وسائل التهوية في العمارة الإسلامية

وسائل التهوية  في العمارة الإسلامية

ملاقف الهواء، الملقف لغةً بفتح الميم واللام هو بُرج الهواء كما يُسميه البعض، وهو تصميم هندسي معماري بارز في أسطح المنازل، ويستهدف أكبر كمية من الهواء النظيف، ومن ثمّ توزيعها على الغُرف والردهات داخل المباني، ويُعرف في البحرين باسم الكشتيل، وفي الإمارات باسم «البارجيل» أو «البادجير»، وفي قطر باسم «البادكير»، وفي المناطق الشرقية للمملكة العربية السعودية وبخاصةً منطقة الأحساء باسم «بادجين». واللفظة مُشتقة من مقطعين «باد» بمعنى الهواء، و«كير» بمعنى الأخذ والجلب، وفي مصر باسم «الباذاهنج»، وفي إيران باسم «الصهريج» لأنه يستخدم في تبريد المياه بالصهاريج المحفورة تحت سطح الأرض، وفي سورية باسم «البيطنج». وأما الباذاهنج، فهو لفظ فارسي مُعرب من مقطعين «باذ» بمعنى مُنبسط، و«آهنج» بمعنى ساحب الهواء أو مُدخله أو فتحة التهوية أو طريق النسيم، ويُجمع على «باذاهنجات»، وغطاء الباذاهنج يُقال له خرطوم، والخرطوم بمعنى الأنف، ومقدم كل شيء؛ ويُقصد به من الناحية الفنية غطاء من الخشب أو البوص يعلو فتحة الباذاهنج فوق سطح البناء . 

ملاقف الهواء

 وملقف الهواء اختراع قديم، ولا يُعرف تحديدًا تأريخه أو أول من استخدمه، فهناك من يرى أنه يرجع لمصر القديمة، ونسبه البعض إلى بلاد فارس، ومنها انتقل إلى البلدان المُجاورة، وقد انتشر في العديد من المدن والحواضر الإسلامية إبان العصر العباسي الأول، خاصة في المناطق الجافة، وقد ادخل عليها كبار مُهندسي العمارة الإسلامية العديد من التعديلات، ووضعوا معايير وشروطًا لإنشائه، حتى يؤدي الوظائف المنوط بها بكفاءة، وقد أشار إليه ابن بطوطة في رحلته الشهيرة أثناء حديثه عن السلطان بركي، وذكره أحمد بن حمد الخفاجي في كتابه الموسوم «شفاء العليل» بقوله «هو المنفذ الذي يجيء منه النسيم العليل». وبدار الكتب المصرية بالقاهرة مخطوطة عنوانها «تُحفة الأحباب في نصب الباذهنج والمحراب» (لوحة 1) لمؤلفه شهاب الدين أحمد بن المجدي (ت 850هـ). وقد تحدّث فيها عن هذا الابتكار، وكيف تطورت أنواعه في العصر العباسي، وذكر عدة طرق لتصميمه وهندسته، ومراعاة البيئة المحلية، والاتجاهات، واتجاهات الرياح. 
كما أشار إليه ابن الرامي، وعدَّد فوائده الصحية وذلك من خلال مخطوطة بعنوان «الإعلان بأحكام البنيان»، ومما قاله أنّ الباذهنجات هي عناصر التهوية التي انتشرت استخداماتها في العمارة الإسلامية، وزادت الحاجة إليها في العمائر التي تُحيط بها المباني من أكثر من جهاتها، وتفتقر واجهاتها المُطلة على الطريق عن تزويدها بالهواء اللازم، ولا سيما إذا كانت الوحيدة التي تحتاج إلى التهوية من الوحدات التي تزدحم بالأفراد مثل قاعات الاستقبال، وأواوين الصلاة، وحلقات العلم في مسجد أو مدرسة أو خانقاة وتحتاج لباذهنج، وذلك لعدم الإمكانية من عمل نوافذ تُطل على الخارج، وذلك بسبب مُجاورة المنشآت الأخرى.

البادجير

البادجير (ملاقف الهواء) عنصر معماري صُمم بآليةٍ معينةٍ تدل على عبقرية المعمار، ويمر الهواء من خلالها من أعلى إلى داخل المبنى ليُلطف من درجة حرارة الجو في فصل الصيف (لوحة 2)، وذلك بدفع الهواء الساخن من داخل المبنى إلى خارجه من خلال الفتحات الموجودة في المبنى (الدرايش).

تاريخ البادجير 

 ظهرت تقنية ملاقف الهواء في كثير من دول العالم الإسلامي (السند، فارس، شرق جزيرة العرب، العراق، مصر) في فترة مبكرة جدًا، حيث شاع استخدامها كتقنية في تهوية مباني المساجد، والبيمارستانات في العصر العباسي، وفي مصر خلال العصر المملوكي (648-923هـ)، واشتهرت هذه التقنية بنفس المُسمى الحالي «بادكير» زمن دولة المماليك؛ وجاء في مخطوطة برتغالية نشرتها الأكاديمية الملكية للعلوم في مدينة لشبونة عام 1822م بأن الرحالة البرتغالي (داورته بربوسه) زار منطقة الخليج العربي عام 924هـ/1518م، ووصف ملاقف الهواء المستخدمة خلال تلك الفترة بقوله: «إذا عبر المرء مضيق هرمز متوغلًا في الخليج، وجد قرب مدخله جزيرة صغيرة الحجم، تقوم عليها مدينة هرمز، والتي لا تبدو كبيرة بقدر ما هي جميلة، بمنازلها الشامخة المبنية بالحجر والملاط، المسطحة السقوف والكثيرة النوافذ، ولتحاشي حر هذه الجزيرة الشديد، فقد شُيدت جميع بيوتها بطريقة تجعل الهواء يندفع عند اللزوم من طوابقها العليا إلى السفلى» (لوحة 3).
 وقد وصف الرحالة الدانماركي كارستن نيبور البادكير المستخدم في مدينة بغداد بقوله «إن طريقة البناء الشرقية هي في نظري السبب الكامن وراء الحر الذي يتذمر منه السكان، فعندما ترتفع الشمس تُصبح هذه الباحات المربعة بمنزلة أفران، ترتفع فيها الحرارة كثيرًا لأن الهواء لا يدخل إليها، لهذا السبب يملك السكان المميزون سردابًا في منزلهم أو جناحًا مسقوفًا ومرتفعًا سقفه يقع في القبو، وفيه ما يُشبه المروحة أو قل الموقد، فيه فتحة من أعلى من الجهة الشمالية لأن الهواء هنا تمامًا كما في القاهرة، والشارقة يأتي في فصل الصيف من الشمال». 

مواد البناء 

 أما مواد بنائها من الجص والطين وسعف النخيل، وكذلك من القماش، ومن الكتان، مما أعطاها سمة من سمات الفولكلور الشعبي.
والبادجير عبارة عن برج مُربع أو اسطواني يرتفع فوق كتلة المبنى، وتحيط غالبًا بجوانبه الأربعة عقود أو أحجبة خشبية، وينقسم البرج من الداخل إلى أربعة آبار تهوية رأسية، وذلك باستخدام حائطين متقاطعين غير متعامدين وتمتد آبار التهوية إلى أسفل على طول ارتفاع المبنى حتى تصل إلى سقف المجلس الذي يسحب منه الهواء الساخن غير النقي إلى الخارج عن طريق البرين المعاكسين لاتجاه الريح، بينما يندفع النسيم البارد من البئرين الآخرين المواجهين للريح في نفس الوقت (لوحة 4).

شروط ومعايير ملاقف الهواء

 وضع مُهندسو العمارة في الحضارة الإسلامية معايير وشروط كي يُؤدي الملقف دوره ووظائفه ومنها:
- أنّ تكون الفتحة العلوية للملقف بمواجهة مطالع هُبوب الرياح، ومن الناحية الهندسية، فالأمر يحتاج لبراعة ودقة وخبرة، فقد يُغير المبنى الجديد الذي يحتوي على الملقف، والمباني المجاورة له اتجاه الرياح، فمن الواجب دراسة حركة تدفق الرياح، لذا لابُدّ من التأكد من موضع الملقف.
- عادةً ما يكون وضع الملقف في الجانب الأيسر من المبنى، وفي مواجهة الرياح، للاستفادة من دخول ونفاذ أكبر قدر من الهواء للمبنى، في حين أنّ وضعه في الجانب الأيمن يجعله مهربًا للرياح بسبب الامتصاص الناجم عن أسلوب تدفق الهواء.
- أما حجم الملقف فيتوقف على متوسط درجات الحرارة، فإذا كانت الحرارة مُتدنية عند مدخل الملقف تكون مساحة الملقف ومقطعه كبيرة، أمّا عندما تكون درجة حرارة الهواء المحيط أعلى من الحدّ الأقصى للإزاحة فيُصبح لزامًا أن تكون مساحة مقطعه الأفقي صغيرة. ويُمكن تحقيق هذا التبريد بعدة وسائل، منها إمراره فوق سطح مائي، في الطابق السُفلي، أو تعليق حُصر مُبللة بالخيش أو استخدام ألواح رطبة من الفحم النباتي تُوضع بين صفيحتين من الشبك المعدني. كما يُمكن التحكم في ضغط الرياح وتدفقها داخل الملقف من خلال استخدام العوارض الخشبية، أو باستخدام أوانٍ معدنية مملوءة بالفحم النباتي المُبلل.

المقاعد والأفنية

المقعد هو مكان الجلوس، ويستخدم اللفظ في الوثائق للدلالة على وحدة معمارية تُخصص لجلوس الرجال، ويكون المقعد غالبًا بأول دور يُصعد إليه، وله قناطر مفتوحة ويطل على حوش أو جنينة أو بركة أو الخليج أو على الطريق. 
 وهذا النوع من المقاعد يقوم بين مستوى الدور الأرضي والأول، واجهته تُطل على الفناء أمامه، وتتألف من بائكة مكونة من أربعة عقود تقوم على ثلاثة أعمدة فيرد (مقعد ديواني ذو أعمدة ثلاثة بقناطر مركبة على الأعمدة المذكورة)، أو تكون مكونة من ثلاثة عقود تقوم على عمودين فيرد (مقعد ديوانى يشتمل على مجاز وايوان به عمودان من الرخام الأبيض معقود عليه ثلاث بوائك بالحجر الأحمر كما هي الحال فى المقعد الخاص بماماى السيفى، ومقعد منزل رضوان بك، وقد تكون الواجهة عبارة عن بائكة ذات عقدين يستندان فى الوسط على عامود فيرد (مقعد ديوانى به عامود وقاعدتان من الرخام الأبيض مركب عليه قنطرتان معقودتان بالحجر المنحوت) لوحات (5، 6). 
   وكانت عقود هذه البوائك تُبنى بالحجر الفص النحيت الأبيض أو الأحمر، بينما تتخذ الأعمدة من الرخام الأبيض، وربما جعل تاج العمود وقاعدته من الرخام أيضًا، وكان يتقدم هذه الواجهة درابزين من الخشب، وقد كان يُتوصل لهذا المقعد عبر مدخل خاص يتقدمه بسطة وعدة درجات توصل إليها. 
أمّا الفناء فيعتبر رئة البيت ومتنفسه، وقد ارتبط الفناء الداخلي بالسماء كونه فسحة سماوية وبالأرض كونه فراغ أرضي وبالنور كونه عاملًا مهماً منظمًا للنور، وكل ذلك له تأثير نفسي على السكان، فلنتخيل أننا ندخل إلى الفناء من باب خارجي عبر ممر منكسر لنجد أنفسنا في عالم آخر عالم غني وحيوي فيه الخضرة والماء والجمال، وهو ما جعل الرحالة الذين زاروا القاهرة ينبهرون ويتعجبون من التناقض بين العالم الخارجي للبيت القاهري وبين عالمه الداخلي وبيئته التي صنعها المعمار، فعليه تنفتح الأبواب والنوافذ وحوله تتوزع سائر المرافق.
فنجد في صحن البيت فسقية المياه بنافورته المتدفقة لتلطيف الجو الحار والجاف (لوحة 7)، وكذلك النباتات والأشجار التي اعتمد عليها المعمار في التظليل والخضرة والجمال، كما كان الاهتمام بالشكل الجمالي واضحًا في التكسيات الرخامية والحجرية لأرضيات الصحن وخاصة في المنشآت الدينية، ولذلك كان الفناء ملاذًا للراحة والسكون بالمنازل، حيث حقق الهدوء المطلوب والحماية من الضوضاء ، فاستخدم في عزل الضوضاء وذلك بحكم وضعه في المبنى والتفاف عناصر المنشأة، كما أنه يعطي حماية جيدة ضد العواصف والرمال ويقلل من نسبة الغبار والأتربة ويُبْعد منافذ المنشآت عن الاحتكاك بالبيئة الخارجية.

ومن الظواهر المُلفتة للنظر في بعض المنازل من العمارة الإسلامية وجود فناءين، والهدف من الفناء الثاني هو أن يكون رئة ومتنفسًا لأهل المنزل يتحركون فيه بحرية دون أن يجرحهم ضيوف صاحب البيت وغالبًا ما كان مستقلاً ويتصل اتصالاً مباشرًا بقسم الحريم بالمنزل وهذا يوفر نوعًا من الخصوصية لهذه المنازل لا يتوافر في غيرها، وربما ساعدت مساحات المنازل ذات الفناء المعماريين على وضع فناء ثان ضمن الكتلة البنائية، ويوجد الفناء في بعض الأحيان أفران لطهي الطعام ووحدات خدمية كالساقية والمطحنة أو حديقة إضافية.

المشربية ومراعاة العامل الفسيولوجي

المشربية عبارة عن شُرفة بارزة عن جدار المنزل أو المبنى، وتلعب دور النافذة، ويستطيع من في الداخل رؤية من بالخارج، وهي إما أن تُصنع من قطع خشبية صغيرة مخروطة ومُتداخلة ومُجمعة ضمن أُطر تجعل منها غُرفة صغيرة مُستطيلة المسقط أو مُضلعة. 
وعن أصل لفظة «مشربية»، وسبب تسميتها؛ فقد تباينت الآراء حولها، فالبعض يرى أن اللفظة مُشتقة من كلمة «مشربة» أي الغرفة، لأن المشربية هي غرفة صغيرة بارزة عن سمت الحائط؛ وآراء أخرى ترى أنّ كلمة مشربية تحريف لكلمة «مشربة»، وجمعها مشربات أي الإناء الذي يُشرب منه. كما يُطلق على المشربية أسماء مُتعددة في بعض الدول العربية الأخرى، مثل المشرفية بالفاء بدلًا من الباء، وذلك لأنها تُشرف على الشارع، كما يُطلق عليها في العراق اسم «الشناشيل»؛ كما عُرِفت المشربية في وثائق العصر المملوكي باسم «روشن» (لوحة 8)، ولا يزال يُطلق عليها هذا الاسم في بعض الدول مثل السعودية.
وفي العالم الإسلامي هناك مُدن عُرِفت فيها المشربية، بشكل يُشابه مشربيات القاهرة، ومُدن أخرى وُصِفت في بيوتها التقليدية أحجبة وسواتر خشبية تُغطي نوافذها؛ ففي المغرب تُمثل المشربية الجزء البارز عن الواجهة والمُمتد بشغل الخرط، كما أنها تُستخدم كحاجز أو ستار خشبي مُخرم يُمكن النساء من الرؤية مع الحفاظ على الخصوصية؛ وفي البحرين في منطقة المحرق نجد نموذج المشربية في بيت تقليدي بُني في أواخر القرن 12هـ/ 18م، وجاء وصفها كالتالي «أما النوافذ في بيت سيادي فهي كثيرة ومُتعددة الطوابق، وبعضها أكثر حجمًا لها نوافذ كالمشربية (كركري)، وتُساعد على تحرك الهواء بداخل البيت ونفاذ هبوب النسيم البحري الرطب». كما وصف أحد المهندسين البيوت القديمة لمدينة الشارقة بالإمارات العربية المُتحدة بقوله: «وكذلك الفتحات الموجودة في المباني القديمة قليلة ومُرتفعة، ومُصممة بطريقة علمية صحيحة، وعليها مظلات مثل المشربيات تحميها من الشمس، وتسمح بدخول الهواء إليها، وتتشابه هذه المعالجة الخشبية في عمارة منطقة الخليج ومنها بيوت الخبر بالسعودية».

 المشربية والمعالجة المناخية 

مثلت المشربية حلًا موفقًا للتغلب على مشكلات التهوية والإظلال على الواجهات الخارجية، فقد راعى الصانع أن يجعل الخرط الصهريجي الواسع كبير الحجم في الجزء العلوي من المشربية ليوفر كمية من الضوء اللازم كما يخرج منه الهواء عندما يسخن وتقل كثافته فيندفع لأعلى حيث تسهل فتحات الخرط الصهريجي الواسعة على خروجه ليحل محله الهواء البارد، ثم يستدق شغل الخرط قليلًا في المنطقة الوسطى ليؤدي وظيفة التهوية، أما الجزء الأسفل ويمثل قاعدة المشربية فيستخدم الخرط الميموني وهو الخرط الضيق الدقيق الحجم والذي يضبط عملية الرؤية من خلال المشربية لمن بالداخل، والملاحظ للمشربيات بعمارة القاهرة يجد أن المساحة التي تغطيها تفوق عادة مساحة النافذة العادية وذلك تعويضًا عن تضاؤل الإضاءة والتهوية التي تحققها من خلال برامقها.
وهذا الأسلوب التصميمي الذي يعتمد على تنوع أسلوب الخرط هو ما جعل المشربيات تحقق نجاحًا كبيرًا وفعالاً في مجال تقنين وعلاج شدة الضوء وأشعة الشمس، فالأجزاء السفلية منها تساعد على تشتت الضوء والإقلال من سطوع الشمس المبهر الناتج من أشعة الشمس المباشرة والمنعكسة من الأسطح الخارجية، وبالتالي تقلل من شدة الاستضاءة، فتقوم الأجزاء العلوية ذات الخرط الواسع بتعويض ما يُفقد من الضوء. 
كما أن قطع الخشب ذات القطاع الدائري الكروي من خشب الخرط الدقيق تعمل على سقوط أشعة الشمس بزوايا مختلفة، كما كان له دور كبير في انزلاق الهواء على أسطحها الكروية مما يعطي تهوية جيدة أكثر مما إذا كانت هذه الأسطح مربعة أو مستطيلة، وكذلك بالنسبة لحركة الهواء فإن الهواء الساخن تقل كثافته ويرتفع إلى أعلى ليخرج من الأجزاء العلوية ذات الخرط الواسع بينما يحل محله الهواء المعتدل الذي يأتي من خلال الأجزاء السفلية ذات الخرط الضيق مما يقلل من درجة الحرارة بالداخل. 
وكذلك، فالشكل الدائري واستدارة المقطع يكسر حدة الإضاءة الخارجية ويجعل توزيع الضوء والظل على البرامق بدرجة كبيرة من التجانس، مما يخفف حدة التباين بين الضوء (اللون الأبيض) والظل (اللون الأسود)، وذلك لتدرج الضوء من الناصع في الفتحات بين البرامق إلى الغامق بين حواف البرامق المعرضة لمناطق شبه الظل والمناطق المعتمة، كل ذلك يلطف من حدة الضوء دون أن تسبب مضايقة لعين، وهذا يختلف تمامًا عما إذا كانت هذه البرامق مربعة أو مستطيلة.
وقد ساهمت المشربية أيضًا ببروزها عن سمت الجدران بالواجهات في تحقيق زاوية رؤية أكبر وبالتالي حققت إضاءة وتهوية طبيعية من ثلاثة اتجاهات، كما أتاح لها هذا البروز التعرض لتيارات الهواء الرأسية والأفقية كما يجعلها مكانًا تترسب فيه طبقات الهواء الباردة، كما أنها قامت بوظيفة تبريد ماء الجرار والقلل التي توضع فيها ولعلها أخذت اسمها منها، كما أنها خففت مما قد يحمله الهواء من غبار وإلى جانب هذا أيضًا ساعدت على تجميل شوارع القـاهـرة وطرقاتها وعلـى إكسابها طابعًا فنيًا جميلًا ويفيد هـذا البروز المارة أيضًا حيث يستظلون به فـي الزقاق صيفًا ويتقون المطـر شتاء، كما تحقق له الإحساس بالمتعة البصرية، كما أن بـروز المشربيات بشكل متدرج يضفي ظلالاً على واجهة المبنى، وبالتالي على نوافذ الطابق الأول أسفل منها، وقد يمتد ظلها للشارع أو الجدار المواجه.

المشربية والتأثير الفسيولوجي 

للمشربيات تأثير معنوي وجمالي كبير لِما يُحدثه خرطها عند النظر إليه من الداخل حيث يبدو وكأنه ينحت من الضوء أشكالًا ويخضعها لهيئة الزخرفة الهندسية، كما تحجب المشربية الضوء الساطع خارجها فلا يدخل منه إلا بصيص خفيف يدفع المشاهد إلى التأمل، كما كان لها دور في تحقيق التوازن في التوزيع الضوئي بطريقة مبدعة وجميلة بين الضوء الناصع والتدرج فيه مما لا يدع عين الرائي تتعب أو ترهق حدقتها من الزغللة، وذلك من واقع البرامق المستديرة المقطع والتي تصنع منها المشربية مما يجعل النور يسقط عليها في تدرج، كما أن أسلوب تشكيل البرامق يجعل العين تمر من الواحدة إلى الأخرى عبر الفراغ بينهما، وبذلك فهي تعمل كمرشحات ضوئية وتحل مشكلة الوهج الضوئي الشديد (لوحات 9، 10، 11) ■