الثاني من «ملحمة السراسوة» مكرس بكل فصوله لتجسيد الصعود الثاني للسراسوة، في مقرهم الجديد، وإذا كان الصعود الأول في مدينة «سرس» قد تحقق بفضل المكانة العالية التي وصل اليها جدهم بين علماء الأزهر، فإن صعودهم الثاني يمكن رؤيته في إطار صعود شرائح من الطبقة الوسطى الزراعية ربما لأول مرة في هذه المرحلة من تاريخ مصر في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهي شرائح تتألف من فلاحين يختلفون اختلافاً كبيراً عن الفلاحين الذين كانوا قبلهم مجرد أجراء يعملون لدى كبار ملاك الأراضى من الأجانب أو الأتراك أو المماليك أو المصريين سواء كانت ملكيتهم للأرض بنظام الالتزام أو العهدة أو ملكية الانتفاع، أو الفلاحين الذين جاءوا بعدهم، وقدمتهم روايات مثل «الحرام» ليوسف إدريس، و«الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوى، و«الوسية» لخليل حسن، فهذه الروايات قدمت لنا فلاحين مقهورين، مغلوبين على أمرهم، ومهما ثاروا أو تمردوا، فقد كانوا دائماًَ ضحايا الباشوات والإقطاعيين من الأتراك أو الأجانب أو المصريين، لأنهم كانوا مجرد أجراء في الأراضي التي يعملون بها.

كان الفلاحون في هذه الرواية جزءاً من الشرائح الأولى من الفلاحين المصريين الذين يمتلكون الأراضي ويزرعونها بأيديهم في الوقت ذاته لأنهم في تلك الأيام لم يجدوا فرصة للذهاب إلى مدرسة أو ربما لم يجدوا مدرسة أصلاً، بطبيعة الحال كانوا يستأجرون من يعمل معهم في زراعة هذه الأرض من الأجراء، ولكنهم كانوا يعملون معهم في الحقول يدا بيد، فإذا جاء الطعام في الغيط أو في البيت أكلوا معهم من الطعام نفسه، ولذلك لم يكن غريباً أن تقول الأم الخبيرة إحدى أهم الشخصيات النسائية في هذه الرواية لحفيدها الشيخ أحمد كبير العائلة في مرحلة الصعود الثاني وهو يواجه تحدي الحرب من جاره الأعرابي الذي يملك قوة أكبر «يمكنك أن تجعل من الفلاحين الذين يعملون معك مقاتلين في صفك».

نكتفي بهذه الإشارة في حدود هذه المقدمة التي نؤكد من خلالها أن الصعود الثاني للسراسوة يمثل نمطاً فريداً لصعود أسرة من الفلاحين المصريين الأقوياء الذين يملكون الأرض ويزرعونها بأنفسهم ومع غيرهم في الوقت ذاته، وربما كانت تلك هي المرة الأولى التي تختفى فيها المسافة بين الملكية والعمل، وتضيق بين عمل المالك وعمل الأجير، ولهذا أمكن لهؤلاء الفلاحين أن يدافعوا عن أرضهم ضد طبقة العربان الذين كانوا يعيشون على حدود الصحراء المتآخمة للدلتا لمهاجمة قوافل التجارة بين البحر الأبيض والبحر الأحمر، والذين حاولت الحكومات دائماً أن تملكهم الأراضي ليتحولوا إلى حراسة القوافل أو الزراعة دون جدوى! ولكن مثل هذه النوعية من الفلاحين هي التي كانت تنجح أحياناً في إعادتهم إلى الصحراء أو إيقافهم عند حدهم!

بناء الرواية

يمكن القول هنا أيضاً إن البناء الروائي في هذا الجزء امتداد للبناء الروائي في الجزء الأول، وهو يقوم على ذلك الجدل بين صوت الحكايات التي تروي تاريخ العائلة، والذي يمثل الرؤية الجماعية للأحداث والشخصيات، وصوت الراوي الحفيد الذي يقدم لنا هذه الرواية، والذى ينزع إلى تمثيل الرؤية الفردية التي تطيل الوقوف أمام الجزئيات والتفاصيل التي قد لا تقف عندها الرؤية الجماعية التي تقدمها الحكايات.

ويقوم هذا البناء بتجسيد ورصد الصعود الثانى للسراسوة في مقرهم الجديد، وقد تم هذا الصعود على نحو متدرج عبر حربين ساخنتين، الأولى ضد الأعرابي عبدالله الجياصي الذي ورد ذكره كثيراً في الجزء الأول، والثانية ضد الأعرابي الجديد عماد السمداني الذي حل محل الأول، وحصل على أرضه وموقعه وفق النظام الذي كانت تتعامل به الدولة مع الأعراب.

وبين الحربين وبعدهما كان البناء الروائى، ومن خلال الحكايات يقوم برصد وتجسيد أحداث حروب باردة وناعمة بالطبع دون استخدام لهذه المصطلحات التي تستخدمها القراءة النقدية تقوم داخل العائلة ذاتها، وإذا كانت الحروب الساخنة التي تهدد باقتلاع العائلة من جذورها كانت تؤدى إلى تماسك العائلة، فإن الحروب الباردة التي كانت تحدث في أوقات السلم هى التي كانت تهدد بتفكك العائلة.

وأظن أنه قد حان الوقت لنختار ما ينبغى أن نتوقف أمامه من جوانب هذا العمل الكبير بالطريقة الممكنة في مثل هذا المقال.

نظرة طائر على الحرب الساخنة الأولى للسراسوة:
الذكاء والخيال والحكمة من أسلحتهم في هذه الحرب

تقول الحكايات إن الشيخ أحمد الثانى الذي قاد رحلة خروج السراسوة من مدينة «سرس»، والذى يقود الآن الصعود الثانى لهم، ظل لسنوات طويلة عاجزاً عن التخلص من ذلك الصوت الذي أحدثته ضربة البلطة في رأس المملوك «قفل» وهى تغوص في رأسه، وكان هو صاحب هذه الضربة الأولى، وأنه لهذا ظل يتجنب العنف في مواجهة المشكلات، حتى هذه اللحظات التي طاردته فيها الرصاصات القادمة من مضارب الشيخ عبدالله الجياصي، وهو عائد من زيارة لمقبرة جدته الكبرى في الحجايزة، وذلك بعد أن ظهر للجميع أنه ظفر بالمزاد الذي بيع فيه 320 فداناً بجوار الأراضي الممنوحة للشيخ عبدالله، فالأعرابي لن يغفر له أنه بعد حصوله على هذه الأرض أصبح نداً له وهو الذي كان منذ شهور مجرد لائذ بجواره طالباً لحمايته!

المُهرة التي كان يركبها الشيخ أحمد هى التي أنقذته من هذه الرصاصات، حين انطلقت فجأة تسابق الريح حتى كادت أن تسقطه من فوقها، وكأنما شعرت بالخطر قبل أن تنطلق الرصاصات، ولكن الرصاصات التي أخطأته كانت تستقر في أجزاء من جسدها، ومع ذلك ظلت تواصل الركض حتى أوصلته أمام منزله.. يقول الراوى الحفيد في تصوير هذا المشهد «ما الذي شعر به أحمد السرسي وهو يحاول دون جدوى إنقاذ مهرته؟! وكيف استطاع أن يعبر تلك المحنة الكبرى، محنة أن تكون مديناً لأحد ثم يرحل حتى قبل أن تمتن لما فعله من أجلك!.. الرصاصات التي أخطأته وأودت بمهرته هى التي سمعها الناس في القرى المجاورة، وهى التي جاءت بعمد هذه القرى الذين كانوا جميعهم على علاقة طيبة بالشيخ أحمد، وكان الشيخ أحمد يدرك في الوقت ذاته أن الذي جاء بكل هؤلاء العمد من القرى المجاورة ليس فقط صداقتهم معـه، وإنما إلى جوار ذلك كراهيتهم العميقة للشيخ عبدالله الجياصي، فقد كانوا يعانون من نظرته الدونية لهم كفلاحين تنقصهم عراقة الأصل، ويعانون أكثر من ابتزازه لهم بالأتاوات التي يفرضها مرة بحجة ما يقدمه لهم من خدمات لدى الحكومة التي هو على صلة برجالها الكبار، وبما يدفع عنهم من أذى المنسر واللصوص الذين يعملون له ألف حساب، وفى تلك الليلة التي اجتمع فيها الشيخ أحمد في بيته مع عمد القرى المجاورة يفكرون في الطريقة التي عليهم أن يواجهوا بها من أصبح عدواً لهم جميعاً، انتهى تفكيرهم إلى ضرورة أن يكتبوا شكوى موقعة منهم جميعاً، بشهاداتهم على ما حدث في هذا المساء من عدوان بالرصاص صادر من مضارب الشيخ عبدالله الجياصي على الشيخ أحمد، وعلى ما كان يقوم به قبل ذلك من أعمال ابتزاز ضد العمد أنفسهم. ولكنهم كانوا يدركون في الوقت ذاته أن الأعرابي الذي خاب مسعاه في قتل الشيخ أحمد والذى يعرف أن نواياه السيئة قد ظهرت عارية للجميع، لن يظل صامتاً، وسوف يعرف بأمر شكواهم لا محالة، وقد يحاول في أية لحظة أن يكرر عدوانه بطريقة لا تسمح بتكرار الفشل، وفى ضوء هذا الإدراك وافقوا على ما قالت به «مريم» أم الشيخ أحمد صاحبة أهم الأدوار في الجزء الأول من هذه الرواية من أن علينا أن نبادر بالهجوم على مضارب الأعرابي لأن هذا يوقع الضعف في نفسه، ولأنه من بدأ بالعدوان، وهكذا بدأوا هجوماً كان الذكاء أمضى أسلحته فقد قسموا أنفسهم إلى فريقين، الفريق الذي يملك مهارة التصويب والإطلاق وفريق آخر يعيد حشو البنادق التي يتم إطلاقها، والى أن يتم الفريق الثانى عمله يكون الفريق الأول قد غير موقعه فيتم إطلاق النيران من أكثر من مكان، ويشعر من في المضارب بأن الهجوم يباغتهم من كل ناحية، ولقد أدى الهجوم بتلك الطريقة إلى أن يرد رجال الأعرابي بشكل عشوائى لإيقاف هذا الهجوم المتعدد المصادر مما أدى إلى نفاد ذخائرهم، كما أدى تعدد مواقع الهجوم إلى إصابة حظائر الخيول في مضارب الأعرابي فانطلقت هاربة في الحقول والقرى المجاورة، وكان لهروب الخيل ووقوعها في أيدى أهالى القرى المجاورة أكبر الأثر في شعور الأعرابي ورجاله بالفشل والخذلان، في صبيحة اليوم التالى جاءت قوة من العسكر قوامها ثلاثة جنود يرئاسة آمر مملوكي لتحري الواقعة، وبعد أخذ أقوال الشيخ أحمد ومن معه من العمد اتجهت القوة لاستكمال التحقيق في مضارب الأعرابي التي كانت تعيش حالة من الفوضى والشعور بالخذلان، بعض من كانوا في وضع الحراسة لهذه المضارب أخطأوا في تقدير المسلحين القادمين عليهم فواجهوهم بإطلاق الرصاص مما أدى إلى قتل الآمر المملوكى وجنديين ممن كانوا معه، هكذا كانت الأمور تتطور بشكل يبدو ظاهره أنه لمصلحة الشيخ أحمد السرسي، فالقضية الآن كما يلوح سوف تصبح بين الأعرابي والحكومة التي قام رجاله بقتل ثلاثة من ممثلى سلطتها العسكرية، ولكن الحقيقة التي كان الشيخ أحمد يدرك وحده وجهها الآخر المخيف هو أن تطور الأحداث يجرفه إلى طرق كان يتجنب الاقتراب منها، فالعنف الذي كان يعانى من آثاره الأليمة، وجد نفسه مضطراً إلى الانغماس فيه، وحتى الحادث الأخير الذي تورط فيه الأعرابي سوف يؤدى إلى أن يأتى إلى المكان مسئولون كبار في السلطة لتحرى هذا الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى قتل ثلاثة من رجال الحكومة، وسوف يكون هناك تحقيق مع جميع الأطراف، وتتزايد الأسئلة عن أصل كل شيء وفصله مما قد يؤدى إلى كشف السر الكبير الذي قاد الأسرة الكبيرة إلى طريق الخروج من مدينة «سرس»، وماذا سيكون رأى العمد الذين يقفون الآن بجواره ويقاتلون معه دفاعاً عن غيطه وبيته حين يتضح لهم أن هذا الصديق هو مجرد هارب من الحكومة بتهمة قتل المملوك «قفل»، وأمام هذه المحنة لم يجد الشيخ أحمد بدًا من التشاور مع أمه «مريم» التي كانت معه في كل الأوقات الصعبة، قال لها: لا يمكن أن نترك الأمور للمصادفة! ولا يمكن أن نكشف سرنا لكل من وقف معنا! وإذا كان لابد من الاختيار فعلى من يقع الاختيار؟ وعلى أي أساس؟ وكانت الحكمة التي تميزت بها «مريم» على مدار هذه الرواية هي التي أشارت إلى الشيخ «دسوقي» عمدة المقاطعة، فإلى جوار عامل الثقة به كانت أفضليته أنه هو العمدة الذي تقع الأحداث كلها في نطاق عموديته، وكان الرأي ان مصارحته سوف تدعم الثقة به، وتجعل منها رباطا لا يمكن فصله، وسيقوم هو بتكتيل العمد إلى جوار الشيخ أحمد وبما يناسب تطور الأحداث، وحين أخبره الشيخ أحمد بالحقيقة لم تبد الدهشة على وجهه قال له: كنا نعلم جميعا يا شيخ أن وراءك سراً ولكننا لم نكن نظن أنك بالفعل ذلك الرجل الذي أبلغت الحكومة كل عمد القطر بأنه قام بعمل خطر وأن اسمه أحمد.

نظرة طائر على الحرب الباردة داخل العائلة:
الشفافية والعدل من أمضى أسلحتها

الحرب الباردة داخل العائلة لم تبدأ إلا بعد سنوات ممتدة من انتهاء الحرب الساخنة مع الأعرابي عبدالله الجياصي ونزوحه عن المنطقة، في هذه السنوات من السلام والأمن نجحت العائلة في تحويل مساحات كبيرة من الأرض التي كانت جدباء وسبخة إلى أرض خضراء تعطى ثمارها من القمح والشعير والقطن والذرة، والأبناء الذين كانوا أطفالاً في سنوات الحرب الساخنة أصبحوا في سن الشباب والمراهقة وجاء من بعدهم أطفال جدد، كانت مريم أم الشيخ أحمد الذي يقود الآن رحلة الصعود الثانى للسراسوة، والتى كانت دائما معه وبجواره في كل الأوقات الصعبة، كانت الآن قد تراجعت قليلا إلى الوراء بعد أن أصبح ابنها زوجا لأربع من النساء ووالدًا لسبعة من الأبناء والبنات،وكانت من هذا الموقع أول من شمت روائح هذه الحرب الباردة، وأول من أدرك أنها يمكن أن تشب في أكثر من مكان وأكثر من وقت وأيقنت أنها من هذا الموقع الخلفى والأمامى في وقت معا يمكن أن تساعد في نزع فتيل هذه الحرب التي قد تهدد العائلة بأكثر مما هددتها حربها مع الأعرابي السابق عبدالله الجياصي.

كان أول ما رأته مريم من بوادر هذه الحرب هو ذلك الاختلاف الواضح في الشخصية والطباع بين موسى وسيد أحمد ابني ولدها الشيخ أحمد البكريين من زوجتين مختلفتين، وكان يبدو كأنهما تقاسما شخصية الأب التي صقلتها التجارب والسنون، فالجزء الشاب الذي كان صاحب الضربة الأولى في رأس المملوك «قفل» والذى قاد رحلة الخروج واحتمل أهوالها كان يبدو أنه هو الذي ورثه موسى، والجزء الكهل الذي أنضجته التجارب، والذى جعلته يدرك أن جنتهم التي خرجوا منها في سرس يمكن صناعتها في أي مكان آخر بالذكاء والخيال والحكمة هو الذي ورثه «سيد أحمد»، وربما لأن شيئاً كهذا هو الذي استقر في وجدان «مريم» كان أحد الأسباب التي جعلتها وهى تشعر بأنها تكاد تفقد الابن الذي كان كل حياتها تستعيض عن انشغاله عنها بالاقتراب الحميم من حفيدها «سيد أحمد» وفى الواقع أن هذا الاختلاف في الطباع بين الحفيدين لم يصبح بادرة من بوادر هذه الحرب في وجدان مريم إلا في تلك الليلة التي عاد فيها ولدها الشيخ أحمد من الغيط مع ولديه موسى وسيداحمد وطلب أن ينضم اليهم الأم الخبيرة، وعدد آخر من الأولاد ممن شهدوا الواقعة، قبل هذه الواقعة، كانوا قد سمعوا ان أعرابياً جديداً اسمه عماد السمداني، سمحت له الدولة بشراء الأراضي التي كـان يمتلكها الأعرابي القديم عبدالله الجياصي في إطار سياستها في توطين الأعراب.

والواقعة كما رواها الشيخ أحمد في اجتماع العائلة، أن بعض أبنائه أبلغه أن عددا من الأعراب الذين لا شك أنهم من رجال الأعرابي الجديد يركبون خيولهم، ويخترقون أراضى الشيخ أحمد وصولاً إلى الجزء الذي يشتغل فيه العمال لحفر خندق كبير يكون بمنزلة خزان هائل يحتجز ما يمكن احتجازه من مياه الفيضان، لاستخدام هذه المياه طوال العام لغسل الأرض السبخة مما فيها من أملاح، وكان موسى هو صاحب الفكرة ومن تابع إنجازها وحين اقترب الأعراب من مكان الحفر، أمروا العمال بالكف عن الحفر، ولما لم يأبهوا لهم أطلقوا أعيرة نارية في الهواء لإرهابهم فتركوا فئوسهم وبعض ملابسهم وولوا هاربين، ولما رأوا الشيخ أحمد وأولاده قادمين، عادوا لمراقبة ما يجرى، بينما كان أحد هؤلاء الأعراب قد قام بأخذ بعض أدوات العمال وملابسهم حين أصبح الشيخ أحمد في مواجهة الأعراب سألهم: عمن هم؟ وماذا يفعلون بأرضه؟... لم يتلق إجابة على سؤاله ولكن أحدهم قال له: إذا اراد أن يحصل على ملابس عماله فعليه أن يأتى ويأخذها من شيخهم في مضاربهم.

رد الشيخ أحمد بهدوء متعمد: من الأفضل أن تدع هذه الأشياء لأنك إذا لم تفعل ستتسبب فيما لا تحمد عقباه.

وجاء الرد بكلمات مضغمة لا تفصح عن معنى وقبل أن يتم الأعرابي كلماته وجد نفسه مطروحاً على الأرض تحت قدمي موسى، وقبل أن يستوعب الآخرون ما جرى كانت الغدارة قد أصبحت في يد موسى، وكذلك السيف الذي لا يدري أحد كيف انتزعه موسى من غمده..

أربكت المباغتة الأعراب، كما أربكت الشيخ أحمد أيضا والذى كان قادراً على إدراك أن الموقف لايزال في غير مصلحتهم، ولذلك وحتى لا يكون كل شيء خاضعاً للتصرفات الهوجاء أسرع إلى ابنه، وحصل منه على أسلحة الأعرابي المطروح على الأرض ولكنه لم يعد إليه من هذه الأسلحة سوى سيفه فقط قال له: هذا لكى لا يجرد الفارس من سيفه، هذا إذا كنت فارساً حقاً ولك أخلاق الفرسان، أما الغدارة والسوط فقد استخدمتهما للاعتداء على رجالى ولن يتسلمهما إلا شيخك.

ثم أمرهم بأن يلقوا بأغراض العمال وأن ينصرفوا إلى حال سبيلهم، وكان هذا ما فعلوه دون زيادة أو نقصان. بعد أن انتهى الشيخ أحمد من رواية الواقعة لمن لم يشهدها من العائلة، كانت الأم الخبيرة وهى جدة لكل الحاضرين أول من تحدث:

- الوافد الجديد يختبرك ياشيخ أحمد، وحسنا ما فعل موسى إذ لو مضوا بعملتهم دون وقفه، فربما كانت العاقبة أسوأ، وعليك أن تستعد يا شيخ أحمد من الآن لمواجهة هذا الأسوأ.

قالت مريم وكأنها تتذكر تاريخا طويلا من القتل والمطاردة والحرب.

- سيجاورنا العمر كله ياجدتي، داره لصق دارنا وأرضنا لصق أرضه ألا يكون السلم هو الأوفق؟! وعادت الأم الخبيرة تقول:

- أى سلم؟ سلم الضعيف الذي يفر عند المواجهة...

قالت مريم:

- ما فعله موسى فيه الكفاية.

لم يكن الشيخ أحمد قد تكلم حتى هذه اللحظة.. وحين تكلم جاء كلامه تعبيرا عن شعور مزدوج بالحيرة قال:

- تصرف موسى لم يكن محسوبا، وكان مفاجئا لى وبالرغم من ذلك أشعر الآن أنه كان صحيحا وفى وقته، وأخيراً قال سيد احمد:

- أنا من رأي جدتى، وما فعله موسى كاف للرد وزيادة، النظرة التي رأتها مريم في تلك الليلة في عينى موسى بعد أن استمع إلى رأى أخيه سيد احمد كانت هى بداية شعورها الحقيقى بأن اختلاف الطباع بين موسى وسيد أحمد قد يكون بداية شرخ عميق في جدار الأسرة التي تبني صعودها الثاني. موسى في تلك الليلة هو الوحيد الذي لم يفتح فمه بكلمة واحدة ربما كان يشعر بأنه قد قال كلمته «فعلا» يفوق أى كلام، وربما في تلك الليلة فقط ولدت أسطورة موسى في العائلة بل وفى المنطقة كلها، أما سيد احمد فقد كان صاحب عقل وحكمة، وهما قد يصنعان أشياء كثيرة جيدة جداً لخدمة ذلك المشروع، مشروع الخندق الذي ينسب كله لموسى، ولكنهما لا يصنعان الأساطير وربما هذا ما كانت تشعر به مريم في تلك الليلة، وما دفعها أكثر لمواصلة اقترابها الحميم من حفيدها سيد أحمد لتعوضه عن شيء ترى أنه يستحقه ولا يناله.

بوادر لحرب أخرى باردة كانت تراها مريم في مكان آخر من العائلة بين زوجات ابنها الشيخ أحمد، زوجته الأولى ابنة عمه «حورية» وزوجته الثانية «سرية» ابنة عم آخر، و«شام» زوجته الثالثة، التي كان زواجه منها جزءا من طموحه لتوطيد علاقته بعائلة كبيرة في المنطقة الجديدة التي انتهت عندها رحلة الخروج ولقد كان ما حصلت عليه الزوجة الثالثة بعد وفاة أبيها من ثروة كبيرة جاءت في صورة قطعان من البقر والماعز والضأن، في النهاية كانت الثروة التي تأتى من نتاج هذه القطعان تصبح ملكا خالصا لها، تتصرف فيها كما تشاء، وكان كمال المروءة في عرف زوجها ألا يتدخل في الطريقة التي تتصرف بها في هذه الأموال، فهى في نهاية الأمر أموالها، ولكن حين تصل الأمور وقد كثرت في يدها الأموال إلى أن تؤثر أولادها الصغار بمزايا في المأكل والملبس بما يمكن أن يثير الغيرة في نفوس إخوتهم من أمهات أخريات، فهذا ما أدى إلى إشعال الغيرة في قلبى حورية وسرية، وما قد يؤدى إلى شقاق بين الأب وأبنائه، وأن يحدث هذا في العائلة التي يذهب فيها إلى الحقل طعام واحد لأبناء العائلة ومن يعمل معهم من الأجراء فقد يبدو في نظر مريم كأنه مقدمات ليوم القيامة، ولكن مريم التي اعتادت أن تقوم بدورها من قديم في مواجهة هذا النوع من المشكلات بين زوجات ابنها، حاولت أن تهون الأمر على زوجتي ابنها «حورية» «وسرية» قالت لهما:

- أم بقر وكانت هذه تسمية «شام» بينهما على سبيل التندر والسخرية- ليس لديها إلا أبقارها حمى بسيطة قد تذهب بها أما أنتما فلكما في هذه الأبعدية ما يصل إلى نصفها.

حورية هى التي قالت:

- هذا إذا كان ما تقولينه صحيحا يا عمتى!؟

تبادلت هى وسرية النظرات ولاذتا بالصمت.

قالت مريم:

- ما الذي تخفيانه عنى يا بنتى أخوى؟

حكت سرية قصة ابنها سيد أحمد الذي كان يبحث في دولاب ابيه عن بعض الأوراق فعثر بمحض المصادفة على صورة عقد الأبعدية، وحين ألقى عليه نظرة عابرة، وجد أن العقد ينص على أن الأبعدية كلها مملوكة ملكا خالصا لأبيه ولا إشارة واحدة في العقد في أي بند من بنوده إلى ما كانوا جميعا يعتقدون اعتقادا راسخا في وجوده وفى صحته وهو أن الأبعدية مقسمة بين الجميع بطريقة شرعية وبالنسبة لحورية وسرية فإن لهما ما يستحقانه من إرث أبويهما الغائبين ومن إرث جدتهما الكبرى التي ماتت.

مريم التي واجهت أخطر الأحداث في تاريخ الأسرة بل وكانت من أهم أسبابها، شعرت بأن ما تواجهه في هذه اللحظة هو الأخطر بحق، فهى لا يمكنها ان تتصور مجرد تصور أن يفعل ابنها ما ينسبونه إليه، وإذا كان ما تقولانه صحيحا ولا بد أن يكون كذلك لأن سيد احمد هو من أخبر به، فلا بد أن يكون لدى ابنها أسباب وجيهه أدت إلى أن يكتب العقد بهذه الصورة، وربما تتصل هذه الأسباب بحرصه على ألا يجيء في العقد ما يمكن أن يؤدى إلى كشف سر العائلة الكبير ولم تكن المشكلة في تقديرها كيف تقنع حورية وسرية بصواب ما هى مقتنعة به، بل المشكلة كيف تواجه ابنها بأمر كهذا يمكن أن يفجر العلاقة بينه وبين ابنه سيد أحمد الذي يفتش في أوراقه من وراء ظهره، بل بينه وبين أفراد العائلة لو ظن للحظة أنهم يسيئون به الظن أو يطلبون دليلاً على صدق نواياه، هو الذي خاض الأهوال ليعيد مجد العائلة القديم في مدينة سرس لكل واحد منهم.

عند هذه اللحظة بدأ عقلها يعمل كما تعود أن يعمل من قبل في أشد الأوقات حرجاً وصعوبة، استبعدت تماما فكرة أن تبدأ بمفاتحته في أمر العقد أو ما يتصل به، انتظرت كأنها على يقين من أن اللحظة التي تنتظرها سوف تجيء من تلقاء نفسها، كان ابنها الغالى هو الذي جاء اليها كما كان يفعل في الأيام الخوالى، كما كان يفعل قبل أن يكون زوجا لأربع من النسوة ووالدًا لسبعة من الأبناء جاء يشكو اليها مما تفعله زوجته الأولى حورية مع زوجته الثالثة «شام»، تركته يحكى تفاصيل كانت تعرف عنها أكثر مما يقول، وكانت تفهم من طريقته في الحكى أنه يريد تدخلها لتهدئة الأمور بين زوجتيه لأنه لم يعد يقوى على ذلك، وحين توقف في انتظار أن تعده بحل المشكلة، سألته بهدوء:

- وما الذي يمكننى عمله؟

وحين شعرت بأن ردها أحدث له نوعا من الصدمة تابعت قائلة:

- ألا تعرف حقا لماذا نقف كلنا فوق برميل بارود؟.. لم تشر بكلمة واحدة إلى مسألة العقد الذي رآه سيد أحمد ركزت كل كلامها عما يمكن أن يحدثه شعور شام بأنها بثروتها في وضع أفضل من وضع حورية وسرية، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مشاعر موسى الذي يسمونه ذئب الغيطان، والذى يقتل نفسه في العمل مع الرجال ليضيف إلى الأرض الصالحة للزراعة أرضا جديدة كل عام بسبب فكرة الخندق التي ابتدعها يفعل ذلك في صمت ودون أن يطلب ميزة لنفسه أو ينتظر حتى مجرد شعور بالامتنان، شأنه في ذلك شأن بقية الإخوة الذين لا يفكرون إلا في مصلحة الجميع! ثم تأتى شام لتفسد ما تميز به السراسوة وأبناؤهم.

- أأمنعها من التمتع بميراثها ياأمى؟

- مثلما استطعت أن تمنع الآخرين؟

- منعت من يا أمى؟

الطريقة الباهرة التي واصلت بها الحوار مع ابنها والتي تؤكد على فكرة ألا أحد في العائلة يتميز على أحد في شيء مع أنهم جميعا شركاء في امتلاكهم للأبعدية، ودون أن تشير بكلمة واحدة إلى مسألة العقد هي التي دفعته دفعا إلى أن يتركها لبعض الوقت ليعود بمجموعة من الأوراق، ضمنها العقد الذي تحدث عنه سيداحمد، والى جواره عقود أخرى مكتوبة هى التي لم تقع بالمصادفة أيضا في يد سيد أحمد، هذه العقود هى التي يبيع فيها الشيخ أحمد لكل صاحب حق في الميراث من العائلة، حقه كاملا باعتباره مالكا للعزبة بمقتضى العقد الأول، وفى هذه المرة كان الشيخ أحمد هو الذي دعا ابنه سيد أحمد ودون أن يعرف أنه من كان وراء هذه المشكلة ليقرأ لجدته مريم، ولمن حضر وقتها من أفراد العائلة ما هو مكتوب في كل هذه العقود.

وانتهى الموقف البالغ الصعوبة بالشيخ أحمد وهو يقول:

- لست أنا الذي يغتال حق أحد يا أمى!؟.

«موسى» و«سيد أحمد» رؤيتان للحرب الساخنة الثانية للعائلة

تقول الحكايات إن الأعرابي الجديد عماد السمداني كان يختلف كثيراً عن الأعرابي القديم كأنه تعلم درساً مما حدث له، كان رد فعله على ما حدث مع رجاله أنه استعان بأحد العمد في المنطقة لاستعادة الغدارة والسوط اللذين كانا للأعرابي الذي طرحه موسى أرضا، ولإزالة سوء التفاهم الذي حدث نتيجة الواقعة، كأنه بهذه الطريقة يريد أن يظهر أمام عمد المنطقة أنه يريد العيش في سلام مع كل جيرانه، مع ذلك ومع اللقاء الذي تم بين الجارين في بيت الشيخ أحمد مع جمع من العمد وصافح فيه الشيخ أحمد جاره عماد السمداني، وقبل كتفه متنازلاً عن طلب الاعتذار الذي كان مصراً عليه، ومع أن الشيخ أحمد تماشياً مع الأصول رد هذه الزيارة لعماد السمداني في مضاربه وبصحبة ولديه موسى وسيد أحمد وحين عادوا من تلك الزيارة فإن الأب اراد ان يسمع من كل من ولديه انطباعا عن تلك الزيارة.

قال سيد أحمد: أنا مع السلم حيث كان، ففى ظل هذا السلم حفرنا خندقا ووضعنا علامات الحدود الثابتة بيننا وبينهم، وأصلحنا الكثير من الأرض البور ووضعنا بهذه الزيارة أساسا لعلاقات حسنة مع الشيخ عماد ولا أظن أنه سينقضها!

وقال موسى: أنا مع أخى في أن ما أنجزناه في وقت السلم شيء كبير لكنى لازلت أرى أنه لا ينتوى خيراً، فلقد رأيت في عيون القوم شراً قادماً، وربما تكون هذه هى طبائعهم.

فى ذلك اليوم عاد الشيخ أحمد بذاكرته إلى تلك الأيام الماضية التي رجع فيها من العزاء في وفاة صهره، وفوجئ بذلك الإنجاز الضخم الذي قام به موسى في غيبته، كان قد أتم حفر الخندق، وملأه بمياه الفيضان إلى جوار ما قام به موسى أيضا من بناء مندرة بجوار الأرض المزروعة، وأحاطها بمجموعة من الحفر التي يمكن الكمون فيها لمواجهة أى عدوان على الأرض أو على المندرة، فبدت المندرة كقلعة حصينة تدافع عن العزبة أرضا ومساكن!.. يومها سأل سيد أحمد، وكانت أحداث الصدام مع رجال الأعرابي الجديد لا تزال قريبه:

- هل مرت كل هذه الأعمال دون مناوشات؟

- ربنا ستر.

- وماذا ترى فيما تم؟

- من الصعب أن نهيئ حياتنا على أنها في حالة حرب دائمة.

- ولكنها لم تكن في حالة سلم دائمة.

- لست أدرى، لكنى أكره أن استدرج للقتال!

- وإذا فرضت عليك الحرب.

- لن أعدم وسيلة لإنفاذ ما أرى.

- وماذا لو أن ذلك ينال من اعتبارك؟

- هذا يتوقف على معنى ما نسميه الاعتبار أو الكرامة!

حين تذكر الشيخ أحمد ذلك الحوار القديم بينه وبين سيد أحمد عقب تلك الزيارة التي قاموا بها للسمداني وعقب ما سمعه من تعليق ولديه موسى وسيدأحمد على تلك الزيارة، أدرك الشيخ أحمد أن الاختلاف بين طبائع ولديه ليس من النوع الذي يمكن تجاوزه ولكنه ظل يحلم بأن يأتي يوم يمكن أن يتحقق فيه التكامل بين اندفاع موسى وحذر سيد أحمد، بين جسارة موسى وتحفظ سيد أحمد، بين فتوة موسى ورقة سيد أحمد.

ولكن هذه القراءة النقدية للجزء الثانى من الرواية تفعل هنا ما فعلته في قراءة الجزء الأول، تترك للقارئ ان يتابع في هذا الجزء وقائع الحرب الساخنة الثانية التي خاضتها العائلة وحدها هذه المرة ضد الأعرابي الجديد عماد السمدانى، لأن هذه الحرب في الحقيقة لم تكن بين الأعرابي والسراسوة، كانت بين السراسوة ومجموعة من اللصوص والمنسر خاضوا هذه الحرب بالوكالة عن الأعرابي وانتهت هذه الحرب بهزيمة اللصوص، والإمساك بهم وتسليمهم للحكومة لمحاكمتهم، وتكتفى هذه القراءة النقدية بأن تقدم رؤيتها هنا لشخصية موسى وشخصية سيدأحمد من منطلق أن الكثير مما يحدث في الحاضر له بذوره أو جذوره في الماضى القريب أو البعيد وفى ضوء ما قدمته هذه الرواية عنهما في شخصية موسى توجد البذور الأولى لما نسميه الآن الشخصية الأصولية كما أن في شخصية سيدأحمد توجد البذور الأولى لما نسميه الآن الشخصية الليبرالية.

الشخصية الأولى بالرغم من نزعتها العملية وقد تكون بسببها تصنع الأسطورة وتصدقها وتعايشها فتعتاد على معايشة المطلقات، فهى تريد النصر الكامل لما تؤمن بأنه حق أو بأنه حقها وتريد المحق الكامل لما هو باطل أو لما يهدد أمنها الذي تريده كاملا وغير منقوص والشخصية الثانية مع أنها تحترم القواعد والنظم إلا أنها تعشق الحرية عشقها للحياة، فالحرية هى المفجر الأعظم لمكنونات الحياة وأسرارها التي لم تكتشف بعد، وهى حين تحترم القواعد والنظم، فلأنها ترى أن هذه القواعد والنظم هى أفضل الطرق حتى الآن لتحقيق الحرية للجميع ماداموا هم من وضعوا هذه القواعد، فإذا احتاجت الحياة في تطورها المستمر إلى قواعد أو نظم جديدة تلائم هذا التطور فلا مانع من تغيير هذه القواعد والنظم. الرؤية النهائية التي يقدمها لنا الجزء الثانى من ملحمة السراسوة هي أن أصولية موسى لم تلتحم أبداً بليبرالية سيد أحمد، وأن حلم الشيخ أحمد بتكامل ولديه لم يتحقق فقام بنفسه في حياته وقبل موته بتقسيم العزبة بين ولديه وللرواية أجزاء أخرى!.

---------------------------

ضدَ ان يجرحَ ثوارُ بلادي سنبلهْ
ضدَ أن يحملَ طفلٌ - أي طفلٍ- قنبلهْ
ضدَ أن تدرسَ أُختي عضلاتِ البندقيهْ
ضد ما شِئتم .. ولكن
ما الذي يصنعه حتى نبيٌ أو نبيه
حينما تشربُ عينيهِ وعينيْها
خُيولُ القَتَلهْ

راشد حسين

 

أبو المعاطي أبو النجا

 
  




الجزء الثانى من رواية «ملحمة السراسوة»