أحمد عبدالمعطي حجازي: الشعر محاصر ويحتاج إلى تقديمه والأخذ بيد الشعراء

أحمد عبدالمعطي حجازي:  الشعر محاصر ويحتاج إلى تقديمه  والأخذ بيد الشعراء

أحمد عبدالمعطي حجازي من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر، وأحد أبرز شعراء الحداثة العربية، وقد ذاع صيته بعد أن خاض معركة ثقافية شهيرة في القرن العشرين مع الأديب الكبير الراحل عباس العقاد فيما عرف بمعركة «الشعر الحر»، مع رفيق مسيرته صلاح عبدالصبور، وتولى مسؤولية مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، كما ترأس بيت الشعر العربي بالقاهرة «بيت الست وسيلة». 
ولد أحمد عبد المعطي حجازي عام 1935 بمدينة تلا بمحافظة المنوفية، حفظ القرآن الكريم، وتدرج في مراحل التعليم حتى حصل على دبلوم دار المعلم عام 1950م، ثم حصل على ليسانس علم الاجتماع من جامعة السوربون الجديدة في باريس عام 1978م، وشهادة الدراسات المعمقة في الأدب العربي عام 1969م.

ترجمت بعض أعماله إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية والإسبانية والإيطالية والألمانية. وحصل على جائزة كفافيس اليونانية المصرية عام 1989، وجائزة الشعر الإفريقي عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة في مصر عام 1997، كما فاز بـ«جائزة النيل» 2013.
أصدر حجازي عددا من الكتب والمؤلفات، منها: «محمد وهؤلاء»، و«إبراهيم ناجي»، و«خليل مطران»، و«حديث الثلاثاء»، و«الشعر رفيقي»، و«مدن الآخرين»، و«عروبة مصر»، و«أحفاد شوقي»، و«سارق النار».
نشر حجازي أول دواوينه الشعرية «مدينة بلا قلب» في عام 1959، وفي ذات العام نشر ديوانه الثاني «أوراس». وفي عام 1965، صدر الديوان الشعري الثالث لحجازي بعنوان «لم يبق إلا الاعتراف»، أما الديوان الرابع «مرثية العمر الجميل» فنشر عام 1972.
نشر حجازي أول دواوينه الشعرية «مدينة بلا قلب» في عام 1959، وفي ذات العام نشر ديوانه الثاني «أوراس». وفي عام 1965، صدر الديوان الشعري الثالث لحجازي بعنوان «لم يبق إلا الاعتراف»، أما الديوان الرابع «مرثية العمر الجميل» فنشر عام 1972. بعدها أصدر حجازي ديوانًا جديدًا اسمه «كائنات مملكة الليل»، ليليه ديوانا «دار العودة» عام 1983، و«أشجار الإسمنت» عام 1989.
بالإضافة إلى الشعر، ألف حجازي عددًا من الكتب التي تطرقت إلى بعض الشعراء السابقين أو المعاصرين له، أمثال: خليل مطران، وإبراهيم ناجي. واشتملت مؤلفاته الأخرى كتبًا من قبيل: «حديث الثلاثاء»، و«الشعر رفيقي»، و«مدن الآخرين»، و«عروبة مصر» وغيرها.
في عام 1990، انضم حجازي إلى كتاب جريدة الأهرام المشهورة، وشغل في العام ذاته منصب رئيس تحرير مجلة «إبداع» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، واستمر في منصبه حتى عام 2014. كذلك، تولى حجازي عدة مناصب أخرى، من ضمنها: عضوية المجلس الأعلى للثقافة بمصر، ورئاسة «لجنة الشعر» التابعة للمجلس، بيد أنه تخلى عن هذه المناصب جميعها بعدما عزله وزير الثقافة جابر عصفور من رئاسة تحرير مجلة «إبداع».

القراءة مثل الزراعة
 ●في بداية هذا الحوار أود أن أعيدك للتفكير في منابع الرؤية الشعرية للعالم وتجلياتها، أين تراها: في علاقة مع اللغة؟ أحلام الطفولة؟ عذابات الاقتلاع؟ الافتتان بالطبيعة؟ أقصد ما هي الكيمياء التي تجعل الواحد شاعرًا؟
- هي كل ما ذكرته في الطفولة والأسرة والطبيعة، لأني ولدت ونشأت في الريف المصري وفي منطقة الزراعة فيها هي مصدر الرزق وهي العمل وهي أيضًا المتعة، لأن الزراعة متعة تنثر الحب وتمر فترة فتصبح الأرض خضراء، القراءة كذلك لأني بدأت أقرأ في سن مبكرة، والدي كان يقتني بعض المؤلفات وبعض الدواوين قرأتها ومن خلال الصداقة التي ربطت بيني وبين عدد من أبناء جيلي في البلدة وهم كانوا أكبر مني بعدة سنوات، وبالطبع وكما فعل الكثيرون بدأت بقراءة المنفلوطي وقرأت مصطفى صادق الرافعي، وفي مرحلة تالية وأنا أتلقى دراستي في مدينة شبين الكوم، كنت أتردد على مكتبة الأمير فاروق، وفي هذه المكتبة قرأت الرومنطقيا علي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجي، ثم كنت أشتري مجلة «الرسالة» التي كان يصدرها الأستاذ أحمد حسن الزيات، وفي مجلة الرسالة قرأت لشعراء مصريين وعرب وقرأت لنقاد كانوا في ذلك الوقت نجومًا لامعة، ولا تنسى كذلك أن هذه المرحلة هي المرحلة التي يعرف فيها الإنسان حبه الأول، وهذا أيضا كان دافعًا وينبوعًا للرؤية الشعرية للعالم.
● أنت شاعر مسكون دائمًا بالبوح الأصيل مع الذات والوطن والذكريات والحكايات الخبيئة والحافلة بالإشارات، ما القصة؟
- في الحقيقة أنا في هذا مثل كل إنسان لأن البشر جميعًا مسكونون بالحياة التي يعيشونها وبالتالي بالوطن وبالأصدقاء والأهل والعشيرة وبالحياة في كافة صورها وجوانبها المختلفة الاجتماع والثقافة والسياسة والعواطف المختلفة. الفرق أن هناك من يكشف عن هذا بطريقة ما ومن يكشف عنه بطريقة أخرى. الشاعر يعبر عما يحس وعما يرى وعما يجربه وما يمر به من أحداث وخبرات وتجارب وعواطف إلى آخره بالشعر، أما الآخرون فيعبرون عن هذا بالكلام وبالمصارحة أو بغير المصارحة إلى آخره، بمعنى لا مشكلة في نظم الشعر إلا أن الشاعر تتاح له شروط للحياة وللتفكير والتأمل والتعبير تختلف عن الشروط التي تتاح لغيره. وهنا ينظم من قصائد يعبر بها عما يحس.
● كيف تنظر إلى الشعر العربي؟ ماذا عن حاضره ومستقبله؟
- أنظر إلى الشعر العربي من جانبين الجانب الأول هو التجارب التي يحياها العرب الآن، وهي تجارب صعبة وقاسية، لأن العرب يخسرون أكثر مما يربحون في المجالات التي يتسابق فيها الآن والتي تتسابق فيها الأمم في الجوانب العلمية والتقنية وفي التصنيع وفي العلاقات الدولية إلى آخره في هذه المجالات، والعرب في هذه المجالات لم يتقدموا كثيرًا، وهذا المناخ الذي يسيطر عليه الشعور بالخسارة ينتج في الأدب عامة وفي الشعر بالذات تعبيرًا عنه ليس فقط ما يقوله الشاعر وماذا يصرح به ولكن كيف يقولونه وكيف يصرح به. في المناخ الحالي عامة نرى أن اللغة العربية في أحسن أحوالها ولكي يكون هناك شعر جيد لابد أن تكون هناك لغة وخبرة، أي أدوات للتعبير وتجارب يعبر عنها الشاعر، والتجارب أليمة وتلهم الشاعر ما يمكن أن نعتبره سلبيًا وغير إيجابي، ولا تسمح بتلك الحماسة التي لابد أن يعرفها الشاعر لكي يعبر عن تجربته، وأيضًا الطريقة أو اللغة التي يعبر بها وأنها ليست اللغة القادرة على أن نصل بها إلى شعر عظيم، وعندما أقول هذا أعرف أن لدينا شعراء مجدين وأننا نملك الوسائل التي نستطيع بها أن نملك شعراء أكثر إجادة ونفتح للموجودين الطريق ونساعد الذين لم يظهروا بعد على الظهور، نستطيع هذا لكننا لا نفعل، حتى في هذا العصر الذي أصبحت لنا فيه وزارات ثقافة وهيئات ثقافية قادرة علي أن تخطط للمستقبل وأن تشجع الكتاب والشعراء والفنانين، وعندما أقارن أنا بين إنتاجنا الثقافي الذي كان موجودًا قبل إنشاء وزارات الثقافة والإنتاج الثقافي الذي أصبح لدينا بعد إنشاء هذه الوزارات أجد أن السابق أفضل من اللاحق.

جسور التواصل مفقودة
● لا شك أن الشعر العربي يجتاز أزمة عميقة ومتشعبة... هل توافق أولاً على أن الشعر العربي في أزمة... وكيف ترى تجلياتها وكيف الخروج منها؟
- أنا لا أرى أن الشعر في أزمة ولكن أزمة الشعر تعود قبل كل شيء لعدم وجود جسور تصل بين الشاعر والقارئ وبين والشاعر والناقد، إذا كان علي الآن أن أذكر أسماء فهي تعد بالعشرات لكن أنت عندما تنظر في الصحف فلا تجد صدى لهذا الشعر، لا تجد أيضًا ناقدًا منتظمًا كما كنا نرى النقاد، ونقرأ مقالاتهم الأسبوعية، محمد مندور ولويس عوض وأنور المعداوي ورجاء النقاش وغيرهم، ومؤكد أن هذه القطيعة بين الشعر ووسائل الاتصال كالصحف والمجلات تؤثر تأثيرًا سلبيًا على الإنتاج، لأن الشاعر يكتب القصيدة وينتظر رأي القارئ فيها ورأي الناقد، وإذا لم تجد قصيدته صدى فحماسته للإنتاج تقل، وأنا في هذه الأيام أكتب عن النصوص الشعرية المقررة على المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فأجد أخطاء وأجد ما أعتبره عدم شعور بالمسؤولية، وللخروج من ذلك فنحن محتاجون لأن نعرف أجيالنا الجديدة بالشعر، والشعر ليس مجرد حفظ، والشعر أيضًا ليس نصائح إخبارية لكن الشعر فن لابد أن نمكن تلميذ المرحلة الإعدادية والثانوية من أن يتذوق الشعر ويحبه، وهذا صنعناه في القرن التاسع عشر وصنعناه أكثر في القرن العشرين، وخصوصًا في النصف الأول من القرن العشرين.
● من متابعتك للشعر العربي في أبرز تجلياته وأهم أصواته، هل تطورت القصيدة العربية؟ هل تتحرك نحو أفق مغاير، أم أنها تراوح مكانها؟
- في الحقيقة هناك شعر حقيقي وهناك شعراء حقيقيون، ولكن السؤال ما الذي قدمناه للشعر وما الذي قدمناه لهؤلاء الشعراء، فعندما أنظر في الصحف المصرية على سبيل المثال، فأجد المكان المخصص للشعر محدودًا، فالشعر محاصر ويحتاج إلى اهتمام، ويحتاج إلى أن نقدمه ونأخذ بيد الشعراء ونأخذ بيد القراء.

دافع مُلح
● منذ ديوانك الأول «مدينة بلا قلب»، ثم توالت بعده «أوراس» 1959، و«لم يبق إلا الاعتراف» 1965، و«مرثية الزمن الجميل» 1972، و«أشجار الإسمنت» 1989، و«كائنات مملكة الليل» و«طلل الوقت» 2011؟ هل اختلفت رؤيتك الشعرية منذ ديوانك الأول حتى ديوانك الأخير؟
- لابد أن الرؤية الشعرية تطورت، وبهذا المعنى بالتطور يمكن أن نقول إنها اختلفت، لأن مدينة بلا قلب هو نتاج الصدمة مع المدينة، بعد ذلك أصبحت المدينة هي مصدر الإلهام وبقيت عناصر من التجربة الأولى موجودة في الدواوين التالية، لكنها كانت تتطور خصوصًا أنني لا أنظم إلا بعد دافع ملح، وهذا الدافع الملح لأنه مرتبط بما أعيشه في المجتمع وفي الثقافة، ومن هنا كان لابد أن يمثل كل ديوان من هذه الدواوين تجربة قائمة بذاتها وهذا يظهر جليًا في أسماء وعناوين الدواوين.
وأنا كتبت ديوان «مدينة بلا قلب» بين عامي 1954 - 1958، وفي تلك الفترة كنت قلقًا حائرًا مضطربًا على النحو الذي صورته في قصيدة (العام الـ16) بعد ذلك، لكني كنت أقرأ كثيرًا وأفكر كثيرًا وأبحث عن نفسي فيما أقرأ، وكان أكثر ما يهمني في تلك الفترة البحث عن قصيدتي وعن لغتي الشعرية». وكذلك بحثي عن لغتي الشعرية هذا كان مرتبطًا ارتباطًا عضويًا بالبحث عن ذاتي ووجودي وعن دوري ومكاني في الحياة، ومرتبطًا ببحثي عن العمل من ناحية أخرى.
● تُتَّهم قصيدة النثر بكونها انقطاعًا عن التراث، وخلعًا للجذور والهوية... كيف ترى ذلك؟
- قصيدة النثر لا تتهم بالانقطاع عن التراث لأن النثر موجود في التراث، وأيضًا النثر الشعري موجود في التراث، لكن قصيدة النثر بالنسبة لي تهمل أداة من أهم الأدوات في كتابة الشعر وهي الوزن، لأن الوزن يخرج اللغة من كونها لغة تقرير واتصال وحياة يومية إلى أن تكون فنًا نحن في حياتنا اليومية لا نتواصل بلغة موزونة ولكن الوزن بالإضافة أيضًا إلى الصورة الشعرية أو المجاز هما الأداتان اللتان تمنحان اللغة شعريتها وهذا هو اختلافي مع قصيدة النثر.
● تنتمي إلى جيل الستينيات من القرن العشرين في الشعرية المصرية، وهو جيل يحمل كل فرد فيه سمات شعرية مغايرة للآخر. فهل ثمة شاعر منهم ترى أن تجربتك تتعانق معه أو تقترب منه بشكل أو بآخر؟ وإن كان ثمة نقيض لك وضد من هذا الجيل، فمن هو؟
- أنا لا أنتمي لجيل الستينيات ولكن أنتمي لجيل الخمسينيات، لأن ديواني الأول كتب في الخمسينيات بداية من عام 1953 وصدر في عام 1959 وكان هذا الديوان إسهامًا في حركة التجديد التي بدأها في مصر عبدالرحمن الشرقاوي  وتلاه صلاح عبدالصبور، ثم أتيت أنا من بعدهما لأواصل الطريق، وجيل الستينيات فيه محمد عفيفي مطر وأمل دنقل وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبوسنة، وفي هؤلاء من قرأ شعري وتأثر به وفيهم أيضًا من يمثل تيارًا مختلفًا، وهنا أشياء مشتركة بيني وبين صلاح عبدالصبور ولكن هناك أشياء نختلف فيها، وهذه المرحلة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كانت مرحلة خصبة وقدمت شعراء حقيقيين للشعر العربي.

الفن لا ينتهي
● شاعرنا الكبير أود أن أسالك، نحن اليوم في زمن مادي بحت، نحن اليوم في زمن التكنولوجيا، في زمن افتراضي، وهل يعني ذلك أن الشعر فن شارف على الانقراض؟ 
- إن خفوت صوت الشعر في العقود الأخيرة كان أمرًا نسبيًا بالقياس إلى علو نبراته فيما سبق، لكن لا يوجد فن ينتهي، لأن الفن خلق ليتطور وينتقل من حال إلى حال، والحديث عن تراجع الشعر يحتاج إلى مراجعة، لكن الأكيد أن الشعر محاصر ويحتاج إلى اهتمام. وفي بعض الأوقات يتراجع الشعر لأسباب ليست فيه وإنما فيما يحيط به، فمثلًا عندما لا يتاح للشعر نقاد يصنعون صلة بين صاحب القصيدة وقارئها يتأثر الشعر طبعًا ويتأثر الشاعر وهكذا.
 ●هل تخشى على اللغة العربيّة اليوم التي كثير من أبنائها لا يتكلّمون بهــــا أو لا يستطيعون قراءة نصوصها؟ قد يتكلّمــون اللهجــــات العـــاميّة ولكن علاقتهم بالفُصحى علاقة سحطية؟
- طبعًا أخشى علي اللغة العربية أن تفقد ما بقي لها، والفصحى لم تعد لغة حياة يومية منذ زمن طويل، لكنها أصبحت لغة ثقافة وتفكير ولغة إبداع، وهذا كله لا يتحقق إلا بعمل تشارك فيه الأمة كلها، وزارة التربية والتعليم لا أستطيع أن أتحدث عما تقدمه للغة، لأني لا أملك البرامج الدارسة ولا أعرف كيف توضع، ولكني أقرأ ما ينشر فأجده حافلاً بالأخطاء، وأسمع ما يقال فأجده كذلك حافلاً أيضًا بالأخطاء والركيكة، والفصحى ليست لغة المثقفين وحدهم بل لغة المصريين جميعًا حتى الأميين، لأنها لغة ثقافتهم القومية، وتحدثت عن وزارة التربية والتعليم ويجب أن أتحدث عن وزارة الثقافة وأتحدث عن كافة الوزارات لأن الفصحى هي اللغة القومية فهل أعطينا للفصحى حقها في الكتابات الرسمية؟ ما أراه لا يدل علي أننا أعطيناها حقها ■