الكاتب السوداني أمير تاج السر: أنا مُنغمس في المجال الثقافي وصعب أن أقتلع نفسي منه
أن تجري حوارات ثقافية مع كتاب عرب متميزين، وتطلب منهم أن يتحدثوا للقراء عن علاقتهم مع الكتابة، وعن اهتماماتهم الثقافية، يدخل في باب الانفتاح الثقافي على العوالم السرية للكتاب والدعوة لهم عن الإفصاح عنها بغية التعرف عليها من جهة وإمكانية الاعتماد عليها من لدن الباحثين لمقاربة أعمالهم، ذلك أن الحوارات الثقافية مع الكتّاب تعتبر نصوصًا موازية يمكن دراستها منفصلة أو في علاقتها بنصوص الكتاب الأخرى، على اعتبار أنها تشكل مرايا خفية له.
من هنا تولدت لدينا الرغبة في محاورة بعض هؤلاء الكتّاب العرب المتميزين، ومن بينهم الطبيب والكاتب السوداني المعروف أمير تاج السر.
هذا الكاتب العربي الألمعي الذي صدرت له مجموعة من الأعمال الأدبية في المجال الروائي تحديدًا، نذكر من بينها ما يلي: «منتجع الساحرات» و«زهور تأكلها النار» و«سيرة مختصرة للظلام» و«جزء مؤلم من الحكاية» و«حارس السور» و«366» و«صائد اليرقات» و«فوتوغرافي: غليان الصور» وغيرها من باقي الروايات الأخرى، وقد ترجمت العديد من هذه الروايات إلى العديد من اللغات العالمية وفي مقدمتها كل من اللغة الإنكليزية، واللغة الفرنسية، واللغة الإيطالية، كما اهتم بكتابة المقالة الثقافية بشكل عام والمقالة الأدبية بشكل خاص، وقد صدرت العديد من هذه المقالات الثقافية في كتب خاصة بها نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي: «ضغط الكتابة وسكرها: كتابات في الثقافة والحياة» و«تحت ظل الكتابة» و«أوكسجين ضار» و«إسعافات أولية: قراءات عن الثقافة والحياة». والملاحظ من عناوين هذه الكتب الثقافية أنها تجمع في طياتها بين عوالم الطب، وعوالم الكتابة، وهما يدلان عليه معًا باعتباره طبيبًا وكاتبًا.
لقد كان الحوار معه عميقًا بالفعل، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
● كيف كان ولوجكم أستاذ أمير تاج السر للعالم الثقافي ومتى؟
- أنا تقريبًا منذ تعلمتُ القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية، بدأت أكتبُ، كان ذلك مبكرًا جدًا، كتبتُ الخواطر، ثم الشعر العامي، ثم الشعر الفصيح، واتجهت للرواية وأنا في السنة النهائية في الجامعة في مصر، لذلك ترى أن علاقتي بالمجال الأدبي قديمة جدًا، ولا أستطيع ذكر تاريخ معين، ويمكنك القول، إنها حياتي كلها.
● هل هناك شخصيات فنية ثقافية تأثرت بها في طفولتك... مَن هي؟
- طبعًا، وأثناء تنقيبي في المكتبات وأنا في سن صغيرة جدًا، تعرفتُ إلى أسماء كبيرة، قرأتها كلها، قرأت لطه حسين، وعباس محمود العقاد، وإحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ وغيرهم، قرأتُ كتب الألغاز التي كان يكتبها محمود سالم، قرأت كل ما كنت أعثر عليه، وكنت أعتبر الكتّاب والشعراء نجومًا كبارًا أتمنى الوصول لمستواهم، وحين التقيتُ بالطيب صالح في قريتنا، تأثرت به إنسانيًا، طيبته وسعة صدره، وتمنيت أن أمتلك صفاته، وفي الجامعة تعرفت على جابرييل جارثيا ماركيز، وغبتُ في معزوفاته السردية كلها، حقيقة هذا هو الكاتب الذي تأثرتُ به، ليس في الأسلوب ولكن في اللعب بالخيال.
● وهل أحببت أن تكون مثل هذه الشخصيات الفنية الثقافية التي تأثرت بها أو أن تسير في نفس مسارها؟
- ليس تمامًا أحببتُ أن أصل إلى درجة تصيرني مثلهم، ولكن بطريقتي الخاصة، وأعتقد أنني حققت شيئًا من ذلك.
● في مجال الثقافة، ما الأعمال التي قدمتها؟
- روايات كثيرة، ربما خمسة وعشرون رواية، كلها عن السودان وما جاوره من البلاد الأفريقية، أنا كاتب محلي بامتياز، لم أرد أن أغادر محليتي بالرغم من أسفاري الكثيرة، واغترابي الطويل، أجد متعة في الكتابة عن بلدي، حتى الروايات التاريخية المتشابكة، استوحيتها من هناك والأساطير أيضًا، والمعتقدات والميثولوجيا، قدمت أيضًا مجموعة شعرية واحدة، وقصائد كثيرة نشرتها في بداية الشباب، قدمت كتب مقالات أجمعها مما أنتجه خلال العام في شتى ضروب الثقافة، وعندي كتب في السيرة، قدمتها أيضًا، وما أبهجني أن عددًا من تلك الكتب دخلت في المناهج التعليمية لبعض الدول.
● لديك اهتمام رائع بالمجال الثقافي في تنوعه وفي مختلف تجلياته... حدثنا عن هذا الاهتمام؟
- نعم، أقرأ كثيرًا، هذا أهم شيء، أكتب كلما سنحت فرصة للكتابة، أشارك في ورش تدريب الكتاب على الكتابة الإبداعية، أشارك في لجان التحكيم في الجوائز الأدبية، أكتب عن زملائي المجيدين، وأرثي الراحلين منهم، باختصار أنا منغمس في المجال الثقافي، وصعب أن أقتلع نفسي منه.
● أنت منشغل بالسرد وبالفن الروائي تحديدًا، عاشقًا ومبدعًا، ما سر هذا الاهتمام؟
- لا أعرف، كما قلت لك هكذا وجدت نفسي شاعرًا ثم كاتبًا روائيًا، وعملت طوال سنوات طويلة على تطوير نفسي، وعلى التجريب، وعلى العمل بجدية في مجال عشقته، ربما يراني البعض أكتب كثيرًا، لكن هكذا عودتُ نفسي، أو ربما جرفتني الكتابة إلى هذا الحد. لا أعرف ماذا أقول أكثر، وأعتقد أن ما قلته، يكفي.
● ما جديدك في عالم الإبداع الأدبي أو الثقافي بشكل عام؟
- عندي رواية نشرت عام 2020 اسمها: «غضب وكنداكات»، لكنها لم تنتشر بسبب وباء كورونا، هذا آخر ما نشرت، ورواية «حراس الحزن» التي صدرت سنة 2022، إضافة إلى لقاءات الزوم، أي اللقاءات الافتراضية التي يجرني إليها بعض الأصدقاء والمتابعين.
ما بعد الحوار
طبعًا يمتد النشاط الثقافي للكاتب والروائي أمير تاج السر وتستمر كتاباته المتميزة ويمتد إشعاعها في المشهد الثقافي العربي ومنه إلى المشهد الثقافي العالمي وهي تترجم إلى اللغات العالمية الحية، سواء ما تعلق منها بالمجال الروائي بالخصوص أو أيضًا ما تعلق منها بالمجال الثقافي الذي يتجلى في كتابة المقالات الثقافية في تنوعها وغناها، وهذه الكتابات المتنوعة الروائية منها والمقالية تشكل في كليتها مرايا متعددة للكاتب تسمح للقراء بمتابعة إصدارته وقراءتها والتفاعل معها. وهو ما يمنح للكاتب حضورًا دائمًا وبشكل جميل ■