الزّمن الثّقافيّ العالق بين إشكاليّات الفكر العربيّ المعاصر وإعادة تكوينه
ليس ثمّة شكّ في أنّ الأمّةَ العربيّةَ تعيش مرحلة الانسحاق الأعنف في تاريخها المعاصر، في ظلّ الانعطافات التّحوّليّة الحادّة الّتي يشهدها العصر التّكنولوجيّ القائم، عصر الذّكاء الاصطناعيّ. إنّها تتخبّط في شباك الاستنزافِ لعجزِها عنِ المشاركةِ في إنتاجِ العلمِ المواكبِ العصرنة والتّطوّر والتّقدّم في شتّى الأطر الفكريّةِ والعلميّةِ والتّكنولوجيّة والسّياسيّة والاقتصاديّةِ والاجتماعيّة والعسكريّة وغيرها؛ العلم الّذي يمنح «الجنسيّة الثّقافيّة» إذا تمّ التّفكير في قضايا الأمّة العربيّة من داخل الثّقافة العربيّة وبواسطتها، على ضوء ما يشتمل عليه تاريخها من نتاجات نظريّة عقلانيّة ومادّيّة وروحيّة، وما يكنزه من أنماطٍ تفكيريّة وسلوكيّة اجتماعيّة وأخلاقيّة موروثة، هي على صلة وطيدة بالمحيط الجغرافيّ.
إنّ عدم الإيمان بمرجعيّة الفكر العلميّ، أو السّعي إلى تعزيز ذاك الإيمان، يدفع إلى السّؤال الجوهريّ: «أيُّ معنى يبقى للفكر المعطّل حين تسقط هويّته الثّقافيّة في مقاربات أوّليّة غير مُتكافئة مع فكر الآخر النّاهض، مثًلا؟ إنّه أسوأُ تساؤل يحاصرنا ويُخاصرنا بفعل ما يحياه الفكر العربيّ من جمود ألغى الأفق المسهم في النّفاذ إلى مرحلة تأسيس تاريخيّ جديدة، فيها صدور عن الالتزام الواعي بتعزيز أدوات الإنتاج الفكريّ العربيّ الّتي تستمدّ هويّتها وماهيتها من فاعليّتها ونشاطها الذّهنيّ الّذي يقدّم المحتوى الفكريّ أيْ الإنتاج النّظريّ، والمبادئ والقواعد، والأفكار التّجاوزيّة المتشظّية الأبعاد، غير المتبنّاة من ثقافة الآخر المنتصر فكريًّا، والمبتكرة غير المكرورة لإكساب المنتمين إلى الثّقافة العربيّة المعرفةَ، ولتحقيق نهضة شاملة، وطبع الواقع الحضاريّ الحديث، الّذي تشكّل فيها ومن خلالها، ببصماتٍ رياديّة.
ثوابت ومتغيّرات
وعليه، نجدُ أنَّ تخاذلنا الفكريَّ هو المعوّق الجذريّ لمجتمعاتنا المُجهدة والفقيرة أو النّامية، في ظلّ الصّراع على قضايا سياسيّة ودينيّة، تحكمها أدلجة وموروثات عقيمة بعيدة من العقلنة، مأزومة الخطاب والرّؤية، لا حدّ لشناعة انقطاعها عن صلب قضايا الأمّة الحيويّة والمُلحّة، فالقضايا السّياسيّة والدّينيّة يجب أنّ تكون مستفزّة، تثير الأحشاء الفكريّة بغية المساءلة واستثمار مضامينها وشعاراتها ورؤاها لإحداث تحوّلات وتغيّرات اجتماعيّة لا تُبقي الإنسان وبيئته في حال تعطّل وجمود، وتندرجُ في صلب بنية الثّقافة الّتي تشتمل على ثوابت ومتغيّرات تمنح الفكر العربيّ هويّته.
وإذا كانت الثّقافة «ما يبقى عندما يتمّ نسيان كلّ شيء»، أي الثّوابت الّتي تندرج لتؤسّس بنية الفكر، ولتشكّل الزّمن الثّقافيّ الخارج عن زمن الأحداث والتّوقيت الطّبيعيّ، وتكونَ إضافة حضاريّة، فهذا يعني أنّ انتهاك تابوات اللّغة العربيّة المحكمة الإغلاق والتّعقيد، وتخطّي «تحريم وتجريم الاقتراب العلميّ من إخضاع التّراث بضغوطه التّشريعيّة والتّسلّطيّة والطّبقيّة والدّينيّة والنّوعيّة والتّجييليّة للبحث والعقلنة»، لن يتركا تاريخنا الحاليّ صامتًا، وسيسهمان في تحرير الزّمن الثّقافيّ ليكون حيًّا، بعد أنْ صيّرنا تخلّفنا هامشيّين، وراكم داءاتنا ومواجع مجتمعاتنا النّامية وأمّيّتها، نمضي عكس تيّار الزّمن الثّقافيّ، وخارج دائرة التّاريخ الرّاهن، لافتقارنا إلى الرّوح النّقديّة وجنس المبادرة، ولركوننا إلى الماضويّة بوصفها قدرًا، وكأنّ ما أنتجه فكر الأجداد، المكوِّن ثقافتهم، هو الممكن السّائد، إذ تتمّ استعادته لتوحيد الأفكار وفق نسق يقدّس بلا منافس أو مقارع، أو إمكانيّة إضافة حقائق جديدة، مع تعذّر تجاوز ذاك النّسق عبر نقد أحوالنا وواقعنا، وتغيير وجهتنا، بفضل محاولات جاهدة، نحو مرحلة تلازم تطلّعاتنا الحداثيّة.
إنّ سوء ما نحياه تنطبقُ عليه مقولة لالاند Lalande (عن العقل المكوَّن النّاتج عن العقل المكوِّن عبر نشاطه الذّهنيّ الّذي يقوم به في أثناء البحث والدّراسة وصوغ المفاهيم)، إنّ العقل المكوَّن «ينزل منزلة المطلق من طرف أولئكَ الّذين لم يكتسبوا، في مدرسة المؤرّخين أو مدرسة الفلاسفة، الرّوح النّقديّة».
إنّ أحوالنا البائسة تنمّ، بالدّرجة الأولى، عن افتقادنا الرّوح النّقديّة، الّتي تسلّحَ بها أجدادنا، الممارَسَة بحرّيّة شاملة تدفع إلى إعادة تأهيل الفكر العربيّ ليكون صالحًا للمستقبل، مع السّماح بقيام معرفة علميّة أو فلسفيّة تشريعيّة، بعيدًا من العقائد والأساطير والخرافة والبناءات اللّاهوتيّة والعنصريّة، تؤدّي إلى طرحِ رؤى تقدّميّة تجديديّة، وخططٍ استشرافيّةٍ تساندُ في تعزيز أدواتِ الوصولِ إلى المستقبل، والإسهامِ في صناعتِهِ. إنَّ المستقبل هو المحطّة الزّمنيّة الأهمّ الّتي تبحثُ الأممُ لنفسِها فيها عنْ موقعيّة وتميّز وحضور وفرادة، لذا تلجأ إلى استشرافه عبر تقديم جهد فكريّ علميّ عميق منبني على مؤشّرات كمّيّة أو نوعيّة، وعلى حقائق ووقائع وأدلّة مساندة في التّنبّؤ بالأحداث والانعطافات التّغيّريّة المتوقّعة وغير المتوقّعة لاتّخاذ الخطوات والإجراءات الممكن تطبيقها لجعل المستقبل أكثر فاعليّة ومواءمة للتّطلّعات والرّغبات.
إعادة إنتاج الفكر العربيّ
لذا يبقى أنَّ السّبيل الوحيد الضّامن انطلاقتنا، وفرض بدائل التّغيير بقوّة، هو إعادة إنتاج الفكر العربيّ عبر تكوينه علميًّا، بعد نقده وتحليله وتقييمه لفهم بناه الفكريّة العميقة وتعرّف محتواها، ليمسي قادرًا على فرزِ نظريّات علميّة ومواقف جديدة بفعل الجهود المركّزة والمرتقبة الّتي لا تستقرّ. إنّ الفكر العلميّ هو جوهر التّقدّم الحضاريّ الإنسانيّ، وهو المعزّز حضور اللّغة والعامل على إحيائها، لأنّ التّفكير وبلورة الرّؤى لا يكون إلّا عبر آليّاتها، وبواسطة رموزها وإشاراتها المشكّلة إحدى أدوات المعرفة.
وإنّ اللّغة مرتبطة بالتّفكير ارتباطًا وثيقًا، إذ تصوغه بقالبٍ لغويّ، وعبر مادّة تعبيريّة جديدة تساير جدّة الأفكار، وهي تؤثّر في رؤية ناطقيها إلى العالم، وفي كيفيّة فهمه، فالعالم في نظر «بارت» أبكم، لا يستطيع الدّلالة إلّا من خلال اللّغة، «وهو ما يترتّب عنه خلاصتان هما: أنَّ العالم مجرّد لغة، وأنَّ العالم الوحيد الموجود هو عالم العلم». وعليه، تُستثمر اللّغة بخاصّيّتها الاشتقاقيّة قرينة تحوّلات الفكر العلميّة الحداثيّة الّتي تعبّر اللّغة عنها بروحيّتها، بوصف اللّغة آليّة فكريّة تحدّد بنُظمها مدى فاعليّة الإنسان، وطبيعة علاقته بمجتمعه والمجتمعات المتباينة معه ثقافيًّا وأيديولوجيًّا، ومدى تلاقيه وتواصله مع الآخر، ضمن سياقه الجغرافيّ أو خارج أُطره، عبر الكشف عن استثائيّة الفكر بنتاجه الثّقافيّ ورؤاه الّـتي تفرضه حضورًا بخصوصيّته وهُويّته وانتمائه.
العجز الفكري
وفي هذا السّياق، نجد أنَّ جمود اللّغة العربيّة ما هو إلّا محصّلة انكفاء الإنسان العربيّ عن إنتاج ثقافة حداثيّة، وتقوقعه وملازمته الجمود والرّجعيّة بفعل العجز الفكريّ عن المشاركة في ما تنتجه المجتمعات الممسكة بزمام التّطوّر والتّقدّم، والإضافة إليه، وهذا ما يؤكّد جدليّة العلاقة بينَ اللّغة والفكر وسياقها البيئيّ الاجتماعيّ الثّقافيّ. ومن المؤكّد أنّ مهمّة إقحام مجتمعاتنا العربيّة في دائرة التّاريخ مجدّدًا، تقع على عاتق الباحثينَ والرّؤيويّين المُلزمينَ بتأسيس مشروع حضاريّ نهضويّ متكامل قائم على محاولات رياديّة تنطلقُ من «استئناف النّظر في تاريخ الثّقافة العربيّة الإسلاميّة من جهة أولى، وبدء النّظر في كيان العقل العربيّ وآليّاته من جهة ثانية»، مع الوقوف عند معطيات واقع أمّتنا وتحدّياته، وما ينسجمُ مع خصوصيّتنا وتطلّعاتنا المستقبليّة، والغوص في عمق أزمة لغتنا وتشخيصها، وتعرُّف كُنهها، وهو ما يستوجب نقد الفكر العربيّ وأصوله لإعادة تكوينه تكوينًا حداثيًّا كي يكون ناهضًا. ونقد الفكر لا يعني تناول أفكاره وآرائه وتصوّراته ومعتقداته ونتاجاته بحدّ ذاتها؛ بل المقصود نقد الفكر بوصفه «الأداة المنتجة لهذه الأفكار» والآراء، والمؤسّس الفعليّ للمواقف، عبر الخوض في أروقة الثّقافة العربيّة، وفي أسسها، ومواد معرفتها، وأفق تكوينها غير المستقلّ عن الحركات السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة بتبايناتها وصراعاتها، وعلاقاتها التّقاطبيّة بين الجهات الرّسميّة وغير الرّسميّة.
ومن المعروف أنّ بنى «الفكر» لا تتكوّن ولا تتشكّل إلّا داخل ثقافة معيّنة ووفق معطياتها، إذ يحاور الفكر ثوابتها، ويتمرّد عليها لإعادة إنتاج أسس مغايرة كشفيّة برؤى حداثيّة تجديديّة، بعد تخطّيه نظمه المُعتادة في الإدراك، عبر مراجعة منشرعة الأبعاد وشاملة لآليّاته الفكريّة وتصوّراته، مع تبيّن معالم رؤاه ومنطلقاتها للإفادة من أخطاء المراحل السّالفة، ومن قصوره وهناته بغية تجاوزها، واجتناب تكرارها، لئلّا يُقحم في دوّامة جمود تحرمه من إنتاج المعرفة، دوّامة شبيهة بدوّامتنا الّتي انعكست قصورًا وعجزًا في اللّغة العربيّة الّتي تهاوى مجدها المقرون بتاريخ الثّقافة العربيّة الإسلاميّة في مرحلة ما قبل عصر الانحطاط.
ومن دون شكّ، لا نهضة للواقع العربيّ وللغتنا في ظلّ فكر غير ناهض، فالتّأسيس لمشروع علميّ حضاريّ هو حتمًا استجابة لأزمات واقعنا السّابقة والمتوقّعة الّتي تشكّل شرطًا مسبقًا لظهور نظريّات علميّة تساند في الحدّ من تلك الأزمات. وفي سياق تصدّي العلم للتّحدّيات يقول توماس كون: «أحيانًا قد يثبت العلم العاديّ... على معالجة المشكلة الّتي أثارت الأزمة... وفي مناسبات أخرى تقاوم المشكلة حتّى المقاربات الجذريّة الجديدة... فيلصقُ بالمشكلة ما يدلّ على نوعها، وتزاح جانبًا لينظر فيها جيل آخر في المستقبل يكون مزوّدًا بأدوات أكثر تطوّرًا». وعليه، ندرك حجم مأساتنا المتولّدة من انعدام المبادرات العربيّة العلميّة الجمعيّة السّاعية إلى الحدّ من تفاقم مشكلاتنا وأزماتنا، لئلَّا يُلقى الحمل على المستقبل الّذي سيظلّ مأزومًا لأنّنا لا نمتلك الأسلحة الفكريّة المؤهّلة لخوضه برؤى حداثيّة تسهم في تخطّي أحمال الماضي والحاضر، ولم نؤسّس لمشروعٍ نقديّ موضوعه «الفكر العربيّ»، بعد الوقوف «من موضوعنا موقف الذّات الواعية، من نفسها»، الّذات «العالِمة» النّاقدة الّتي تتكشّف في نفسها الفرادة، بغية التّحرّر من القيود والموروثات الثّقافيّة المتخشّبة الّتي عزلتنا عن استئناف الحياة بلا معضلات.
اقتحام المستقبل
إنّنا مرغمون في هذه المرحلة على إيجاد حلول لأزماتنا، فمن حقّ أجيالنا، قبل كلّ شيء، أن ترث ثقافة وحضارة متقدّمتين منبنيتيْن على ما يجب أن يقترفه فكرنا من إيجاب يراعي التّنمية العلميّة المستدامة، إذ لم يعد بمقدورنا الرّهان على الوقت، أو تصدير تلك الأزمات إلى أجيالنا اللّاحقة المُلزمة بالسّعي إلى اقتحام المستقبل والمغامرة فيه، إذا توافرت لديها إمكانات إعادة بناء الحقول المعرفيّة على أسس علميّة جديدة تقدّم خطابًا علميًّا متخطّيًا الخطاب الغربيّ... لقد لُفظنا من دائرة التّاريخ الحديث، وكان لزامًا علينا، قبل أن تذهب أزماتنا بعيدًا في تجذّرها، إطلاقُ المبادرات حتّى لو كانت جنينيّة، والشّروعُ في تكـوين خارطة تصدٍّ لانهيارات متلاحقة لن تهدأ، وتسلُّمُ زمام المواجهة الفكريّة عبرَ إشعال الثّورة العلميّة، مستفيدينَ من الأدمغة الخصبة المؤمنة بإمامة الفكر العلميّ، والقادرة على طرح رؤى حداثيّة، و«براديغمات» تجاوزيّة مستندة إلى ما قدّمه الغرب، وذلكَ للنّهوض بنا، بعدَ أن يتجدّد إدراك العربّي بمحيطه عبر التّربية العلميّة الّتي تكسر قيود كلّ تقليد أو علم عاديّ، لأنّه «عندما تتغيّر البراديغمات، فإنّ العالم نفسه يتغيّر معها. فالعلماء الّذين يقودهم براديغم جديد يتبنّون أدوات جديدة، وينظرون في أمكنة جديدة. وربّما يكون الأكثر أهمّيّة من ذلكَ أنّ العلماء يرون خلال الثّورات أشياء جديدة ومختلفة عندما ينظرون، وبأدواتهم المألوفة، في أمكنة كانوا قد نظروا إليها من قبل».
لا شكّ في أنّ التّفكير في قضايا الأمّة العربيّة من داخل الثّقافة العربيّة وبواسطتها «بوصفها نتاجًا تاريخيًّا يحملُ عبر الزّمن تصوّرات وآراء ومعتقدات، وأيضًا طرائق في التّفكير وأساليب في الاستدلال»، يرتكز على أسس مرجعيّة يكنزها الفكر العربيّ، وهي على صلة بخصوصيّة المحيط الجغرافيّ والاجتماعيّ والموروث الثّقافيّ، وبالنّظرة إلى المستقبل والعالم، وإلى موقعيّة الإنسان العربيّ فيهما.
وإنّ تلكَ المنظومة المرجعيّة تعكس طموحات الّذات العربيّة، وما قدّمت من رؤى تجديديّة، وخططٍ استشرافيّةٍ ساندتْ في ابتكارِ أدواتِ الوصولِ إلى المستقبل الّذي صار ماضيًا، وأسهمَتْ في صناعتِهِ، تحديدًا في العصر العبّاسيّ، وذلكَ بعدَ الانطلاقِ منْ معطيات واقع الأمّة العربيّة، والانسجام مع خصوصيّتها وتطلّعاتها المستقبليّة المرتبطة بتعالي الوعي المتجاوز تحدّيات الواقع.
إعادة إحياء «العربية»
وإنّ إخفاقات العرب وهزائمهم الفكريّة المتلاحقة، وأسباب تخلّفهم ورجعيّتهم، منذ عصر الانحطاط، لا تنفصل عن منظومتهم الثّقافيّة المرجعيّة، تلك الهزائم الّتي تصدّرتها اللّغة العربيّة العاجزة عن مسايرة العصرنة، والمستوجبة، بإلحاح، إعادة إحيائها عبر تخطيط عميق ينصُّ على تشذيب أنساقها المعقّدة، وهندسة إمكاناتها النّمائيّة، وتحريرها من قيود الجمود والتّحنيط والتّشعّبات، لتمكينها من أداء وظيفتها التّواصليّة، لتتماشى مع مستجدّات الحداثة وتحدّياتها.
إنَّ تطوّر العربيّة سبيل تحفيزيّ للنّهضة المرجوّة في شتّى القطاعات، لأنّ إنتاج البحث العلميّ المأمول عربيًّا، والسّبيل الأساس للّحاق بركب الأمم المتحضّرة، لا يكون إلّا بالتّفكير من خلال منظومة اللّغة العربيّة لتشكّل أداة فاعلة من أدوات الإنتاج الفكريّ، ولتصبح لاحقًا جزءًا من منتجات الفكر عبر ما يستجدّ فيها من مصطلحات ومفاهيم علميّة تضاف إلى مكوّنات الثّقافة العربيّة المرجعيّة، وهو ما يسهم في صناعة غد يتماهى وطموحات الإنسان العربيّ، عبر تحويل الرّؤى إلى أعمال إجرائيّة تنهضُ بالقطاعات الحيويّة كالتّكنولوجيا والأنظمة الذّكيّة والاستدامة، والبيئة، والتّغيير المناخيّ، والطّاقة، والمعادن، والتّعليم والصّحّة، والرّأس المال البشريّ وغيرها.
إنّ اللّغة الفاعلة مقدّمة كلّ حضارة وكلّ تحوّل علميّ، لذا يستوقفنا الأمر حول إمكان تحقّق التّحوّل العلميّ، والتّقنيّة العلميّة، ومشهديّتها المستقبليّة في ظلّ الحكم الأوليغاركيّ العربيّ.
ولكن ما يترك فسحةً للأمل لدى كلّ عربيّ طامح، ويبعث لديه شيئًا من الطّمأنينة هو «أنّ الأوليغاركيّات العربيّة ليست (علميّة) إلى الحدّ الّذي تمثّل خطورة مستديمة»، لأنّ العلميّة وحدها تضمن للسّلطة عقلنة القمع، وحسن إدارة العامّة عبر الإفادة من التّطوّر والتّحوّل وفق آليّات تجاوز التّقليد والجمود، لمسايرة العصرنة بما يضمن رخاء السّلطة أكثر ■