معجم لين العربي الإنجليزي للمستشرق إدوارد وليم لين

معجم لين العربي الإنجليزي  للمستشرق إدوارد وليم لين

بدأ الأوربيون التطلع إلى الثقافة العربية الإسلامية في الشرق، خصوصًا في بلاد الأندلس، عندما شاهدوا تلك الحضارة الرائعة التي يتمتع بها المسلمون، ولم يجاريها الفكر الأوربي في ذلك الزمان، لذا بدأ بعضهم يذهب إلى الأندلس لتعلم اللغة العربية، ومنهم بعض الرهبان والبابوات، وتعمق بعضهم في فهم اللغة العربية، ومنهم من أتقنها أخذ يترجم بعض المؤلفات العلمية إلى اللغة اللاتينية، وهي أم اللغات الأوربية الحديثة. 

 

كان هناك ثلاثة مراكز لتعلم اللغة العربية في الغرب: من خلال الحروب الصليبية، وجزيرة صقلية، والأندلس، وكانت اللغة السائدة في أوربا هي اللغة اللاتينية، وتم ترجمة كثير من كتب الطب والحساب والهندسة والفلك...، وغيرها إلى هذه اللغة، ولكن اللاتينية اضمحلت وحلت مكانها اللغات الأوربية الحديثة، فتحولت الترجمة إلى هذه اللغات. 
كان للرهبان دور كبير في تعلم اللغة العربية وتعليمها، وبخاصة في الأندلس، وأنشؤوا مدارس في الأديرة، ولكن الكاتدرائيات أخذت زمام المبادرة منذ القرن الحادي العاشر الميلادي، وذاعت شهرة المدارس في: أوربيدو، وليون، وخيرونا، وبرشلونة، وساندياغو، وقامت مدارس مثيلاتها في باريس، وشارتر، وأورليان، وريمس...، وغيرها. 
 
المعاجم الأوربية:
أنشأ الرهبان الفرنسيسكان دير عكا (1221م) وعلَّم فيه الأب روبرك. ومدرسة ميرامار (1276م) التي تعلم فيها العربية أحد عشر من الرهبان، وكما قرر مجمع طليطلة (1250م) الانفاق على ثمانية من الرهبان لتعلم اللغة العربية، وكان على رأسهم رايموندو مارتيني، وكانوا قد انقطعوا لتعلم العربية، لذا قام أحدهم بتأليف أول معجم عربي - أسباني (1230م). 
انتشرت مدارس الرهبان العربية في أشبيلية (1250م)، وبرشلونة (1259م)، وبلنسيه (1281م)، وجانيفا (1291م)، وقد تطورت هذه المدارس إلى جامعات حديثة؛ كجامعة بلنسيه (1208م)، وجامعة بالما (1280م)، وجامعة لشبونة (1290م)، وجامعة لريدا (1300م)، وجامعة بلد الوليد (1304م). 
كانت مدينة طليطلة مركزًا للترجمة، وتوافد إليها كثير من طلاب أوربا لتعلم العربية وتعليمها، وقد أسس دون ريموند الأول، رئيس أساقفة طليطلة، مكتبًا للترجمة في طليطلة (1130م)، كما أشرف ميخائيل أسكوت على مكتب الترجمة في صقلية، الذي أنشأه ملك صقلية فريدريك الثاني (1220-1236م)، ومع تلك الترجمات للعلوم العربية، جاءت الحاجة إلى وضع معاجم لخدمة المترجمين إلى اللغات الأوربية، فقد ذكرنا أن أحد الرهبان قد ألـــَّــف أول معجم عربي أسباني سنة 1230م، تلا ذلك وضع معاجم أخرى من أمثال: معجم جوليوس وفرايتان، ومعجم كاريمسكي بالعربية والفرنسية، ومعجم بادجر بالعربية والإنجليزية، وغيرها، بحسب اللغات الأوربية الحديثة. 
 
معاجم الإنجليز 
انتشر النفوذ الإنجليزي في أصقاع كبيرة من الكرة الأرضية، وهو أوسع الاستعمار الغربي، وتبع ذلك السيطرة على شعوب كثيرة، ومنها العربية، لذا كان للإنجليز دور كبير في الاحتكاك بالشعوب العربية، وبرز كثير من المستعربين الذين درسوا اللغة العربية والآثار الإسلامية، وأسَّس الإنجليز مكتبات وجمعيات لاحتواء التراث العربي والفارسي في البلاد المحتلة، وقام المستشرقون الإنجليز بإحياء التراث العربي الإسلامي، وتم ترجمة كثير من الكتب العربية إلى اللغة الإنجليزية منذ وقت طويل قبل انتشار الاستعمار الغربي. 
جاءت حاجة المترجمين إلى معاجم تسهل لهم ترجمة المخطوطات العربية إلى اللغات الأوربية الحديثة، ففي بريطانيا قام المستشرق وليم بدويل (1561-1632م) بوضع معجم عربي- إنجليزي سنة 1610م، أو قبيل ذلك التاريخ، ويتكون من سبعة أجزاء، ولكنه لم ينشره، غير أن الباحثين استفادوا منه في ترجماتهم، ومعجم بادجر العربي الإنجليزي. 
قام المستشرق هافا(j.G.Hava ) بوضع معجم: الفرائد الدرية (عربي-إنجليزي) ونشر سنة 1964م ويحتوي على مادة معجمية جيدة، مع وضع بعض المصطلحات العربية، ولكنه أقل مادة مما في معجم لين، لذا كان إدوارد وليم لين أسبق وأكثر مادة معجمية مما في الفرائد، وربما استقى صاحب الفرائد معظم مادته من معجم لين. 
وقام آخرون بوضع معاجم مختلفة تناولت المصطلحات الدينية، والأدبية، وغيرها، ولكن أحد المستشرقين، بذل جهدًا كبيرًا في وضع معجم كبير يتناول كل جذور اللغة العربية، بما فيها الدينية والأدبية، وهو المستشرق إدوارد وليم لين (Edward william Lane) فمن هو؟ 
 
إدوارد وليم لين
مستشرق إنجليزي ولد في بداية القرن التاسع عشر، أي في سنة 1801م، ومنذ صغره ولع بالرياضيات، ولكنه لم يستطع الدراسة في جامعة كمبريدج (Cambridge) لضعف بنيته، فاتجه لدراسة حضارة الشرق، وخاصة الحضارة المصرية القديمة، وبعد أن درس العربية وأتقنها ذهب إلى مصر سنة 1825م، ولكن عواصف البحر كادت أن تغرق السفينة، فأوكل ربانها لإدوارد قيادة السفينة لمعرفته بالرياضيات، وأوصلها لبر الأمان. 
لما بلغ القاهرة أقام بها حتى سنة 1828م، ولبس ملابس العرب، وصلى في المساجد، وأصبح اسمه منصور أفندي، ووجد حياة المصريين متعة له صرفته عن دراسة آثار المصريين القدماء إلى وصف حياة المصريين المعاصرين، فتعمق في دراسة العربية كتابة وقراءة، ودرس شؤون مصر دراسة وافية، وألف كتاب: أخلاق وعادات المصريين المعاصرين، ثم رجع إلى إنجلترا، غير أنه لم يمكث طويلًا فعاد إلى مصر سنة 1833م ومكث فيها لمدة سنتين، فغادرها ليكتب كتابًا عن المسلمين في الشرق العربي. 
قام إدوارد لين بترجمة ألف ليلة وليلة إلى الإنجليزية، ترجمة مختلفة عن سابقاتها، لما فيها من حواشي، وعادات المسلمين في القرون الوسطى، وشروح وتفاسير وحواشي إضافية، وتم طبع الكتاب في 1839م، كما نقل أغاني العامة وترجمها إلى الإنجليزية مع نوتة موسيقية، وكان ذلك سنة 1833م. 
 
مميزات المعجم 
أسماه «مد القاموس»؛ وهو معجم عربي- إنجليزي، على النسق العربي، في ثمانية أجزاء، ولكنه لم يستطع إكمال طباعته فقد وافته المنية قبل إتمام الطبع سنة 1876م، وقام حفيده لين- بول بطباعة الأجزاء الثلاثة الأخيرة منه، مع مقدمة عن حياة مؤلفه، جمع لين في معجمه لأول مرة في المعاجم العربية مفردات من أمهات الكتب الأدبية العربية، مما لم يرد في المعاجم القديمة، وحلاه بآيات من القرآن الكريم، وبعض أبيات من الشعر العربي، فضلًا عن اتباع النمط العربي الذي يبدأ بالجذر ثم اشتقاقاته، فأصبح معجم لين مرجعًا لمن أتى من بعده، ولا يزال كذلك. 
عكف إدوارد لين في آخر ثلاثين سنة من عمره على جمع هذا المعجم الفريد وتأليفه، بجهد كبير وصبر طويل، قرأ المعاجم العربية كلها، وثلث قرن من المعاناة بالعمل الدؤوب، ولا يقوم بمثل هذا العمل إلا العالم المتمكن حتى تم إنجاز هذا العمل الفريد، وكان المعجم كما ذكرت في ثماني مجلدات. غير أن مجمع النشرات الإسلامية قام بطباعته في مجلدين ضخمين سنة 1984م، ويحتوي الجزء الأول على الحروف من أ – س في 1486 صفحة، وأما المجلد الثاني فيتضمن الحروف ش- ي، وبلغ عدد صفحات المعجم 3064 صفحة من القطع الكبير، وكل صفحة تحتوي على ثلاثة أعمدة من المادة المعجمية، وأشرف على هذه الطبعة مستشرق كبير هو البروفيسور آربري (A. J. Arbery)، الذي ترجم القرآن الكريم للغة الإنجليزية أفضل ترجمة، وكان إشرافه على هذه الطبعة إشرافًا دقيقًا عالمًا لكل مادة فيه. 
في بداية كل حرف عربي يوجد اسم الحرف، فالباحث عن كلمة معينة يرى بداية الحرف، ثم يبحث عن المادة واشتقاقاتها، ولكن صغر حروف الكلمات تسبب مشكلة لضعاف النظر، ولو تم وضع المادة في عمودين لبلغ المعجم ثلاثة مجلدات كبار. 
في مقدمة المعجم وضع إدوارد بيتًا من الشعر العربي: 
لأستسهلنَّ الصَّعبَ أو أدركَ المنى... 
    فما انقادت الآمالُ إلّا لصابرِ 
وضع لين في بداية المعجم المصطلحات الخاصة ببعض الأفعال العربية، وخاصة ميزان الكلمات بتشكيلاتها المختلفة من الفتح والضم والكسر، ثم وضع جدولًا آخر جمع به المصطلحات والاختصارات الضرورية، كما أشار إلى بعض الاقتباسات من معجم « تاج العروس» أو من معجم «لسان العرب» أو من مصادر أخرى، وأشار بذلك إلى رمز وضعه، ويصنف بعض الألفاظ: (جاهلي، إسلامي، مخضرم، مولد) طبقًا للعصور العربية. 
في مقدمة المعجم يتحدث المستشرق لين عن المعاجم العربية بداية من معجم «العين» للخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم «جمهرة اللغة» لابن دريد، ثم كتاب «التهذيب» للأزهري، وبعده معجم «المحيط» للصاحب بن عباد، ثم «المجمل» لابن فارس، ثم «الصحاح» للجوهري، وبعده يتناول المؤلف المعاجم الأخرى مثل المحكم لابن سيدة، و«الأساس» للزمخشري، ثم «لسان العرب» لابن منظور، وأكبر المعاجم العربية «تاج العروس» للزبيدي؛ الذي يسترسل كثيرًا في الحديث عن هذا المعجم الكبير. 
الآراء التي بثها المستشرق لين في مقدمة معجمه مهمة جدًا، أتمنى لو يقوم أحد الباحثين بترجمتها ونشرها، لأنها تتناول آراءه في المعاجم العربية، وبخاصة تاج العروس، وكل من أراد أن يعمل بالترجمة من العربية إلى الإنجليزية، والعكس لابد له أن يتخذ من هذا المعجم مصدرًا مهمًا في الترجمة، لسعة مادته ودقة موازينه التي وضعها، فلا عجب أن يمضي حوالي ثلاثين سنة لصناعة هذا المعجم الفريد. 
 
تجربتي مع معجم لين 
عندما سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الدكتوراه، كانت لغتي الإنجليزية بسيطة، فشعرتُ بحاجة إلى معجم عربي/ إنجليزي أستعين به ليجبر بساطة اللغة عندي من ترجمة بعض الألفاظ العربية، وعثرت على كتاب الفرائد الدرية، وكان كتابًا جيدًا، ولكن عندما بدأت في كتابة رسالتي للدكتوراه احتجت إلى معجم يلبي حاجتي في ترجمة بعض الأشعار العربية، فكان المطلب هو معجم لين، لما فيه من مادة غنية بترجمة أبيات الشعر، وساعدني مع غيره لفهم وترجمة آيات القرآن الكريم، ولم يسد رمقي إلا هذا المعجم، فوجدتُ فيه ما يشبع نهمي في الفهم الصحيح للإنجليزية من العربية، فأروى غائلتي، وأفادني في الاشتقاقات المختلفة من جذر الكلمة وما يقابلها؛ فكان هذا المعجم خير معين في الترجمة والإفادة ■