المطبخ اليمني

المطبخ اليمني

 المطبخ اليمني جزء من الموروث اليمني الغني والمتنوع، وله خصوصيته التي تميزه عن بقية الشعوب، وعند الحديث عن المطبخ اليمني، فنحن لا نتحدث عن طريقة أو وصفة التحضير، وإنما نتحدث عن موروث عريق متوارث عبر الأجيال، فإلى جانب كون المطبخ اليمني يعبر عن الخبرات، والمعارف التي امتلكها الإنسان في كيفية توظيف موارده الطبيعية وطبيعة تكوينه في صناعات غذائية تلبي حاجته وتلائم ظروفه، فإن المطبخ اليمني كذلك عبارة عن مجموعة عادات وتقاليد مجتمعية، سواء تلك التي تمارس يومياً عبر وجبات الطعام الرئيسية، أو عادات وتقاليد خاصة بالطعام في المناسبات الاجتماعية في مختلف دورات الحياة، كذلك فإن المطبخ اليمني له علاقة بالمعتقدات والتصورات لدى الإنسان اليمني، نجد ذلك في العديد من الأمثلة والقصص المرتبطة، سواء بإعداد الطعام أو كيفية تناوله، وتلك الأغاني التي ترددها النساء وهن يقمن بعملية طحن الحبوب، والتي تعرف بأغاني المطحنة، التي هي جزء من الفنون في الثقافة الشعبية، كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المطبخ اليمني، وبين المهارات المرتبطة بالحرف التقليدية، وتشكيل المادة، فأدوات الطبخ التقليدية للأكلات اليمنية،
لا زلت تستخدم حتى الآن وتصنع بالشكل التقليدي الشعبي من الفخار، أو الطين، أو الحجر، أو الخشب، يصر اليمني على أن تطبخ أو تقدم المأكولات بأدوات الطبخ الشعبية، حيث إن لها مذاقاً ونكهة خاصة.

الأكلات الشعبية أحد محددات الهوية اليمنية، حيث إنها غنية وزاخرة بالعديد من الأشكال، والعادات، والممارسات، والمعتقدات المرتبطة بثقافة الطعام، ويمكن تصنيف هذه الثقافة إلى ثلاثة أنواع.
1 - ثقافة عامة: بالرغم من التنوع الكبير في المطبخ اليمني وتنوع الأكلات الشعبية من منطقة إلى أخرى، نجد هناك ثقافة عامة مشتركة، خصوصاً فيما يتعلق بآداب وسلوك تناول الطعام (غسل اليدين، التسمية، الأكل على الأرض وليس على طاولات الطعام، تناول الطعام بأصابع اليد، آداب الجلوس حول سفرة الطعام، كرم الضيافة وغيرها من العادات والطقوس).
2 - ثقافة خاصة: يتمتع اليمن بمساحة شاسعة وتنوع في التضاريس والمناخ، ما أدى إلى أن يكون لكل جماعة أكلاتها الخاصة المرتبطة ببيئتها ومناخها، وثقافتها، فنجد مثلا في المناطق الساحلية السمك هو الأساس في الأكلات الشعبية، بينما في المناطق الجبلية يعتمدون على المنتجات الزراعية، خاصة أنواع الحبوب المختلفة، في المهرة  في الشرق في محافطة المهرة، يدخل حليب الجمال في جميع الوجبات الرئيسية).
3 - ثقافة وافدة: اليمن تأثر وأثر بثقافات الشعوب المختلفة، فصدر بعض الأكلات والطبخات إلى مجتمعات وشعوب مختلفة، مثل أكلات الكبسة، والمندي، التي أصبحت جزءاً من هوية الطعام لبعض المجتمعات التي سكن فيها المهاجرون اليمنيون، ومن ناحية أخرى، فقد دخلت بعض الأكلات والطبخات إلى المطبخ اليمني، عن طريق التواصل مع شعوب ومجتمعات مختلفة، مثل أكلة الزربيان الهندية التي أصبحت جزءاً من الهوية اليمنية العدنية، وكذلك بعض الحلويات التركية التي يطلق عليها حلويات صنعانية.

الديمة 
هو المطبخ الشعبي في المناطق الريفية، وفي بيوت صنعاء التقليدية يوجد عادة في الأدوار العليا، وسبب اختيارها في الأدوار العلوية من المنازل، هو لتجنب دخول دخان الطبخ إلى بقية غرف المنزل ولتسهيل عملية إخراج الدخان، حيث  يوجد في السقف عدة فتحات لتصريف الدخان، كما يوجد في أحد جوانب الديمة مصطبة من الحجار أو اللبن، بارتفاع يتراوح بين متر إلى مترين، بها فتحة يوضع فيها التنور، الذي يصنع من الطين المجفف على شكل برميل مخروط يتم فيه تحضير الخبز، وفي الجانب الآخر من الديمة، يوجد مصطبة بارتفاع متر مبنية من الحجر الأسود، توجد عليها المواقد، وجزء منها لتقطيع الخضار.  
أما أدوات المطبخ الشعبي (الديمة) بحسب المواد المستخدمة: 
1 - من الحجارة (المقلى، الطنجرة، المطحنة، المسحقة) 
2 - من الفخار (القدر، الجفنة، البرمة، المعجنة)
3 - من الخوص (المخبزة، التورة، الطبق، غطاء)
4 - من الخشب (الملاعق  الخاصة بالطبخ، المحواش فهي عادة مصنوعة من الخشب.
5 - من النحاس (المشن، المنخل، دست، كتلي) 

دخول السلتة في المطبخ اليمني
لا توجد معلومات مؤكدة عن تاريخ دخول السلتة في أصناف المطبخ اليمني، فقد ذكرها الرحالة الإيطالي رنزو مانزوني الذي عاش في صنعاء مابين (1877- 1878) كإحدى الأكلات الرئيسية 
لمدينة صنعاء،  إن كل ما نملكه من معلومات حول تاريخ السلتة عبارة عن روايات شفهية متداولة بين كبار السن في صنعاء القديمة، والتي تؤكد أغلبها أن الجنود الأتراك كانوا يقومون بجمع بقايا الطعام في قدور ويقومون بأكلها أو توزيعها على الفقراء، وإن كلمة سلتة في اللهجة التركية تعني بقايا الطعام، يعترض بعض الباحثين على هذه الرواية الشعبية، حيث إنه لا يمكن الجزم بصحتها، خاصة أن المكون الأساسي للسلتة هي الحلبة المخضوبة، وإن أبناء صنعاء هم الوحيدون الذين يستخدمون الحلبة في الأكل، عكس بقية الشعوب التي تستخدم الحلبة كمشروب، ومعنى كلمة سلتة في اللغة، تعني كل ما نزع سلت الرأس يعني قصه وسلاته ما يؤخذ من بالأصبع من جوانب الصحن لينظفه. 

 طريقة تحضيرها
وصف الإيطالي رنزو مانزوني  طريقة تحضير السلتة قبل ما يقارب من المائة وأربعين عاماً الذي زار صنعاء عام 1887 (تستعمل العامة كثيراً «الحلبة»، وتتشكل من البذور الخضراء للحلبة التي تترك لنصف ساعة في الماء فتزداد كثيرا في الحجم، ثم تؤخذ (وثرْهَك) فوق حجر مع أنواع مختلفة من التوابل، بعد ذلك تقدم هذه العجينة مخضوضة جيدا بالملح والفلفل في طاسة خاصة).
كما وصفها الانجليزي ادجار اوبلانس الذي زار اليمن في العام 1948 (يتغذى أغلب السكان على طبق شعبي يتكون من حساء الخضراوات الممزوج بالدقيق- يسمى السلتة - بإضافة دقيق الحلبة مع الحساء).
لم يتغير كثيراً تحضير وجبة السلتة، حيث ما زال إلى الآن يوضع أي نوع من أنواع الطبيخ في المقلى عادة ما يكون طبيخ البطاط مع قطع من الفلفل الحار، ويضاف إليه قليل من المرق، ومن ثم يتم إضافة الحلبة المخضوبة، وهي من أهم مكونات السلتة وتختلف الحلبة في صنعاء عن معظم مناطق العالم، حيث إنه من المعروف لدى شعوب العالم أن الحلبة يقدم كمشروب ساخن أو بارد، أما في اليمن وخاصة في صنعاء يقدم كمكون أساسي، يضاف إلى السلتة، ويتم تحضير الحلبة بطريقة خاصة، حيث يوضع ماء في إناء دائري ويضاف اليه بودرة الحلبة ويترك لمدة معينة ما يقارب الساعة، ومن ثم يتم سكب الماء من الوعاء وضرب الحلبة بمضرب خشبي أو باليد، إلى أن يتفتح اللون وتصبح بيضاء ومن ثم يضاف إليها خليط من الكراث والكبزرة والفلفل الأخضر، ومن ثم يتم إضافتها إلى المقلى الخاص بالسلتة، ويتم عادة إضافتها إلى السلتة بعد إطفاء النار من تحت المقلى.  
     
من هوية الطعام إلى طعام الهوية 
يستخدم المجتمع الصنعاني مصطلحات مختصرة للعادات التي يقوم بها بشكل يومي، فهم يطلقون مصطلح (نتقهوى) على عادة شرب القهوى اليومية، ومصطلح (نحلي) على تناول الحلوى بعد الغداء، واطلقوا كذلك مصطلح (نسلت) بمعنى نتناول السلتة في وجبة الغداء،
قبل ثورة سبتمبر 1962م كانت هناك قطيعة معرفية وثقافية بين أبناء صنعاء المدينة، وبين سكان القرى أو ما يعرف بالقبائل، وكانت تحكم علاقتهم المنفعة التجارية البسيطة، وكانت أبواب صنعاء تغلق في وجه القبائل عند الغروب، وتفتح مع ساعات الصباح المبكرة، فكان من يأتي متأخراً عليه المبيت خارجاً على أسوار صنعاء إلى الصباح، ومن لم يغادرها مبكراً فعليه المبيت في إحدى السمسرات المنتشرة في أحياء صنعاء القديمة، وكثيراً ما كان رجال القبائل يسخرون من أبناء صنعاء ويصفوهم بأكلي الحلبة، وأنها هي السبب الرئيسي في نعومتهم ورخاوتهم، وما زال إلى الآن ترتبط السلتة بسكان صنعاء كهوية ثقافية خاصة لدى النساء.
بعد ثورة سبتمبر امتزجت ثقافة القرية مع ثقافة المدينة، وانتقلت الكثير من الثقافات الشعبية للقرية إلى مدينة صنعاء، وفي المقابل انتقلت ثقافات شعبية صنعانية إلى القرية، منها ثقافة الطعام المتعلقة بالسلتة، والتي أصبحت أحد مكونات المائدة الرئيسية لوجبة الغداء في القرى المحيطة بصنعاء.
 السلتة من الأكلات الأساسية في المطبخ الصنعاني الذي يقدم في وجبة الغداء ويتم إعدادها في المنازل بشكل دائم، أما في المناطق الوسطى والجنوبية أو الشرقية من اليمن فإن السلتة لها انتشارها، ولكنها لا تعد أكلة أساسية لدى تلك الجماعات التي لديها أكلاتها الشعبية المميزة، حيث تكاد تنحصر في المطاعم، وهي من الأكلات الشعبية  التي يتناولها جميع طبقات المجتمع، بمختلف شرائحهم وطبقاتهم، فبالرغم من أنها تعد من أرخص أنواع الأكلات وفي متناول جميع فئات المجتمع فيمكن تحضيرها من بقايا طعام الغداء مع إضافة الحلبة التي تعتبر من المكونات الرخيصة، فالملاحظ أن الأغنياء مهما كانت مائدة الطعام لديهم تحتوي على مختلف أنواع الأطعمة، فإن وجود السلتة يعتبر من الأساسيات، التي يجب أن تقدم في وجبة الغداء، ويتم  يتناولها من قبل الغني والفقير والرجل والمرأة والطفل والكبير.
   كما  تعتبر السلتة من الأكلات التي ما زالت تحافظ على الموروث الثقافي الشعبي لدى المجتمع اليمني، فيما يتعلق بآداب وطرق الطعام الشعبية المتوارثة، والتي تمثل طبيعة وهوية المجتمع اليمني،  ففي عصر العولمة وثورة المعلومات والغزو الفكري والثقافي الذي اكتسح الوطن العربي ومنها الأكلات الغربية سريعة التحضير، والتي تمثل الثقافة المادية والرأس مالية الغربية، والتي انتشرت في مطاعمنا ومنازلنا، وأثرت على ثقافة الأكل التقليدية لدى الشعوب، نجد أن ثقافة تناول وجبة السلتة هي جزء من الثقافة العامة للطعام في اليمن، والذي يعتبر السلتة أحد أجزاء تلك الثقافة، فإعداد وجبة السلتة يرتبط بمعرفة طبيعة وجغرافيا الإنسان اليمني، وما يناسب بيئته وتكوينه الجسماني والنفسي، الى جانب المعرفة المكتسبة عبر الأجيال لأسرار المطبخ اليمني، عند تناول الطعام عادة يجلس على الأرض إما متربعاً أو ضاماً قدمه اليسرى، ويكون منتصب الظهر عند الأكل، ويأكل بأصابع يده اليمنى، وهذه الطريقة التقليدية لتناول، يتم تناولها في (مقلى) ويجتمع حولها الجميع ويتناولها من نفس المقلى، فلا يتم غرف السلتة في صحون، بحيث يكون لكل شخص صحنه الخاص، لكنها تتم بشكل جماعي من نفس المقلى، كتعبير عن المجتمع اليمني المتماسك، والذي يرى أن التجمع فيه القوة والخير والبركة، وتناولهم من طبق واحد يعبر عن الود والترابط  المجتمعي وهي صفة بالغة الأهمية وواجبة في الثقافة اليمنية. 
كما أن السلتة تساعد في الحفاظ على الصناعات التقليدية، فطريقة تحضير السلتة تكون بالأدوات المصنوعة محلياً، وهي بهذه تحافظ على صناعة مهمة وهي صناعة الفخار وأواني الطبخ والطعام الشعبية ■