المصور اليمني إبراهيم عبدالغفار: مشاعر الفنان تصل للمتلقي بقدر عمقها ودراميتها!

المصور اليمني إبراهيم عبدالغفار: مشاعر الفنان تصل للمتلقي بقدر عمقها ودراميتها!

يمني المنشأ، عاش معظم حياته متنقلاً بين دول عربية كثيرة مما أثرى مخيلته، قبل أن يستقر به المقام في الولايات المتحدة، ومن المفارقات التي شاهدها وعايشها، إضافة إلى حساسية عينيه، حبا للتصوير الفوتوغرافي، استطاع المصور اليمني الشاب إبراهيم الغفاري، أو إيبي إبراهيم كما يعرف في أمريكا، أن يكّون مفهوما دراميا لافتا للتصوير، بسبب فكرة الصور بالأبيض والأسود، وبسبب موضوعات الصور وأفكارها التي تقدم مزيجا بين الفني والاجتماعي والدرامي بشكل لم يتكرر كثيرًا في هذا المجال عربيا. استقر حاليًا في نيويورك مركزا على شغفه وحلمه الفني العظيم لاسيما أنه لا يحصر نفسه في التصوير فقط، فإنه عازم على المضي في طريق تصوير أفلام قصيرة وتلك من ضمن مشاريعه المستقبلية. بالإضافة الى ذلك كتاب مصور يحكي عن قصص قصيرة هو من ضمن أعماله القادمة.

إيبي إبراهيم.. فنان شاب في الثالثة والعشرين من العمر، ألهمته نشأته في بيئات محافظة بالكثير من الموضوعات التي تحمل طابع التناقض، كسمة من سمات المجتمعات العربية إجمالا، والبحث عن التفرّد جعله يلامس مواضيع قد تكون من المستحيل على البعض أن يناقشها، ولكن الذي يميزه فعلاً هو كونه يمنيًا وصل بموهبته الفنية إلى العالمية.

التناقض بين الغربي والشرقي، الحديث والقديم، الغرب والشرق ليس مجرد ثنائيات يعرف عنها قدر ما هي خبرات يعيشها وصولا لاسمه هو نفسه: إيبي إبراهيم، وعنه يقول: «اسمي يمثل جزأين مني، إيبي هو الجزء الذي نما في الغرب على تقاليد وعادات غربية وإبراهيم هو الجزء الذي نما وتربى على عادات وتقاليد محافظة في الشرق. شخصيتي مكونة من هذين الجزأين ولا أرى نفسي أبدأ بجزء دون الآخر ولا أريد أبدًا أن أعيش كجزء واحد».

بدأ شغفه بالتصوير عندما بلغ العشرين من عمره، وبسبب انشغاله بالدراسة في الولايات المتحدة لم يجد الوقت الكافي ليعبر عن هذا الشغف بالشكل الاحترافي الذي رغب فيه. وفي مرحلة معينة قرر العودة لليمن لكي يحافظ على هويته من جهة، ولاستعادة وإثراء الجانب التقليدي اليمني كجزء من هويته، ولكي يتمكن من تحفيز هذا الجانب من الهوية ليعبر عنه بشكل فني في أعماله.

يقول إبراهيم: «في البداية كانت لي ميول تجاه الصور التي تعبر عن المشاعر الإنسانية وخصوصا الملامح التي تنقل الحزن، الأسى والمعاناة الإنسانية عن طريق استخدام الوجه والجسد كأدوات تعبيرية وذلك لأني وجدت فيها معاني أكثر عمقاً وقوة، ومع مرور الوقت لاحظت أن لي ميولاً تجاه الصور التي تعبر عن الواقع الذي كنت أعيشه وكان لي بالطبع ملاحظاتي وآرائي الشخصية تجاه ذلك الواقع بتناقضاته فقررت أن يصبح التصوير هو طريقتي في التعبير عن رأيي، وقناعاتي بصراحة، تجاه الواقع الذي عشته».

لكن إيبي إبراهيم استفاد من تجربته الغربية في التسلح بفكرة المبادرة وعدم الإيمان بالمستحيل، وهذا هو سبب نجاحه في عرض أعماله في مدينة نيويورك، بالرغم من كونه مجرد شاب يمني لا يملك سوى موهبته.

«لا شيء مستحيلاً في نظري، ولكن - للأسف - لا يوجد أي جهة مختصة في اليمن لدعم وتشجيع المواهب بالشكل الحقيقي والمطلوب لإبراز تلك المواهب والاستفادة منها مستقبلاً. كثير من المبدعين في حاجة ماسة إلى الدعم المادي والمعنوي في مختلف أنحاء العالم وأنه من المؤسف رؤية مواهب جيدة تضمحل وتختفي بسبب قلة التشجيع والاهتمام. بالنسبة لي ، لدي طموحات عالية وأهداف لابد من أن أحققها مهما كانت صعبة وأتمنى أن أرى طموحًا أعلى وأهدافًا أسمى للموهوبين من الجالية اليمنية أو العربية بشكل عام في الولايات المتحدة».

أما مجال الإلهام فهو أولا مستمد من حضارة خصبة، لها خصوصيتها، على مستوى التقاليد والعادات الشعبية، هي حضارة اليمن، وتاليا من حضارات المنطقة العربية إجمالا.

وبينما يرى البعض ممن شاهدوا أعمال إيبي إبراهيم أنها تمثل نقدًا للمجتمعات التقليدية يرفض هو هذه الرؤية موضحًا أنه يقدم لحظات عميقة جدًا في واقع البشر، ويريد أن يرى الناس، خصوصًا أجيال الشباب هذه اللحظات بوضوح، وبتأمل عميق يتيح لهم تدبرها وفهمها: «قد يكون مكان قصتي في إسطنبول أو عدن أو طرابلس أو دمشق أو طهران.. إلخ».

ما يلفت الانتباه في العديد من صور إيبي إبراهيم سمتان أساسيتان: الأولى تتعلق بالطابع الدرامي للصور التي تبدو دائما تجسيدًا لحالة تعبر عن مشاعر عميقة تبدو كأنها تموج بالصخب والعنفوان على الرغم من الطابع الساكن للقطة، أما السمة الثانية فهي جرأة الفكرة التي قد يرى البعض أنها لا تلائم مجتمعًا تقليديًا، لكن إيبي لا يرى أن الجرأة تتعارض مع حرية التعبير، ولا يتصور أن يراقب الفنان نفسه ويكبح قدراته التعبيرية: «في اعتقادي هنا تكمن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الشباب والشابات اليمنيون، بالأخص الشباب العربي والشباب في المجتمعات المحافظة باختلاف انتماءاتهم بشكل عام، والمشكلة هي أنه بإمكاننا إنجاز المستحيل ولكن أكبر العوائق بالنسبة لنا هو الفكر بأن على المجتمع أن يوافق على أفكارنا، كوني فنانًا كل ما أقوم به هو تكوين الصورة وليس التحريض على مضمونها والترويج لها».

فالغرض هو تصوير لحظات إنسانية حقيقية وتحدث كل يوم ذات مغزى ومعنى يختلف المشاهدون في تفسيره أحيانا كما يقول، وتعقيبًا على سلسلة صوره المعروفة باسم «فاطمة» التي أثارت جدلاً بسبب قبلة بين فتاتين. يقول إيبي: القصة أكبر من ذلك، إنها قصة معاناة وألم تطوي زوجة تعرضت للاضطهاد المعنوي والجسدي من قبل زوجها هذه الزوجة تستحق جرعة من الحب والحنان مهما كان مصدر هذه الجرعة، فهو أفضل من أن يتم اضطهادها على شكل مستمر. لقد اندهشت عندما كانت ردة فعل الجمهور موجهة تجاه صورة القبلة، ولكن ليس تجاه المرأة التي تتعرض للاضطهاد من قبل زوجها».

لذلك يرفض إبراهيم عبدالغفار أن توصف أعماله بأنها ذات إيحاءات جنسية. ويقول إن أعماله جميعًا يقدمها «من منظور الاقتناع بنشر مبدأ المحبة والتسامح، وذلك بغرض إيجاد بيئة مناسبة للتعايش بين البشر، فمن خلال كل سلسلة قدمتها حتى الآن كانت أولوياتي هي إيصال رسالة واضحة بأن الحب يتغلب على كل شيء، مهما كانت انتماءاتنا السياسية أو العقائدية أو العرقية».

أما الطابع الدرامي لأعماله فهو يعطي أيضًا إحساسًا بأنه سرد مصوّر، مما يحمسه لأن يدخل الآن مجال الأفلام القصيرة. ويسعى للحصول على الدعم اللازم.

ويبدو انفعال الفنان إيبي بأعماله عبر ما تبثه هذه الصور من انفعال ومشاعر في المتلقين، وحين أعبر له عن ملاحظتي هذه يقول: «أفضل ترجمة في نظري هي عندما تأخذ الصورة المشاهد إلى حالة من التفاعل الحقيقي والتأثر بمعاني الصورة، أذكر أني تأثرت مرة خلال جلسة تصوير عندما كنت ألقي نظرة على بعض الصور التي ألتقطها وحضرتني في الذاكرة صورة مشابهة للحدث الذي أحاول تصويره ولم أشعر إلا بدموعي، فقد راودني شعور بأني عشت تلك التجربة من قبل وذلك من خلال النظر فقط بإحساس عالٍ إلى الصور».

ولماذا اللونان الأبيض والأسود هما السائدان في أعمالك التصويرية؟ «استخدام التصوير الأسود والأبيض هو منهجي الدائم، حيث - من وجهة نظري - هو أكثر قوة في التعبير مقارنة بالتصوير الملون وفي معظم السلسلات الحالية، كل سلسلة لها قصة مختلفة، قد تكون مؤلمة في البداية، ولكن مع النهاية تكتمل الصورة وتنتهي الحكاية بسعادة ولكن السعادة ليست واردة في كل النهايات».

لكن النهايات عند هذا الفنان الشاب غير معروفة على الإطلاق فهو يشرع في عمل مسرحي تجريبي يعبّر عن أفكاره من خلاه معتمدا على مزج الفني التمثيلي بالبصري، بالإضافة إلى دخوله مجال السينما والأفلام، فطموحه لا يقف عند حدود، وبالتأكيد سنظل ننتظر منه المزيد على يقين بأنه لن يخذلنا.

 

 

 

أفراح ناصر
  




الفنان اليمني إبراهيم عبدالغفار





التناقض بين الغربي والشرقي تيمة أساسية في أعمال عبدالغفار





من أعمال المصوّر اليمني





من أعمال المصوّر اليمني





أعمال إبراهيم تحاول أن تبتكر لغة بصرية جديدة في التقنية والموضوع معاً





إيبي إبراهيم: الحب يتغلب على كل الانتماءات السياسية والعرقية