«التايمز» كيف نجت صحيفة استثنائية من صحافة الفضائح والسخرية والتحولات الرقمية؟

«التايمز» كيف نجت صحيفة استثنائية من صحافة  الفضائح والسخرية والتحولات الرقمية؟

يغطي آدم ناغورني مجال السياسة الداخلية الوطنية في صحيفة نيويورك تايمز. وشغل المؤلف منذ انضمامه إلى الصحيفة في عام 1996، منصب رئيس مكتب لوس أنجلوس، ومراسل الشؤون الثقافية في الساحل الغربي، ورئيس المراسلين السياسيين الوطنيين، ورئيس المراسلين السياسيين في نيويورك، وهو المؤلف المشارك لكتاب «من أجل الخير». 

 

يقول جرايدون كارتر عن هذا الكتاب: «يُلقي هذا الكتاب الذي يأتي فيما يقرب من 590 صفحة نظرة شاملة من وراء الكواليس على العقود الأربعة الأخيرة المضطربة من حياة «الصحيفة المتميزة»، صحيفة نيويورك تايمز، حيث واجهت الأحداث المتغيرة في العالم، والفضائح الداخلية، كما واجهت التهديد الوجودي الذي تمثله الشبكة العنكبوتية للصحف المطبوعة. تجري وراء التألق غير المحدود للصفحة الأولى لصحيفة التايمز، معركة ساخنة على مستوى الاستمرار».   كانت صحيفة نيويورك تايمز لأكثر من قرن من الزمان، مؤسسة بارزة في الصحافة الأمريكية، حيث يتشابك تاريخها مع الأحداث التي تؤرخ لها - وهي صحيفة يقرأها ملايين الأشخاص يوميًا للبقاء على اطلاع بالأحداث التي وقعت على ظهر الكوكب.
يستعرض آدم ناغورني في كتابه «التايمز»، أربعة عقود من تاريخ الصحيفة العريقة، بدءًا من السنوات الأخيرة من عهد آرثر «بانش» سولزبيرجر كناشر، وحتى فترة انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر 2016. يحكي ناغورني تفاصيل تحقيق انتصارات الصحيفة – منها تغطية أحداث 11 سبتمبر، وانفجار سفينة الفضاء تشالنجر الأمريكية، والكشف عن فضيحة حاكم نيويورك الذي وقع في شرك قضية أخلاقية، كما يحكي أيضًا عن الإخفاقات التي هددت مكانة الصحيفة وسمعتها، بما في ذلك التغطية سيئة السمعة للحرب في العراق عام 1999، واستقالة جوديث ميلر، وفضيحة الانتحال لجيسون بلير، وإقالة اثنين من المحررين التنفيذيين البارزين.  
يقدم الكتاب استنادًا على مئات المقابلات، وآلاف الوثائق والرسائل الموجودة في أرشيف الصحيفة والأوراق الخاصة بالمحررين والمراسلين، نظرة مُطلع من الداخل على السنوات الأساسية التي شكلت تاريخ الصحيفة. يرسم ناغورني صورة حية لغرفة أخبار منقسمة، ومليئة بالتوتر في الوقت الذي تكافح فيه للانتقال إلى العصر الرقمي، في نفس الوقت الذي تواجه فيه فضائحها، وأوجه قصورها، والانتقادات المتزايدة من المحافظين والعديد من قرائها على حد سواء. نلتقي طوال أسطر وصفحات الكتاب بالشخصيات التي لا تُنسى - بمن فيهم آبي روزنتال، وماكس فرانكل، وهاول رينز، وجو ليليفيلد، وبيل كيلر، وجيل أبرامسون، ودين باكيه، وبونش سولزبيرجر، وآرثر سولزبيرجر الابن - الذين شكلوا الصحيفة فأصبحت على النحو الذي نعرفها اليوم. نشهد ونحن نطالع صفحات الكتاب المعارك المحتدمة بين غرفة الأخبار، وقسم العمليات التجارية، والصراع بين وسائل الإعلام على النمط القديم والرقمي الجديد، والتوتر بين الصحفيين الذين حاولوا التمسك بالنمط التقليدي السائد للصحيفة المطبوعة، وجيل جديد من المراسلين الذين يتحرقون شوقًا إلى اعتناق عالم النموذج الرقمي الجديد.

قصص مثيرة
يروي كتاب «التايمز» بطريقة آسرة قصصًا مثيرة عن صعود وسقوط الرجال والنساء، وينقب بتمعّن في تفاصيل الذين أداروا أهم صحيفة في الولايات المتحدة وربما في العالم أجمع، وهو سرد مُقنع وشاف للسنوات الأكثر محورية في تاريخ صحيفة نيويورك تايمز. 
في مقالة مطولة واستعراض شامل للكتاب في صحيفة الجارديان يقول تشارلز كايزر «عندما تم نشر مقتطفات من أول كتاب رفيع المستوى عن صحيفة نيويورك تايمز في مجلة هابر في عام 1969، كان غلاف المجلة يتحدث عن سبقه الصحفي تحت عنوان خيالي: كيف نجت الصحيفة المتميزة وازدهرت: القصة الرئيسة الوحيدة التي لم تغطيها أهم الصحف الأمريكية على الإطلاق هي: صحيفة النيويورك تايمز نفسها».  كان العنوان دقيقًا ومُعبرًا إلى حد كبير، وعندما نُشر كتاب المملكة والسلطة (The Kingdom and the Power) للكاتب جاي تاليس، أثار ضجة هائلة فور صدوره. كانت القصة التي رواها تاليس في ذلك العقد البعيد، جديدة وآسرة. ذكر استعراض لصحيفة التايمز نفسها حينئذ: «إنه لا يشبه أي كتاب صحفي آخر لأنه مكتوب بأسلوب روائي لترومان كابوت، وويليام مانشستر، وثيودور وايت، حيث يحرك الرجال المعاصرين الحقيقيين من خلال أحداث معاصرة حقيقية... الكتاب غني بالتفاصيل الحميمة والرؤى الشخصية، والتوصيف الدقيق».
ويستطرد قائلاً: «عندما قرأت ذلك الكتاب كنت مراهقًا، كان أحد الكتابين هو الذي جعلني أرغب في كتابة القصص الواقعية». كان كتاب صناعة الرئيس (The Making of the President 1960)، بقلم تيودور إتش وايت، هو الكتاب الآخر. لقد كان الصحفيون ينتظرون نصف قرن من الزمن للحصول على تكملة جديرة بالاهتمام لكتاب تاليس، وهذا ما حاول آدم ناغورني في كتابه: «التايمز: كيف نجت صحيفة استثنائية من صحافة الفضائح، والسخرية والتحولات الرقمية؟»، وهو تأريخ أمين للصحيفة منذ عام 1976، حتى عام 2016، وكتبه بتشجيع وتعاون مع تاليس.
يُعد الكتاب الجديد نتاج 300 مقابلة، وسنوات من البحث المُضني المثير للإعجاب في أرشيف الجريدة قام به مراسل سياسي مخضرم في صحيفة التايمز، ولكن على عكس سابقته، فهو خال تمامًا على وجه التقريب من صدمة الجديد. ليس هذا خطأ المؤلف بطبيعة الحال، بل هي نتيجة حتمية لظروف عصرنا هذا. لقد كان النقد الصحفي لصحيفة التايمز أمرًا معتادًا وصناعة عملاقة على مدى عقود عديدة، حيث رسمت صحيفة نيويورك صورًا قلمية مطولة عن كل محرر وناشر جديد تقريبًا، وعن كل مطبوعة بدءًا من فانيتي فير، وواشنطن بوست، إلى سباي، وجاوكر، مما ساهم في كثير من الأحيان في إسباغ أوصاف شريرة لغرف معظم الأخبار السياسية.
وقبل كل شيء، فإن كل كبار المحررين السابقين تقريبًا، بدءًا من ماكس فرانكل، وجيرالد بويد، إلى هاول رينز، كتبوا إما مذكرات أو مقالات طويلة عن الفترة التي قضوها في الصحيفة. قام الكتاب بتحليل بعض من الأخطاء التي ارتكبتها الجريدة، بما في ذلك اثنين من أفدح الأخطاء: تغطيتها الكارثية لأسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، وتضليلها من قبل مراسل شاب وهو جيسون بلير، الذي تبين أنه كان معتادًا على الانتحال والاختلاق.
ونتيجة لذلك، إذا كنت من محبي جريدة التايمز، كما هي الحال بالنسبة لي، فلن تجد في الكتاب قصصًا جديدة تمامًا في صفحات كتاب ناغورني البالغ عددها 592 صفحة تقريبًا، ستجد قصصًا مألوفة، ولكنك عوضًا عن ذلك ستجدها مدعومة بالكثير من التفاصيل الجديدة والمدهشة التي تنتجها البحوث الدؤوبة للتقارير بالغة الدقة. يشرع الكتاب بتقديم رئيس التحرير الأسطوري آبي روزنتال الذي شغل المنصب من عام 1969 حتى عام 1986، وقلت عنه بعد وفاته في عام 2006: «إن روزنتال أثار إعجابًا أكثر من أي صحفي آخر في جيله، وسعى المنافسون إلى تقليده والاقتداء به، بل وطعنه ومحاولات النيل منه.

قصص النجاح... والفشل أيضًا  
أغفل المؤلف على الرغم من ذلك، مقالة مهمة نُشرت في مجلة التايمز عن المرض الجديد الذي تم اكتشافه آنذاك وهو مرض نقص المناعة البشرية والمعروف بالإيدز. كتب المقالة روبن مارانتز هينيج تحت عنوان ملحمة مميتة للأمراض الجديدة، كان مقالًا مكونًا من 6000 كلمة وربما كان المقال الأكثر أهمية والأكثر فائدة والأكثر شمولاً حول هذا الموضوع المنشور في أي منفذ رئيسي حتى ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الطريقة الدقيقة لانتقال المرض لم يكن قد تم تحديدها بعد، إلا أن المقال ذكر أن الإيدز ربما يكون فيروسًا ينتشر عن طريق الدم والعلاقات الحميمة. والأكثر أهمية من ذلك، أن المقالة ذكرت أيضًا أن العديد من الأطباء حثوا المرضى على «التوقف عن الممارسات الشاذة في علاقاتهم الحميمة». كانت هناك إجمالاً 28 مقالة في صحيفة التايمز تدور موضوعاتها حول مرض الإيدز في أول عامين من انتشار الوباء، و114 مقالة في العام التالي.  
أعلن سولزبيرجر بعد عامين فقط من توليه منصب الناشر: «إن الورق بالنسبة للصحيفة ليست محورية في مهمتنا. وجهة نظري بسيطة: أنا أجهل تمامًا طرق التوزيع»، وأظهر شجاعة في قناعاته مرة أخرى في عام 2010، من خلال رفضه لنصيحة الرجل الذي يدير موقع التايمز على الإنترنت، واتخاذ قراره بإجبار قراء الشبكة العنكبوتية على الدفع مقابل قراءة صحيفته. كان هذا القرار هو السبب الرئيس الذي جعل ابنه إيه جي سولزبيرجر عندما تولى المنصب خلفًا لوالده في عام 2020، فخورًا بأن والده هو: الناشر الوحيد في جيله الذي حصل على مؤسسة إخبارية عظيمة وتركها لمن بعده أفضل مما وجدها.
تقول أماندا فورمان، مؤلفة كتاب «عالم يحترق»: 
«إن رواية آدم ناغورني الرائعة عن كفاح صحيفة نيويورك تايمز من أجل إعادة تقديم نفسها في ثوب يليق بالعصر الحديث هي رواية مثيرة للاهتمام ومسلية للغاية. يعلو تحقيق المكانة، وتتراجع أهمية المهن. لا تبدو «السيدة الرمادية»، وهو اللقب الذي اشتهرت به الجريدة العريقة، في هذه النظرة عن الأمور التي تجري وراء الكواليس للصحيفة الرائدة في أمريكا، إلا أحادية اللون أو صعبة الإرضاء. وعلى الرغم من ذلك، يُظهر ناغورني مرارًا وتكرارًا لماذا تجعل جريدته العالم، على الرغم من كل عيوبها، مكانًا أفضل. بينما يصف جون ميتشام، مؤلف كتاب الأسد الأمريكي الجريدة بقوله:
«إن صحيفة نيويورك تايمز عنصر حيوي في حياة الأمة، ولقد كتب آدم ناغورني كتابًا مهمًا عن مؤسسة أمريكية قوية، ولكن الكثير من شؤونها الداخلية مُبهمة. يصحبنا ناغورني عبر سنوات من الاضطرابات الداخلية في الصحيفة من خلال الدقة الصحفية والصوت التحليلي العادل، ويذكرنا من جديد بأن القوى البشرية تلعب دورها الحيوي دائمًا وإلى الأبد، هذا تأريخ جيد ومهم». بينما ذكرت مجلة الناشرون الأسبوعية أن ناغورني يقدم بالاعتماد على أبحاث مكثفة ومقابلات أصلية، نظرة ثاقبة للقيادة الإدارية في ظل الأزمات بالإضافة إلى نافذة على العقود الأخيرة من سياسات الاستقطاب. كانت النتيجة هي دراسة حالة قيّمة لصناعة في حالة تغيير مستمر وزاوية فريدة من نوعها في التاريخ الأمريكي ■