مؤامرة على سرّ امرأة

مؤامرة على سرّ امرأة

عندما نشرت مجلة «الهلال» المصرية في عددي يناير وفبراير من عام 1962 رسائل عاطفية بعث بها أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد إلى الأديبة الكبيرة الآنسة ميّ زيادة فغر الكثيرون أفواههم. فكيف أمكن لمترجم أرسطو إلى العربية أن يفقد عقله ويكتب لمي، وهي في العشرينيات من عمرها، رسائل بالغة الحرارة تدل على نفوذها وقدرتها على التغلغل إلى قلوب أكثر رواد صالونها الأدبي وفي طليعتهم أستاذ الجيل. فمما ورد في رسالة له إليها: «جاءني كتابك فشممتُه مليًا وقرأتُه هنيئًا مريئًا»، وفي رسالة أخرى: «أذكرك كلما هاج البحر والتفتّ إلى مظهر الغضب في وجه الطبيعة». وفي رسالة ثالثة: «مي غضبى يلذّ لنا غضبها في كل أطواره، كما يطيب لنا احتماله في كل مظاهره. عبس في الوجه لا يقلّ في جماله عن الابتسامة الفاتنة وإعراض كالدلال في الإقبال وتوقد في العينين كأنه في حلاوة لين النظر». ويصل الضعف البشري بأستاذ الجيل إلى حدّ القول: «أحاول يا ميّ سيدتي أن أهتدي بهديك وأسير على إرشادك». واستمّر تدفق هذه الرسائل عشر سنوات كانت مي خلالها تلميذة للطفي في الجامعة المصرية كما كان يعطيها دروسًا خاصة في منزلها الذي كان يقع قرب مبنى جريدة الأهرام القديم. 
ظلت هذه الرسائل، مع رسائل أخرى تلقّتها ميّ من «عشّاق» بلا حصر، في الكتمان إلى أن قررت لجنة من أصدقاء ميّ على رأسها الشاعر خليل مطران إصدار هذه الرسائل في كتاب فقصدت أستاذ الجيل تطلب رأيه في الموضوع. فاعترض بقوة على نشرها لأنها عبارة عن سرّ أودعه أصحابها بين يدي مي فصار سرها هي، ولا أحد سواها يملك إذاعته وهي لم تشأ أن تذيعه في حياتها. «فكيف تجرؤون على نشر هذه الرسائل دون الرجوع إليها؟ وكيف ترجعون إليها وقد أصبحت لا تملك رأيًا ولا حجة ولا إرادة؟ إن المنطق السليم يحتّم أن تظل هذه الرسائل هي وجثمان ميّ سرًا في مقبرة واحدة» واعتبر السعي إلى نشرها مؤامرة على سرّ امرأة! 
وكان واضحًا ان أستاذ الجيل أراد أن يدافع لا عن سرّ ميّ بل عن سره هو. ذلك أنه كما رأينا أحد الذين شغفوا حبًا بمي منذ تعرف إليها في صالة فندق يسوّل في بيروت سنة 1911، وفي بعض رسائله إليها، وكان لا يزال في شرخ الشّباب، يلمحّ إلى أنه يفكر بانقلاب في حياته من شأنه أن يفضي إلى لقاء لا انفصام له مع مَن فتنت قلوب كل مَن عرفها، وجعل العقاد يتساءل في مقال له عنها: «أكلّ هؤلاء عشاق؟» ■