صديق مزعج

صديق مزعج

لدي صديق مزعج، يباغتني بأوقات غريبة وغير مناسبة إطلاقًا. يهم بزيارات متكررة دون مقدمات ولا يراسلني بوقت كافٍ إن كان وقت زيارته مناسبًا أم لا، ولا حتى يبالي إن كان لدي ارتباط معين لا يسع لي باستقباله أو مجاملته، فيأتي محدِثًا لخبطة في الجدول اليومي بطريقته الفظّة والمكرّرة حتى أصبحت مجهدة ومرهقة تمامًا. 
يطرق بابي وأنا في غمرة انشغالي، يقاطع حديثي بيني وبين الناس أثناء النقاش ومن دون استئذان بأسلوب عتي منفّر.
أحيانًا أكون خلف مقود السيارة بين زحمة الطريق والاختناق المروري يشتّت تركيزي، وأثناء فترات العمل يفاجئني بزيارة مقيتة في منتصف اليوم حيث أكون منهمكة بعمل ما، يأتي دون استئذان، ولا أنسى أبدًا مداهماته في منتصف الليل وهو يوقظني بصوته العالي، يرغمني على الاستيقاظ قبل طلوع الفجر، ولا أرى داعيًا لكل هذا الإزعاج، فأنا لم أطلبه، ولم أستفزّه بشيء أبدًا.
حذرة منه ومن زياراته المنفّرة تلك، وأحاول دائمًا ألا أترك له مجالًا لأن يتذكرني أو يزورني، فوجوده متعب، مرهق ومؤذٍ.
عرفته منذ زمن طويل، بالأحرى هو مَن تعرّف علي منذ صغري، ويبدو لي أنه أعجب بي كصديق مفضّل له، يجلس أمامي إن زارني، يحدّق بعينَي إلى الدرجة التي يحجب بها عني رؤية أي شيء آخر سواه، يرغمني على أن أغمض عينَي من شدة الثقل الذي يتركه علي وهو يمسك بمصباح يدوي يسلّطه على عيني وهو يحادثني، يهم بإصدار طنين مستمر، ويطقطق بيديه على كل شيء ليصدر أصواتًا مصحوبة بالصدى حتى يفقدني القدرة على التنفس بشكل طبيعي.
يجلس بمنتهى الراحة، يضع قدمًا على الأخرى في كل مرة يقبض بها على تركيزي ولا يتركني إلا بعد أيام، يستنزف طاقتي وهو ينخر بالدماغ مع مطرقته الخشبية، وأحيانًا بمنشاره الحديدي، وفي مرات عديدة كان مصحوبًا بمؤثر سام وصل به إلى النظر وحاسة الشم وأعصاب النطق ومخارج الحروف، إنها الشقيقة يا سادة، إنه الصداع النصفي الخبيث، إنه الزائر المزعج، الذي لا يعرف الذوق ولا يختار أوقات هجومه ■