الأفيالُ تحتَجُّ...!

قبل أن ينتهيَ القرنُ العشـرون بقليل، ازداد نشــاطُ صيـادي الأفيـال في أفريقيـا، فاصطادوا نصفَ مليون فيل أفريقي في أقـلِّ من عشـرِ ســنوات. ضـربـوا عـرض الحـائــط بالقوانين التي تحظُـــرُ صيـدَ الأفيال؛ وتحـدُّوا الجهات الأمنية التي لم تتوقف عن مطاردتِهـم. كان كـلُّ همهـم هو أن يحصلوا على مزيدٍ من الأفيال، من أجلِ أنيابِها العاجيةِ الثمينة.
 كان الأمرُ بمثابَـةِ كارثةٍ حقيقية، حرَّكـت ضميرَ العالم؛ وهبَّ أنصارُ البيئة وعلماءُ الحياة البـرِّيـَّـة يحذرون من أنَّ الفيلَ الأفريقي قد ينقرضُ، أي يختفي نوعُه من خريطة الحياة، ولا نراه إلاَّ في الأفلامِ والصورِ، ونذهبُ إلى حدائق الحيوان فنجـدُ مكانه خالياً. ولكي يتوقف نشاطُ الصيادين، وافقَ عددٌ كبيرٌ من دول العالم على اتفاقية تُحَـرِّمُ تجـارةَ العـاجِ الأفريقي، فلا يجد لصوصُ الصيد مكاناً يبيعون فيه أنيابَ الأفيال، فيكفون عن صيدها.
فهل حققت هذه الجهود الهدف المرجو منها، وهو صون ثروة إفريقيا من الأفيال؟
مع الأسف، فإن الجواب: لا! استمر اللصوص في قتل الأفيال؛ ووجدوا طرقاً غير شرعية لبيع أنياب الأفيال لتجَّـار العـاج الجشـعين، غير الشــرفاء، الذين لم يحترموا الاتفاقية العالمية لحظر تجارة الأنياب العاجية.
فشـلت كلُّ الطرق في حماية الأفيال الأفريقية من الانحدار في اتجاه هاوية الانقراض. فمــا العمــلُ؟
قـررت الأفيــال أن تدافــعَ عن نفسـها، عن وجودهــا. نعم. قررت أن تتخذ موقفاً، ولا تعتمد على جهود البشـر، الذين يوجد بينهم أفرادٌ لا يراعون الأخـلاقيـات، ولا تحركهم إلاَّ أطماعُهم ومصالِحُهم، ولا يهمهم أن ينقرضَ الفيل الأفريقي؛ مـع أن فــي حمايته من خطر الانقراض وصـون تجمعاته منفعةً لهـم؛ فإذا انتهت الأفيال من البراري، لن يجدوا ما يصطادونه، أما إذا خضعوا لإدارة تنظم عمليات الصيد، فسيستمر نشاطهم، بـلا جـور على الفيل، الذي سيزول عنه خطر الانقراض.
 فمـاذا فعلــت الأفيال الأفريقية؟
إنهـا لم تتجمع في جيوش لتهاجم التجمعات السكنية البشرية القريبة من مواطنهـا؛ وليس لديها من الأسلحة ما يمكن أن يواجه أسلحة الصيادين النارية. لتبحث – إذن – عن سـلاح آخر، تناضل به من أجل وجودها. فماذا كان هذا السلاح الفعَّـال؟
قرر سكان (حديقة الملكة إليزابيث القومية) بأوغندا من الأفيال اتِّـبــاعَ طريقة فريدة في المقاومة. أليســت أنيابنا العاجية هي هدفُ هؤلاء الصيادين المتوحشين، يقتلوننا من أجلهـا ؟. حســـناً.. إننـا نعلن الاحتجاج على أعمال القتل التي تتعرض لها تجمعاتنا في الدول الأفريقية، من أجل أنيابنا العاجية، وســوف نقابل عنف البشر ضدنا بأن نحرمهم من هذا العاج. لن تجدوا لدينا عاجـاً بعد اليوم!!
كـان الاحتجاج ســلميـاً، وفي صـورة لا تخطر على بال، لقـد كفَّـت أنيابُ الأفيال عــن النموِّ، بل إن بعضها فـقـدَ أنيابَـه، تمـامــاً! لقد فوجئ العلماء بأن ثلث الأفيال الموجودة بالحديقة، في هذه الأيام، بلا أنياب! اندهش العلماء واحتاروا. ماذا جرى للأفيال؟
وبعد أن أجروا العديد من الدراسات، تبين لهم أن الأفيال خالية تماماً من أي مرض يحتمل أن يكون أصاب أنياب الأفيال فأوقف نموها، أو أسقطها من مكانها المعهود، على جانبي خرطوم الفيل. وأخيراً، لم يجد العلماء تفسـيراً لهـذه الأحوال الغريبة إلاَّ أنهـا استجابة طبيعية من الأفيال تجاه الضغوط التي تعرضت لها طويلاً، من مطاردات وقتل، والتي اقتربت بها من حافة الفناء والانقراض.
لقد كان تعداد الأفيال في تلك الحديقة، خلال عقد الستينيات، 3500 حيوان، فصارت مائتين في الوقت الراهن، نتيجة لأعمال الصيد غير المشروعة، والتغيرات الحادة التي طرأت على بيئتها الطبيعية، نتيجة لزحف العمران على مواطنها بالغابات، والتبدلات المناخية غير المواتية.
وقد تبين للعلماء أن ظاهرة الأفيال الخالية من الأنياب ليست جديدة، إذ تقول سجلات الحديقة أن عملية رصد، جرت في الثلاثينيات، أوضحت أن نسبة الأفيال التي فقدت أنيابها لا تزيد على واحد بالمائة. من جهة أخرى، توصّل العلماء إلى الشفرة الوراثية التي تجعل بعض الأفيال ينمو له أنيابٌ ضخمة؛ وتم تحديد الأفيال التي تحمل هذه الصفة الوراثية المميزة، وعزلها في مواقع محمية، بعيداً عن عيون لصوص الصيد، بينما تركت الأفيال ذات الأنياب المتواضعة، والخالية من الأنياب، في بيئتها الطبيعية بالحديقة الأوغندية، فلم يقترب منها الصيادون، فهي عديمة النفع لهم!
      وهكذا، نجح احتجاج الأفيال!