الصيد والفروسية في أبوظبي

الصيد والفروسية في أبوظبي

يُعد عالم الصيد والفروسية والقنص والتخييم من العوالم المحبَّبة للإنسان العربي على مدار تاريخه الطويل منذ أن كان يعيش في الصحراء العربية، ويجابه قسوة الحياة وشظفها، ويسعى وراء الماء والكلأ. وعندما حبَا الله هذا الإنسان بنعمة العيش والاستقرار والخروج إلى عوالم أكثر تحضرًا وتمدنًا، وخاصة بعد الفتوحات الإسلامية الواسعة، لم ينس أبدًا ماضيه وإرثه القديم، وتراثه المضيء. «فمن ليس له ماضٍ، ليس له حاضر له ولا مستقبل» على حد قول الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله.

 

لقد حمل عالمُ الصيد والفروسية والقنص والتخييم الكثير من القيم الإنسانية والثقافية الإيجابية التي يأتي على رأسها الشجاعة والإقدام والوفاء والانتماء وحب مخلوقات الله والعطف عليها، من حيوانات وطيور وكائنات بحرية وصحراوية مختلفة ومتعددة الأشكال والأنواع والأحجام والألوان.
ولعلنا نتذكر مخاطبة عنترة بن شداد لحصانه قائلًا:
فازورَّ من وقع القنا بلبانِهِ 
 وشكا إليَّ بعبرةٍ وتَحمْحُمِ
لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى 
 ولكان لو علمَ الكلامَ مكلمي
كما نتذكر ناقة المثقب العبدي عندما أخذ يضع الرحل عليها بآخر ليلة:
إِذا ما قُمتُ أَرحَلُها بِلَيلٍ 
 تَأَوَّهُ آهَةَ الرَجُلِ الحَزينِ
تَقولُ إِذا دَرَأتُ لَها وَضيني 
 أَهَذا دِينُهُ أَبَدًا وَديني
وتدلنا الموسوعة العربية العالمية على أن الصيد يُمارس من أجل الطعام، أو الفرو، أو الجلد، أو التماسًا للمتعة والترويح والتريض. وتتنوع طرائق الصيد، ما بين الصيد بالشِّراك، والصيد بالرمح، والصيد بالصنَّارة، وغيرها من الطرائق. وقد مرَّ وقتٌ كان الناس فيه لا يستطيعون الحصول على طعامهم إلا إذا قاموا بالصيد، كما أصبح الصيد بالنسبة للكثيرين رياضة من الرياضات المحبَّبة للنفوس، وبات معظم الناس في وقتنا الحاضر يصطادون من أجل الاستمتاع بالصيد بوصفه رياضة، وترتب على ذلك أن تطورت أدوات الصيد والقنص والفروسية وأصبح لها شركات ومؤسسات وعائلات وأفراد متخصصون، بل أصبح لها عادات وتقاليد ونُظم تُمارس من خلالها. ولا يقتصر الصيد على الأثرياء، بل أضحى رياضةً وهوايةً يُمارسها الناس حسب رغباتهم، وقد نظمت عمليات الصيد في معظم البلدان العربية، وحَرَّمت بعضُ القوانين الصيدَ في محميات حدَّدتها الحكومات، ويُستعان بالكلاب والصقور المدرَّبة في هذه الرياضة، وأشهر حيوانات الصيد هي الأرانب البرية، والظباء والطيور البرية كالقطا والحُبارى، وتحرم بعض الدول استخدام أنواع معينة من الأسلحة أثناء عملية الصيد.
ويأتي «معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية» الذي ينظمه نادي صقاري الإمارات في مركز أبوظبي الوطني للمعارض (أدنيك) منذ عشرين عامًا، ليكون إضافة مهمة في إطار الاحتفال والتذكير بعالم الصيد والفروسية، وكيف تطور منذ الإنسان العربي الأول وحتى اليوم، إنه تاريخٌ في حد ذاته، وحضورٌ بيئي وثقافي مُبهر، وقف أمامه الشعراء والأدباء والمفكرون والمثقفون والباحثون والإعلاميون يتأملونه ويحاولون التعبير عنه.
أما وقد وصل هذا المعرض إلى دورته العشرين (في سبتمبر 2023)، وصار حدثًا ضخمًا في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، وحمل باقة مميزة من أجمل العروض الحيّة للطيور والسلوقي والكلاب البوليسية والخيول والإبل، والعديد من الحيوانات التي لا يُمكن مُشاهدتها إلا في هذا المعرض، فضلا عن العروض الموسيقية والرياضية والتراثية المتنوعة، والمسابقات المتميزة التي رُصدت لها 64 جائزة، مثل مسابقة أفضل مجموعة متكاملة من أدوات الصقارة لرحلات المقناص، ومسابقة أجمل بُرقع، ومسابقة أجمل وأفضل وكر تقليدي، ومسابقة أفضل سكين صيد، ومسابقة أفضل صورة فوتوغرافية لفعاليات المعرض، وجائزة المعرض للمنتج المميز، ومسابقة أجمل الصقور المكاثرة في الأسر، ومسابقة جمال السلوقي.
كل هذا يعني أن المعرض صار له جمهوره ومشاركوه ومتسابقوه ومتابعوه في أنحاء العالم كافة، يأتون إليه كل عام مبتهجين وفرحين بقضاء سبعة أيام في العاصمة الإماراتية.

استدامة وتراث بروح متجددة
حملت الدورة العشرون للمعرض التي أقيمت في الفترة 2 – 8 سبتمبر 2023، شعار «استدامة وتراث... بروح متجددة». وشارك فيها أكثر من 1220 شركة وعلامة تجارية من 65 دولة على مساحة 65 ألف م2. بالإضافة إلى مُشاركة ما يزيد على 400 عارض من دولة الإمارات، وذلك تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس نادي صقاري الإمارات.
وقد شاهدتُ أثناء تجوالي في ساحة العروض بالمعرض العديد من الفعاليات الشيّقة تأتي في مُقدّمتها مُسابقة جمال السلوقي العربي بتنظيم من نادي صقاري الإمارات ومركز السلوقي العربي، ومزاد الهِجن العربية بالتعاون مع المجموعة العلمية المتقدمة، وعروض تراثية شيّقة بتنظيم من جمعية الإمارات للخيول العربية، بالإضافة إلى عرض مشترك لاتحاد بيت الكلب الدولي من سلالات مختلفة للتعرّف على أنواعها وأدائها ولياقتها.
كما شاهدتُ في ساحة العروض فن المبارزة بالسيف من على ظهر الخيل، وعرض الرماية والتقاط الأوتاد، والرماية بالقوس والسهم التقليدي من على ظهر الخيل. 
وشاهدتُ عرض الأداء الإماراتي التقليدي للخيل على أنغام الشعر، التشوليب (وهو ما يؤديه الفرسان وهم على ظهور الخيل، وعندما يقال فلان يشولب أي ينشد). فهو لحن عربي وفن إماراتي أصيل تُقدّمه جمعية الإمارات للخيول العربية، ويُؤدّى بشكل فردي أو ضمن مجموعة من الفرسان بأبيات ارتجالية وأوزان وألحان محددة تتناعم مع حركة هذب الخيل لبث روح الحماس لدى الفرسان لصد العدو.
وبالإضافة إلى ذلك، تُقدّم جمعية الإمارات للخيول العربية مُسابقات العرض الإماراتي التقليدي للخيول، في إطار تشجيع الكوادر الوطنية وإشراكهم في بطولات وعروض جمال الخيل العربي محليًّا ودوليًّا. وتُعتبر مسابقة «العارض الإماراتي» المنافسة الأولى من نوعها بين العارضين الإماراتيين، حيث يقوم كل مشارك بعرض خيله داخل ساحة العرض.
ولا أريدُ أن أنسى عروضًا أخرى مثل: عرض الخيل العُماني التقليدي، والرقصات التقليدية الهندية، وعرض لعازفي الطبول الأفريقية، وعروض ركوب المُهر، وترويض الخيول، والعناية بها، ومُشاهدات لا تُنسى لوحدة الخيالة والكلاب البوليسية K9، وأنشطة أخرى هادفة للأطفال عمومًا، وللأطفال من ذوي الهمم على نحو خاص. مع زيارات مدرسية للمساهمة في تنمية العقول الشابة واكتشاف عالم الحياة البرية والحفاظ عليها، وتعريف التلاميذ والطلاب بتنوع التراث الثقافي ورياضات الفروسية.
وقد نجحتْ مثل هذه العروض – وغيرها الكثيرة والمتنوعة - بفضل مشاركات ودعم ومساندة عدد ضخم من الجهات المتعددة، وتعاونها وإصرارها على إنجاح المعرض بكل فعالياته وعروضه المختلفة، ونذكر من هذه الجهات: وزارة الداخلية، شرطة أبوظبي، لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، نادي تراث الإمارات، جمعية الإمارات للخيول العربية، غرفة أبوظبي، غرفة التجارة البريطانية بأبوظبي. صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الطيور الجارحة، الاتحاد العالمي للصقارة والمحافظة على الطيور الجارحة، المؤسسة الأوروبية للصقارة والمحافظة على الطبيعة، اتحاد الإمارات للفروسية والسباق، معرض دبي الدولي للخيل، معرض The Game Fair في فرنسا، معرض JAGD & HUND بألمانيا، غرف التجارة الأمريكية في الإمارات. مدرسة محمد بن زايد للصقارة وفراسة الصحراء، مركز السلوقي العربي بأبوظبي، اتحاد الإمارات للقوس والسهم، أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة، المجموعة العلمية المتقدمة، أكاديمية بوذيب، مؤسسة «إينبيكس - جودكو»، نادي ظبيان للفروسية، ومدرسة فرسان عُمان لتدريب الفروسية.

مشاركات نسائية فاعلة
وقد لاحظتُ مشاركات نسائية فاعلة في «معرض أبوظبي للصيد والفروسية». وكان من اللافت في «منصّة مغامرات الهواء الطلق» هذا العام، تجربة فريق الناموس، والذي يُعد أول فريق نسائي إماراتي لصيد الأسماك. وأُقيمت ندوة حول تشجيع المرأة على المشاركة في الرياضات البحرية، بتقديم كل من لمياء الصيقل، وأسماء الريسي، وفاطمة الحمادي، ومريم العامري، وعائشة الكتبي، من أعضاء فريق الناموس.
أما نايلة البلوشي، فقد تحدثت عن تجربتها ورحلتها كأول امرأة إماراتية تصعد إلى قمة جبل إيفرست، بالإضافة إلى ندوة بعنوان «إلهام النساء العربيات في رياضات المغامرة والإثارة والتحدّي، ومنها تسلّق الجبال». وأطلعتنا نور فاروق على كيفية التخطيط لمغامرة ناجحة مع العائلة وبناء ذكريات لا تُنسى. كما تحدثت أم سيف عن قصة نجاحها كامرأة تتحدى الإعاقة بتصنيعها مشغولات تقليدية.
وقد شهد المعرض مُشاركات محلية وإقليمية واسعة في قطاع «مُعدّات الصيد والتخييم» الذي يُعتبر من أجمل القطاعات التي ينتظرها عُشّاق الحدث كل عام، وشهد هذا القطاع إقبالاً جماهيرياً لافتاً من هواة التخييم ورحلات البر والتراث، فضلًا عن أنشطة المنصَّات اليومية، مثل منصة الفنون والحرف اليدوية، ومنصة تواصل مع الطبيعة والحيوانات وغيرهما.
وقدّمت الشركات المُشاركة في المعرض عبر البيع المُباشر لهواة الرحلات، وبأسعار في متناول الجميع، مجموعة متنوعة من المُستلزمات الأساسية للقيام بالمغامرات الخارجية، بما في ذلك أدوات ومستلزمات الرحلات كافة، كالخيَم بمختلف أنواعها، وأكياس النوم والسترات الدافئة، وكذلك صناديق حفظ الأطعمة، وحقائب للأدوات الشخصية الأساسية، وأدوات الطهي والشواء الخارجية، والطاولات والكراسي المحمولة، ومُعدّات التنظيف والتخلّص من النفايات، وأدوات الإسعافات الأولية، وغيرها الكثير. هذا بالإضافة للكرفانات، وسيارات الصيد والسفاري الصحراوية، والمُعدّات والتقنيات والإكسسوارات اللازمة لتسهيل التخييم. 
وقد استقطبتْ أجنحة المركبات التي تُستخدم في التخييم ورحلات السفاري، جانبًا كبيرًا من اهتمام الزوَّار، الذين يحرصون على استكشاف ما تُقدّمه الشركات العارضة من منتجات جديدة من سيارات دفع رباعي و«كرافانات» متنقلة، وكافة مُلحقات السيارات.

الشيخ زايد والصيد بالصقور
ولما كان الصيد يُعتبر مُكوّناً رئيساً في ثقافات وحضارات الشعوب القديمة، فقد تبنّت أبوظبي العديد من القوانين التي شرّعت الصيد الصديق للبيئة الذي لا يؤثر على التوازن البيئي والحياة البرية. واحتلت الصقارة مكانة خاصة لدى الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عبّر عن ذلك في مقولة له هي بمثابة وصية ومنهج: «إنّ الصيد بالصقور، هو تذكير دائم لنا بقوى الطبيعة وبالعلاقة المُتبادلة بين الكائنات الحية والأرض التي نتقاسم العيش عليها».
وتُعتبر الصقارة - التي تعود ممارستها لآلاف السنين - إحدى أهم وأقدم وأفضل طرق الصيد الصديق للبيئة، ولذلك فإنّ الاعتراف بها كتراث ثقافي إنساني مُستدام في منظمة اليونسكو يتوسّع عامًا بعد آخر منذ 2010، حيث بلغ عدد الدول المُشاركة في ملف الصقارة اليوم 24 دولة، وهو ما عمل على توسّع رقعة انتشار رياضة الصيد بالصقور لتُمارس بشكل مشروع في 90 دولة من قبل نحو 100 ألف صقّار.
وتُعد أبوظبي سبّاقة إقليمياً وعالمياً - ومنذ زمن بعيد - في استخدام الصقور المكاثرة في الأسر لممارسة رياضة الصقارة عبر توفير أعداد مُستدامة للصقارين. وكذلك حماية الصقور البرية من خلال منع صيدها والاتجار بها بهدف تعزيز فرص تكاثرها وزيادة أعدادها في بيئاتها الطبيعية.
وأصدر المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي قرارًا في نوفمبر 2021 بتعديل اللائحة التنفيذية بشأن قانون تنظيم الصيد البرّي في إمارة أبوظبي، والذي تتولى هيئة البيئة – أبوظبي تنفيذه، وذلك بهدف المحافظة على موروث الصيد التقليدي وخاصة الصيد بالصقور، وصون مناطق الصيد مع الالتزام بالمعايير العالمية للاستدامة البيئية. كما تهدف التعديلات إلى حماية الكائنات الحيَّة البريَّة والتنوع البيولوجي، وتعزيز القيمة الاقتصادية للموارد الطبيعية، مع الحرص على تعزيز الصيد المستدام.
ومن أهم الفعاليات التي نظّمتها وأطلقتها أبوظبي في مجال الصيد المُستدام، مؤتمر ومهرجان الصداقة الدولي للبيزرة منذ عام 1976، (البيزرة مصطلح يعني استخدام الطيور الجوارح المدربة كالصقر والبازي لاصطياد حيوانات أخرى. وهي مشتقة من كلمة باز الفارسية، بمعنى الطائر)، بالإضافة إلى مشروع استدامة الحبارى الذي انطلق في عام 1977، وبرنامج الشيخ زايد لإطلاق الصقور الذي بدأ في عام 1995. وتأسيس نادي صقّاري الإمارات في عام 2001، وتنظيم معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية منذ عام 2003.
كما تمّ تأسيس مدرسة محمد بن زايد للصقارة وفراسة الصحراء في 2016 كأوّل منصّة رائدة مُتخصّصة على مستوى العالم في تعليم فن الصقارة العربية وفراسة وتقاليد العيش في الصحراء. كما انطلق مخيم أبناء الفخر عام 2017 بهدف ترسيخ مبادئ الاعتزاز بالتراث والثقافة الوطنية لدولة الإمارات، وذلك من خلال الحفاظ على العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، والتعرّف على نمط العيش الذي كان سائدًا لدى الأجيال السابقة.
وأكدت سابرينا دايتيز عضو اتحاد جمعيات الصيد والصون الأوروبي على أهمية دور الإمارات في تعزيز انتشار الصيد بالصقور بشكل مشروع، والتركيز على الصيد المُستدام. مُشيرة إلى أنّ معرض الصيد والفروسية يعمل على تأسيس قنوات اتصال مباشرة بين مُربّي الصقور والصقارين، وتشجيع النظرة الإيجابية للصقارة لمن هم خارج مُحيطها. وتشير دايتيز إلى ضرورة تصحيح المعلومات الخاطئة بأنّ الصيد يؤدي إلى تدهور الكائنات والأنواع الحية، موضحةً أنّ رياضة الصيد بالصقور غنية بالنجاحات في مجال الصيد المُستدام.
وأثناء تجوالي اليومي بالمعرض شاهدتُ العديد من المزادات الفريدة من نوعها، وهي فرصة ثمينة للتعرّف عن قُرب على بعضٍ من أهم ركائز التراث الإماراتي والعربي والتقاليد الأصيلة. وقد عرفتُ أنه يُقام هذا العام أوّل مزاد لسكاكين الصيد المصنوعة من العظام، وكذلك أوّل مزاد فني في تاريخ المعرض، بالإضافة إلى مزاد الهِجن العربية، ومزاد الصقور المُكاثرة في الأسر الذي حقق نجاحاً كبيرًا، ومزاد الفنون والحرف اليدوية.
وقد تزامن مع مزاد الصقور طلوع نجم سهيل الذي يُبشّر بقُرب انتهاء فصل الصيف ومُغادرة الصقور لأوكارها وبدء الاستعداد لموسم المقناص الجديد 2023-2024 وكذلك لبطولات ومُسابقات الصيد بالصقور.

للصيد شؤونٌ وشجونٌ 
إن معرض أبوظبي للصيد والفروسية لم يستقطب العارضين والإعلاميين والشركات والزوَّار فحسب، ولكنه استقطب أيضًا رسّامين وفنانين تشكيليين ومصورين فوتوغرافيين وخطَّاطين ونحّاتين وشعراء شعبيين، إضافة لدور عرض فنية، من داخل الإمارات وخارجها، دأبوا على تقديم إبداعاتهم بحرفية عالية تُعبّر عن مختلف المدارس الفنية، وتتمحور مواضيعها حول البيئات الصحراوية والبحرية، والتراث الأصيل، والصيد، شؤونه وشجونه، وبمختلف أنواعه.
ولفتني لوحة الفنان التشكيلي تيم العمر التي تم تكوينها من ريش الصقور، حيث يبلغ ارتفاعها 5 أمتار وعرضها 4 أمتار، وهي تعد بذلك أكبر لوحة في العالم تم تكوينها من ريش الصقور، واستخدمتْ في تصميمها 11 ألف و500 ريشة صقر، واستغرق العمل على إنجازها 80 يوماً.
كما شارك بيت العود العربي في أبوظبي، بتنظيم عدّة ندوات وأنشطة شيّقة لعُشّاق الموسيقى، منها: كيف تتم صناعة آلة العود؟ العزف الحي على آلة العود، وكيفية رفع جودة أداء الآلة الموسيقية.

الذكاء الاصطناعي والميتافيرس في المعرض
حلَّ الذكاء الاصطناعي ضيفًا على معرض أبوظبي للصيد والفروسية، وصحب الميتافيرس الجمهور في جولة افتراضية، وذلك عبر شركة «انسايت للذكاء الاصطناعي»، وهي شركة إماراتية متخصصة في هذا المجال، تشارك في المعرض للمرة الأولى، تأكيدًا على مواكبة أبناء الإمارات لروح العصر وحرصهم على ربط أحدث وسائل وأساليب التكنولوجيا بماضي الآباء والأجداد وتسخير التكنولوجيا لخدمة الإرث المحلي بأشكاله المختلفة، ومنه الصيد والفروسية باعتبارها مفردات تعكس جزءًا من البيئة والثقافة الإماراتية الخالصة. 
وضمن الفعاليات المميزة التي أُقيمت ضمن برنامج المعرض، مؤتمر الاتحاد العالمي للصقارة والمحافظة على الطيور الجارحة، ومؤتمر «دور وسائل الإعلام في صون الصقارة والتراث الثقافي غير المادي» الذي انفتح على كل قضايا التراث والثقافة الإماراتية والعربية من خلال رمز الصقر. بحضور عدد كبير من الباحثين والمهتمين وممثلي وسائل الإعلام، لتسليط الضوء على الدور المهم الذي يقوم به الإعلام في تعزيز الصيد المُستدام وصون التراث الوطني بمختلف مفرداته.
وشهد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي عقد طوال يوم الأربعاء 6 سبتمبر، ماجد علي المنصوري رئيس اللجنة العليا المنظمة لمعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية الأمين العام لنادي صقاري الإمارات، وعمر فؤاد أحمد مدير المعرض عضو اللجنة العليا المنظمة، وأعضاء من الاتحاد العالمي للصقارة والمحافظة على الطيور الجارحة، والمهتمين بالصقارة من مختلف دول العالم وعدد من الإعلاميين العرب والأجانب.
وتحدث في الجلسة الافتتاحية كل من زكي أنور نسيبة المستشار الثقافي لرئيس دولة الإمارات، ود. علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، والإعلامي محمد الحمادي رئيس جمعية الصحافيين الإماراتية، وأدار الجلسة الشاعر والإعلامي إياد المريسي.
وجمعت الجلسة الأولى – بعد الافتتاحية - الإعلامي العُماني د. سلطان اليحيائي رئيس الاتحاد العربي للإعلام السياحي، الذي تحدث عن دور الإعلام في الترويج للمقومات التراثية والثقافية والسياحية، وكاتب هذه السطور الذي قدّم مداخلةً بعنوان «كيف نُقدّم تراثنا وثقافتنا المحلية لأطفالنا وشبابنا؟»، وأدار الجلسة الشاعر والروائي والإعلامي هزاع أبوالريش.
وفي الجلسة الثانية تحدث الكاتب السعودي د. علي القحيص عن أهمية إدراج الصقارة في الكتب المدرسية للتشجيع على ممارسة التراث بعيدًا عن الألعاب الإلكترونية، بينما تحدثت د. لمياء محمود سيد – رئيس شبكة صوت العرب سابقا رئيس اللجنة الدائمة للإذاعة باتحاد الإذاعات العربية – عن تعزيز الوعي المجتمعي بالعناصر الثقافية. وتحدث المهندس عماد سعد رئيس تحرير شبكة بيئة أبوظبي عن الإعلام العلمي والتراث والصيد المستدام. وأدارت الجلسة الكاتبة فاطمة المزروعي، رئيسة قسم الأرشيفات التاريخية في الأرشيف والمكتبة الوطنية في الإمارات.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة فقد شهدت مداخلة فاطمة المنصوري مدير مركز زايد للدراسات والبحوث، وتحدثت عن كيفية مُخاطبة الجيل الجديد للترويج لأهمية إحياء التراث. بينما تحدث الباحث في التراث مسلم العامري عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في إعادة إحياء الرياضات التراثية الأصيلة، وتعزيز القيم والعادات والتقاليد. وقامت بإدارتها د. إحسان الميسري الباحثة والإعلامية المتخصصة في الاستدامة الثقافية وشؤون التراث.

أجواء حماسية تشويقية
لقد شهد فعاليات المعرض عشرات الآلاف من مُحبّي الرياضات التراثية وفي مُقدّمتها الصقارة والفروسية والرماية والصيد البرّي والبحري، ومن عُشّاق الرحلات والتخييم وأنشطة الهواء الطلق. وتميّزت هذه الدورة بإقبال لافت من قبل الأُسر والعائلات التي حرصت على اصطحاب أطفالها، ومن طلبة المدارس والسياح وسط أجواء حماسية تشويقية مميزة. 
وشهد المعرض زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وأكَّد حرص الإمارات على مواصلة إسهامها ومبادراتها النوعية في حماية التراث الإنساني المشترك الذي يُعد ثروة للأجيال، وجسرًا للتعارف والتواصل بين الثقافات والشعوب. وشدَّد على الاهتمام الذي توليه الدولة في المحافظة على موروثها الثقافي وتعزيزه في ترسيخ مقومات الهوية الوطنية. 
كما زاره سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي، وأشاد بأهمية المعرض في الحفاظ على التراث الإماراتي، وصون إرث الأجداد واستدامة التقاليد العريقة المرتبطة بالصقارة والفروسية للأجيال القادمة، بما يضمن غرس قيم الموروث الثقافي المحلي في نفوس أبناء الوطن.
أخيرًا «إذا أردت أن تحلِّق مع الصقور، فلا تضيع وقتك مع الدجاج»، وهكذا حلَّقت أبوظبي مع الصقور في معرضها السنوي، معرض الصيد والفروسية ■