كيف يتم اختيار الموانئ الفضائية؟

كيف يتم اختيار  الموانئ الفضائية؟

  تعتبر الموانئ الفضائية (أو كوزمودروم) بواباتنا إلى فضاء النجوم... وتَمثلًا بموانئ السفن البحرية والمطارات المدنية أو العسكرية، تُستخدم كلمة موانئ فضائية، تقليديًا للمواقع القادرة على إطلاق أو استقبال مركبات فضائية في مدارات حول الأرض أو في مسارات إلى الكواكب. 

 

كان أول ميناء فضائي أقيم على الأرض هو قاعدة «بايكونور كوزمودروم» الروسية في كازاخستان (التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت). وقد أطلقت وكالة الفضاء الروسية «روسكوزموس»، من ذلك الميناء الفضائي، أول قمر صناعي (سبوتنيك 1) في عام 1957، كما أصبح يوري غاغارين أول رجل يخرج إلى الفضاء من هناك في عام 1961. 
ثم أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية مركز كنيدي الفضائي Kennedy Space Center ثم قاعدة «كايب كانافيرال» Cape Canaveral الفضائية في فلوريدا، وكانا في الأصل قواعد جوية عسكرية منذ 1949، وتحولا إلى قواعد فضائية عام 1959. 
وفي عام 1975 أُنشأت وكالة الفضاء الأوربية (إيسا) European Space Agency وباتت تضم 22 دولة ومقرها العام في العاصمة الفرنسية باريس.
وفي العقود الأخيرة التحقت اليابان والهند والصين بركب الدول الفضائية وبات لدى كل منها موانئها الفضائية ومشاريعها الفضائية كذلك. 
ومع التطور المتزايد للرحلات الفضائية التجارية، مثل «سبايس إكس» SpaceX لإيلون ماسك، و«فيرجين غالاكتِك» Virgin Galactic للسير ريتشارد برانسون، لم تعد الموانئ الفضائية حكرًا على الحكومات بل دخل في إنشائها وتجهيزها القطاع الخاص والشركات التجارية. وسواء تعلق الأمر بالأقمار الصناعية والصواريخ أو العدد المتزايد من الرحلات الفضائية التي يستثمرها القطاع الخاص، فإن هذا الانفتاح هو إلى ازدياد خلال السنوات القادمة.
هل هناك بوابات حصرية في السماء للصواريخ الفضائية!
قد يسأل سائل لماذا يُطلقُ الروسْ مركباتِهم الفضائية من كازاخستان وليس من موسكو؟
ولماذا يطلق الأمريكيون مركباتِهم إلى الفضاء من فلوريدا في الجنوب وليس من نيويورك أو واشنطن دي.سي. حيث مقر وكالة ناسا؟!
ويطلق الأوربيون مسابيرَهم الفضائية من غويانا الفرنسية على حدود البرازيل وليس من باريس أو لندن أو برلين...! 
فهل هناك سرٌّ ما وراء اختيار وكالاتُ الفضاءْ لمواقع إطلاق الصواريخ حاملة الأقمار والمركبات الفضائية إلى الفضاء؟
 
شروط ضرورية للموانئ الفضائية
أمورٌ عديدة تجبُ مراعاتُها عند اعتماد الموانئ الفضائية وإطلاقِ المركباتِ إلى الفضاء الخارجي:
الأمر الأول والأهم، هو الاستفادةُ القصوى من سرعةِ دوران الأرض حول محورها القطبي. فإذا كانت كل المواقع على الأرض تشترك بذات السرعة الدورانية للكوكب (دورة واحدة كل 24 ساعة)، إلا أن السرعة الخطية تتعلق بالموقع على سطح الأرض وهي تتدرّج من صفر كلم/سا عند القطب، صعودًا إلى ألفٍ وستمئةٍ وخمسينَ كيلومترًا في الساعة عند خط الاستواء. وكلما اقتربت نقطةُ إطلاقِ الصواريخ الفضائية من المنطقةِ الاستوائية يربحُ الصاروخُ سرعةَ انطلاقٍ إضافية مجانية تساوي سرعةَ دورانِ تلك النقطةِ مع الأرض، وهذا الأمر هو أكثرُ ما يحتاجُه الصاروخْ للتغلبِ على جاذبيةِ الأرض، الأقوى عند الانطلاقِ من سطحِ الأرض. 
الأمر الثاني يتعلق بالسلامة العامة، وهو ضرورةُ وجود بحرٍ واسعٍ إلى شرقِ القاعدةِ الفضائية. فبما أن الكرةَ الأرضية تدور من الغرب نحو الشرق بعكس اتجاهِ عقاربِ الساعة، تُطلَقُ المركباتُ الفضائية مع دفعٍ أرضيٍّ مجاني نحو الشرق، لذلك يجب أن يُحسبَ حسابٌ لسقوط أجزاء الصواريخ التي استُنفدَت وقودُها، بعد الدقائق الأولى لإطلاقها، بعيدًا عن المناطق الأرضية المأهولة. وكذلك، مع احتمال فشل الصاروخ في انطلاقه واختراقه الصعب للغلاف الجوي الكثيف، يجب أن يُعمل على تجنّب سقوط الصاروخ أو أجزائه المتشظية في مساحة مأهولة، تجنبًا لسقوط ضحايا مدنية وأضرار إضافية. 
لذلك فإن اختيار الموانئ الفضائية على السواحل الشرقية للبحار والمحيطات هو أمر لا يمكن القفز من فوقه، كونه يتعلق بالسلامة العامة للمناطق المأهولة. 
أمرٌ ثالث يتعلق بكيمياء الوقود الصاروخي، وصعوبة اشتعاله على حرارة باردة جدًا كتلك السائدة في موسكو أو برلين أو واشنطن أو باريس... وهذا الشرطُ الكيميائي يسهلُ تحقيقُه أيضًا كلما اقتربنا أكثر من المنطقة الإستوائية الدافئة. 
وهناك شرط رابع، وهو اختيار المنطقة الأقلِّ عرضةً للأعاصيرِ والمُناخِ الشديد التقلب، وقد لا تُوفّق الدول دائمًا بمنطقة تابعة لها وذات مُناخ مُعتدل وهادئ. فمنطقة فلوريدا - مثلاً - حيث مركز كندي الفضائي يفتقر إلى الشروط المناخية الملائمة، وهذا ما يتسبب بإلغاء رحلاتٍ مقررة في كثير من الأحيان وتأجيلها إلى وقت آخرَ مقبولْ من حيث الطقس وسرعة الرياح، مع ما يعنيه هذا التأجيل من مصاعب تقنية وفلكية واقتصادية. 
لذلك اختيرت تلك الموانيء الفضائية... نظرًا لكل تلك الشروط، اختارت روسيا قاعدتَها الفضائية في بايكونور في كازاخستان وليس في موسكو، كي تكون في أقرب نقطة تستطيع تدبرها نحو الجنوب، الأقرب إلى خط الاستواء والأكثر دفئًا.  
ولنفس الأسباب، اختارت أمريكا قاعدتيها الفضائيتين «كايب كانافيرال» و«كندي سبايس سنتر» في فلوريدا في جنوب الولايات المتحدة وليس في نيويورك، رغم سوء الشروط المُناخية!
وكذلك اختار اللتحاد الأوربي قاعدتَه الفضائية بعيدًا عن أوربا، في غويانا الفرنسية على حدود البرازيل وليس في باريس أو لندن أو برلين. 
كما اختارت اليابان قاعدتَها في تانِغاشيما على أحد سواحلها الشرقية، واختارت الهند كذلك قاعدتَها على أحد سواحلها الشرقية على المحيط الهندي. 
ولدى الصين عدد من الموانئ العسكرية الجوية والفضائية أشهرها «تايوان» (Taiyuan) و«جيوكوان» (Jiuquan) و«كسايتشانغ» (Xichang)، إلا أن أيًا من هذه الموانئ لم تُقم على السواحل الشرقية للصين، وبالتالي لا تراعي الشروط الضرورية لإنشائها، خاصة فيما يخص سلامة المدنيين في حال فشل الصاروخ عند الانطلاق. 
وبالمناسبة، يرى الباحثون أن أفضلَ موقعٍ لبناء قاعدةٍ فضائية على الأرض هو على الساحل الجنوبي الشرقي للصومال، على خط الاستواء تمامًا. لكن بُعد الدول المتقدمة في مجال الفضاء عن الصومال يجعل من استئجار مثل ذلك الموقع أمرًا مكلفًا، فالصواريخ الفضائية الثقيلة والضخمة، والمركبات والأقمار الفضائية، وكل المعدات والتجهيزات الأخرى والتكنولوجيا الضرورية... كلها أمورٌ ليس من السهل نقلها إلى الصومال والتأمين عليها هناك، والتواصل الدائم معها وصيانتها... وهناك مثل لبناني يقول «أسفي لمن لديه حلاوة ولكن ليس لديه أسنان» ■