وكأنَّ شيئًا لم يكنْ

وكأنَّ شيئًا لم يكنْ

بعدَ السكونْ
تستيقظُ الأوهامُ
مغمضةً مُلبدةَ الشعورْ
تصحو مضمخةً 
بصمتٍ صاخبٍ
لا يستغيثُ ولا يبوحُ
ولا يصيحُ ولا يثورْ
لا يفهمُ الكذبَ
المُنادِي بالرجوعِ
إلى دهاليزِ المنامِ
ولا يدورْ
كي يُسدلَ الإحساسُ 
أشرعةَ الرجوعِ 
لموتةٍ صُغرى
وبين رحىً 
تناقضُ بعضها بعضًا
بأحلام اللقاء
يغلي بماءٍ لا يفور
كي يضحكَ الغفو المغادرُ
ثم يأوي للمساءْ
ويقيم في عشِّ الطيور
وكأنَّ شيئًا لم يكنْ
*** 
بعدَ السكونِ
يتلمَّسُ الحُلمُ الطريقَ 
من جديد مذ تبعثرَ 
من فوقَ قارعةٍ من الأشواكِ
فيها المشيُّ أخطر
ليحارَ في ضغث
تعامى يومَ أبصر
نبتةً تنمو 
على ذقنِ المعاناةِ 
لتبدو مثل غافاتٍ
بأصلٍ ما تجذر
وكناظرٍ من نصفَ مرآةٍ 
محطَّمةٍ 
ليجرحُ ذكرياتِ الوهمِ
في ظلِّ ظليلٍ لا انعكاسَ لهُ
أراني الفجرَ أبْكر
فأرتاد أوردةَ التشابهُ 
في الإطارِ المخملي
وزاده شغفًا وأكثر
وإذا به يمتدُّ 
أشباهًا لأشياءٍ
تُمانعُ أن يعودَ لها الوضوحُ
إلا بظلٍّ قد ترنَّحَ
أو بظنٍّ قد تأرجحَ 
واقفًا حتى يميلْ
حتى يصير الأصلُ أجدر
ليغيبَ عن لحن الحقيقةِ 
من جديدٍ
في لظى النومِ المتاحْ
متمنيًا لو كان يسهر
فكأن وردَ الليلِ أزهر
وكأن غيمَ العمرِ أمطر
وكأنَّ شيئًا لم يكنْ
 ***
بعدَ السكونِ
تعودُ عيناهُ إلى حيثُ الفراغُ
فلا ارتدادًا للبصرْ
ولا عزاءً للرموشْ
ولا دموعٌ كالمطرْ
والجفنُ يُخفي ليلَهُ
المرسومَ بينَ الكحلِ
من وقعِ السهرْ
ليفيقَ ليلٌ حالكٌ
ببريقِه المنثورِ
من بين السماواتِ البعيدةِ
نحوَ غايتهِ
وحتمًا ما شعر
وبمنتهى التيه
الذي يغفو بصمتٍ
في حدودِ العالمِ الممتدِّ 
منذُ شهيقِه الأزلي 
بين الارتيابِ أو اليقينْ
يعودَ بحثًا عن أثرْ
في لُجة النومِ العميقْ
فما تعجَّلَ أو صبر
هل كان يعلم أنه
ما ضلَّ يوما بل عبر
وكأنَّ شيئًا لم يكنْ
***
بعد السكونْ
في السادسةْ
الفجر صلَّى نائمًا
والليل باعَ هواجسهْ
سرق المنامُ سريرَه
بحروفِه المتهامسهْ
هجر الظلامَ ليقتفي
أنوارَه المتلامسهْ
بخطى تسيرُ على الطريق
لتدركَ الليلَ الذي
قد باع بغيا حارسه
ولأن شيئًا لم يدُمْ
نزع المحالُ ملابسهْ
لزم المجالُ مجالسَهْ
ومضتْ صروفُ حياتِه
بحروبها المتنافسَةْ
لتعودَ دائرةُ الطريق
لنقطةٍ مُتشاكِسَةْ
الظلُّ فيها باسمٌ
والشمسُ فيها عابسهْ
وكأنَّ شيئًا لم يكن ■