لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

وجدتني أمامَ هذه القصص الشابة بكاملِ قيافتي اللغوية، واستعداد بإيقاعٍ حميميّ لكلماتٍ أنيقةٍ تليقُ بأصابعهم المُلتهبة شوقًا، وطموحًا مشروعًا لأنْ يصبحوا كتّابًا في المستقبل، ويفخرون - بما لديهم من مشاعر- بأنهم ينصتون جيدًا، وهم يكتبون ذواتهم، بذاكرة قلب، وإيقاع جسد، وشروط الهدف.
وقد فوجئتُ وأنا أقفُ على ضفاف لغةٍ سردية يغمرها الضباب، قصور في اللغة، حيث شيوع الأخطاء النحوية، وضعف الأدوات الفنيّة، وقد فقدت القصصُ بمجموعها الحوار الداخلي الذي لا يقودُ إلى المعنى، بلْ إلى حُلم المعنى - حسب تعبير رولان بارت!
دفقات الخيال بدتْ لي كأمطار الصيف، وقوة المخيلة شرط السرد، والخيال مَنْ يمدّ الكاتب بأدوات إدراكية يُمكن الوثوق بها - كما يرى بورخيس... الخيالُ في السرد يتيحُ خلق كلّ شيء، وهو يقومُ مقام الذاكرة.
الأخطاءُ النحوية، وضعف في صوغ الجمل، قلل من لحظات الكشف الإنساني التي يقومُ عليها السرد القصصي الذي يقوم على لغةٍ مقتصدةٍ سليمةٍ.
كلّ ذلك - برأيي - يعود إلى قلة الاطلاع - العنصر المهم في التكوين، للحصول على ذاكرة لاقطة تفوق عدسة أي كاميرا، لتفاصيل الواقع... وسرعة الكتابة طلبًا للشهرة الطامة الكبرى في إنتاج الشباب، حيث تبدو الكلمات لا ظل، لا خطى، ولا إيقاع.
المرتبة الأولى: «تذكرة موت» لمحمّد أمين درواق/ المغرب
لأنها تمثلُ مقدرة، واثق كاتبها من نسيج الكلمات، بلْ حفرها على الورقة، وقد بدت في القصة تكتبُ نفسها بنفسها، تمثلُ حيرة الإنسان في أعلى درجاتها، وخلاصتها حرية الإنسان داخل الوطن بكلّ ما فيه من هموم ومتاعب، وخارجه لما في الحياة من مفارقات صادمة ومضنية، تشبهُ الموت، بل هي الموت نفسه. داخل الوطن موت بطيء على سرير القلق وبعد الأمل، والإرادة دون إرادة.
كلّ شيء يُمكن أن يصلهُ الموت إلا الألفة، وهذا ما أربك الراوي، وهو ذاهب لتحقيق الحُلم بطعم الكابوس، وهو يسلم نفسه وذكرياته إلى البحر، فقط ليشعر أنه حرٌ، بلْ إنسان آخر خارج الوطن، وأن حياته ستكون غير تلك الحياة... وهيهات!!
وابل أمطار الدموع المثقلة بها سماء وغيوم الذكريات الحزينة في الوطن، حيث صدر الأم وهي في قبضة الموت: «وفي وسط السكون جال طيف والدتي في ذاكرتي»... رحيلُ الأم ونعشها المعادل الموضوعي لموت الراوي افتراضيًا على قارب الأمل والحلم وقد رآهما كاذبين.

المرتبة الثانية: «كرة الشمس» لعيسى الحواج/ البحرين 
محاولة قصصية مكللة بالنجاح، والكاتب الشاب يخوض غمار تقنية النصّ السردي العجائبي الصعب، وشروطه خيال ابتكاري مقنع... إنّ إنصاته لما يكتب بحبّ، منحه هذا التطويع للغة، من دون أن يتوسلَ مفرداتها لإيصال فكرته، وهذا يؤكد إطلاعه وقراءته للقصص العجائبي: «في منتصف حديقة منزلنا رأيتُ جسمًا كرويًا يشعُ ضوءًا أصفر ساطعًا»... كتب قصته وهو ينظرُ إلى الجملة الأخيرة - حسب تعبير إدغار أن بو.. وضوء كرة الشمس الذي لا يراهُ إلاّ هو... هو لك الرضا الروحي، بفعل الإيمان، وحده مَن يغسلُ أدران الروح، ويُجمّل العالم.
«لم أستطع التفكير في شيء بالمدرسة غير كرة الشمس»... غبر الإيمان شعلة الروح في مكانٍ ليس فيه الظلام - المستقبل!
المرتبة الثالثة: «عوالم محتملة» لزهور أحمد حفني/ مصر
نوعٌ من القصص التشكيلي، وبألوان الحُلم تمكنت الكاتبة من صيد بعض عناصر الجذب والدهشة، عبر إيحاء تعبيري جمالي إيقاعه الحُلم... الحرية هوسُ كتابة الذات، وفي الكلمات القلقة إصرار لدى الكاتبة على تجسيد الصورة الصادمة في الحدث، وانتزاعها، وهذا أربك نوعًا مما صوغ الجملة، ممّا أوقعها في أخطاء لغوية ونحوية طفيفة، تستطيع تجاوزها في عملٍ آخر، حين تصغي جيدًا لما تكتب.
 «عوالم محتملة» نوعٌ من القصّة - الحُلم لو تأنت الكاتبة وصبرت قليلًا، وهي تشتغلُ على الصورة وكأنها تكتبُ قصيدة نثر لكان للقصة وقع جمالي آخر.
«كنتُ قد رفعتُ رأسي لأرى ذلكَ الراوي الكثير الكلام والمشاعر المختلطة لأجدهُ أنا».