تقنية «الهولوغرام»

في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬سافر‭ ‬صديق‭ ‬سمير‭ ‬المقرّب‭ ‬أحمد‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬كان‭ ‬يترقّب‭ ‬عودته‭ ‬لكن‭ ‬صوت‭ ‬مذيع‭ ‬نشرة‭ ‬الأخبار‭ ‬أحبط‭ ‬هذا‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬نفسه‭, ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬تفشّي‭ ‬فايروس‭ ‬كورنا‭ ‬وإغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الدول‭. ‬لاحظ‭ ‬والده‭ ‬حزنه‭ ‬فسأله‭: ‬ما‭ ‬بك‭ ‬يا‭ ‬سمير‭? ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬حماسك‭ ‬فاتر‭ ‬اليوم‭? ‬

أجابه‭ ‬بصوت‭ ‬حزين‭: ‬نعم‭ ‬يا‭ ‬أبي‭. ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬أنوي‭ ‬أن‭ ‬أجتهد‭ ‬لأنهي‭ ‬السنة‭ ‬متفوقًا‭ ‬ككل‭ ‬عام‭, ‬ولأتوّج‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بلقاء‭ ‬صديقي‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية‭, ‬لكن‭ ‬الوباء‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بذلك‭.‬

قال‭ ‬والده‭ ‬مطمئنًا‭: ‬صحيح‭ ‬ما‭ ‬قلته‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭, ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭, ‬وكما‭ ‬يقولون‭: ‬إذا‭ ‬عمت‭ ‬هانت‭.‬

صمت‭ ‬سمير‭ ‬ولم‭ ‬يعقّب‭, ‬ففهم‭ ‬والده‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬لم‭ ‬يخفف‭ ‬عنه‭ ‬شيئًا‭, ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬سبّابته‭ ‬على‭ ‬جبهته‭ ‬فجأة‭ ‬كأنه‭ ‬تذكر‭ ‬شيئًا‭: ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬أن‭ ‬أسمح‭ ‬لك‭ ‬باستعمال‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي‭ ‬لساعة‭ ‬أو‭ ‬ساعتين‭ ‬كل‭ ‬نهاية‭ ‬أسبوع‭ ‬لتتحادثا‭ ‬أنت‭ ‬وصديقك‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تعدني‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬اجتهادك‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭?‬

ردّ‭ ‬سمير‭ ‬في‭ ‬سعادة‭: ‬نعم‭, ‬أعدك‭... ‬أعدك‭.‬

مرّ‭ ‬شهر‭ ‬ووالد‭ ‬سمير‭ ‬يمنحه‭ ‬الهاتف‭ ‬كل‭ ‬مساء‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭, ‬ويتركه‭ ‬ليحادث‭ ‬صديقه‭, ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يستغرب‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬الذي‭ ‬يعم‭ ‬الغرفة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭. ‬كان‭ ‬سيسأله‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬أحاديثهما‭ ‬وضحكاتهما‭ ‬معًا‭, ‬لكنه‭ ‬آثر‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬لسمير‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يخبره‭ ‬بحقيقة‭ ‬الأمر‭, ‬كما‭ ‬عوّده‭ ‬دائمًا‭. ‬وفي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الموالي‭, ‬وعندما‭ ‬سلم‭ ‬الوالد‭ ‬الهاتف‭ ‬لسمير‭ ‬جرّه‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬يده‭ ‬نحو‭ ‬غرفته‭.‬

تساءل‭ ‬الوالد‭: - ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬يا‭ ‬سمير‭?‬

‭- ‬تعال‭ ‬وسأريك‭ ‬شيئًا‭.‬

‭- ‬حسنًا‭, ‬لكن‭ ‬أشعل‭ ‬ضوء‭ ‬الغرفة‭ ‬أولاً‭...‬

‭- ‬لا‭ ‬يا‭ ‬أبي‭... ‬لن‭ ‬نحتاجه‭.‬

أغلق‭ ‬سمير‭ ‬باب‭ ‬الغرفة‭ ‬وضغط‭ ‬أزرار‭ ‬الهاتف‭ ‬ثم‭ ‬وجهه‭ ‬إضاءته‭ ‬نحو‭ ‬مجسّم‭ ‬بلاستيكي‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬جسمه‭ ‬تقريبًا‭, ‬وبعد‭ ‬لحظات‭ ‬بدأ‭ ‬يتشكّل‭ ‬جسم‭ ‬هناك‭ ‬ليتضح‭ ‬أنه‭ ‬جسم‭ ‬صديقه‭ ‬أحمد‭.‬

اتّسعت‭ ‬عينا‭ ‬والد‭ ‬سمير‭ ‬من‭ ‬الذهول‭ ‬والاستغراب‭ ‬وهو‭ ‬يسأل‭:‬

‭- ‬ما‭ ‬هذا‭? ‬كيف‭ ‬فعلتها‭?‬

ازدادت‭ ‬عيناه‭ ‬اتساعًا‭ ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬صوت‭ ‬أحمد‭ ‬يجيبه‭: ‬أهلاً‭  ‬أهلاً‭. ‬اشتقت‭ ‬لكم‭ ‬كثيرًا‭.‬

ضحك‭ ‬سمير‭ ‬وشرح‭ ‬الأمر‭ ‬لوالده‭: - ‬إنها‭ ‬تقنية‭ ‬الهولوغرام‭ ‬يا‭ ‬أبي‭. ‬لقد‭ ‬اتفقنا‭ ‬أنا‭ ‬وأحمد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تواصلنا‭ ‬عبرها‭. ‬ومنذ‭ ‬شهر‭ ‬ونحن‭ ‬نجهّز‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬ومجسّمات‭ ‬وتطبيقات‭ ‬حتى‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬لهذه‭ ‬النتيجة‭, ‬بحيث‭ ‬نتواصل‭ ‬وكأنه‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭, ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬لديه‭ ‬أيضًا‭.‬

حاول‭ ‬الأب‭ ‬أن‭ ‬يربت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أحمد‭ ‬لكن‭ ‬يده‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬سوى‭ ‬الفراغ‭.‬

ابتسم‭ ‬سمير‭ ‬وراح‭ ‬يكمل‭: ‬تقنية‭ ‬الهولوغرام‭ ‬تعرض‭ ‬الجسم‭ ‬فقط‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬عبر‭ ‬جسيمات‭ ‬ضوئية‭, ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اللمس‭ ‬ممكنًا‭.‬

احتضن‭ ‬الوالد‭ ‬ابنه‭ ‬سمير‭ ‬وهو‭ ‬يلوح‭ ‬لأحمد‭ ‬بكفّه‭ ‬قائلاً‭: ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬كيف‭ ‬أعبّر‭ ‬عن‭ ‬إعجابي‭ ‬بكما‭ ‬وبنباهتكما‭. ‬لقد‭ ‬استثمرتم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬أفضل‭ ‬استثمار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التواصل‭, ‬وقرّبتم‭ ‬المسافات‭, ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تكتفوا‭ ‬بالحزن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعلَته‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭... ‬لهذا‭, ‬سأضيف‭ ‬إلى‭ ‬الساعتين‭ ‬ساعة‭ ‬أخرى‭ ‬كي‭ ‬تستطيعا‭ ‬التواصل‭ ‬واللعب‭ ‬والحديث‭, ‬ولابتكار‭ ‬أفكار‭ ‬أخرى‭ ‬أيضًا‭.‬

٭‭ ‬يعود‭ ‬الفضل‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬تقنية‭ ‬الهولوغرام‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬دينيس‭ ‬غابور‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بمحاولة‭ ‬تحسين‭ ‬قوة‭ ‬الميكروسكوب‭ ‬الإلكتروني‭ ‬بهدف‭ ‬إنشاء‭ ‬مجسّم‭ ‬ثلاثي‭ ‬الأبعاد‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬وعليه‭ ‬نال‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬بالفيزياء‭ ‬عام‭ ‬1971‭.‬