قصتان قصيرتان (رجل في الليل - عواصف وأمواج)

قصتان قصيرتان (رجل في الليل - عواصف وأمواج)

1 - رجل في الليل
استيقظت فجأة في الليل، كما اعتدت أن أفعل غالبًا، معتقدة أنني سمعت ضجيجًا، كما كان يحدث غالبًا، وقمت من السرير لأتحقق، متتبعًة ممرًا معتمًا من غرفة النوم إلى الغرفة الأمامية، حيث قمت بتشغيل أقرب مصباح لتهدئة خوفي. 
في منتصف الغرفة وقف رجل، خداه متوهجان كما لو كانتا تعرضتا للضرب أو من أثر الطقس القاسي، عيناه الرماديتان مشبعتان بضوء شمس الشتاء. لولا توهجهما الغريب، لكان بإمكانه الخروج من الملابس الكاجوال المملة، يداه مخبأتان في جيبي البنطال - على الرغم من أن يديه لم تكونا في الجيوب ولكن في الجلد الأسود، كانتا جميلتين جدا مع القفازات، عناقها لليد لوحة تعبيرية تجريدية بلا عيب. 
امتلأت مثانتي واهتزت ساقاي، لكن النصف العلوي ظل هادئًا، ودق قلبي، لكنها دقات اطمئنان متباعدة.
ابتسم. للحظة، توقعت منه أن يمد راحة يده، لكن سرعان ما ذابت الابتسامة في بريق من الازدراء. 
قلت:
- أأنت هنا لتسلبني، أم لتفعل شيئًا آخر؟ 
قال وهو يلقي نظرة خاطفة:    
- «لماذا أسرق منك؟». 
- ربما تحب الكتب؟ 
- أوه، أنا أحب الكتب. لكنها بالنسبة لي ليست كافية.   
- ما الذى يكفيك؟   
إذا ما واصلت طرح الأسئلة، فربما نجري دردشة، ونصبح ودودين. ويمكن أن أحضر طاولة من المقبلات وأعتذر عن امتلاء الطبق. 
قال:
- سوف ترى.    
نعم، كان من المضحك أن أضع يدي تحت ردائي كما رأيت لصوصًا بارعين يفعلون ذلك في الأفلام. قلت: 
-  لدي مسدس. 
ضحك وقال: 
- لا، أنت لا تفعلين ذلك. حتى لو سحبت مسدسًا ووجهتيه إلى رأسي، فلن يكون لديك مسدس. أنت من نوع المرأة التي لا تملك سلاحًا ناريًا مطلقًا، حتى لو كان في يدك.   
- كيف علمت ذلك؟ 
انطفأ الوهج من وجهه: 
- يكفى أن ألقي نظرة واحدة عليك وأرى كل شيء. لمن تصوتين في الانتخابات، ماذا أكلت على الإفطار، ما العروض التي تشاهدينها كل ليلة. من السهل التوقّع أو التنبؤ.   
- ليس هذا صحيحًا. لا يمكنك معرفة ما سيفعله أي شخص. 
احتميت بهذه الكلمات. حتى أنني لم أستطع معرفة ما سأفعله. ما الذي كنت قادرة على فعله؟ كثيرا ما كنت قلقة. مثل الجميع، أحببت أن أصدق أنني كنت شجاعة وماهرة ولطيفًة. لكنني أحببت أيضًا أن أصدق أنني في أعماقي كنت جبانًة وحمقاء ولئيمة. أمدني هذا الاعتقاد ببهجة حمقاء، تأكيدًا على أسوأ مخاوفي على نفسي والعالم، كما لو كان يزيدها. 
سخر مني وقال:
- لا يمكنك معرفة ما سيفعله أي شخص، يمكنك أن تقولي هذا، وستكونين مخطئة لو قلت ما سأفعله. 
- ما كنت تنوي القيام به؟    
- تعرفين. ولطالما عرفت. لم أصل حتى إلى غرفتك. أنت أتيت إلي.
في كل المرات التي أدرت فيها هذا السيناريو في ذهني، حدث كل شيء بسرعة كبيرة، سواء هربت أو فشلت في الهروب. ألقى لي بحبل  البطء الآن، وسمح لي بمساحة من عدم الثقة. أين كانت الغرائز التي اعتقدت أنها ستنطلق إلى العمل بعفوية؟ لماذا لم أصرخ؟
قال: 
- أتعلمين لماذا لم تصرخي؟ أنت لست خائفة.  
لقد كان هذا صحيحًا. توقفت ساقاي عن الارتعاش، وعرفت أن هذه علامة سيئة، وأنه بطريقة ما بعد كل هذه السنوات، أقنعت نفسي أخيرًا، في أسوأ اللحظات، أن مخاوفي لا يمكن أن تكون حقيقية. 
كان من الصعب تخيل الضرر الذي يمكن أن تلحقه تلك القفازات الأنيقة بعنقي. في الواقع، أثارني التفكير حول حلقي، على الرغم من أنني لم أنجذب أبدًا إلى مثل هذه الأشياء. ما الذي كنت منجذبة إليه؟ الكثير: رجال بابتسامات ساخرة وعيون حزينة. نساء تمضغن العلكة بشدة. أطفال مفوهون.  كلاب: بلهاث وقح ونظرة سكرية بنية. سماوات فيروزية، القوام الصافي للثلج الطازج. والجبال وكيف شقت بجماله الأفق وأثارت العين، الكثير من الحب للعالم المحاصر داخل مخاوفي.  
كما لو كان هاتف من بعيد، حدثت نفسي بالهرب. كنت أقفز وأتلوى مثل الأرنب، لكن الرجل سد كل الطرق التي حاولت أن أذهب إليها وما كان بالنسبة لي حزينًا وغير جميل، كان بالنسبة له رقص باليه  - خطوة هنا، وقفزة هناك، ذراعان إلى أسفل، ثم مد على اتساعهما، وعندما قبض علي، للحظة ظننت أنه مكان للراحة وربما أخطأني الرجل في شيء آخر أيضًا، لأننا كنا نقف ساكنين، أشعر أنا بالدفء من الجهد وهو دافئ من حياتي، حياتي الصغيرة، النابضة، حياتى البهية، في يديه الجميلتين المخفيتين.

2 - عواصف وأمواج
     تهز الرياح النافذة، كما لو كانت ممسكة بتلابيبها. تقول أمي: 
- هذه جدتك. 
قلت:
- جدتي ماتت. 
- أنت أصغر من أن تؤمني بالأشباح. 
تقول هذا في كل مرة، حتى وأنا الآن عندي اثنتا عشرة سنة. 
ظلت النافذة تهتز وأنا أتساءل لماذا الخشخشة اسم للعبة الصبي، عندما تعني أيضًا الخطر والثعابين والزجاج المهتز، لم ألتق بجدتي قط عندما كانت على قيد الحياة، لم تتحدث هي وأمي، بسبب طفولة أمي السيئة. التي لا أعرف عنها الكثير فيما عدا أنني محظوظة.
تقول أمي في بعض المرات: 
- أنت محظوظة لأنني لم أضربك، مثلما ضربتني أمي.
الأمر الذى يجعلني أستطيع أن أقول كم تريد أن تضربني كلما قالت ذلك. وجهها الخشن بمثابة نوع من الصفعة وهو يرعبني للغاية، عندما تصير أمي على هذا النحو، تفكر في جدتي الرياح، أشعر بالرعب بطريقة مختلفة، أريد أن أبقى قريبًا وليس بعيدًا. 
أقول: 
- إنها الريح فقط، وستتوقف قريبًا. 
- حتى عندما تتوقف لا تتوقف. 
ربما كانت على حق، الطقس شبح ولا يمكن إيقاف أي شيء، لأنها هناك، مباشرة نحو النافذة، تميل إلى الخلف، وذراعاها ممدودتان على أقصى اتساعهما، كما لو من يريده بالداخل قد شق طريقه إليه ■