الدائرة المغلقة

رؤية لقوة العرب وضعفهم
المؤلف: دافيد برايس جونز

.. في إطار الحملات المغرضة على مجتمعنا العربي؛ والتي يتعرض لها الكيان القومي بين الحين والآخر؛ ضمن خطة استعمارية سيئة النوايا خبيثة الهدف. يأتي هذا الكتاب، الذي تحرص "العربي" على تقديمه لقرائها. حتى يتعرفوا على روح العداء السافر التي تختفي خاف أقنعة الكتابة.. والتي تحاول أن تتسم- وأنى لها ذلك - بالموضوعية..!

واحد من الكتب - وهي كثيرة - التي تتحدث عن العالم العربي ومشاكله، وذلك بقدر متطرف في العداء، فالمؤلف يعرض من خلال عمله الصحفي الذي أتاح له عدة زيارات للمنطقة، بعض منها كان في صحبة القوات الإسرائيلية خلال حروبها ضد العرب، ويقدم في 13 فصلا صورة رسمها للعالم العربي، واستخدم بذكاء خطا أساسيا وهو عدم مشاركة الجماهير العربية في صناعة القرار الخاص أو العام.

فيقول إن العالم العربي ليست لديه مؤسسات تقوم - في ظل القانون والمجتمع وفق مفهوم عام للأهداف المتداولة - بعمل لغياب ما يمكن الاتفاق عليه أنه جيد وليست هناك عملية فعلية "ميكانيزم" لمشاركة الجماهير فيما يقرر أو يرسم باسمهم ولذلك اتسم المجتمع العربي بالقهر من الغني على الفقير والقوي على الضعيف والأب على الزوجة والأبناء، والعنف هو الغالب والمعتاد في السلوك لمواجهة التغيرات، فالاتفاق التعاقدي المشترك غير موجود في العلاقات العربية سواء بين العرب أنفسهم أو بين العرب والآخرين، ولذلك فإنه ليس هناك ما يمكن أن نسميه بالمجتمع العربي، ولكن هناك تجمعا بالواقع.

والمشكلة في نظر المؤلف أن العرب بدلا من إدراك مدى التخلف إذ بهم على ثقة من أنفسهم ومستقبلهم مما يجعلهم أسرى في دائرة مغلقة رغم أن مصلحتهم تفرض عليهم كسر الطوق.

بين الفقر .. والطائفية

وقد حاول المؤلف - من خلال 13 فصلا في الكتاب يكاد يكون كل منها منفصلا - إثبات مدى حصار الإنسان العربي في هذه الدائرة المغلقة، فهو يبدأ بالحديث عن المجتمع القبلي، ويقدم قصصا على لسان بعض الأشخاص أو حوادث من الصحف توضح انتشار العنف، ويرجعه إلى الغيرة في صعيد مصر بسبب الأنثى والعصبية الطائفية في سوريا مثلا ولبنان، وهكذا.

فمن مصر يقدم شهادة لسيدة باسم "أم نعيمة" وكأن ذلك اسم ومرجع، المهم أنها تقول إن في صعيد مصر يكفي لإثارة الكراهية والحقد ثم العنف أن تكون أنت أكثر غنى من جارك أو أن أرضك أكثر إثمارا من أرضه. ورغم أننا لم نسمع في مصر عن ذلك إلا أن الكاتب يمضي في شهادة "أم نعيمة" التي تقول إن الشاب إذا تقدم إلى أسرة فتاة يطلبها للزواج ورفض أهلها لتفضيل شخص آخر عليه أكثر ثراء، فإن رد فعل الشاب الفقير الذي رفض هو أن يقوم بحرق أرض والد الفتاة أو يسمم مواشيه.

ويروي من لبنان أنه في زحلة حاول سوري إلقاء قنبلة على شخص آخر ومات كلاهما نتيجة إطلاق شخص ثالث النار عليهما، أو أنه مات في أثناء محاولة إلقاء القنبلة التي انفجرت فيه وجرح معه ثلاثة من رفاقه واعتقل اثنان مسيحيان من زحلة من قبل بوليس لبنان للتحقيق، وفي اليوم التالي قام المسيحيون في زحلة بإضراب أغلقوا فيه الطرقات ودمروا السيارات مطالبين بالإفراج عن المتهمين، فخرج الشيعة بزحلة مدعمين من الفلسطينيين وضربوا المسيحيين، وسقط الكثير جرحى، وتبادل الطرفان إطلاق المدافع والصواريخ.

العنف.. وراية الشرف

وينتقل في الفصل الثاني إلى الشرف والعار عنوانا وموضوعا للفصل، وكيف أن العالم العربي مبالغ في استخدامه لهما، وأن لكل منهما دلالة تختلف عما هو معروف في الغرب، وهي غير حقيقية في جوهرها إذ نجد الشخص معتزا بنفسه في مواجهة زملائه أو مجتمعه المتقارب معه، بينما هو ذليل في مواجهة الأعلى منه والأقوى، ويستشهد على ذلك بمقال للكاتب المصري سلامة موسى رغم أن المقال لا يعبر عن ذلك، وجاء الغرب ليقدم من خلال الاستعمار محاولة حضارية للخروج بالعرب إلى عالم الحضارة الغربية وإن كانت هناك محاولات عربية للدخول في حضارة الغرب مثل حكم محمد علي في مصر ومثله في تونس ولبنان، ولكن المحاولات كانت تجري في ظل أنظمة غير ديمقراطية سواء في بنائها التنظيمي أو في أسلوب حكمها، وارتبط ذلك بانتشار الفساد والمحسوبية مع الحكم العثماني، وتوارثته الأجيال حتى أن القاموس الإسلامي لا يعرف معنى شعار الثورة الفرنسية "الإخاء والمساواة والحرية"، وقد اهتم الكاتب في الفصل الخامس بتقويم العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي وكيف أن الرجل يمارس السلطة حتى في زواج ابنته التي لابد أن يوقع عنها عقد الزواج وما يرتبط بذلك من مهر والتزامات، ثم يقدم النموذج التركي لكمال أتاتورك باعتباره محاولة لتقليد العالم الغربي في حضارته باعتبار ذلك هو الحلم للعالم العربي.

ويصل من ملاحظاته إلى نتيجة بالغة الغرابة - ص 38 - بأن مسألة الشرف والعار تقف عائقا دون التطور وهو نفس الوضع في سيشل حيث العائلة هي الدولة، وقبل أن يعجب القارئ من الرابطة بين العالم العربي وسيشل يسارع إلى القول بأن المافيا وعصابات الكامورا بنابولي وكورسيكا وسكان الأقاليم الإسبانية يشاركون العرب مفهومهم في معارضة دور الدولة لممارسة العمل من خلال القوانين الطبيعية وإطاعة سلطاتها، وتصبح المقارنة واضحة بين المجتمع العربي وعصابات الجريمة.

ويروي على لسان شيعي لبناني اسمه مروان - فقط - أنه يشعر بالراحة النفسية من قتل الأبرياء - وأن أحد أصدقائه قتل فقام مروان بإطلاق الرصاص على المارة فقتل منهم واحدا انتقاما لصديقه.

وجه وقناع.. واختلاق!!

ويتحدث عن تناقض الشخصية العربية برواية لا مصدر لها سواه، إنه في مدينة حضرموت - في جنوب الجزيرة العربية - كان هناك اثنان من الشباب من "الأشراف" أي ينتمون إلى أسرة النبي محمد، وخلال سيرهما في الشوارع كان الناس يقبلون أيديهما ثم دخلا منزلهما في صحبة أجنبي وهو الراوي، وأغلقوا الأبواب والنوافذ وقاموا بالرقص "البوب" على موسيقى جهاز جروندج، ولكن الأسوأ على حد قوله كان في اليوم التالي حين قابل هذا الأجنبي واحدا من الطلبة الذين قبلوا الأيدي بالأمس، فقال له إن ذلك مجرد مظهر لإخفائه أنه ناصري ثوري يريد القضاء على هؤلاء الأشراف والإمبريالية أيضا، وهو يريد إخفاء نواياه بتقبيل الأيدي، وأظن أن القصة بهذا السياق لا تحتاج إلى تعليق أو كلمة إضافية حول موقف الكاتب وتداخل الصور بعضها في البعض الآخر على صفحات الكتاب.

ويؤكد المؤلف أنه في القرن السادس عشر لم يسافر عربي أو تركي إلى أوربا ولا خرجت سفينة من الشواطئ العربية أو التركية، ولكن فقط القراصنة من البرابرة وبالخليج - ص 59 - وحدهم الذين كانوا يثيرون الخوف ويقطعون الطريق على سفن التجارة الأوربية، وفي غياب الاتصال بالمثقفين الأوربيين والتطورات الاجتماعية بأوربا ضمن المسلمون هذه العلاقة غير المتكافئة التي حدثت بعد ذلك، ففشلت تركيا في الاستيلاء على فيينا، وحاربوا روسيا لأكثر من قرنين وتنتهي كل حرب بخسارة لهم واتفاقات غير متوازنة.

عقدة الخواجة والتعصب المقيت!!

والكاتب لا يرى في القيادات العربية عبر أربعة قرون من يستحق الثناء غير هؤلاء الذين حاولوا السير على الطريق الغربي مثل إسماعيل باشا في مصر ونظرائه في البلدان الأخرى العربية بينما الآخرون مجرمون حاولوا السير على طريق مستقل.

فمحمد علي في مصر كان يجمع النساء والأطفال والرجال في سخرة وعبودية ليمثلوا قوة العمل لمشاريعه. والنتيجة من وجهة نظر المؤلف تأييد ما يقول إن ماركس أكده حول عدالة غزو فرنسا للجزائر، حيث جميعهم إقطاعيون وقتلة في مجتمع "بربري"، وكان ماركس مع غيره يوافقون على أن الغزو كان بهدف - ص 75 - نشر الحضارة في كل مكان.

وهو لذلك لا يرى في العالم العربي غير الموارنة الذين يمثلون هذا التحضر، وأنهم لهذا السبب تعرضوا للمذابح عبر القرون من العرب. بينما ينتشر الفساد بين العرب حتى يصبح جزءا من ممارسة حياتهم - ص 92 - اليومية، حتى أن الفساد يلعب نفس دور المنافسة في النظام الديمقراطي، فهو يمثل سطوة القوي على الضعيف في العالم العربي، وقد وصل الأمر إلى أن الامتحانات العامة لدخول الجامعات وإدارات الحكومة والقوات المسلحة وخاصة كليات تدريب الضباط والحقوق هي نوع من النكتة - ص 93 - إذ الأمر لا يخرج من القدرة على النفوذ والعلاقات، فالشاب يدخل وخلفه "لوبي" من الجد والأب والعم والأقارب.

الزيف البين

وإذا كان الكاتب قد حرص على أن يسجل في مقدمة الكتاب أنه ليس باحثا ولا أكاديميا ولكنه مجرد كاتب، إلا أنه حاول أن يثبت مقولاته من خلال الرجوع إلى الكثير من الكتب والمقالات القديمة ليبدو الكتاب وكأنه دراسة علمية، وإن تواضع الكاتب عن ذكر ذلك بينما الحقيقة أنه استخدم المراجع استخداما خاطئا وبقراءة غير سليمة، وهناك أخطاء تاريخية كثيرة وقع فيها الكاتب وشواهد تصل إلى درجة الشائعات مثل قوله إن السد العالي كان سببا في نشر البلهارسيا حتى أصبحت بنسبة 75%، ويخلط الوقائع بالكذب في أسلوب الكتابة، مثلما يسجل أن غير المسلم في زمن الإسلام الأول كان يدفع الجزية، وهو يتحدث عن التمييز في الضرائب حتى الآن بين المسلم وغير المسلم في العالم العربي رغم أن ذلك غير صحيح.

ولعل الغريب أن يقدم الكاتب فصله الثامن من الكتاب عن تأثير النازية على العرب وكيف أن هناك تشابها وتوافقا في موقفهما من اليهود، وينتقل في فصل آخر عن القضية الفلسطينية، ويشرح كيف أن المنظمة لا تعبر عن الشعب الفلسطيني وأنها تنظيم لنخبة أقلية تسعى إلى العنف.

وواضح أنه حتى حين أراد معالجة ظاهرة القبلية في المجتمع العربي فإنه خلط بين القبلية والطائفية، وهو أمر إما أن يكون نتيجة الجهل بالموضوع، أو أن يكون بالقصد للوصول إلى ما لم يكتبه باحث مهما كان قدر العداء في كتاباته للعرب، حيث قال المؤلف إنه ليس هناك ما يطلق عليه بالمجتمع العربي، والذي هو قائم هو مجرد تجمع لأفراد عرب.

وأخطر ما في الكتاب هو الفهم الخاطئ للإسلام بل وتشويه صورة الدعوة الإسلامية وهو يقوم بخلط واضح بين التيارات الإسلامية السياسية التي يرتفع صوتها بالتطرف حتى ضد المسلمين وبين مبادئ الإسلام نفسه، ويقدم آراء على لسان جمال الدين الأفغاني كان يحب امرأة هولندية.

والظاهرة الثانية غير خلط المعلومات هي عدم استخدام منهج دقيق في الكتابة، فهو يبدأ الفصل بعنوان وعدة فقرات ليخرج إلى موضوعات متفرقة يقدم فيها مجرد شواهد على أخطاء في تركيبة المجتمع العربي، وهو يكاد يتصيد الأخطاء ويبني عليها نتائج بتعميم غير علمي ولا دقيق.