رواية «بنت الخيّاطة» لجمانة حداد بين مذابح الحرب ومذابح الجسد

رواية «بنت الخيّاطة» لجمانة حداد بين مذابح الحرب ومذابح الجسد

في كل حرب مذبحة يتم فيها تصفية الأجساد، غير أن هناك تصفية أخرى غير الموت، لأجساد تكون الحرب السبب الرئيس لعذاباتهم التي لا تتوقف. تتوقف الحرب، وتبقى تلك المذابح نازفة أبدًا، تتنوع مذابح الجسد وتتعدد بأشكال مختلفة، أشكال أشد إيلامًا من الموت نفسه، أشكال تعرفها جمانة حداد، وتعرفها النساء وتخشاها، أحيانًا تكون بعض هذه المذابح بلا حروب، لكنها تكثر، وتتشعب، وتمتد كأخطبوط مع الحرب، في هذه الرواية، تفتح جمانة حداد باب هذا الألم على مصراعيه، وكعادتها؛ جريئة، مقدامة، متمردة، تغوص في خبايا النفس البشرية، وتنشر كل الخفايا العالقة في القلوب على الملأ بشفافية، ومنطق، وقوة.

«جمانة حداد تحلم بدولة عادلة، تساوي بين جميع مواطِناتها ومواطنيها، بمعزل عن الجنس والدين والطبقة الاجتماعية والانتماء السياسي».
لذلك قامت جمانة حداد في (بنت الخياطة) باستدعاء بعض الشخصيات المتخيلة ضمن أزمنة متعددة، لعرض قضية مذبحة الأرمن وما تلاها من حروب؛ كمجزرة دير ياسين، والحرب الأهلية السورية، ومعركة حلب وحصارها، في محاولة لربط الماضي بالحاضر، والواقع السياسي بالواقع الاجتماعي، عن طريق ذكر الوقائع الشهيرة المتأزمة والمأساوية بما يدور فيها من قضايا الإنسان، وإشكاليات ظل التاريخ على الواقع، بكل ما يحمل من صراعات، وشخوص، وأفكار، ومواقف إنسانية وغير إنسانية،  وتسليط الضوء على أثر الحرب وما تخلفه من دمار على المرأة. وهذا الاستدعاء، لكل تلك الشخصيات، له دلالاته النفسية، والتاريخية، والفنية.

الزمان والمكان في رواية «بنت الخياطة»
تقوم بنية الرواية عادة على تتابع الأحداث، زمانيًا ومكانيًا، إلا أن الزمان في رواية (بنت الخياطة) متعدد، حيث تدور الأحداث في فترات تاريخية مختلفة، تمتد من جيل لجيل، عبر قرون عديدة، بحيث يأخذ الزمن امتداده الطبيعي ضمن سيرة نساء من عائلة واحدة، لكل امرأة فيها ظروف مختلفة، يتم استخدام الزمن كشيء مجرد، يعرف ويجسد في الرواية عن طريق سرد أحداثها، حيث يعدّ الزمن من عناصر البناء الذي يؤثر تأثيرًا كبيرًا في بقية العناصر، وينعكس عليها، ينقسم الزمن في رواية (بنت الخياطة) إلى زمن داخلي؛ وهو زمن أحداث الرواية، وزمن خارجي؛ وهو زمن الكتابة والقراءة.

تداخل الزمن في رواية «بنت الخياطة»
بدأ الزمن الداخلي لرواية (بنت الخياطة) من عام 1915م حتى 2015م. الزمن عند جمانة حداد، في هذه الرواية، متداخل، فزمن السرد عندها يتراوح بين الماضي البعيد والقريب، تقوم فيه الكاتبة بتقديم وتأخير في أحداث الرواية، هذا التلاعب بزمن السرد، الذي يخرج عن الترتيب الطبيعي المنطقي للتسلسل الزمني في الرواية، عن طريق ما يسمى بالاسترجاع الزمني (الفلاش باك)، لذلك استخدمت الكاتبة لعبة الخط، فجعلت التنقل بين الماضي والحاضر بخط أعرض Bold . هذا التنقل بين الماضي والحاضر، رغم أنه يدل على مهارة الكاتبة الفنية في عبور الزمن، والتنقل في حكايتها بين الماضي والحاضر، إلا أنه كان مربكًا نوعًا ما، لدرجة أن القارئ يشعر بشيء من الضياع، وأظن بأن الكاتبة تعي ذلك تمامًا. لذلك حددت الأحداث الرئيسية بتواريخها في نهاية الرواية، كما قامت بتعريف الشخصيات أيضًا لتعوّض على القارئ أي ارتباك يصيبه. جمانة حداد، لقد أربكتني جدًا، وكان عليَّ أن أقرأ الرواية وأضع خارطة للشخصيات والأحداث حتى أستوعب هذه المعركة من الأحداث والأسماء، وكأنكِ لم تكتفي بالمذابح داخل روايتك، لكني أقرّ بأنك خططتِ لروايتك بذكاء شديد، أقف له احترامًا. حسبتِ الزمن وتنقلتِ فيه ببراعة. 
ورغم كل ما ذكرته عن الزمان والوقت، فإن جمانة حداد تنسفه تمامًا في المقطع التالي:
«العقود التي تمتد بينهما ما هي إلا ضرب من الأوهام. إنه الفيلم نفسه، سواء سرعنا المشاهد إلى الأمام أم إلى الخلف، مهما كان من أمر، فلن ننفك نعود إلى نقطة البداية، نفترض أن هناك شيئًا ما يسير تحت أقدامنا اسمه الوقت، نخال أننا نسير فوقه. نتقدم، ونخال أن العالم يتغير من حولنا، لكننا نخدع أنفسنا ليس إلا. فما نسميه الماضي والمستقبل ما هما إلا معلمان جامدان من معالم الزمن. نحن ندور حول أنفسنا فحسب، كراقصات في صندوق موسيقى، نلوّح بأيدينا لجمهور متخيل من دون أن ندرك أننا سبق أن رحلنا جميعًا، أننا مجرد أشباح في بئر إحدى الجدات».

المكان في الرواية
يبدو الفضاء الروائي في (بنت الخياطة) متعددًا من حيث الشخوص والزمان والمكان، لم تكتفِ الكاتبة بالتنقل بالزمن ضمن الاسترجاع، بل إنها تنقلت كذلك بالأماكن، تأخذ الرواية تتابعًا مكانيًا من عنتاب الواقعة في جنوب تركيا، إلى فلسطين، ولبنان، فسورية. فالأمكنة الروائية هنا هي أمكنة حقيقية، وعلى الرغم من أن أحداث الرواية -كما تقول جمانة حداد- متخيلة، إلا أنها مبنية على حدث حقيقي مستلهم من تاريخ عائلتها وجغرافيتها، حتى أن الكثير من القراء اعتقدوا أنها شخصيات حقيقية، هذا المزج الجميل بين الواقع والخيال لدى جمانة حداد جعلها بالتالي تذكر أسماء حقيقية ومتقاربة جغرافيًا لتقنع القارئ بأن ما تكتبه هو الحقيقة بعينها، إلا أن هذا التقل بين الأمكنة جعل اللغة عاجزة عن توصيف أو تجسيد المكان وأبعاده، بل إن ذكر المكان جاء بسيطًا، لا يقدم صورة متكاملة، لقلة الوصف فيه، هذا العجز في الوصف مردّه طغيان سرد الأحداث، وتعدد الأمكنة والشخصيات والزمان، هذا التعدد لم يتح للكاتبة الدوران في المكان وتقديم الصورة المكانية الجيدة والواضحة. فهيمنة السرد هي الأقوى في بناء هذا النص الروائي. أما المكان، فنصيبه وقفات وصفية بسيطة تخدم الدلالة الكلية للرواية، ضمن الفضاء العام لها. هذا التداخل في بناء الفضاء السردي إنما نتج عن تداخل الشخصيات ببعضها البعض، ضمن العملية السردية لهذه الرواية.

تعدد الرواة
تعددت الأصوات في الرواية بتعدد الشخصيات، يقود كل تلك الشخصيات الراوي العليم، الذي يحدثنا عن الشخصيات كلها، لأنه - ببساطة - يعرف أفكارها وحركاتها، سيرتها كاملة، ويسردها لنا. لكنه، أو لكنها، إذا اعتبرنا الراوي هو الروائي نفسه كما أرى، جعلت مساحة للشخصيات كي تعبر عن نفسها، وتدافع عن أفكارها ومواقفها عن طريق تلك المذكرات المؤرخة، وتلك المذكرات- حسب اعتقادي- اخترعتها الكاتبة لتعطي مساحة لبطلاتها للتعبير عن أنفسهن، في محاولة من الكاتبة أن تكون ديمقراطية وموضوعية، وتلك هي اللعبة الفنية للكاتبة؛ إذ بنت روايتها على تلك المذكرات المعنونة بتواريخ زمنية تتحدث فيها البطلات عن وجهات نظرهن، وأعطتهن الحرية بعيدًا عن سلطة الراوي ليدافعن عن أنفسهن عبر تلك المذكرات، نظرًا لاختلاف الشخصيات، واختلاف وجهات نظرهن في الحياة. فلا نظرة أحادية في الرواية كما يبدو لنا. ورغم محاولة الكاتبة في طرح أصوات مختلفة عن طريق بطلاتها، إلا أنها تسلطت على الشخصيات، وفرضت شخصيتها عليهن، كما فرضت لغتها، ما جعل المذكرات بصوت واحد؛ هو صوت جمانة حداد، وخاصة في شخصية سيرون وشيرين، فالكاتبة لم تستطع أن تتخلص من أحادية اللغة، فلغة المذكرات تكاد تكون واحدة، رغم اختلاف كاتباتها في المستوى الثقافي والاجتماعي، ورغم الفارق التاريخي والجغرافي. فأسلوب سيرون صرافيان الأمية، هو نفس أسلوب شيرين المتعلمة العاشقة للكتب، هو نفس أسلوب جمانة حداد. «أنا سيرون صرّافيان وكيلة الذل في الصحراء السورية، ليس في ذاكرتي إلا أعمار التيه، والإهانة، والانحلال، والموت. لو استطعت، لجعلت من هذه الأعمار بلادًا سميتها أناي المتشظية في الرمل، والليل، والمتاهة.
ليس في جسدي إلا رائحة المني، والمقابر، وعواطف الديدان، والقيح، والدم المتخثر، أحمل في لا وعيي ينابيع الدموع من ماضي أرمينيا، إلى مستقبل الأجيال المفجوعة بمصائرها القتيلة.
كلما أشرقت شمس، تداعى فوق عمري المتثاقل جبل تلو جبل، تلو جبل للهزيمة الإنسانية.
أنا شيرين الأرمنية، أحمل في عنقي القلادة الأبدية، مثلما أحمل أعباء الرحم، والتيه، والصحراء، لن أكف عن المطالبة بالانتقام الذي يكون بتعويض الذلّ الكونيّ غير القابل للتعويض».

شخصية شيرين
شيرين هو اسم علم مؤنت، فارسي وكردي الأصل، ويقصد بالاسم الأنثى الفاتنة الجميلة، وهو اسم حلوى فارسية، وهو من الأسماء الفريدة الجذابة.
يقول إدوارد سعيد: «شخص الكاتب غالبًا ما يكون ذلك الشاهد المنخرط فيما يحكي عنه بما يكفي لكي يكون شخصيته، والمنفصل عما يحكي عنه بما يكفي لأن يتمكن من الإشارة إلى مساوئ ما يحدث أمامه في السرد.
تقول الكاتبة: هناك شيء من سيرون، أو ميسان، أو شيرين، أو جميلة، في داخل كل منا؛ في داخلي أنا أيضًا، في داخلي أنا خصوصًا.
إلى أي حد دخلت الكاتبة، أو أدخلت شخصيتها ضمن ابتكارها للشخصيات؟ إلى أي حد سرّبت أفكارها وفلسفتها في الرواية؟ إلى الحد الذي جعلنا لا نفصل بين السارد «الراوي العليم»، والروائي. إلى أي حد تغلغلت في شخصية شيرين، للحد الذي سيتضح لمن يتابع ويقرأ جمانة حداد؟
جمانة الشاعرة حاضرة بقوة في الرواية؛ اختيارها لقصيدة محمد الماغوط، وللمقاطع الشعرية للشاعرات، الحديث عن عالم القراءة، والكتابة، عن الشعر، والروايات. 
«كلتاهما ولدتا في العام نفسه 1970م.
جدتهما ماتت منتحرة.
كلتاهما تزوجتا في سن صغيرة.
أفكار شيرين هي نفس أفكار جمانة عن الحب، والزواج، والجنس، والدين، والسياسة.
«ألا يجب أن يكون هناك عائق جسدي يمنع المرأة من الحمل إذا لم تبلغ النشوة الجنسية».
شيرين تركت مسافة بينها وبين عمر، وجمانة تركت نفس المسافة. فهي وزوجها يعيشان في مكانين منفصلين.
«كانت تعتقد أن هذه هي المعادلة المثلى، فكلما كانت المسافة الفاصلة بين عاشقين أكبر، أصبحت العلاقة أفضل وأطول».
«الحب الدائم ما هو إلا وهم، وبأن الزواج قرار سيىء، وبأنه من غير المقدر أن يعيش شخصان معًا الحياة بأسرها، لذا لابد من خطة احتياطية أولى، وثانية، وثالثة».
«الزواج يقتل الحب، والسبب إما الروتين القاتل، أو الجوارب القذرة المرمية على الأرض، أو فواتير المنزل، أو أقساط الأطفال المدرسية، أو الأحقاد البسيطة التي تتراكم حتى تصبح جبالًا شاهقة».

العدد أربعة
تميز العدد (4) في رواية (بنت الخياطة) بشكل مدروس ومقصود وملفت.
يرى القديس أمبروسيوس بأن العدد (4) عدد شؤم، كما أن عدد أطراف الصليب (4).
في رؤيا يوحنا، يظهر الرقم (4) عالمية الفعل في المكان والزمان، ويرمز إلى العالم المكون من أربعة عناصر، أو الذي له أربع جهات، أو أربعة أقسام: السماء، الأرض، الهاوية، والجحيم.
وهكذا وضعتنا جمانة مع العدد (4) عبر أربعة أجيال، امتدت من 1915م حتى 2015م، كان هناك في المقابل (4) شخصيات، (4) بلدان، (4) ملكات، و(4) شاعرات، و(4) مقاطع شعرية.

المرأة بين حربين
تقول الكاتبة علوية صبح: الكتابة الروائية بالنسبة لي اختراق للحياة، والكتابة ليست سوى أسئلة، وخلخلة، وتفكيك للرؤية، ثم إعادة تركيبها على ضوء جديد.
قضايا المرأة لا تنتهي، فالكاتبة تمر في روايتها على مجموعة كبيرة من القضايا والمشاكل التي تعرضت لها المرأة، وكأنها تريد أن تفرغ كل ما في جوفها من قهر في هذه الرواية، ففي الفترة الزمنية الممتدة من 1915م حتى 2015م، وعلى الرغم من مرور عشرة عقود، ورغم التطور الذي طال كل شيء، إلا أننا حين نتحدث عن قضايا المرأة ومشاكلها، نرى أننا مازلنا نعيد ونزيد في هذه القضايا، حتى أن البعض قد يظن بأن هذه القضايا باتت مستهلكة وبات الحديث عنها مكرور، بالرغم من ذلك فهي  قضايا مهمة، وملحة. فما زالت المرأة تعاني، وهي أكثر شخص يدفع ثمن الحروب وويلاتها. فلا نجاة من الحرب لامرأة. فإن نجت من الموت، لن تنجو من الفقد، وهو أشد إيلامًا من الموت. وإن نجت من الفقد، فلن تنجو من تبعات الحروب، والتي سنذكرها كما ذكرتها الكاتبة.
وما دامت الحروب قائمة، فإننا سنسمع الكثير والكثير من هذه الحكايا الموجعة. فالموت يحاصر بطلات الرواية، بل الانتحار، وليس الموت كالانتحار، مارين فكرت في الانتحار، لولا خوفها على سيرون. نجاة انتحرت، سيرون انتحرت، جميلة فجرت نفسها.
«ينسحبون قبل أن تبدأ حياتهم بالانحدار، يالها من صفعة عظيمة على وجه موزع الأوراق».
«هناك فتاتان، مفطورتا القلب، تقفان من الجهتين المتقابلتين من جسر الانتحار.
تقول الجدة سيرون: «الكراهية تقتل».
فترد الابنة جميلة: «الحب كذلك».
إنها لعبة الحياة القاسية حين تلعبها معنا.
وما الحياة سوى لعبة كما تقول الكاتبة:
«تشبه هذه الحياة لعبة الورق؛ كل منا يأخذ حظه منها».
«بعضنا توزع عليه أوراق لعب سيئة، وبعضنا الآخر أوراق جيدة، أو في بعض الأحيان ممتازة».
نحن نولد في قفص لم نختره، في وقت لم نقرره، وفي مكان لم نكن نعلم عنه شيئًا، نمنح سمات لم نكُنها، وإثنيات، وديانات، وصفات شخصية لم نخترها».
الغريب هو أنني أحببت توصيفها لكل ذلك الألم، رغم أن كل تلك التوصيفات لم تخلُ من التكرار، وكأن ذلك الألم يتوالد، ويتناسخ، ويعيد نفسه في الشخصيات. تلك التوظيفات موجعة حد الصراخ، كونها قريبة وحقيقية جدًا،  في الحديث عن  ذلك الألم الذي لا ينفكّ يطرق باب المرأة، تلك الريح التي تقهر كل بناء تقوم به المرأة لسدها، تلك المرارة التي تتجرعها المرأة، فقط لأن جسدها خلق فيزيائيًا بشكل مختلف، فقط لأن بنيتها الجسدية أضعف من بنية الرجل، فقط لأنها امرأة.
كما أن الرواية تزخر بالكثير من الأفكار، والكثير من القضايا التي تعبت في ملاحقتها؛ خيبة الحرب القذرة، علاقة المرأة بجسدها، الحديث عن الجنس والعلاقات المحرمة، الذكورة والأنوثة، الإيمان والكفر، الزواج الممنوع على اعتبار «اختلاف الدين والجنسية». 
ونقف هنا أمام أهم القضايا التي ناقشتها الكاتبة ضمن اقتباسات من الرواية: 

الاغتصاب مذبحة الجسد
ذلك الجزء المعيب من الجسم، حيث تبدأ المذبحة.
ذلك الجزء المعيب من الجسم، حيث يتّحد الألم والنشوة. ذلك الجزء المعيب من الجسم، حيث الأسرار كلها تستر.
ذلك الجزء المعيب من الجسم، حيث الطرق كلها تتلاقى.

الإجهاض
كان صراخًا مريعًا، هائلًا، تقشعر له الأبدان.
كما كان ليصرخ غزال يلتهمه أسد، لو استطاع ذلك.
كما كان ليزأر الموت لو قدّر له الإعلان عن مجيئه.

الهوية
قدره كان أن يكون أحد أولئك المتفرجين الذين يدفعون ثمن هوياتهم.

الانتحار
لم تعد تستطيع أن تتحمل. كانت في كل حال قد اتخذت قرارها هذا منذ وقت طويل. كل ما في الأمر أنها كانت تنتظر ريثما يصبح الطعم المعلق بالصنارة حلمًا مغريًا لا يقاوم. اليوم شعرت بأنه وصل إلى درجة الاختمار، استيقظت ولعابها يسيل اشتهاء للموت.

العنف والتفكك الأسري
كانت الحرب التي شهدت عليها داخل البيت لا تقل خبثًا وعنفًا عن تلك الدائرة خارجه.

المرض النفسي
لا تنفك تقول: أولئك الأشخاص لنبقِهم سجناء في بُعد منفصل عنا، نميز بين نحن من جهة، وأولئك الأشخاص من جهة أخرى، فنقنع أنفسنا بأننا في أمان.

التحرش بالأطفال
بقينا نلعب هذه اللعبة، ولعبا أخرى أيضًا، حتى اليوم الذي تركنا فيه مروحين 11 أيلول 1954م. أذكر ذلك التاريخ جيدًا لأني لم أعد أشعر بالقذارة والخجل.
لم يبنِ لي جدو أمين مزرعة نمل قط.
بابا أنت مخطئ. الغيلان حقيقية.
كما أن الرواية لا تخلو من المفاهيم التي حرصت الكاتبة على تكرارها، ربما لرغبتها في ترسيخها. فليس أفضل من التكرار معلمًا لمن لا يريد أن يفهم.

الزواج
الزواج مقصلة الأحلام، ومن الأفضل التحرر من الأوهام منذ البداية.
الزواج هو المكان الذي يصل إليه الحب متهالكًا لكي يرقد رقدته الأخيرة.
الزواج هو أكثر الألغاز المحيرة على الإطلاق.

الحرب
نخوض حروبًا كارثية من أجل أمور غير ملموسة؛ مثل العدالة، أو الحرية، أو المسؤولية. الجنس البشري نكتة.. نكتة سمجة.

الحب
الحب هو لأولئك الذين يفتقرون إلى الخيال، أو الذين يفرطون في التخيل. الحب للأحياء يا عزيزتي. لم تكن تبحث عن الحب. الحب بالنسبة إليها كان يعني الأسى والحسرة. الحب هو الممنوع، هو الخسارة. ما تحتاج إليه هو الأمان، الأمان فقط.
الإنجازات أهم من الغرام. فأي نفع حصدته ميسان من الغرام؟! مجرد خيبات متتالية.

اللجوء
هو أولًا وأخيرًا حالة ذهنية، أكثر من كونها وضعًا قائمًا، قلة من اللاجئين يحظون بفرصة الاندماج في البلد المضيف، والتماهي معه، أو حتى يجرؤون على ذلك، فالاندماج يتطلب درجة معينة من الجسارة، لا بل من الوقاحة حتى، تجاه السكان الأصليين. «أنا أهل لهذه الحقوق مثلك تمامًا». لكن ذلك الخوف المتأصل من التعرض للرفض، وانعدام الفرص، يجعل اللاجئين يلتحمون معًا، ويشكلون مجتمعات مستقلة، غالبا ما تكون منفصلة عن المجتمع المحلي.

الكتب
المدرسة ضرورية طبعًا، لكن الكتب هي المعلم الحقيقي.
هكذا دخلنا عالم جمانة حداد، وخرجنا منه مخمورين بالألم، لكثر ما عشنا قصص الموت، الاغتصاب، والقهر، كلما تمزق ثوب امرأة، انكفأت على نفسي، كلما ضاعت طفلة، لملمت ما تبقى من طفولتي، وهربت. 
كلما انتحرت بطلة، صفعتني الأسئلة اللحوحة عن قيمة الحياة، كلما رقص الجنون في صفحات الرواية، رقصت معه رقصة المذبوح الذي يلقي برقصته الأخيرة على قذارة الحياة، وبشاعة الإنسان، حين يلقي بإنسانيته راكضًا وراء اللاشي، وراء سراب لا يجني منه إلا مزيدًا من الألم. هكذا تلعب معنا الحياة لعبة البوكر، وهكذا كلنا؛ ملكات، قويات، جريئات، مهزومات أمام هذا الواقع المرير. 
لكننا نرقص على الرماد كطائر الفينيق، ونعطي البشرية دروسًا في القوة والتحدي، بل والتجدد، لينمو لنا ريــش جديد نغازل به الشمس ■