لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

تشتركُ هذه القصص القصيرة في كونِها قصصًا اجتماعية متنوعة، تهتمُّ بتفاصيل صراعِ الحَيَاة اليومية بمستوياتها الفكريّة، والخياليَّة، والواقعيَّة؛ كونها تصدر - في أشكالِها ومحتوياتها - عن نماذجَ اجْتِماعِيَّةٍ معيَّنة تعْتَمِد على تأثُّر القارئِ بما فيها من أفكارٍ وشَخْصِيَّاتٍ وأحداثٍ تأثُّرًا يجعله يعتصمُ بنموذجِ بطلٍ، أو بنموذج فكرةٍ تتشبث بها جماعةٌ، أو يتشبث بها فردٌ في لحظاتِ انقلابٍ مفصليَّة، تغييريَّة، مطروحةٍ للتّنفيذ بإلحاحٍ، حتى لو فشل تنفيذُها في ذروةِ لحظات الانقلابِ الثَّوريَّة. وربما اعتصم القارئُ بمثَلٍ أعلى يؤمنُ به دونما مبالغةٍ أو افتعالٍ أو تكلُّفٍ، متعاطفًا مع مَن يقف عالقًا بين أفكارٍ متجاذبة موجِعَة تنتظر «إشارة» تأتي على شكل «رسالة»، كما في قصة (أذان)، أو مع المحرومِ واقعًا من أمر حيوي يبحث عنه في أحلامه: «كسرة خبز»، أو مع المحرومِ من الأمن والأمانِ، والمُهدَّدة أسرته بالاندثار بسبب الحروب المتواصلة: (الجُبّ)، فيبحث عن «الحفاظ على النَّسل» بطرق بدائيةٍ قد لا تُجدي مع وجود آلة الحرب العنيفة. أما الاختيارُ، فقد جاءَ على أساسِ الموضوعِ والسّردِ معًا، وفيما يلي عرض القصص الفائزة:

المرتبة الأولى: قصة «أذان» لحسن بو عمود/ المغرب
إضافةً إلى بعْضِ المونولوج في القصَّة، يستخدم الكاتب صيغةَ السّرد المباشَرِ الأكثرِ تداولًا بين السُّرّادِ، والأيسرِ استقبالًا بين المتلقّينَ، والتي يؤرخ القاصُّ تطورَ «فِكْرِ» البطَلِ الوحيدِ المتأرجحِ ما بينَ الماضي واللّحظة الآنيَّة ممتطيًا  حصانَ الانزياحاتِ التّفكيرية، والذي تركّز عقدةُ الأقصوصة فيه على صراعٍ اعتقدَ البطلُ أنه بين فلسفةٍ وفلسفةٍ، فإذا به يكتشفُ أنه بين «فلسفاتٍ» تعتمد العقلَ، و«إيمانٍ» يعتمد «القلبَ» و«الإحساسَ»، مُستضيفًا القارئَ إلى عالمِه في لحظةٍ مفصليَّةٍ مليئةٍ  بـ«تناقضاتِ» ما قبلَ الاختيارِ الذي كانَ - لسنواتٍ - ضائعًا، متنقلًا، حتى وصلَ إلى اتّهامِ الفلسفةِ «بأنواعِها» و«إشكالاتِها» «التّافهة»، «غير المفيدة»، «غير الصَّارمة»، بل «الفتّاكةَ»، «المنحرفة» التي لم تعطِهِ يومًا ما أعطاهُ إياه «وعْيُ الإحساسِ» المفاجئِ الذي يذكرنا بالقاعدةِ الإيمانيّةِ: «اسْتَفْتِ قلبَكَ» التي حلَّتْ عقدةَ البطل والقصة معًا، عندما اعتبرَ التّائِهُ في زواريب علوم الأقدمينَ والمنطق والجمال وما وراء الطَّبيعةِ أنَّ «رسالةً» قديمة- جديدة وصلَتْهُ فأيقظَتْ طمأنينةَ قلبِهِ، وأوقفَتْ بلحظةٍ تلك «الحرب الضَّروس» بين العقل والقلبِ، إذ أعلنَ الأخيرُ انتصارَه. 

المرتبة الثَّانية: قصة «كسرةُ خبز» لعبد الرحمن بلحساوية/ المغرب
هذه الأقصوصة القائمةُ على حدَثٍ غامضٍ، تلقائيٍّ، غاطسٍ في ما بعد الشُّعور، قُبَيْلَ استرداد الصَّحوِ في حالةٍ هُلاميَّة، ضبابيَّة، رخوة، لكن لذيذة. مكانُ الحدَث «فندق ماخوريّ»، وزمانه «ذاتُ حلمٍ ليلي» يمزج الواقع: «الوقت المتأخر»، «ثقوب جيوب السَّراويل»، «أسامة»، و«العشاء»؛ بالخيال: «التِّيه الجماعي»، «ظلال الأضواء»، «رجع الموسيقا»، «الغرباء»، «الأقنعة»، «الملامح المضطربة».
ويَلِدُ الحَدَثُ الفَردُ أحداثًا هيوليَّة، ينزاح مكانُها وزمانُها رغم التصاقِ البطلِ المُمْسكِ بسردِه الذَّاتي بكرسيه، يشتهي «الطَّاجنَ» المقدَّم إليه بطريقة «لا أخلاقيَّة»، كونها خَلَتْ من «الملاعق والخبز»، لتنتهي القصةُ نهايةً خفيفَةً تشعر القارئَ أن عناصرها: مِن مقدمة، وعقدة، ونهاية مفتوحة تتناسبُ وأحداثَها المتنقّلةَ في ثنايا حلم يكاد - لو طالَ - يذكِّرنا ببلادِ «أليس» العجائبيَّة، وتشيرُ بإصبع الاتهام إلى صفعةِ جوعٍ لم يُشبَعْ قبل النَّوم!

المرتبة الثّالثة: قصة «الجُبُّ» لوئام عصام/ مصر
بطريقة السَّرد الذَّاتيّ المستعينِ استعانةً لا بديلَ عنها بالانزياحِ المكانيّ والزّمانيِّ، وضعَ كاتبُ أقصوصةِ (الجُبِّ) نفسَه مكانَ البطل الرَّئيسِ الصّغيرِ القاطن في مدينة لا اسْمَ لها، ولا حدودَ جغرافيّة، إلا أن من صفاتِها أنها دائمةُ الحروبِ، شحيحةُ الأمانِ والرِّعايةِ والطّمأنينة، دائمٌ بحثُ سكانِها عن أفكارٍ ينجو بها أفرادُ أُسَرِهمْ، ولو عن طريقِ تبادلِ أفرادِ العائلاتِ، «حفاظًا على النّسْلِ»، كما اختصرَ والدُهُ فلسفةً واقعيةً يبدو أنها تُستخدَمُ كتجربةِ حفاظٍ على الحياةِ المستهدَفَةِ بـ«الصَّواريخِ والطّائراتِ والقنابلِ»، والتي تنشر الرُّعبَ في قلوب الكبار قبل الصِّغارِ، ريثما يوضَعُ «الصِّغار» - كبطل القصة - تحت «أثقالٍ» مُظلِمةٍ يطالِبُ فيها بالإجابةِ عن أسئلة وجوديَّة تتعلق بالحياةِ والموتِ، محاولًا أن يصرخَ، مع ابتعادِ المُنقذينِ الذين نادوا اسمَهُ وأسماءَ عائلةِ عمِّه وجيرانهم وجدَّته، مُستجديًا، من دون صوتٍ، ألَّا يرحلوا، فهو حيٌّ!
وتنتهي القصة نهايةً مفتوحةً مُفجِعَة ومُقلِقة وغامضة بحيث يتمنى قارئها لو أُغلِقَتْ، لكن القاصَّ  قصدَ أن تجلجلَ الصّرخة المكتومة كي تصفعَ صُنّاع الحروبِ الذين يجتثُّون عائلاتٍ بجدودِها وآبائها وأبنائها، فاتحينَ بواباتِ أسواقِ السّلاحِ على مصراعيها لجشَعِ هُتافِ: «هل من مزيدٍ»؟