البعد السوسيولوجي في الأعمال الروائية

قراءة الأعمال الروائية الأدبية تتطلب فهما عاطفيا، والقراء أنفسهم مطالبون بتحليل وانتقاد البيئة الاجتماعية، حيث إن التفسير الذي ينشده الحراك الجمعي يتأثر بالخصائص الاجتماعية من حيث الزمان الذي يعيش فيه القارئ. فالعمل الروائي كشكل فني، هو مجموعة من الأفكار المعاصرة التي ينتجها المؤلف نيابة عن عامة الناس. امتلاك القدرة على التحليل المزدوج بشكل عام يمكنه أن يخبرنا عن ماهية التجربة الجمالية.
في عملية تلقي الأعمال الروائية كتب أمبرتو إيكو: «القرّاء جميعًا لا يقرؤون أثرًا على نحو واحد، ولا يتبينون ما هو ضمني فيه بالطريقة ذاتها، وذلك راجع إلى سبب بسيط وهو أنه ليس لديهم زاد ثقافي واحد ولا تاريخ واحد». وهنا تصاعد في التشابك ما بين عمل فني لا يقبل بوجود نسخة مكررة من عمله وسابقة عليه، حتى يمكن وصف المنتج بالإبداع، وفي الإبداع خلق من العدم وهنا يأتي التشابك في حديث إيكو مع ما يمكن تمييزه بين الوصف/التحليل. الوصف بتوظيف ملكة التخيل؛ إبداع لا حدود له. وفي ملامسة ملكة الإدراك بشيء بسيط، له أن يبقى في حدود المسألة الإبداعية، لكن التوظيف بشكل كامل هو أقرب إلى العمل البحثي منه إلى كونه عملاً فنيًا. في عملية التلقي يكون الرهان على ملكة الإدراك وتجربة الخوض في مغامرة بسيطة في الابتعاد قليلا عن هذه المنطقة والالتحام بمشاعر الآخرين التي تبرز كأعمال فنية من هنا وهناك. هناك حد أعلى في التقاط الأعمال الفنية يكتمل بقرب مساحات «الوعي» بأهمية اللغة الموضوعية، ويقل تدريجيًا من مكان لآخر، لكنه قد يصل إلى مكانة طبيعية متى ما قام «فعل النقد» بتوظيف أدواره بالشكل المطلوب. الإشكالية تكون حاضرة فقط إذا فقد التمييز بالأدوار المطلوبة من كل طرف مشارك.
كيف يمكن أخذ هذه المعطيات الجماعية وإسقاطها على ذات متفردة لفنان؟
يمكن النظر إلى الأدب بشكل عام على أنه ذلك الناقل الذي خلقه وطوره البشر لإظهار العلاقات الأخلاقية والتعبير عن اهتمامهم بها من خلال تتبع وظيفة اكتشاف الطبيعة بالتحليل المجرد والمقارن من داخل العمل الفني.
تصورات مختلفة
الارتباط لا يعني نهاية الفن على يد نظريات متأصلة في تطور الأدب، نظريات ما بعد البنيوية والتي هي مشتقة على نطاق واسع من تصورات مختلفة لطبيعة الفن، وتشير إلى أن عملاً أدبيًا لا يمكن قراءته فحسب، بل يجب قراءته أيضًا بشكل مستقل عن الفرد المسؤول عن إنشائه، ليبقى السؤال الأكبر حول ما إذا كانت قيمة العمل الفني تكمن في التقارب الذي تصوره لنا بعض النظريات مع الواقع.
في المعجم الفلسفي لمراد وهبة تم وصف سوسيولوجيا الأدب بأنه ذلك المبحث في وسائل الإنتاج الأدبي لدى مجتمع معين، وفي كيفية نشر الكتب، والتركيب الاجتماعي للمؤلفين والقراء، والمحددات الاجتماعية للذوق، والدلالة الاجتماعية للنصوص الأدبية.
يمكن أخذ هذا التعريف فقط مع الأعمال التي تنتمي إلى فنون الدرجة الثانية وهي تلك التي تقدم موضوعًا لها كالرواية والشعر وفن النحت ولا تنطبق على الموسيقى وفن العمارة. ومع هذه الغائية التي يشعلها الفنان ينكشف الأثر وبالتالي يمكن توظيف هذا النوع من الأدب السوسيولوجي، وإنشاء إطار نظري متماسك لعلم اجتماع الأدب الذي يقدم مساهمة قيمة ليس فقط في فهمنا للأدب، ولكن أيضًا في فهم الواقع الاجتماعي وانضباط علم الاجتماع من خلال الأدب، ومعرفة حدود علم اجتماع الأدب، وكذلك دراسة علم الاجتماع والأدب على أساس اعتمادهم المشترك على اللغة.
المؤلف عند إيليزابيت رافو رالو هو «تاريخي» أي متنزل في التاريخ ومنتسب إليه تمامًا مثل المتلقي وهو يشترك مع القارئ المعاصر- أو على الأقل مع فئة من القراء المعاصرين-في عالم كامل متكون من قيم وأخلاق، وحساسية ومعرفة. عندما يكتب نصه فإنه لا يفعل ذلك خارج الوضعية التاريخية، وإنما هو يكتبه راسخا في زمانه وفي وسطه وفي تاريخه. (إيليزابيت رافو رالو 1999/ ت. الصادق قسومة لصالح المركز الوطني للترجمة تونس).
واقع القارئ
استخدام المرويات التي تأتي من كبار السن في الأعمال الروائية يعطي بعدًا روحيًا أكبر للتجارب الحياتية التي يمر بها جيل يمثل فئة الشباب، هذا التداخل يبرز كجزء من واقع القارئ. القواسم المشتركة بين أعضاء كل جيل في وجود مثل هذا الارتباط يشكل مادة مشتركة على الرغم من أنه قد ينتج عن ذلك اختلاف الاستجابات على مستوى وعي الناقد الأدبي.
وعلى مستوى الأفكار يمكن الإشارة إلى تلك العلاقة المباشرة والعفوية بين النص والتاريخ والاستكشاف الماركسي للأيديولوجيا، البعض يرى في النقد الماركسي إضافة أعم من سيوسيولوجيا الأدب، إذ هو لا يقف عند الاهتمام بوسائل النشر، وإنما يتجاوز إلى تفسير العمل الأدبي وذلك بالكشف عن الأشكال والمعاني من حيث هي نتائج فترة تاريخية معينة. قد يأخذ الشكل الذي تتخذه الأيديولوجيا قوالب تستحضر السلع والمال والأجور والعلاقات، وهي بالتأكيد أشكال ظاهرية للإنتاج الرأسمالي، لكنَّ هذا لا يعني تحدي النص الأدبي، فماركس نفسه لم يناقش بشكل منهجي كيفية عمل الأدب على الرغم من أنه كان يقرأ على نطاق واسع في الأدب.
نقطة أخيرة، قد تتفق رؤية إيليزابيت مع الرؤية العامة في سوسيولوجيا الأدب لكن في جزء علم الاجتماع الخارجي فقط، ففي علم الاجتماع الداخلي دراسة لمحتوى الأثر في ضوء المناهج والتصورات السوسيولوجية بواسطة بحث التوافقات المباشرة والشاملة، مثل ظروف نشأة الرواية أو بحث التوافقات الجزئية. والمسألة المركزية هي دائمًا العثور على وسائل ربط النصوص الأدبية بالأفعال الاجتماعية. التحليل العقلاني والنقد هو تفسير النصوص الأدبية من منظور علم الاجتماع. فالأدب وسيلة سريالية قديمة لإسقاط المثل العليا، وتجربة القراءة الخاصة بها هي عملية لا تقف عند حدود النقد بل تشمل كلاً من المؤلف والقارئ.
هنا يمكن تمييز أدوار علم الاجتماع الأدبي في نقد المتخيل عن بعض الأدوار الأخرى المنافسة كالنقد التحليلي والنقد الفينومينولوجي