كتب التراجم والسِيَر في حياتنا الثقافية

كتب التراجم والسِيَر  في حياتنا الثقافية

أكاد أجزم بأنّ كتب التراجم بزخم مادتها التاريخية والاجتماعية والثقافية تمثل أهمّ ركن في المكتبة العربية قديمًا وحديثًا، فضلًا على أنها تحوز على منزلة أثيرة مميّزة لدى جلّ الكتاب والمثقفين؛ إذْ إنّ إضافة تجارب العظماء والممتازين من ذوي المواهب إلى رصيدنا الفكري والمعرفي والإفادة من معينها، مشروط بغلغلة النظر في كتب التراجم والاطلاع على سِير أفذاذ الأدباء والعلماء والمصلحين ونحوهم.
وفي مطالعاتي المتنوّعة لكتب كبار أدباء اللغة العربية المحدثين والمعاصرين ألفيتُ أثرًا واضحًا في حياتهم الخاصة أو في عطائهم الأدبي والفكري، للعظماء الذين احتفظتْ كتب التراجم بسيرهم الذاتية ومواقفهم وخصائصهم التي عُرفوا بها؛ لا سيما مَن تُرجم لهم في المصادر الكبرى للتراجم، مثل: الشعر والشعراء لابن قتيبة، والأغاني للأصفهاني، ويتيمة الدهر للثعالبي، ووفيات الأعيان لابن خلّكان، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، الذي قضى أربعين سنة في تأليفه، وترجم فيه لـ 12446 صحابيًا. وبغية الوعاة للسيوطي، وغيرها كثير جدًا.
ويوجد شغف كبير لدى بعض الناس يتمثل في التواصل مع العظماء والموهوبين في شتى المجالات والحرص على الإفادة منهم عن كثب وقرب، وكأنهم لا يكتفون بأعمالهم ومنجزاتهم التي رفعتهم إلى شأو التميّز والتأثير. لكننا نجد مواقف أخرى تميّز بين هذين الجانبين، كما هو الشأن بالنسبة للأديب عباس محمود العقاد الذي يقول: «نشأتُ وليس أحبّ إليَّ من الاطلاع على تراجم العظماء، ولكنني على فرط شغفي بالاطلاع على تراجمهم لم أشعر قط نحوهم بذلك الشعور الذي يغلب على كثير من الناس، وهو شعور الميل إلى رؤيتهم والاتصال بهم إن كانوا من الأحياء» (حياة قلم ص 156).
ولكتب التراجم والسِيَر فوائد جمة تتعذّر الإحاطة بجميع أبعادها، لعلّ أبرزها أننا نتعلم منها فضيلة الاقتداء بهؤلاء الأعلام الذين تركوا بصماتهم في الحياة بما ينفع الناس، كما أننا نستفيد منها معلومات تاريخية واجتماعية وثقافية كثيرة، خاصة تلك التي لها صلة بالأوضاع التي كانت سائدة إبان حياة الشخصية صاحبة الترجمة، فضلًا عن أن المؤرخين يعتمدون في تأريخهم للوقائع والأحداث على كتب التراجم وشهادة كُتاب السير الذاتية ■