الروائي زهران القاسمي: الرواية لها عالمها والفنون الأخرى لن تتنحى وباقية

الروائي زهران القاسمي: الرواية لها عالمها والفنون الأخرى لن تتنحى وباقية

يرى الشاعر والروائي العُماني زهران القاسمي أن جائزة البوكر العربية والدولية ربما سلطت الضوء قليلًا إلى نتاج الأدب العُماني، مشيرًا إلى أن هذا ما تفعله الجوائز، ومتمنيًا أن يقرأ الأدب العماني خارج منظومة الجوائز فقط. وتستعين الرواية ضمن أحداثها بالقرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية وأيضًا سالم بن عبدالله، وحياته منذ ولادته مرتبطة بالماء، فأمه ماتت غرقًا، ووالده طُمر تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، وينتهي سجينًا في قناة أخرى ليبقى هناك يقاوم للبقاء حيًا، والأفلاج نظام فلاحي لري البساتين مرتبط بالحياة القروية في عُمان ارتباطًا وثيقًا، مشيرًا إلى أن الإنسان عبر العصور ارتباطه الكبير للماء، لذا نجد أن كبرى الحضارات قامت على ضفاف الأنهار، وأن علماء الأنثروبيولوجيا يؤكدون بأن بداية الحياة على سطح الأرض بدأت من الماء، ولكن كيف لو أن هذه المادة التي تمنح الحياة للكائنات هي مصدر لموتها أيضًا من خلال ندرتها أو فيضانها؟ كيف يتحول الماء إلى قاتل؟

 

والقاسمي، المولود في سلطنة عُمان، عام 1974، أحد أبرز الروائيين في المشهد الأدبي والثقافي العُماني، وينقل القاسمي في كتاباته وأعماله دائما خصوصية وجمالية البيئة والأجواء في سلطنة  عمان في رواياته وأعماله الإبداعية، وظهر ذلك جليًا في روايته الأخيرة «تغريبة القافر» التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2023 «البوكر» والتي نالت قبول واستحسان النقاد والقرّاء.
صدرت له أربع روايات هي «جبل الشوع»، «القنّاص» الحاصلة على جائزة الإبداع الثقافي من الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء عام 2015، و«جوع العسل» و«تغريبة القافر»، بالإضافة إلى عشرة دواوين شعرية و«سيرة الحجر 1» قصص قصيرة، و«سيرة الحجر 2» نصوص، وغيرها. وفي ما يلي نص الحوار:
● بلغت روايتك «تغريبة القافر» القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، ثم إلى القائمة القصيرة والفوز بالجائزة العربية كيف تلقيت الخبر وما وقعه عليك؟
- في الحقيقة كانت تجربة جميلة، لم أشارك قبل هذه المرة مع أنني أعتز كثيرًا برواياتي السابقة وأراها في جودة العمل الأخير الذي قدمته للجائزة، لكنني متيقن أن هناك الكثير من التجارب الرائعة التي تنشر سنويًا، وأن هذا الكم الهائل منها الذي يذهب إلى الجائزة يبقي نسبة خروج أي عمل ضئيلة جدًا، ولكني عندما رأيت عملي في القائمة الطويلة ومن ثم القصيرة، فرحت، لأن هذا سيسلط الضوء على التجربة السردية لي ككل وليس فقط على رواية تغريبة القافر.
وعندما نظرت إلى القائمة الطويلة وما بها من أسماء مهمة ومعروفة على مستوى الوطن العربي لم أكن في الحقيقة أتوقع وجود روايتي في القائمة القصيرة وقلت ذلك للبعض على أن وجودها في الطويلة كان مكسبًا عظيمًا وكان هذا كل طموحي، أخبرت زوجتي وأطفالي بما حققته الرواية وخرجنا لنحتفل بذلك في المدينة، وتوقعت الفوز، لكن بنسبة ضئيلة، خصوصًا أن هناك روايات أخرى جيدة منافسة كانت في القائمة القصيرة.
● هل الفوز بها وضع على كاهلك مسؤولية أكبر خاصة في أعمالك القادمة؟
- في الحقيقة الفوز بهذه الجائزة حفزني على مواصلة الإبداع بجد واجتهاد، وأن أبدأ في مشاريع مستقبلية أخرى.
● مَن يقرأ روايتك «تغريبة القافر» يشعر بأن كاتبها يقوم بثورته الخاصة على المستوى الإبداعي... حدّثنا عن ظروف كتابة هذا العمل؟
- في كتابة رواياتي، عادة ما أحاول الدخول إلى عمق النفس البشرية وتعلقها وتأثرها بالعالم المحيط بها، هناك رابط كبير بين سلوك البشر والمكان الذي يعيشون فيه، ولذلك أحببت أن أسلّط الضوء على فكرة الماء وارتباطها العميق جدًا بالإنسان، خصوصًا أن العالم في الآونة الأخيرة يعيش حربا من نوع آخر وهي حرب الماء، فما الذي يحدث مع الفيضانات، وكذلك مع أشد أوقات الجفاف التي تؤدي إلى تضاؤل الحياة وموت الكثير من الكائنات؟
اخترت موضوع الأفلاج العمانية وبحثت كثيرًا في المراجع الخاصة بهندسة الأفلاج وتصميمها الداخلي، واستمعت إلى حكايات كثيرة من كبار السن عن بناء تلك القنوات في عمق الأرض وماذا كان يحدث حينها. ثم بدأت في كتابة الرواية التي استمرت إلى حوالي سنتين من الكتابة.
● في رواية «تغريبة القافر»، فلسفتَ حياة تدور مناخاتها حول البحث عن المياه وعن الجفاف والخصب فهي بيئة قروية تمامًا، أتعتقد بأن القرية ببساطتها أكثر تعقيدًا من المدينة بقوانينها؟ أم أردت القول إن المجتمعات لم تخرج من قميصها القروي بعد؟
- كل مجتمع معقد سواء كان ذلك المجتمع مدينيًا أو قرويًا، فالذي يربط المجتمع ببعضه هي تلك العادات والتقاليد والإرث الممتد، لا يمكن تصور حياة قروية يعيش فيها فئة قليلة من البشر أنهم يعيشون حياة بسيطة، قد تكون الحياة معهم في مضمونها العميق أكثر تعقيدًا مما نتصور، وكل مجتمع في نظري نابع من القرية، خصوصًا في مجتمعاتنا العربية، التي تشكلت مدنه من مجاميع غفيرة من القرويين القادمين بإرثهم ومعتقداتهم وطريقة ممارستهم للحياة، ليعيشوا في مكان واحد سمي بعد ذلك بالمدينة، لكنهم ما زالوا قرويين حتى النخاع.
● في رواية «القناص» و«تغريبة القافر» تشترك الشخصيات الرئيسية، والشخصيات المحيطة، في بحثها الدائم عن ذاتها، ما يجرها إلى صراع مع المجتمع، أنهم فشلوا في تحقيق ذواتهم، فهل سلطة المجتمع أقوى دائمًا؟
- في الحقيقة الصراع ليس نابعًا من المجتمع ولكن من داخل تلك الشخصيات، فالقناص كان يعيش صراعه مع ذاته ويعيش حياة مسالمة مع عائلته والمجتمع المحيط، والقافر يختلف عن القناص فهو لم يكن يبحث عن الماء وإن كان يبدو كذلك، هو يسمعه، ولم يكن هدفه هو الوصول إلى الماء بقدر ما كان هدفه الخروج من حالته الاجتماعية كرجل فقير ويكون له ماله الخاص ومزرعته، إن بحثه عن الماء كان لهدف أكبر، كان يبحث للآخرين ويحقق لهم منالهم، على الرغم أنهم سخروا منه إلا أنه أثبت لهم مقدرته على المهارة التي يتميز بها، ولكن عندما بدأ في البحث عن الماء لشأنه الخاص وقع في تلك المشكلة العميقة.
● كأنك أردت القول في «تغريبة القافر» إن صراع الإنسان مع محيطه يتحول إلى صراع مع ذاته أحيانًا؟
- في مجتمعاتنا القروية دائمًا هناك خوف من الشيء الجديد، دائما هناك توجس من الحالات المختلفة عنهم، لذلك تبقى الوصمة الجاهزة هي الجنون أو السحر، وهذه المعضلة قديمة في المجتمع القروي قدم الإنسان على هذه الأرض، إذ من الصعوبة أن يتقبل القروي شخصًا مختلفًا بكل تلك البساطة، دون التنمّر عليه بالكلام والفعل أحيانًا وتهميشه في أحايين كثيرة.
فالأنبياء مرّوا بهذه التجربة على مدى العصور، فهناك تشابه بين كل نبي وآخر في تعامل المحيطين به، والقافر هنا وهو الذي يستطيء اقتفاء أثر الماء وتحديد مكانه هو أشبه بحالة النبي الذي لديه شيء يتوجس الآخرون منه.
● ما يلفت الانتباه في روايتك الأخيرة هو اشتغالك على اللغة بشكل لافت. هل تشعر أنك معني باللغة السردية داخل النص أكثر من شيء آخر؟
- الكتابة الأدبية هي كتابة إبداعية في مقامها الأول، واللغة جزء لا يتجزأ من هذا المشروع، ويختلف عمل عن آخر بلغة كاتبه الإبداعية، وأعتقد أن اللغة مطواعة ويمكن أن نستفيد منها في خلق نص إبداعي خلاق وفي الجانب الآخر هو سردي، إذ لا تؤثر قوة اللغة بضعف الحبكة السردية إن كانت هناك كتابة واعية لذلك. ولأنني قادم من بيئة شعرية فالأمر ممتع إذ يكون النص الذي أمامك أشبه بقصيدة طويلة.
● في «تغريبة القافر» ثمة عوالم زمنية متباينة، طقوس وأماكن تسهم في اكتمال الوهم، أيمكننا صنع واقع من وهم يمكن إقناع المتلقي بحقيقته؟ أم أردت تحطيم الأوهام ذاتها؟
- إن كنت تقصد الاشتغال على الأساطير داخل النص فإن الإنسان في أي مجتمع مهما كان ماديًا وحديثًا له أساطيره التي لا يتخلى عنها، إن ارتباط الأساطير بالبشر ارتباط روحي، ولا يمكن أن تسيطر المادة على الإنسان مهما كان واقع وجودها.
● شخصيات الرواية القافر سالم، ومريم بنت حمدود غانم، وزوجها عبدالله بن جميل، كاذية بنت غانم، وآسيا، وغيرها من الشخصيات تتداخل ويحكي بعضها عن بعض وعن أنفسها بشكل أقرب لفكرة الحوار المكسور، هل هي شخصيات حقيقية من الواقع؟
- حتى لو كانت هذه الشخصيات متخيلة في الرواية إلا أننا سنجد شبيها لها في العالم المعاش، ليس فقط على محيط القرية ولكن سنجد هذه الشخصيات بيننا في كل مكان في هذا العالم الواسع.
● بالتالي إلى أي مدى يستطيع الكاتب أن يكون حياديًا في تسيير شخصيات روايته؟
- تلعب الحبكة وتقاطعات الخطوط في مسار كل شخصية من تلك الشخصيات، وقد يقع الكاتب أحيانًا في تسيير شخصية ما وتوجيهها، ولكن إن كانت لديه القدرة في جعل تلك الشخصية هي من ترسم مسارها أو تمشي على مسار الراوي دون تدخل الكاتب فهذا أجمل بالطبع، فهناك راوي داخل النص هو من يوضح تقاطع الحيوات، وليس الكاتب سوى من يملك الأداة التي تثبت هذا النص.
● ما الهاجس الذي يحرك قلم زهران القاسمي، لماذا تكتب، وماذا تنتظر؟
- هناك صوت في داخلي يدعوني للكتابة، شيء لا أعرف ما هو، بدأ منذ زمن بعيد، منذ الطفولة، ومنذ حصة التعبير في كتاب اللغة العربية، كان هناك صوت يقول لي أنت قادر على الكتابة بشكل أفضل، ثم تطور ذلك الصوت، وصار مثل المتلازمة التي لا يمكن أن أتجاهلها مهما فعلت، فقد تمر أشهر وفترات طويلة دون أن أكتب حرفًا، لكنني أعود وبشدة للكتابة، ولا شيء يوقف ذلك الصوت سوى البدء في مشروع كتابي جديد، سواء كان ذلك شعر أم سردًا، أما لماذا أكتب، فلأنني لا أجيد شيئًا آخر في هذه الحياة ولا يفرحني شيء أبدًا مثل فعل الكتابة، وفي الحقيقة مع البدء في أي مشروع لا أنتظر سوى المتعة الخالصة التي تمدني بالاستمرارية والشغف في بذل أقصى الجهد في مواصلة كتابتي.
● عرفك القرّاء شاعرًا، ثم تحولت إلى كتابة القصة والرواية، كيف سحبتك «غواية السرد» من الشعر؟
- هي تجربة، أحببت أن أخوضها في البداية، وكانت لدي محاولات سابقة سردية في كتابة بعض القصص، لا أعرف أين اختفت، في الحقيقة لم أهتم بحفظها، لكنني أتذكر أنني نشرت بعضها في موقع القصة العربية في بدايات الألفية، وفي بعض المنتديات الأدبية آن ذاك، لكنها لم تسحبني كليًا، الشعر مازال ملاذي الجميل، ومازلت أعود إليه بين الحين والآخر، والدخول في تجربة شعرية جديدة.
● هناك من يقول إن الرواية أكثر سعة للتعبير من قصيدة شعر مكثفة، ما رأيك؟
- هذا فن وذاك فن آخر، لا يمكن المقارنة بينهما، للشعر مريدوه وسيظل كذلك، وللسرد أيضًا، نحن هنا نتعامل مع فنون مختلفة تجمعها الكتابة، لكن لكل فن عالمه، وتوجهاته وتعبيراته ورسائله.
● في روايات «جبل الشوع»، و«القنّاص»، و«جوع العسل» و«تغريبة القافر» انطلقت فيها من مناطق تكاد تكون بكرًا في صنع الحدث الروائي وهي البيئة المحلية، أهذا مخزون ذاكرة أم مرحلة غارقة بالشغب كونت لك أرضية صلبة للانطلاق؟
- كل مكان يمكن أن تخلق منه مكانًا للنص الروائي، الرواية ليست حكرًا على مناطق محددة، ما جعلني أنطلق من البيئة المحلية لأنني استفدت من تفاصيل هذه البيئة في صناعة كل نص سردي اشتغلت عليه.
● المبدع ابن بيئته يتأثر فيها ويعبّر عنها في منجزه الإبداعي... لكن إلى أي حد يمكن للمبدع أن يكون مؤثرًا في بيئته الاجتماعية ضمن هذا الواقع المترع بالصراعات والتناقضات بالغة الغرابة والعنف؟
- إن تأثير المبدع في نظري ليس تأثيرًا آنيًا، لا يمكن لروائي من خلال روايته أن يحدث نقلة نوعية في مجتمعه، وكذلك لأي فن، ولكن مع الزمن، ومع تطور الفنون وتراكمها نجد ذلك التأثير في الأجيال، مع العلم أن التأثير يأخذ وقتا طويلا وببطء.

موروث شفاهي
● كيف استفاد زهران القاسمي، من المخزون التراثي الشعبي والطبيعة القروية الجبلية في سلطنة عمُان في كتابة أعمالك الإبداعية؟
- هناك مخزون حكائي وأسطوري كبير في منطقتنا، انتقل عبر الأجيال المختلفة كموروث شفاهي، يحمل هذا الموروث في داخله ثقافة الإنسان وحياته وصراعاته للبقاء، هذا المخزون لابد من الاستفادة منه في طرح تساؤلات النفس العميقة من خلال الكتابة.
● تنطلق بمشروعك الروائي من المحلي، دون أن تعطي صفة جامدة للمكان، أهي محاولة لتوسعة مكان الحدث ومحو محليته؟
- نحن نعيش في عالم، كل ذرة فيه ترتبط بذرة أخرى منذ بداية هذا العالم وحتى لا نهائيته، كل شيء مترابط هنا، فما نراه محليًا هو في الحقيقة عالمي، هناك الكثير من التجارب الأدبية العالمية خرجت من المحلية، كما نقرأ في الأدب اللاتيني ونجيب محفوظ ورسول حمزاتوف والكثير الكثير من التجارب صارت عالمية لأنها اهتمت بتلك الخصوصية المحلية دون التفكير في ذات الوقت أنها ستصل إلى العالمية، لكن كما قلت كل محلي هو عالمي في ذاته.
● مَن يطلع على تجربتك الروائية على حداثتها يبدو مشدودًا إلى حقيقة أننا أمام كاتب جاء ليقول وليفعل شيئًا داخل نصه الروائي... حدثنا كيف تصنع نصك الروائي؟
- عادة هناك فترة ما قبل كتابة العمل وهي فترة البحث، يعتمد ذلك على موضوع الكتابة، فأنا كتبت عن قناصي الوعول، وعن تربية النحل وعن الأفلاج وشقها وبناء قنواتها، كل هذه المواضيع تحتاج إلى مادة بحثية لتكون أرضية للعمل الروائي، بعد ذلك أبدأ في نسج النص السردي، تصاعديا كان ذلك أو مثل لعبة البازل كل قطعة لوحدها، كل عمل له طريقة كتابته المختلفة.
● هذا رابع عمل سردي تنجزه في ظرف عشر سنوات... ألا يحتاج المبدع إلى بعض الوقت لإنجاز عمل روائي؟
- أنا أراني متأخرًا جدًا في الحقيقة، هناك من يكتب كل سنة رواية، يعتمد هنا على الفن والإبداع وإعطاء النص حقه كان ذلك في سنة أو أكثر، الفرق هنا هو للفن.
● تتعمّد أن تضع لمؤلفاتك عناوين غريبة عن المتلقي، وأحيانا تكون غريبة كيف ترسم العنوان؟ هل تتعامل معه بصفته عتبة إشهارية وتجارية؟
- العنوان عادة يكون نابعًا من الرواية وليس غريبا عنها، ولا أتعمد حقيقة في جعله غريبًا، ولا أراه غريبًا، ربما يجده الآخرون كذلك وربما هذه صفة لتسويقه أيضًا ولم لا؟
● في العقد الأخير ظهرت الرواية في سلطنة عُمان بزخم جديد عبر أسماء شابـة ربما لم يُعرف عنها كتابة الرواية... هل هو ظهور طارئ تهيأت له مناخات معينة؟ أم أنه مؤشر لإحداث تحوُّل في الرواية العُمانية خاصة بعد فوز جوخة الحارثي بجائزة البوكر الدولية؟
- هناك تجربة روائية جميلة في عمان ليس فقط للأسماء التي وصلت للضوء عبر الجوائز ولكن هناك تراكم كتابي رائع أتمنى من الجميع الاطلاع عليه، فلدينا أصوات مختلفة وتجارب رائعة.
● هل أخرجت البوكر العربية والدولية الأدب العُماني الجديد من عزلته؟
- ربما هي سلطت الضوء قليلا إلى نتاج الأدب لدينا، وهذا ما تفعله الجوائز، أتمنى أن يقرأ الأدب العماني خارج منظومة الجوائز فقط، فكما قلت لدينا حركة كتابية جميلة في البلد.
● يرى البعض أنه رغم الانطباع السائد عن سلطنة عُمان بأنها بلاد رفاهية فإن معظم الأعمال الصادرة عنها ترصد تاريخا مسكوتًا عنه من المعاناة والفقر أحيانًا، كيف ترى تلك المفارقة؟
- ليس هناك مجتمعًا مرفهًا كليًا، الفكرة المأخوذة عن المجتمعات الخليجية أنها مجتمعات مرفهة بالكاملة هي صورة نمطية قديمة سوقتها الصحافة والكثير من المثقفين في الخارج لعدم معرفتهم بهذه المجتمعات، لكن لكل مكان صراعاته وناسه وفقرائه وأغنيائه أيضًا، ربما هذا ما يجعلنا غير مرئيين بالنسبة لقراءة الأدب فيما قبل، لأن الصورة النمطية المتعارف عليها أننا دولة نفطية وليس لدينا ما نكتب عنه وما نقوله، وهي نظرة استعلائية في حقيقتها، وتدخل تحت نطاق دول الوسط الثقافي ودول الأطراف، وأعتقد أن هذه النظرة لابد من إزالتها، فالعيب ليس من سكان هذه المنطقة إنما من الذين لا يعرفون عنها شيئا، والاستكفاء بقولهم شعوب مرفهة وغنية ونفطية... إلخ.
● الرواية ديوان العرب في العصر الحديث... هل يمكن أن تتطور لتصبح سيدة الفنون متجاوزة كل التحديات التي تعترضها في زمن الصورة؟
- كما قلت سابقًا وما ينطبق على الشعر ينطبق على الرواية، لا يمكن أن نقارن عملاً فنيًا بعمل فني مختلف عنه، لكل عمل فني جوانبه ومعاييره ومريديه، وأعتقد أن ازدهار كتابة الرواية في الفترة الأخيرة ورواجها وتسويقها هذا يعني انتشارها وبقاءها.
● تعرف الساحة العُمانية نوعًا من الازدهار الأدبي، ما هي قراءتك لهذا المشهد الأدبي والثقافي؟
- عُمان بلد أدبي قديم، نحن شعب يهتم بالأدب والشعر ويعتبر ذلك من أساسيات الحياة اليومية، ولا غريب أن يظهر هذا الازدهار لدينا، لأننا تأسسنا على الأدب منذ نعومة أظفارنا، وفي الآونة الأخيرة بسبب النشر والانتشار وسهولة الطباعة حدث أن صار لدينا الكثير من التجارب المقروءة والمهمة.
● على ذكر المشهد الروائي العُماني... هل من متغير طرأ على هذا المشهد بعد بروز أسماء لها وزنها مثل جوخة الحارثي وبشرى خلفان محمود الرحبي، وحمود الشكيلي وهدى حمد ويونس الأخزمي ومحمد قراطاس والمرحوم عبدالعزيز الفارسي، وغيرهم؟
- شكل هذا الجيل من الأسماء المهمة قاعدة للأجيال القادمة، فلدينا تجارب رائعة في كل المجالات ويشار لها بالبنان شعريًا وسرديًا وفي الفنون التشكيلية والمسرح والتصوير الضوئي وغيره من الفنون.
● هل يمكن أن نقول إن الزمن زمن رواية بامتياز، وإن الأجناس الأدبية الأخرى آن لها أن تتنحى؟
- لا أعتقد ذلك، الرواية لها عالمها والفنون الأخرى لن تتنحى وباقية لأن لها مريدوها وفنانوها أيضًا.
● أين أنت من الشعر حاليًا؟ وهل يقلقك تراجع الشعر عن حضوره في المشهد؟
- الشعر موجود بكل حياتنا، بالأغاني التي نسمعها، بالدواوين التي نقرأها، ومن يفكر في تراجع الشعر ليس إلا إنسان لا يقرأ الشعر، فهناك تطور كبير جدًا في كتابة الشعر، وهناك ثورة كبيرة في تجارب قصيدة النثر على مستوى الوطن العربي والعالم.
● يقول الشاعر لويس أراغون «لولا الشعر لأُصبنا جميعًا... بالسكتة القلبية». أليس العالم بدون شِعر خراب وخواء؟
- يظل الشعر هو الأقرب دائمًا إلى وجدان الإنسان وإلى روحه، لذلك نحن نتغنى بالشعر في كل مكان وفي كل حالة.
● ما المطلوب من الشعر الآن في ظل ما تمر فيه الأمة العربية من أزمات؟
- ليس مطلوب منه شيء، الشعر هو الحالة التي يعيشها الإنسان في أي مكان وأي زمان.
● هل تخطط لكتابة رواياتك؟
- بالتأكيد هناك تخطيط، ولكنني لا أمشي على ذلك المخطط المبدئي وأغير وأبدل فيه دائمًا، وقد تجري الحياة بعيدًا عن المخطط حسب ما يراه الراوي فأتخلى عن المخطط وأترك الحكاية تأخذ مجراها بعيدًا دون قيود.
● كيف تتعامل مع النقد؟خاصة أن كتابات كثيرة تراكمت حول منجزك؟
- النقد دائمًا يضيء التجربة الكتابية، كل حالة نقد هي بمثابة تجربة للتعلم ولتفادي بعض مشكلات الكتابة مستقبليًا، ويعجبني بعض النقاد الذين يستطيعون سبر أغوار النص وقراءته عميقًا.
● وأنت تكتب هل تفكر في القارئ العربي، أم بترجمة روايتك إلى اللغات الأجنبية؟
- في لحظة الكتابة هناك قارئ واحد فقط من أفكر فيه، هو أنا عندما أنهي كتابة الورقة وأعيد قراءتها بعد ذلك هذا ما أهتم به، أما موضوع الترجمة فلم يخطر لي على بال وقت الكتابة، وأترك ذلك للزمن وللقراء ربما تغري أي منهم تجربة من تجاربي فيسعى لترجمتها.
● الكاتب يرى أنه لا يعرف معنى الحرية إلا في الكتابة، إلى أي مدى تشعر بهذه الحرية وأنت تمارس العزف على الكلمات؟
- لا يمكن أن تكون هناك كتابة إبداعية إن لم تكن حرة، ولكن لنعد إلى مقصد الحرية في الكتابة ماذا تعني؟ وما الذي تريد أن تكون حرًا فيه، هناك فرق أيضًا بين الإسفاف الكتابي وبين حرية الكتابة، لابد أن نكن حذرين في ذلك.
● في إحدى روايته، قال الروائي الكبير «ماريو بارغاس يوسا»: «عندما يفشل الإنسان في حياته، يصبح كاتبًا»... إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الجملة واقعية؟
- ربما كانت هذه المقولة من خلال أحد شخوص الرواية وليس رأي يوسا بالتأكيد، فهناك كتاب لديهم حياة اجتماعية رائعة وناجحون في حياتهم.
● انتشار الجوائز الأدبية العربية وكثرتها في مجالات القصة والشعر والرواية... هل تراها ظاهرة إيجابية في فرز وتقديم أفضل منتج للقارئ، أم لديك رأي آخر؟
- الجوائز لها آثارها الإيجابية على الكتابة وعلى الكاتب بالطبع، فهي تسلط الضوء على العمل وتزداد مقروئيتها ومنها فائدة مادية للكاتب تعينه في حياته، لكن هذا لا يعني أن العمل الذي لم يفز بجائزة هو عمل سيئ، فهناك أعمال رائعة لم تشارك في جوائز.
● هل الكتابة تمرد؟
- الكتابة هي فعل خلق، تحدي أن تعش حياة مغايرة واختراع لحيوات قد تحدث يومًا ما.
● ما أهمية أن يكون لدى الكاتب مشروع يعمل على تحقيقه؟
- الكاتب الذي يؤمن بتجربته ولديه القدرة لصنع مشروعه، من المؤكد أن هذا مهم جدًا، فالكتابة في حد ذاتها مشروع كبير يمتد مع الكاتب طوال حياته.
● هل من مشاريع قادمة على أرض الكتابة؟
- حتى الآن ليس هناك أي مشروع كتابي لدي ■