أسياد الحقيقة والحقيقة العارية من أفلاطون إلى ميشيل فوكو

أسياد الحقيقة والحقيقة العارية من أفلاطون إلى ميشيل فوكو

يرشدنا سادة الحقيقة وينيرون دروبنا ويضعون أسسًا ثابتة تحث أقدامنا، ويمكنهم أيضًا الغدر بنا وخداعنا والاستبداد بنا، وبعبارة أخرى، إنهم سادة الحقيقة، يحرصون عليها مثل أفلاطون، ويقومون بتحديدها مثل توما الأكويني، ويميزونها مثل إيمانويل كانط، ويسائلونها ويستهجنونها مثل نيتشه وميشيل فوكو، أو يحمونها ويعيدون تأهيلها مثل ريموند بودون وكارل بوبر، إنهم هنا أسياد من حيث المعرفة والسماحة في خدمة الإرادة الحرة لأتباعهم أو بمعنى التبشير والقيادة والكليانية، مثل مؤسسي المعتقدات واليوتوبيات السياسية و«عبادة القادة» بتعبير ديفيد بيل. للأسف، وتبعًا لأسياد الباطل والخطأ هؤلاء، لا شيء مؤكد من أننا نريد دومًا معرفة الحقيقة، مادامت «الحقيقة العارية» كما، يسائلها هانز بلومنبرغ، تخيف وتصدم، لهذا يجب أن تكون مستترة لكي تكون لائقة لخداع الشعب والناخب، وإن كان ذلك بنجاح متفاوت وخطير في نهاية المطاف. 

 

دعونا نميز السادة الشرفاء والضروريين عن السادة المستبدين. الأولون لديهم تلاميذ مسالمون، والآخرون لديهم فقط أصدقاء مقربون، ومتملقون محرضون وعبيدًا، هل يجب أن نعتبر الفلاسفة من الأوائل؟ هم الذين يتطلعون بفضل سيادتهم إلى فتح الطريق إلى الحقيقة...
مع أفلاطون، الحقيقة الأبدية موجودة مسبقًا لمكتشفها، نظرًا لكونها في حالة من التطابق والتماسك والفائدة، فمن الضروري إبرازها عن طريق المايوتيك (فن توليد الأفكار)، وهكذا توحي قصة الكهف بواقع وجود الحقيقة. 
والحالة هذه، سقراط لا يترك مجالًا في حرية الاختيار لأي خصم، وغالبًا ما يطلب فقط موافقة مستمعه في حوارات لا تكاد تكون كذلك، بما في ذلك في محاورة المأدبة، بعد اقتراحات المتحدثين المختلفين، ومنهم أرسطوفان وأسطورته عن المخنث، يرتقي إلى قمة الحقيقة حول الحب الذي كشفه له ديوتيما، تبقى الحقيقة أن «الفلاسفة الحقيقيين (...) هم أولئك الذين يحبون تجلي الحقيقة»، يُفترض أن يكون وراء الكهف شخص يكشف عن الجواهر، والفخاخ المثالية السقراطية، وإذا كان «لا أحد يدخل هنا إذا لم يكن عالم هندسة»، فإن الحساب والرياضيات هي من بين تلك الفنون «القادرة على الوصول إلى الحقيقة». بعد أفلاطون، الذي تعتبر حقيقته نوعًا من التسامي، يتخيل أرسطو معناها الحديث، أي تطابق الشيء والعقل، والحالة هذه، تبقى الحقيقة هدفًا يمكن أن نفشل في إدراكه، وهذا ما كان الرواقي ماركوس أوريليوس على وعي عميق به: «إذا تمكن شخص ما من إقناعي وأظهر لي أنني أحكم أو أتصرف بشكل خاطئ، فسأكون سعيدًا بالتغيير؛ لأني أسعى إلى الحقيقة التي لا تضر أحدًا. ولكن من أصر على خطأه أو جهله تضرر». 
دعونا نتناول الفلسفة المدرسية التي تميز حقائق العقل (الضرورية) وحقيقة الواقعة (العرضية)، من طرف مالبرانش الذي يدعي، في البحث عن الحقيقة، في عام 1674، أن يقين الذكاء له قيمة أكبر من الإيمان، وكذلك مع لايبنيز الذي يضيف إلى هذه الحقائق المنطقية فكرة الفطرة والانسجام مع الضمير والحواس، يقترح كانط بعد ذلك التمييز بين الحقيقة الشكلية للمنطق والرياضيات والحقيقة المادية للعلوم التجريبية، دون أن ننسى تلك الحقائق الأبدية عن الإلهية.

النظرية الفرويدية
ثم يظهر توما الأكويني وليبنيز وكانط كأساتذة للحقيقة، بفضل تعريفاتهم وتمييزاتهم أكثر من اندفاعهم للسلطة، ثم يشك المرء في أن انحرافات الحقيقة التي تجلت في مركزية الشمس الكوبرنيكية، والتطور الدارويني للأنواع، ثم النظرية الفرويدية عن اللاوعي، وإن كانوا قد حفروا خطوط الصدع، فإنهم أسسوا مسارات أكثر تنوعًا وانفتاحًا.
من بين التطورات الأخرى في المعرفة، في الرياضيات، والكيمياء، وعلم الأحياء، تهجر الحقيقة الكونية مركزية الأرض الأرسطية وتكتسب خطابات نبلها مع مركزية الشمس الكوبرنيكية في عام 1543، مثل الحقيقة الطبية مع اكتشاف الدورة الدموية التي أثبتها هارفي في عام 1628 ملقيًا بجالينوس إلى دائرة العصور القديمة، مع ظهور العديد من الاكتشافات التي تبطل الاكتشافات السابقة، حتى مع مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ الذي يوضح أن الجُسيّم يمكن أن يكون موجة وجُسيّمًا في نفس الوقت...
ثم تبقى هناك مجالات الأحكام والمعتقدات والآراء البشرية، التي يمكن أن تجد اتفاقًا عالميًا بين العقول؛ فيما عدا أن القضية هنا تزداد سوءًا، بين الطابع المشكوك فيه لموافقة الأغلبية والذاتية بين البشر. إذا رأت الحقيقة العلمية أن بعض أجزائها قد تم تقويضها لصالح نماذج أكثر دقة، فإن النزعة الشكية تقلب مع نيتشه صرح الحقيقة بأكمله، في إطار الإطاحة بالأفلاطونية، في ثنايا إحدى هذه الحكايات الحيوانية التي يحبها مؤلف كتاب «هكذا تكلم زرادشت»، يزيل الوهم على نطاق واسع: «لقد هُلكوا واختفوا بموت الحقيقة، كان هذا هو مصير تلك الحيوانات التي حُكم عليها باليأس، التي اخترعت المعرفة». علاوة على ذلك، في «الحقيقة والكذب بالمعنى غير الأخلاق»، يفي باليقين المغمور في القيم الأخلاقية: «إذن ما الحقيقة؟ مجموعة مؤثرة من الاستعارات والمجازات والتشبيهات البشرية، باختصار، مجموع العلاقات الإنسانية التي تم تعزيزها ونقلها وتزيينها بالشعر والبلاغة، والتي تبدو بعد فترة طويلة راسخة ومتعارف عليها وملزمة في نظر شعب ما. وهكذا، في عالم إرادة القوة، «لا توجد حقائق، بل تأويلات فقط».
بالتشديد على هذا الخطاب، يربط ميشيل فوكو السلطة بشكل لا ينفصم بتكوين الحقيقة: «يمكننا أن نسمي تجلي الحقيقة جميع العمليات الممكنة، سواء كانت لفظية أم غير لفظية، والتي من خلالها نلقي الضوء على ما يُفترض على أنه صحيح مقابل ما هو خاطئ خفي، ما لا يوصف، ولا يمكن التنبؤ به، النسيان. والقول إنه لا وجود لممارسة السلطة بدون مصداقية وتجل للحقيقة». باختصار، وفقًا لمؤلف كتاب «الكلمات والأشياء»، فإن الحقيقة سياسية أو ليست كذلك، الأمر الذي أدى ببعض أنصار ما بعد فوكو إلى التأكيد على أن كل حقيقة هي نتيجة أو نتاج للسلطة، على الرغم من إنكار السلطة التي تمارس هيبتها: «ليس هناك ما هو أكثر تناقضًا من نظام سياسي غير مكترث بالحقيقة؛ لكن ما من شيء أخطر من نظام سياسي يدعي وصف الحقيقة»، ونضيف: حظر الحقيقة...

تفكيك الخطاب الأنثروبولوجي
إذا كان من الممكن تلخيص السؤال الأنثروبولوجي في «ما الإنسان؟»، فإن ميشيل فوكو لا يستطيع الهروب من سؤال الحقيقة، لقد تناول الحقيقة بشكل جاد، من بارمينيدس مرورًا بكانط ونيتشه، حيث شرع في تفكيك الخطاب الأنثروبولوجي، وهكذا فإن «المقاربة المثالية التي، منذ بروتاغوراس، تتبع المسار الأول للفلسفة هي في الحقيقة ليست راديكالية ولا أساس لها.
 لا أساس لها، لأنها تقوم على أحكام مسبقة عن الحقيقة، ولا راديكالية لأنها لا تضعها موضع شك». باختصار، كل فلسفة ما قبل نيتشه تخادع الحقيقة ثم «لم يعد بإمكان الإنسان أن يجسد حقيقة الحقيقة، ولا الحقيقة نفسها، حقيقة الإنسان»، يبقى الوعد الجميل، على الرغم من أنه نابع، وفقًا لفيلسوفنا، كارل ماركس غير الليبرالي من: «الاكتشاف القائل بأن الإنسان والحقيقة ينتميان إلى بعضهما البعض فقط في شكل من الحرية»، في هذا الصدد، تنتهي مقدمة أريانا سفورزيني الثمينة بدقة نادرة: «فوكو أكثر حداثة بكثير مما أرادت قراءتنا لما بعد الحداثة رؤيته: الأمر متروك لنا لتقرير ما إذا كانت حداثته لا تزال تخصنا»، يجب التأمل في الوصية.
بعيدًا عن كونه مجرد مجموعة من «الدروس» التي تم تقديمها في عامي 1954 و1955، فإن السؤال الأنثروبولوجي يستحق أن يكون أحد أعمدة فكر ميشيل فوكو، وإن كان بالتأكيد إرهاصًا لكتابه نظام الخطاب: «أخيرًا، أعتقد أن هذه الرغبة في الحقيقة، المرتكزة على سند وإرادة مؤسساتية، تميل إلى أن تمارس على الخطابات نوعًا من الضغط أشبه بقوة إلزامية»، ولكن من خلال تعقب السلطات أكثر من اللازم، ألا نجازف بانتهاك وإبطال الحقائق...
هل يمكننا التفكير وقبول الحقائق الأخلاقية المطلقة؟ سيكون من الضروري حينئذ الاعتماد ليس فقط على الطبيعة البشرية والقانون الطبيعي، ولكن أيضًا على النتائج الإيجابية للمفهوم الأخلاقي.
مع ماركس ثم نيتشه، الذي تشرب ميشيل فوكو عصارة فكره، يبدو أن الحقيقة تتلقى ضربة خطيرة. خاصة عندما يتعلق الأمر بالقيم الأخلاقية، وهو الأمر الذي يجيب عليه ريموند بودون بقوة «في النسخة الماركسية الجديدة أو النسخة النيتشوية الجديدة، يتم تحليل القيم كأوهام تغطي على ظواهر الهيمنة» علاوة على ذلك، «بالنسبة لماركس والتقاليد الماركسية، فإن المشاعر الأخلاقية هي أشباح تتشكل في العقل البشري. بالنسبة لفرويد وتقليد التحليل النفسي، لا توجد مشاعر أخلاقية، المشاعر الأخلاقية هي نتاج عقدة أوديب. بعد تفكيك ما بعد الحداثة، تعمل التعددية الثقافية والنسبية على طمس الحدود بين الحق والباطل، والعدل والظلم ومع ذلك! من الذي، على الرغم من انتشار النسبية هذه، يجرؤ على إعلان أن الأنظمة الاستبدادية تتفوق على الأنظمة الديمقراطية؟». يزعم سادة الباطل والخطأ أن القيم الأخلاقية هي أعراف، بينما يقترح ريموند بودون «إعادة تنشيط فكرة الطبيعة البشرية، والاعتراف بأن الحس الأخلاقي يمثل مكونًا أساسيًا منها». تتيح دراسته الموسومة بالصائب والحقيقي، مع عنوان فرعي «دراسات حول موضوعية القيم والمعرفة»، محاذاة الحقيقة الموضوعية العلمية جنبًا إلى جنب مع تلك الحقيقة التي تكفلها القيم التي تتجاوز الثقافات، على أنها جزء لا يتجزأ من الحق الطبيعي والفرد وهي تعمل على تفتح شخصيته: الحرية، واحترام الآخرين، والحق في التعليم والرعاية، والسلام بدلًا من الحرب، والمساواة أمام القانون، وما إلى ذلك، تعتبر حقائق.

الفيلسوف الملك
هذه المرة بصفته فيلسوفًا سياسيًا، شجب كارل بوبر في كتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه» ثلاثة سادة للحقيقة: أفلاطون وهيجل وماركس. بالإضافة إلى مخالفة المجتمع المفتوح، حيث يمكن أن تولد العملية العلمية الحرة وتتطور، فإنهم يكرسون الانعطاف نحو الاستبداد والشمولية، من خلال ميلهم إلى القوانين الجبرية والحتمية التاريخية. عند أفلاطون، «الفيلسوف - الملك» هو شعار النخبة المطلقة، داخل جماعية الجمهورية، حيث الفرد ليس شيئًا. تستند العدالة الأفلاطونية على اختلاف طبقي غير قابل للاختزال «بالنسبة لنا، تفترض العدالة بعض المساواة في معاملة الأفراد، بينما لا يعتبرها أفلاطون أنها تنطبق على العلاقات بينهم، ولكن باعتبارها ملكية للدولة بأكملها»، أما بالنسبة لمُؤلف محاضرات في فلسفة التاريخ، فقد سُخر هنا باعتباره من أتباع الديالكتيك، الموصوف بـ«الطريقة السحرية»، على أن يكون مرشدًا للدولة البروسية، التي كان «الفيلسوف الرسمي لها» وذلك لكونها دولة كليانية، لأن «نفوره من الليبرالية» يعزز مفهومه عن الدولة باعتبارها روحًا، وهي عبارة عن «خليط مقزز»، والسيد الثالث، الذي يحتقر رأس المال البرجوازي اللا متناهي، يؤسس عقيدة البروليتاريا المنقذة وحزبها كمُنظّر جدير بالاستبداد، كما تؤكده المقاييس العشرة المنقوشة في الرخام الأحمر للبيان الشيوعي. ومع ذلك، على الرغم من أن كارل بوبر يفكك «التفكير الماركسي التنبؤي» وتناقضاته، فإنه يختتم بمجاهرة مدهشة، والتي تعيد الاعتبار إلى سيد الحقيقة: «الماركسية «العلمية» ماتت بالفعل. لكن الماركسية الأخلاقية يجب أن تبقى». إنها لم تُقرأ، رغم التأنيب الذي نعرفه، فبيان الحزب الشيوعي حتى صفحاته الأخيرة لا يقفل أي أمل أمام مجتمع مفتوح.
الأمس، واليوم، وغدًا، يتنازع المؤرخون، والعلماء، والفلاسفة، وعلماء الاجتماع والسياسيون، ورجال الدين على الكرامة الفريدة لسيد الحقيقة أو يحاولون، مثل ريموند بودون وكارل بوبر، الكشف عن أساليبها وضرورتها. هل لا يزال نيتشه وفوكو سادة الحقيقة من خلال إبادة هذه الكأس الفلسفية؟ اللهم إلا إذا أدى انقلابهم إلى حالة متدرجة من الصدق، تفوق الصفحة البيضاء... وعندما طلب جورج أورويل كتابه عام 1984 عن طريق «وزارة الحقيقة»، لم يكن يجهل أنه في كثير من الأحيان، تفتتح السياسة وموكبها الديماغوجي حقبة من الأكاذيب، دعونا نلجأ في هذا الصدد إلى الروائي الأسباني خوسيه كارلوس سوموزا، على الرغم من اعتياده على العنصر العجائبي: «الحقيقة ليست ديمقراطية أبدًا، فهي لا تعتمد على عدد الأشخاص الذين يؤمنون بها، بل على العكس: إنها مقتصرة على الأقلية اليقظة والانتقائية، وبالتالي فإن السياسة هي فشل مطلق» ■