المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية عين راصدة لسلامة مياه سواحل المنطقة

المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية عين راصدة لسلامة مياه  سواحل المنطقة

تعتبر منطقة الخليج العربي من أكثر المناطق البحرية ازدحامًا على مستوى العالم، حيث يمر فيها حوالي 50 ألف قطعة بحرية سنويًا، باعتبارها تصدر ثلثي احتياجات العالم من النفط. وبعد مشاركة دولة الكويت في مؤتمر استوكهولم عام 1972 بدأ التفكير في إنشاء منظمة متخصصة للمحافظة على المنطقة البحرية لما تعانيه من تلوث بالنفط وازدياد الحركة الملاحية فيها ومصانع البتروكيماويات. 

 

ومع تزايد الاهتمام بالبيئة وظهور تعريفات للبيئة بعد مؤتمر استوكهولم بدأ العمل على جمع دول المنطقة والتي تشمل مملكة البحرين ودولة الكويت وسلطنة عمان ودولة قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية العراق وإيران بدعوة من حكومة دولة الكويت لتبني اتفاقية بموجبها العمل على المحافظة على البيئة البحرية في المنطقة، وإقناع المسؤولين في الدول المحيطة بهذه المنطقة بأهمية هذا العمل الإقليمي وما له من مردود بيئي لصالح شعوب المنطقة، وتم التوصل إلى توقيع اتفاقية الكويت الإقليمية للتعاون في حماية البيئة البحرية من التلوث في 24 أبريل 1978.

الكويت مقرًا للمنظمة 
يقع مقر المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية في منطقة غرناطة بدولة الكويت التي تحتضن المنظمة منذ 40 عامًا، ويتخذ المبنى شكل سفينة قبالة ساحل البحر، وهذا من باب توافقها مع أغراض المنظمة، ويحتوي على جميع احتياجات المنظمة كمحطة الاستشعار عن بعد، والتي تؤدي دورًا رقابيًا على الملوثات المختلفة في المنطقة البحرية، وترصد التغيرات الطارئة على البيئة البحرية بصورة عامة ورصد الملوثات الناتجة عن العمليات النفطية، كما يضم مقر المنظمة «بنك عينات» يحتوي على عينات مائية ومن التربة والأحياء المائية، قشريات وغيرها، تم أخذها من خلال المسوحات التي قامت بها المنظمة وتتم دراستها ومقارنتها بالعينات الأخرى، كما يحتوى مقر المنظمة على قاعة للاجتماعات وقاعات لعمل الورش والأنشطة، بالإضافة إلى مكتبة تضم العديد من الكتب المتعلقة بالبيئة وغيرها من التخصصات باللغتين العربية والإنجليزية، ومطبعة تقوم بطباعة جميع إصدارات المنظمة الخاصة بالتوعية البيئية. 
يذكر أن المبنى تم بناؤه بالكامل على نفقة حكومة دولة الكويت مشكورة، كما يتبع المنظمة مركز في مملكة البحرين، وهو مركز المساعدة المتبادلة في الحوادث، فعند وقوع حادث في المنطقة يتم إبلاغ المركز للتنسيق من أجل عمليات المكافحة والإنقاذ، ويعمل على مدار الساعة. 
وفي حديث مع الأمين العام للمنظمة
د. جاسم بشارة عن عمل المنظمة أفاد بأن المنظمة منذ إنشائها ومقرها في دولة الكويت، وأنشئت بناء على اتفاقية الكويت 1978 بين الدول المتشاطئة والتي تعرف بمنطقة «روبمي»، التي تضم 8 دول هي دول الخليج العربي بالإضافة إلى العراق وإيران، والدور الأصيل للمنظمة هو التنسيق بين الدول فيما يخص الوضع البيئي في المنطقة البحرية، التي تبدأ من شط العرب إلى حدود عُمان مع اليمن، فالمنظمة بشكل عام منظمة فنية ذات طابع فني وليس سياسي، حيث تتناول الأمور المتعلقة بالبيئة من الجانب الفني وغيرها، لذلك فالمنظمة تقوم بمتابعة ورصد الوضع البيئي في المنطقة على مدار الساعة من خلال الأقمار الصناعية، والمحطة التي تعمل على مدار الساعة لرصد أي تغيرات تحدث في المنطقة، مثل الانسكابات النفطية والمدود الحمراء والتغيرات التي تحدث على الماء وحوادث السفن التي تمر في البحر. 
وأضاف د. بشارة أن المنظمة أنشئت في الأساس على ضوء الانسكابات النفطية في ذلك الوقت وتوسع نشاطها تدريجيًا لأن تحديات البيئة أصبحت كبيرة جدًا وبدأت المنظمة ترى مشاكل تحتاج إلى رعاية خاصة، مثل التنوع الحيوي الذي أصبح غاية في الأهمية، حيث بدأنا نرى تغيرًا كبيرًا في العالم كله في الغطاء الحيوي من حيوانات ونباتات، سواء في البحر أو على اليابسة، ونجد أن هذه التغيرات تتبع تغيرات أخرى مثل التغير المناخي الذي يتبعه تغيرات أخرى. 
وتهدف المنظمة إلى المحافظة على سلامة نوعية المياه البحرية في المنطقة البحرية للمنظمة والمحافظة على النظم البيئية والأحياء المائية التي تعيش بها والحد من التلوث الناتج عن مختلف الأنشطة التنموية في الدول المحيطة بالمنطقة، ومطالبة الدول الأعضاء ببذل قصارى جهودها لحماية البيئة البحرية ومنع أي مسببات لهذا التلوث، ويتكون الهيكل التنظيمي للمنظمة من المجلس الوزاري واللجنة التنفيذية والأمانة العامة ولجنة كبار المسؤولين عن شؤون البيئة واللجنة القضائية. 
كما وضح د. بشارة أن العمل في المنظمة عمل جماعي بوضع أنظمة وقوانين ولوائح وإجراءات ومعايير بين المنظمة والدول لمواجهة مثل تلك المشاكل، وهذا يتطلب جهدًا في بناء القدرات لدى الدول الأعضاء من جانب ومن المنظمة من جانب آخر. 
وأكد د. بشارة: نحن ندرك تمامًا أن دولنا لديها الكثير من الخبرات في التعامل مع الشأن البيئي، ولكن نحتاج إلى تنسيق لرؤية المهارات الجديدة التي تحتاجها دول المنظمة وتعزيزها من خلال البرامج التدريبية والدراسات وورش العمل والاستعانة بالخبرات الخارجية. وهناك سلسلة من الأنشطة والمشاريع التي تقوم بها المنظمة، منها الرقابة والرصد على مدار الساعة والدراسات التي بعضها دراسات منفردة لا يقوم بها سوى المنظمة وبرامج التدريب والتأهيل وبناء القدرات والمعلومات المتخصصة، فلدى المنظمة نظام شامل وكم هائل من البيانات العلمية والتقنية والفنية وبالإمكان الحصول عليها من قبل المختصين لإجراء الدراسات.

برامج وأنشطة المنظمة 
تقوم المنظمة بعمل برامج الرصد البيئي، ومنها القيام بمراجعة وتقييم الوضع الراهن للبيئة البحرية، والقيام بمسح للكائنات الحية الموجودة في المنطقة البحرية، وقياس الملوثات عن طريق أخذ عينات من مواقع مختلفة من المنطقة البحرية، وتكوين فريق عمل إقليمي من الخبراء حول ظاهرة نفوق الكائنات البحرية، وذلك بالتعاون مع الجهات الإقليمية والدولية المعنية بذلك، وتنظيم رحلات المسح البحري في المنطقة لمتابعة آثار التلوث النفطي وتأثيره على الكائنات البحرية.
ويذكر د. بشارة أن المنظمة قامت منذ إنشائها بتنظيم ثلاث رحلات بحرية في أوقات مختلفة، بغرض جمع عينات بحرية ولبحث الخصائص الأشيونوغرافية للمنطقة البحرية شارك فيها باحثون وعلماء من مختلف الدول الأعضاء في المنظمة، عن طريق سفن تحتوي على مختبرات وأدوات وأجهزة تحليل تم خلالها جمع الكثير من العينات في أوقات ومستويات مختلفة. 
ويأتي دور البرامج الخاصة بالإدارة البيئية بحماية البيئة البحرية من مصادر التلوث عن الأنشطة البشرية من خلال دراسة مقاومة مستويات الملوثات العضوية طويلة الأمد، وإعداد دليل حول تنفيذ البروتوكول الخاص بالتلوث الناجم عن مصادر من الأرض، والقيام بمسح للسفن والأجسام الغارقة في المنطقة البحرية للمنظمة، ومتابعة تنفيذ الدراسة الخاصة بإنشاء مرافق استقبال النفايات السائلة والصلبة من ناقلات النفط والسفن المارة بالمنطقة، والذي يعد من أهم برامج المحافظة على سلامة البيئة البحرية التي سعت المنظمة إلى تنفيذها منذ إنشائها، والمساهمة في تطوير الإجراءات الخاصة بفحص السمية للمواد المستخدمة في تشتيت البقع النفطية في المنطقة البحرية.
وتشمل الأنشطة المساندة في المنظمة إنشاء نظام الاستشعار عن بعد، والذي يعطي المنظمة دورًا رقابيًا على الملوثات المختلفة في المنطقة البحرية، لرصد التغيرات الطارئة على البيئة البحرية بصورة عامة، ورصد مصادر التلوث وإعداد البيانات اللازمة لمطالبة المتسببين في التلوث، ورفع قضايا التعويض عليهم حسب البروتوكولات والاتفاقيات الخاصة بذلك، ونظام المعلومات الجغرافي وبرنامج مراقبة الجودة لمختبرات الدول الأعضاء، وذلك للتحقق من دقة النتائج التي تصدرها تلك المختبرات وإعداد البروتوكولات التي تغطي النقص في اتفاقية الكويت الإقليمــية لعام 1978.
وتساهم برامج الوعي البيئي في نشر ثقافة المحافظة على البيئة البحرية في المنطقة ونشر أسس وأساليب الحفاظ على البيئة لمختلف فئات شعوب المنطقة، وذلك من خلال الندوات والإصدارات البيئية المختلفة والاحتفالات بالمناسبات البيئية الوطنية والإقليمية.
ويقول د. بشارة: لدينا في المنظمة برامج توعية بيئية الغرض منها نشر وإظهار أهداف المنظمة التي تحققها في سبيل المحافظة على البيئة البحرية، من ضمنها برامج وطنية وإقليمية على مستوى اجتماعات وورش عمل يشارك فيها مختصون في مجال الإعلام والتوعية البيئية من الدول الأعضاء، لمناقشة بعض القضايا البيئية التي تواجه المنطقة لإظهار مدى خطورتها وتأثيرها على البيئة والمجتمع.
 وتابع: لدينا أيضًا أهداف موجهة إلى طلاب المدارس والجامعات، وفي كل عام تختار المنظمة شعارًا لمسابقة يتناسب مع الظروف البيئية الدولية أو المحلية، ويتم توزيع شعار المسابقة على الطلبة في الدول الأعضاء ليشاركوا في مسابقات الرسم والمقالات البيئية، وتخصيص جوائز للفائزين خلال الاحتفال بيوم البيئة الإقليمي الذي يصادف 24 أبريل من كل عام، وتم اختيار هذا التاريخ تخليدًا لذكرى توقيع دولة الكويت اتفاقية عام 1978 التي بموجبها أنشئت المنظمة الإقليمية لحماية البيئة.
 وأكد د. بشارة أن شعار البيئة للمنظمة لعام 2024 سيكون «آثار دمار الشعاب المرجانية على الأحياء البحرية والشواطئ» نظرًا لأهمية الشعاب المرجانية في البيئة البحرية، فهي أساس الحياة في البحر، وإذا قضينا عليها فهذا يعني القضاء على الثروة الحيوانية والاقتصادية والسياحية، وذلك لأن تأثيرها شامل على كل جهات المجتمع من حيث العاملين في صيد الأسماك وقطاع السياحة البيئية في مفهومها الواسع، لذلك اخترنا هذا الموضوع لطلبة المدارس الذين يمثلون جيل المستقبل، كل منهم في دولته، ليعرفوا مفهوم الشعاب المرجانية وأهميتها، وهذا الغرض الأساسي من البرامج التي تقوم بها المنظمة، لتوعية المجتمع بأهمية البيئة والمخاطر التي تترتب على إهمالها. كما تقوم المنظمة بإصدار مواد التوعية البيئية التي تختص بمشكلات تلوث البيئة البحرية، ومنها نشرة بيئية فصلية باللغة العربية والفارسية، ونشرة بيئية يعدها مركز المساعدة المتبادلة للطوارئ البحرية باللغة الإنجليزية لبعض الأنشطة التي يقوم بها المركز، وأخبار البيئة في الصحافة الوطنية للدول الأعضاء، وإعداد التقويم السنوي بالإضافة إلى منشورات بمناسبة يوم البيئة الإقليمي.

تحديات ومشاكل تواجه المنطقة 
تواجه المنطقة العديد من المشاكل البيئية، أبرزها التلوث النفطي من مصادره المختلفة، وتدمير مناطق توالد الأسماك، وردم الأهوار وبناء المنشآت على الجزر والمناطق الساحلية، والصيد الجائر، وصرف ملوثات المصانع ومياه الصرف الصحي، وغيرها من مصادر التلوث على اليابسة وتأثيرها على المنطقة. 
وصرح د. بشارة بأن المنطقة بدأت تتعرض إلى بعض التحديات الرئيسية، على سبيل المثال التغير المناخي وموت الشعاب المرجانية في بعض الأماكن، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ودخول عناصر جديدة ليست من بيئة المنطقة، والتي تعرف علميًا بـ «النوع الغازي» أو المجتاح، وهو مصطلح يستخدم لتصنيف نبات أو حيوان دخل إلى بيئة معينة وانتشر بشكل مفرط أو غير مرغوب، والتي تأتي في الغالب عن طريق تفريغ مياه توازن ناقلات النفط وتتكاثر في البيئة وتنافس الأحياء المستوطنة فيها أصلًا وتشكل خطرًا كبيرًا يجب معالجته لتأثيرها على الشعاب المرجانية والأحياء البحرية وربما تقضي عليها. 
ومن التحديات الطارئة التي بدأت تزيد نتيجة النشاط الإنساني يشير د. بشارة إلى زيادة نفايات البلاستيك التي تصل إلى البحر عن طريق السفن أو عن طريق المصادر البرية، والتي لا تتحلل وعند تعرضها لقوى معينة بسبب النشاط البحري والظروف البيئية تتحول إلى قطع صغيرة وينتج عنه ما يعرف
بـ «البلاستيك الدقيق»، وهو عالق من العوالق التي تؤثر على الأحياء التي تتغذى عليها والتي لا تهضم وتسبب النفوق، ويطلق عليها الملوثات المستجدة الطارئة التي بدأت تتزايد وتحتاج إلى جهد عالمي للسيطرة عليها
ومن التحديات التي بدأت تزيد وتيرتها في المنطقة العواصف الترابية، التي تؤثر على اليابسة والبحر، والعواصف البحرية التي زادت في السنوات الماضية، وكانت أعاصير مدمرة يزداد عنفها في كل عام، وتؤثر على سكان السواحل. وعلى الرغم من جهود المنظمة بالتعاون مع الدول الأعضاء في مجال حماية البيئة البحرية إلا أنه مازال هناك الكثير من الجهود المطلوبة من جميع الدول الأعضاء لتحقيق أهداف المنظمة في حماية البيئة بشكل عام ■