قرية غير آمنة

قرية غير آمنة

في الماضي غير البعيد بالنسبة لي، كنا نجبر على الصمت والسكون عندما تبث النشرات الإخبارية التي تأتي أنباؤها من وكالات إخبارية عالمية، وتنقلها بالصوت والصورة أجهزة مختصة بالتصوير والتسجيل، وإن كانت تقليدية، والتي تصاغ على أيدي محررين ومصححين احترافيين، لتصل إلى يد المذيع ذي الصوت الجهوري المميز في قراءة الأخبار. 
أوقات النشرة الإخبارية كانت جميعها بذات الوقع طوال اليوم، رغم أن «المسائية» كانت الأكثر حضورًا! ولا يهم مصدرها إن كانت إذاعية أو تلفزيونية، فقد كانت دومًا موثوقة وذات مصداقية عند سامعيها. لقد كانت النشرات الإخبارية ذات أثر وثقل على مسامع الصغار والكبار، فمن نبرة صوت المذيع نتعرف على طبيعة الخبر، وبداية النشرة وختامها، بل ونعرف أيضًا إن كانت أخباره محلية أو دولية، سياسية أم اقتصادية أم رياضية. وبعد سماع النشرة والتي عادة ما تستغرق من 30 إلى 60 دقيقة، تنتهي الأخبار، وتبدأ فقرة جديدة من البرامج الترفيهية التمثيلية أو الحوارية التي تجمع أفراد الأسرة. 
في الحاضر القريب الأليم بالنسبة لي، أنا والمحيطين من حولي، نجد أنفسنا نستمع لنشرات إخبارية على مدار 24 ساعة، يقرأها علينا شخوص لا نعلمهم، ويكتبها مجهولون دون أي مهنية في صياغة الأخبار، من مصادر مجهولة وغير مسؤولة، بحيث يبدو أن قارئ هذه الأخبار أو مذيعها لا يرغب سوى في أن تشاع وتنتشر. نحن نستقي أخبارنا من هواتفنا الذكية، وبواسطة الإنترنت، نحن - ومع الأسف - نبحث عنها ليس في مواقع المحطات الإخبارية على الإنترنت، بل من حسابات وهمية لا تظهر لنا سوى اسم مستعار ذي دلالات تعزز مصداقيته، وكما نجهل شخصه فإننا نجهل حيزه الجغرافي ومستوى تعليمه وثقافته، حتى إننا لا نعلم مدى استقلاليته وحياده أو تبعيته وانحيازه. ورغم ذلك فإن له تأثيرًا لا يستهان به على أفكار ومشاعر وسلوك المتلقي، ولا عجب أن تندلع خلافات وتتولد الأحقاد وترسم المكائد والخطط من جراء خبر زائف عارٍ عن الصحة.
ففي الوقت الذي انتشر فيه استخدام الشبكة العنكبوتية رفع شعار «إن العالم أصبح قرية صغيرة»، وبرأيي يجب إكماله بوصف القرية (العالم أصبح قرية صغيرة غير آمنة). إن تلك الأخبار مجهولة الهوية على اختلاف نوعيتها، كفيلة بتدمير أسر ومجتمعات، وإلحاق الضرر بالصحة النفسية والجسدية لمتلقيها أينما كان وكيفما كان. ولذا أقر يوم 11 فبراير ليكون يومًا عالميًا للإنترنت الآمن، بهدف رفع الوعي بخطورته والمسؤولية الملقاة على عاتق مستخدميه، ليكون آمنًا وإيجابيًا ومتاحًا للجميع. وهنا لدي عدة تساؤلات: ماذا لو انقطع الإنترنت؟ ماذا لو اختفت الحسابات الوهمية؟ ماذا لو عاد الخبر لمصدره من إذاعة أو تلفاز؟ ماذا لو القرية الصغيرة أصبحت قرى ومدنًا كثيرة؟ ماذا لو عرف كل مصدر حجمه؟ وماذا لو...؟ ■