المتحف الألماني في ميونخ

المتحف الألماني في ميونخ

على نهر إيزار في ميونخ يقع أكبر متحف للعلوم والتكنولوجيا في العالم، على مساحة 50 ألف متر مربع، بمبنى ضخم ومهيب يمكن ملاحظة قبته الخضراء، التي تحتوي على تلسكوب كاسر وبرج مقياس حرارة عملاق، من على بعد عدة أمتار، ويعد معلمًا مهمًا من معالم المدينة، يزوره نحو مليوني زائر سنويًا، وهو المتحف الأكثر حداثة في مجال العلوم والتكنولوجيا على مستوى العالم بمجموعة هائلة من التحف، تشمل عدة مجالات متعلقة بالفضاء، والتعدين، والفيزياء، والروبوتات، والمحركات، والزراعة، والطيران، والكيمياء، والبصريات الكلاسيكية، والرياضيات، وتعطي نظرة شاملة عن تاريخ التطور السريع للبشرية في مجال العلوم والتكنولوجيا، حيث تأخذ الزائر في رحلة تثقيفية شيقة تجعله يتساءل عن مدى تعقيد هذا العالم وهذه الاختراعات.  

 

بدايات تأسيس المتحف 
تعود فكرة تأسيس المتحف إلى المهندس والمخترع الألماني أوسكار فون ميلر في أوائل القرن العشرين، عندما أسس متحف روائع العلوم والتكنولوجيا في عام 1903 واختصر بعدها الاسم إلى المتحف الألماني، وتبرعت مدينة ميونخ بجزيرة تقع في نهر إيزار كموقع لبناء المتحف، كما تبرعت الأكاديمية البافارية للعلوم والإنسانيات بمجموعتها القيمة، بالإضافة إلى وصول معروضات من جميع دول العالم لعرضها مؤقتًا في المتحف، حتى رسخت السمعة العالمية للمتحف كمكان لنقل المعرفة الترفيهية. 
وضع تصميم المتحف المهندس المعماري الألماني غابرييل فون سيدل من الهيكل الخرساني المسلح، وقد أخرت الحرب العالمية الأولى والتضخم الذي أعقبها افتتاح المتحف حتى عام 1925 إلى أن اختار أوسكار فون ميلر المهندس ورائد الطاقة الكهرومائية عيد ميلاده السبعين 7 مايو موعدًا للافتتاح،  وقد تعرض المتحف للدمار نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب الغارات الجوية، حيث دمر حوالي 80 في المئة من المبنى، كما تعرضت نسبة كبيرة من المعروضات للتدمير، وفي عام 1948 أعيد افتتاح المتحف رسميًا بقسم واحد وهو قسم الفيزياء ثم توسع بعدها وعادت قاعات العرض إلى حالتها السابقة في عام 1965. 

الجسور والهندسة الهيدروليكية 
في الدور الأرضي من المتحف يقع قسم علوم هندسة بناء الجسور والهندسة الهيدروليكية الذي يأخذ الزائر برحلة بين تلك المعروضات المميزة ورؤية نماذج من الجسور وتجربة المشي على الجسر الزجاجي المعلق، الذي يتميز بتصميم أنيق ويمتد بطول يبلغ 27 مترًا ويزن 15 طنًا، والذي يتأرجح عند المشي فوقه، كما يمكن رؤية أول هيكل مصنوع من الخرسانة المسلحة في ألمانيا، بالإضافة إلى العديد من المعارض العلمية التي تستكشف الإبداع في مجال الهندسة المدنية وتطورها على مر السنوات ونماذج لبعض الجسور تساعد الزائرين على فهم التصميم الفريد لها. 
كما يتم عرض مجموعة كاملة متعلقة بالطاقة والمحركات، إلى جانب العديد من العناصر التفاعلية التي تمكن الزوار من اكتشاف توربينات الرياح والغاز والماء، ومحركات الاحتراق والهواء الساخن، بالإضافة الى توربينات الأمواج والمد والجزر، ومشاهدة العديد من نوادر المتحف منها أول محرك ديزل لرودولف ديزل الذي يعود لعام 1897، ومحرك أوتو الذي يعد أول محرك غاز ثابت صغير والذي يعود اختراعه لعام 1867 على يد نيكولاس أوتو وأول سيارة سباق من نوع أودي تعمل بالديزل وغيرها من معروضات تركز على كيفية عمل المحركات وتوربينات الرياح الضخمة التي يبلغ طولها 55 مترًا. 

تاريخ الطيران
لعل القسم الأبرز والأكثر إثارة للاهتمام من حيث المعروضات هو قسم الطيران الحديث، الذي يستعرض موضوعات عن علم الطيران وبناء الطائرات وكيفية تشغيلها وصيانتها، ويتتبع تاريخ الطيران منذ عام 1945. ويشمل مجموعة من الطائرات منها ستارفايتر الأسرع من الصوت وطائرة هانسا النفاثة، ومروحية سيكورسكي، كما يشمل المعرض أقسامًا كبيرة من كبائن الطائرات وقمرة القيادة والأجنحة ونماذج طائرات بمختلف الأحجام، تتيح للزائر اكتشاف أساسيات الطيران وبنائها وأنظمة المحركات بالتفصيل، كما يمكن إلقاء نظرة على كواليس عمليات الطيران ومعرفة كيفية تفاعل مراقبي الحركة الجوية والطيارين مع بعضهم البعض، والتعرف على الجوانب المختلفة لسلامة الطيران ومشاهدة جهاز المحاكاة الذي يستخدم في التدريب بمدارس الطيران حول العالم، كما يضم المتحف القسم التاريخي الذي يحتوي على مجموعة متنوعة من الطائرات الأصلية بأشكال وأحجام مختلفة معروضة بطريقة ملفتة للنظر ويركز على تاريخ الطيران خلال النصف الأول من القرن العشرين عندما شهد الطيران تقدمًا تكنولوجيًا سريعًا، وكيف أثرت الحربين العالميتين على اتجاه التنمية ولمحة عامة عن المحركات.

عالم الروبوتات
هو قسم مختص بعلم الروبوتات، وآخر تطوراتها وتشمل المعروضات روبوتات تستخدم في عالم التمريض وفي خدمات تنظيف النوافذ والأرضيات كما يسلط الضوء على الروبوتات التي يتم التحكم فيها عن بعد للتخلص من المتفجرات، وخصصت الساحة الواقعة وسط المعرض كمختبر تجريبي يتيح للزوار فرصة التفاعل مع الروبوتات من خلال برمجتها، والتعرف على تاريخها ومشاهدة أول روبوت استخدم للخدمات التجارية عام 1989 «helpmate» بالمستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيــا واليــابان لتوصيـــل الأدوية والأغذية والعينات والمعدات المخبرية، كذلك للتخلص من المواد المعدية، ومن أندر محتويات قسم الروبوتات «Preaching Monk» الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر والذي يعد من أقدم الآلات في العالم، وهو عبارة عن مجسم لراهب يتدحرج على عجلات ويحرك يديه ورأسه.

الفيزياء الذرية والكيمياء 
يكشف قسم الفيزياء الذرية دور الفيزياء في التأثير على العديد من التطورات التقنية التي حدثت في القرن العشرين وكيفية توصل الفيزيائيين إلى فهم بنية الذرات والفرص والمخاطر الناتجة عنها، بالإضافة الى العديد من المعروضات، مثل أنبوب غايسلر وأول سيكلوترون ألماني ونموذج يصور تجربة قطة شرودنغر وجهاز لاو الذي استخدم في عام 1913 لإثبات أن الأشعة السينية تتكون من موجات كهرومغناطيسية والجهاز الموجود في المتحف هو الجهاز الأصلي لماكس فون لاو وموجود في المتحف منذ عام 1921 تساعد المعروضات الزوار في العثور على إجابات حول الفيزياء الذرية والنووية وفيزياء الجسيمات.
للكيمياء حضور بارز في المتحف، حيث ينقسم معرض الكيمياء إلى ثلاثة أقسام تشمل العديد من العناصر التفاعلية ونماذج عن المختبرات القديمة ومحتوياتها تأخذ الزوار في رحلة مع الكيمياء منذ العصور الوسطى وصولًا لوقتنا الحالي ومواضيع تكشف أهميتها في حياتنا وأنشطتنا اليومية، كما يشمل المعرض منطقة تجارب عملية ومختبرًا وقاعة محاضرات، بالإضافة إلى استخدام «الديوراما» في العرض وهي عبارة عن صندوق بداخله مجسمات ورسومات مصغرة تجسد الواقع.

الآلات الموسيقية 
تستقبلك الآلات الموسيقية التاريخية من الأرغن والبيانو والساكسفون وقيثارات وكمنجات معــروضة بعنايــة عبر ثلاث قاعات تتيح للزوار تتبع مراحل مهمة في تاريخ الآلات الموسيقية وتطورها من عصر النهضة حتى يومنا هذا، واستكشاف مبادئ توليد الصوت الإلكتروني والظواهر الصوتية وتوضح الأفلام المعروضة تاريخ استخدام الآلات الموسيقية. ومن بين المعروضات الفريدة قطعة «Trumpet Automaton» والتي هي عبارة عن مجسم لرجل يحمل بوقًا صنع من قبل صانع الساعات فريدريش كوفمــان 1785-1866 والعدة الموسيقية الخاصة بفرقة البيتلز الشهيرة.

بطيئات المشية ودب الماء 
نجد في معرض البصريات الكلاسيكية الذي يعرض أساسيات هذا الفرع من الفيزياء من العصور القديمة وحتى أوائل القرن العشرين، كما يساعد على اكتشاف البصريات الهندسية والموجية بطريقة ممتعة، ويشرح عالم المخلوقات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة مثل بطيئات المشية والعث المفترس والعوالق البحرية في مسرح الفحص المجهري الذي يقدم عروضًا توضيحية منتظمة حول عالم الهياكل الصغيرة، حيث المجاهر الحديثة والعينات الموجودة بداخلها كحبوب لقاح الزهور، ودب الماء والعديد من العينات الأخرى وتحتوي قاعة البصريات أيضًا على بعض المقتنيات القيمة مثل «مطياف المنشور» الذي اخترعه الفيزيائي الألماني جوزيف فون فراونهوفر والمجاهر الشهيرة التي صممها أنتوني فان ليفينهوك.

 الملاحة الفضائية والإلكترونيات
تعطي قاعة الملاحة الفضائية نظرة عامة على النظام الشمسي ونظام تكنولوجيا الصواريخ وتطوير محركاتها ورحلات الفضاء ووظيفة الأقمار الصناعية والمسابير وعملية الاستشعار عن بعد، بالإضافة لمعروضات ونماذج متعلقة بعالم الفضاء مثل البدلات الفضائية والمسبارات منها مسبار هيليوس الذي أرسل الى الفضاء بالتعاون بين جمهورية ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1974 إلى مدار الشمس. 
في قـــــاعة الإلكتـــرونيــات تعرض أساسيــات كيفية تصنيع المكونات الفردية، وكيف تقلص حجم الإلكترونيات لتصبح أصغر حجمًا وأكثر ذكاءً خلال المئة عام الماضية بأحجام مجهرية كما توضح القاعة كيف أصبح علم التحكم في التيار الكهربائي جزءًا لا غنى عنه في حياتنا اليومية، بالإضافة إلى مشاهدة معروضات مميزة كأول جهاز APPLE-1 وأول مصباح LED وأول مستشعر كهروميكانيكي وتاريخ الراديو وتقنية أجهزة الإرسال ويتوسط القاعة مجسمًا ضخمًا لإعصار يدور من الخردة يعبر بشكل رمزي عن مجتمعنا المهمل في المواد الخام وإعادة التدوير.

الزراعة والغذاء
قد يتساءل البعض عن مصدر طعامنا وكيفية إنتاجه؟ يتم عرض مجموعة من التحف التاريخية المرتبطة بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في هذا القسم من المتحف، تعرض طرق حصاد العلف الحديثة والآلات الزراعية والماشية وعلاجها بدءًا من تربية الحيوانات الأليفة والداجنة حتى عملية الذبح،  كما يمكن للزوار مشاهدة عرض جوي لحقل قمح على مدار العام وفـــي نهاية القاعة توجد غلايات التخمير وفرن البخار كما يوفر رف الطعام التفاعلي مادة غنية للتفكير حول وفرة وندرة الغذاء في العالم، ويوضح تنوع نظامنا الغذائي. 

الصحة والتكنولوجيا الطبية
يأخذ معرض الصحة الزائر في رحلة لاكتشاف الجسم البشري من الرأس حتى أخمص القدمين، حيث يمكن رؤية وتجربة كيف ساعدتنا التكنولوجيا الطبية في الحصول على صحة جيدة بدءًا من الأسنان والعينين والأذنين ونظام الأوعية الدموية والقلب إلى الأطراف والمفاصل ونظرة على الجسم البشري وهجوم الجراثيم والإجراءات الجراحية، حيث توفر شاشات العرض التفاعلية الكثير من المعلومات التي تقدم شرح تفصيلي للمواد التي تدخل في صناعة العديد من الأجهزة والمعدات الطبية وطريقة عملها في جسم الإنسان كما تحتوي القاعة على بعض المجسمات الغريبة منها قدم عملاقة يصل ارتفاعها لخمسة أمتار كما يحتوي المعرض على بعض الآلات المستخدمة في الطب قديمًا، مثل أول منظار للعين الذي يعود تاريخه إلى منتصف القرن التاسع عشر كما يمكن للزائر تجربة استخدام منظار العين الرقمي الحديث لفحص الدمية البشرية المعروضة وإجراء تشخيص لها ومشاهدة أول جهاز لنمو البكتيريا في بيئة دافئة يمكن التحكم فيها يعود تاريخها لعام 1881 وكانت تلك الحاضنة بمثابة بداية الأبحاث المكروبيولوجية الحديثة، وتنتهي القاعة بنموذج لصيدلية من القرن الثامن عشر.
       
التصوير الفوتوغرافي والسينما 
محبو التصوير الفوتوغرافي والسينما سيكتشفون تاريخ التصوير منذ 200 عام، وكيف ساهمت العلاقة المتبادلة بين التكنولوجيا والصورة النهائية في تشكيل التصوير الفوتوغرافي منذ بداياته في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وكيف أثرت لاحقًا على الأفلام من خلال واجهة عرض كبيرة وسط المعرض مع التركيز على التطور التاريخي للمعدات ووسائط الإنتاج والتعرف على كيفية تأثير التكنولوجيا الرقمية واللون والمكان والزمان على عالم التصوير والأفلام، كما تستعرض القاعة مجموعة من معدات التصوير القديمة التي تعود الى بداياته منها كاميرا «le Daguerreotype» التي صنعها الفونس جيرو عام 1840 من الخشب وتعتبر من الكاميرات الأصلية القليلة المتبقية من عصر التأسيس الفوتوغرافي، بالإضافة الى أجهزة استخدمت في العرض السينمائي قبل الحرب العالمية الأولى ■

يأخذ المتحف الألماني الزائر برحلة عبر علوم هندسة بناء الجسور والهندسة الهيدروليكية.

أول طائرة «Grob G180 spn» خاصة مصنوعة بالكامل من مواد ألياف الكربون، تم إهداؤها للمتحف الألماني في عام 2012

تعرض في قسم الروبوتات مجموعة متنوّعة للروبوتات بمختلف الأحجام والوظائف

مخطوطة عربية تحتوي على مجموعة أبحاث كيميائية خطت في بغداد عام 1796م

تحتوي قاعة الموسييقى على أكثر من 2000 آلة موسيقية تتبع تاريخ الموسيقى من عصر النهضة إلى يومنا هذا

يضم معرض الملاحة الفضائية مجموعة متنوعة من المسبارات والمعدات المتعلقة بتكنولوجيا الفضاء

نموذج لرائد فضاء أمريكي

رف الطعام التفاعلي يوضح التنوع في نظامنا الغذائي

توفر قاعة الصحة ومعروضاتها الكثير من معلومات عن جسم الإنسان وصحته