رسوخ إنسانية الإنسان العربي

رسوخ إنسانية الإنسان العربي

في إهاب روح الإنسان العربي مقادير لانهائية من الإنسانية والحدب والعطف على كلّ ما يمتّ إلى أصل هذه الإنسانية من أسباب. لقد تداعت إلى ذهني هذه الحقيقة الراسخة رسوخ الجبال الرواسي، وأنا أتابع على شاشات الفضائيات العربية والدولية صورة الأسيرتين الإسرائيليتين اللتين أفرجتْ عنهما المقاومة الفلسطينية في غزة، إبّان الأحداث التي تفجّرت عقب السابع من أكتوبر 2023م.
الحق أنّ ما أدلتْ به هاتان الأسيرتان في ندوة صحفية انتظمتْ بعد الإفراج عنهما لأسباب صحية وإنسانية، عن أساليب المعاملة بعد الوقوع في الأسر كان أبلغ من مئات المقالات والأبحاث والدراسات التي تناولت موضوع الإنسان العربي المسلم وعلاقته بالآخر، خاصة الآخر الذي يغتصب أرضه بغير حق. لقد حاول الإعلام الغربي الموجّه من قِبل دوائر الصهيونية العالمية وَصْمَ الإنسان العربي المسلم بالإرهاب ونعته بأقذع وأبشع النعوت والأوصاف. لكنّ الأقدار ساقت هذا الحدث لينسف في لحظات زمنية معدودة ما تراكم من شبهات وأباطيل وأراجيف عملت الدوائر والمؤسسات الإعلامية الغربية على ترسيخها في مخيّلة جميع المستهلكين لمحتوياتها ومضامينها.
ومما يؤكد أنّ هذه المعاملة لم تكن موجّهة للغرض الإعلامي، بل كانت تستند أساسًا إلى المبدأ وإلى تعاليم الإسلام وشريعته السمحة، أنها جاءت في سياق كان الطرف الصهيوني  يمارس سفكًا للدماء ويرسم جريمة لم يسبق للإنسانية في عصر الفضاء الإعلامي المفتوح أن شاهدتها بأمّ أعينها، إنها صورة جريمة قاتمة بشعة يستحيل أن ينساها التاريخ. ولذلك ضجّت الإنسانية بشتى معتقداتها وتوجّهاتها وألوانها في جميع القارات، ولم يلبث الرأي العام العالمي إلاّ قليلًا حتى تَغيّرَ فأصبح مناصرًا لفلسطين وحقها المشروع في تحقيق الاستقلال وإقامة دولتها على أرضها عاصمتها القدس الشريف.
كم كان الشاعر العربي أبو الفوارس التميمي صادقًا حين قال:
مَلَكنا فكان العفو منا سجيّةً
        فلمّا مَلكتُمْ سالَ بالدّم أبطحُ
وحلّلْتُمُ قتْلَ الأسارى وطالما
        غدونا عن الأسرى نَعِفُّ ونَصفَحُ
فحسبُكم هذا التفاوتُ بيننا
        وكُلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ
كما صدق أيضًا المؤرخ الفرنسي الكبير غوستاف لوبون صاحب كتاب «حضارة العرب» وهو يصوّر بقلمه الفذ إنسانية الإنسان العربي المسلم في قوله: «إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلتْ الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية. إنّ أوربا مدينة للعرب بحضارتها، فهم الذين مدّنوا أوربا مادةً وعقلًا وأخلاقًا، وإنّ العرب هم أول مَنْ علّم العالَمَ كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين». وعلى الرُّغم من شدة الألم لما جرى في غزة وأرض فلسطين من سفك للدماء وقتل للأطفال والنساء والأبرياء علي يد الصهاينة المحتلين الغاصبين إلا أنّ الإنسان العربي سوف يظلّ يشعر بفخر الانتماء لأمة علّمت العالم جوهر الإنسانية ■