نيوزيلاندا بلاد تعيش على قارة

نيوزيلاندا بلاد تعيش على قارة

صباح الكون من (أوتياروا Aotearoa) أرض السحابة البيضاء الطويلة، كما تعني باللغة الماورية (maori)، تشرق الشمس على وجهها كل يوم، وهي أول المحتفلين بالعام الجديد، عالم آخر مختلف ومثير  وساحر. تشكلت استثنائيتها بسبب عزلتها عن بقية العالم بمياهها الكرستالية وإطلالاتها الخلابة، وجغرافيتها الحيوية جعلتها زاخرة بتنوع نباتي وحيواني فريد. كم كان الأمر صعبًا حين قررت الكتابة عن نيوزيلاندا، فهي دولة لا تكفيها الصفحات، فهل أكتب كل مدينة على حدة وأسهب فيها، أم أمضي في جولة كاملة المتعة كما قضيت فيها شهرًا ولم أشعر بالسَّأم منها؟

 

كيا أورا - وتعني مرحبًا - من جنوب الكرة الأرضية، حيث صباحاتهم مساءاتنا في الدول العربية، وفرق توقيت الساعات يصل من 9-12 ساعة، لذا فإن صيفهم في الجنوب الذي يبدأ في شهر نوفمبر هو شتاؤنا في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، تُقلب فيها الأيام والساعات والشعور. فالطقس معتدل بشكل عام والمناخ محيطي، ونادرًا ما تنخفض درجات الحرارة دون الصفر درجة مئوية أو تزيد عن 30 درجة في المناطق المأهولة بالسكان.
إنها نيوزيلاندا، أرض الشرق البعيد... الطريق إليها طويل، وبعيد ومكلف، نعم... وأسهل طريق إلى هناك هو الخطوط المباشرة. ولحسن الحظ أنه في عام 2016 افتتحت كلٌّ من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر مسارات جديدة ومباشرة للسفر من دبي أو الدوحة إلى ولينغتون العاصمة النيوزيلاندية، وأوكلاند العاصمة السياحية المستقرة، بزمن يستغرق 16-17 ساعة متواصلة، وهي أطول رحلات الطيران المباشرة.
وما بين أفلام وكتب ونوم وصلت إلى مطار أوكلاند الدولي، حيث أنهيت إجراءات الفيزا التي لم تأخذ أكثر من عشر دقائق، كانوا فيها ودودين للغاية.
خرجت من المطار واحتضنت ابني وهممت بركوب سيارته، فاستوقفني قائلًا: «حبيبتي، من الباب الثاني» انتبهت أن قيادة السيارة من الجهة اليمنى، وعليه فإن كل شوارع نيوزيلاندا بهذا النظام البريطاني والجميع يحترم القانون بحذافيره، كنت في قمة الحماس، فقد جهز لي برنامجًا متخمًا بالأنشطة والرحلات لمدة شهر، فهذه أرضٌ لن تمل فيها أبدًا.

بلاد تعيش على قارة 
كما في الحكايات، فإن نيوزيلاندا بالأساس ظهرت نتيجة نشاط زلزالي كبير حصل قبل 25 مليون سنة، بسبب تغيير طبيعة المنطقة بتحرَك الصفائح التكتونية تحت البحر التي فصلتها عن أستراليا، فأصبحت على ما هي عليها الآن.
وهي ظاهريًا تبدو كجزيرتين كبيرتين: فالجزيرة الشمالية تسمى (تي إكا آ ماوي) وهي ذات نشاط بركاني عالي، وتحتضن في شمالها مدينة أوكلاند (Auckland) الحيوية، وفي جنوبها العاصمة النيوزيلاندية ولينغتون (Wellington)، وفيها بحيرة (تاوبو) الأكبر في البلاد. 
أما الجزيرة الجنوبية وهي الأكبر مساحة فتسمى (تي واي بونامو)، تقسمها طوليًا جبال ذات 18 قمة، يتجاوز ارتفاعها 3700 متر، وما بين الجزيرتين مضيق (كوك) والذي يبلغ اتساعه 20 كيلومترًا عند أضيق نقطة، إضافة إلى جزر أخرى صغيرة متاخمة لشواطئها تُقدر بحوالي 600 جزيرة، أهمها جزيرتا ستيوارت (راكيورا) وجزيرة (وايهيكي) في خليج (هوراكي أوكلاند) شمالًا المأهولتان بالسكان.
وما زالت نيوزيلاندا ترقد على أرض كبيرة من تحتها تُسمى (زيلانديا)، تُقدر مساحتها تقريبًا بخمسة ملايين كيلومتر مربع، أي ما يعادل ثلثي حجم أستراليا، وهي ليست قارة رسمية معترفًا بها دوليًا، ولكنها منطقة مهمة تشكل تاريخ القشرة الأرضية التي تضم نيوزيلاندا وجزيرة «كاليدونيا الجديدة».

أوكلاند... قلب المدينة الأكبر
تجولت في قلب المدينة الحديثة النابض بالحياة، أوكلاند، حيث يتمركز في محورها برج السماء أو سكاي سيتي (Sky City) بارتفاع 328 مترًا في قلب العاصمة السياحية... هو ليس مجرد برج عادي تشاهد فيه معالم المدينة من كل الجهات، وعلى عدة مستويات، وإنما هناك مطعم خلاب بأروع إطلالة على الأفق وأنشطة إبداعية تتعرف عليها مع المرشد الذي يأخذك في جولة لمدة 45 دقيقة للتعرف عن قرب على اهتمامات هذا الشعب ببرامج إبداعية ومناطق تفاعلية مرحة.
وبالإمكان السير على الحلقة الخارجية لبرج سكاي تاور، فتشاهد المدينة بالدوران حوله 360 درجة خلال المشي على أرضية زجاجية شفافة وبدون حواجز للإمساك به، كما يمكن القيام بأعلى قفزة بالسلك في نيوزيلاندا على ارتفاع 192 مترًا، وتسمى (Sky Jump) وهي مختلفة عن قفزة (Bungy Jump)، لأنها تأتي بسرعة 85 كيلومترًا في الساعة قبل الهبوط التدريجي عند قاعدة البرج. فعلًا إنه أمر مرعب لكن مستويات الأمان لديهم عالية جدًا، ومع ذلك لم أتجرأ لخوض هذه التجربة.
عبرت شارع كوين (Queen Street) الشهير بالعمران المدني الملحوظ، تاركة خلفي ميناء أوكلاند (Waitemata Harbor) أحد مداخل الملاحة البحرية والذي يمتاز بعدد كبير من الأنشطة الترفيهية وخاصة الرياضات البحرية منها، لوقوعها على المحيط الهادئ شرقًا.
يتجلى وجه المدينة الباهي من الشوارع المرسومة بعناية والمراكز التسوقية الكبرى ذات العلامات التجارية العالمية، تتخللها محلات صغيرة كثيرة لبيع الهدايا التذكارية الغريبة ومنتجات من ثقافتهم، كما تنتشر المطاعم على طول الشارع لتقدم أشهى المأكولات النيوزيلاندية والآسيوية ومن مختلف مطابخ العالم. 
قررنا الجلوس وتجربة بعض المأكولات النباتية الشهية، وعند الحساب كان الدفع بالبطاقة، وكذلك لمواقف السيارات، وأي تعامل كان بالبطاقة، بالرغم من أن العملة هنا هي الدولار النيوزيلاندي إلا أنهم لا يستخدمون العملات الورقية أبدًا، نظرت بتأمل إلى الورقة النقدية بيدي، فابتسم ابني قائلًا: «هي لا تبتل ولا تتمزق»، حاولت التجربة فضولًا ولم أنجح، إذن فماذا أفعل بأوراق النقود التي بحوزتي! أجاب: «بسيطة... سأدخلها البنك ولتصرفي من بطاقتي ما تشائين».

تزاحم الوجوه واللغات
إنهم يتحدثون اللغة الإنجليزية، وهي كانت اللغة الرسمية للبلاد حتى عام 1987، حتى انضمت اللغة الماورية لها فأصبحت هاتان اللغتان هما الأكثر شيوعًا واستخدامًا، وأضيفت لهما لغة الإشارة النيوزيلاندية الخاصة بالصم عام 2006، إضافة للغات الأخرى المتداولة بصورة غير رسمية، فالكثافة السكانية عالية، وبحسب إحصائيات عام 2018 فإن عدد سكان نيوزيلاندا ككل ما يقارب الخمسة ملايين نسمة.
اختلطت عليّ الوجوه ما بين الإنجليزي والصيني والهندي والماوري، نعم الماوري شعب الأرض الأصلي... لم أكن أدري أن التعرف عليهم سيكون بهذه السهولة، فهم يمتازون بطول القامة وبأجسام ضخمة موشومة وأكتاف مائلة للأسفل، ووجوه أشبه إلى شعوب دول جنوب شرق آسيا باختلاف واضح عن البقية. فغالبية السكان هنا من أصول أوربية بنسبة تشكل ما يقارب 74 في المئة، بينما يشكل الماوريون الأصليون نسبة 15 في المئة إضافة لخليط من الجنسيات المختلفة.

التاتو الماوري رمز للهوية والانتماء 
حان وقت الغداء... وبمجرد دخولي للمطعم تسمَّرت في مكاني لما رأيته أمامي، فبينما يختار ابني مع النادل طاولة، لاحظ وقوفي منفردة بجمود، فعاد إليّ واقفًا أمامي قائلًا: «أفهم يا أمي Culture shock الصدمة الثقافية». حقًا... فقد شاهدت إنسانًا على هيئة تمثال مغطى بالوشوم الغريبة، كان بكامل أناقته الرسمية جالسًا عند المدخل، فلا يكاد يظهر من جلد بشرته اللون الطبيعي، استوعبت لاحقًا أهمية هذه الخطوط ومعانيها.
يعدَ الوشم الماوري (التاتو) جزءًا مهمًا من تقاليد وثقافة الشعب الأصلي، وهو وسيلة للتعبير عن الهوية الفردية والعائلية والقبلية، بالإضافة إلى صفات القوة والحماية والشرف والحكمة والمواقف الاجتماعية، وتعود هذه الوشوم إلى قرون عديدة وتُنفذ بأسلوب فني فريد على الجلد عن طريق نقش الرموز والأنماط الهندسية، تجسد العناصر الطبيعية والتوازن الذي يمتاز به الكون.
بدأتُ أفهمها مع الوقت... خاصة التي تأخذ شكلًا محددًا كإشارة إلى الحياة في أشكال مشابهة لشكل الشمس أو قطرات الماء الدائرية والخطوط المتعرجة والمثلثات التي تدل على الأرض والجبال والتلال، وأخرى تمثل الوجوه البشرية والتراث العائلي، كما يشمل الوشم الماوري رموز الحيوانات، مثل الحيتان والسلاحف والطيور، في حين تعكس الخطوط المستقيمة والمستطيلات البنية والتنظيم والقوة.
لا يخلو جسد ماوري منها، حتى المتمدنين ذوي الأصول الأوربية تتزين أجسامهم بها، ومع تطور العصور قل عدد الأشخاص الذين يحملون وشومًا ماورية تقليدية، بخلاف السابق حين كانت الأجساد توشم شبه كاملة وتغيب لون الجلد من كثرتها، صارت الآن تُنقش على مساحات أقل، ولكن لا نزال نرى الكثير من الشعب الماوري الأصلي والنيوزيلانديين الجدد يتباهون بها، فهي تُرسم على أجزاء من الوجه والأيادي والأقدام.
هناك فنانون محترفون موهوبون معروفون بالخبرة والثقافة الماورية القديمة بتصاميمها الجميلة والمعقدة والمستوحاة من الفن الماوري التقليدي، والتي تستخدم في الحروب والزواج وتجارة الأراضي، ولتعزيز المكانة الاجتماعية والاقتصادية من الجاه والقوة والوقار. وتختلف في المعنى والتفسير بين العائلات والقبائل الماورية المختلفة مستخدمين أدوات حادة لغرسه تحت الجلد بمهارة وخبرة.

المُلك للإنجليز 
نيوزيلاندا هي دولة ديمقراطية برلمانية وقعت تحت حكم ملوك بريطانيا إلى عام 1983، حين أصدرت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا السابقة براءة تملك تمنح الحكم بالإنابة لصالح النيوزيلانديين وتُدار من قبل رئيس وزراء، إلا أنه إلى الآن يعتبر الملك البريطاني تشارلز الثالث هو ملك نيوزيلاندا، ويمارس سلطاته من قبل وزرائه، وفقًا للدستور المعتمد عند 1986 حين تأسيس الدولة.
نيوزيلاندا بلد متحضر، التعليم فيه إلزامي ومجاني لكل المواطنين النيوزيلانديين والمقيمين الدائمين، من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، أي من سن السادسة حتى سن السادسة عشر، ولدى نيوزيلاندا ثماني جامعات حكومية وأخرى خاصة.
وتصنف الآن من الدول المتقدمة، حيث إن قطاع الخدمات هو أكبر قطاع اقتصادي يليه الصناعات التحويلية والبناء ومن ثم الزراعة فاستخراج المواد الأولية، ومجالات عدة، بما في ذلك التعليم والحرية الاقتصادية وانعدام الفساد، وتعتبر من الدول الأكثر أمانًا للمعيشة في العالم.

هاملتون تحتضن قرية الهوبيتون (Hobbiton) 
سلكنا الطريق لمدة ساعة و15 دقيقة من أوكلاند إلى إقليم وايكاتو (Waikato)، أحد الأقاليم الستة عشر في نيوزيلاندا، حيث يجري أطول نهر في البلاد يصل طوله إلى 425 كيلومترًا، إلى مدينة هاملتون (Hamilton) حيث إقامتنا. 
استعددت في اليوم التالي لرحلة في عالم (الهوبيت)، ومَن منا لم يقرأ أو يشاهد سلسلة أفلام سيد الخواتم (lord of the rings) وفيلم (the hobbit)، التي تم تصويرها في نيوزيلاندا... وبالتحديد بمنطقة اسمها ماتا ماتا، بمزرعة تسمى «ألكسانر»، ذات الملكية الخاصة لأحد الأشخاص، والتي تحتوي على 30 ألف رأس من الخراف.
أخذنا الباص في جولة حول القرية وتم تشغيل فيديو تسجيلي عن المنطقة، وكيف وتم اختيارها عام 1998 من قبل مخرج الفيلم بيتر جاكسون، عندما قرر القيام بأخذ جولة بالهليكوبتر فوق الجزيرة الشمالية في نيوزيلاندا، فأُغرم بالمكان وتضاريسه المتعرجة وتخيَلها كما رأيناها في الفيلم الأول، بدأ البناء في السنة التالية واستمر البناء من شهر مارس إلى ديسمبر. فقد دفع تنوع المشهد الطبيعي النيوزيلاندي بالبلاد لأن تكون موقعًا مفضلًا لإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، بما في ذلك ثلاثية سيد الخواتم والساموراي الأخير.
شقّ الجيش النيوزيلاندي طريقًا بطول كيلومتر ونصف داخل المزرعة لبناء قرية الأقزام الهوبيتون، تتوسطها بحيرة صناعية، وحفر 39 حفرة من البيوت الصغيرة... وبعد الانتهاء من تصوير السلسلة الأولى تم هدم الموقع بالكامل وإعادة المزرعة كما كانت. ولكن، حين قرروا تصوير الفيلم الثاني اضطروا لبناء الموقع من جديد، وهذه المرة وافق صاحب المزرعة على استخدام الأرض للتصوير مرة ثانية بشرط أن تكون قرية مستدامة ومبنية بمواد دائمة، واستغرق البناء من عام 2009 ما يقارب السنتين وتم التصوير في أكتوبر 2011 ولمدة 12 يومًا فقط. ولا تزال تلك البيوت القزمية قائمة هناك بعدما أصبحت مزارًا للسياح.
وعلى مشارف نهاية اليوم لم أشأ تفويت فرصة زيارة حدائق هاملتون الشهيرة والتي تم إنشاؤها في عام 1962، لما فيها من تقسيم هندسي بديع، ضمت مساحات مختلفة من الحدائق اليابانية والإنجليزية والهندية والصينية ومساحات مائية ونباتية غاية في الجمال والتنسيق.

نظرة مسترخية على ماتا ماتا (Mata Mata)
المدينة هادئة تتسم بطبيعة ريفية ومناسبة جدًا للاسترخاء، والتنزه في الحدائق النباتية الجميلة للتعرف على أزهارها المحلية، لأنها أحد أقدم المحميات في نيوزيلاندا ومركزًا لحماية الحياة البرية وموطنًا للعديد من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض، المدينة الريفية ساحرة (ماتا ماتا) والتي تحدها جبال (كاليماي) المغرية للمشي ولمغامرات التسلق وركوب الدراجات، وذلك ضمن مسارات محددة للأمان.
مكان مثالي لاستكشاف المناظر الطبيعية الخلابة مع الإطلالات الأروع، والانطلاق برحلات صيد الأسماك في البحيرة أو نهر (وايكاتو) القريب، حيث مجموعات السمك المتنوعة... وعلى ذلك تنتشر محال استئجار الدراجات الهوائية وقوارب ومعدات الصيد، سواء بالقصبة أو الصنارة العادية أو الصنارة الطائرة وتوجد كذلك الشباك، مع توافر المرشدين السياحيين للرحلة عند الرغبة بالتخييم واكتشاف الحياة الطبيعية لنيوزيلاندا.

ثقافة الاحتلال قمعت ثقافة الماوري
نيوزيلاندا بلد مأهول بالسكان الماوريين منذ قرون، حيث كانت لديهم ثقافة وتقاليد ونظام حكم خاص بهم... حتى وصل المستوطنون الأوربيون إلى الجزر النيوزيلاندية في القرن السابع عشر، وخاضوا تجارة مع السكان المحليين فتزايدت الهجرة الأوربية لها، وفي عام 1642 قام المستكشف الهولندي أبيل تاسمان بزيارة نيوزيلاندا وأعلن أنها جزء من الإمبراطورية الهولندية... وبعدها وفي عام 1769 وصل المستكشف البريطاني جيمس كوك إلى نيوزيلاندا وبدأ في رسم خرائط للسواحل والمياه المحيطة، وغير اسمها إلى الإنجليزية (نيوزيلاندا).
غزا الاستعمار الأوربي أرض الماوريين في القرن التاسع عشر، وتصاعدت التوترات بين المستوطنين الأوربيين والسكان الأصليين بصورة معقدة، بدءًا من التعاون التجاري إلى التوترات الثقافية والاستيطان غير المشروع، فالصراعات العنيفة أدت إلى قتل وتشريد الشعب الماوري الأصلي، إلى أن قامت الحكومة البريطانية في عام 1840 بتوقيع معاهدة وايتانجي (Treaty of Waitangi) والتوافق ظاهريًا بين الأطراف وإبرام هذه الاتفاقية التي تهدف إلى حماية حقوق الماوري وتأكيد سيادتهم على أراضيهم ومواردهم، إلا أنها لم تكن تحقق الهدف الأساسي منها، بل كانت لتأسيس السيادة البريطانية في نيوزيلاندا وتحتل من قبل المستوطنة الأوربية. 
لم يسلم الشعب الأصلي من الظلم والتمييز والاضطهاد ومن التصفية البشرية وقتل الملايين منهم وسرقة الأراضي والممتلكات وتدمير البيئة الطبيعية وفقدان الأراضي، مما أدى إلى تزايد حجم الفقر وتهميش الاقتصاد الماوري، وتأثر الهوية الثقافية باندثار اللغة الماورية، وتراجع انتقال اللغة استخدامها عن طريق قمع الممارسات الثقافية الماورية وتجريمها في بعض الأحيان، وتعزيز اللغة الإنجليزية كلغة رسمية في البلاد وفرض تداولها في التعليم والمراسلات والإعلام وكافة شؤون الدولة، نتيجة للتوسع الأوربي والسياسات الاستعمارية... كما عانى السكان من أعلى مستويات الفقر والبطالة وسوء الصحة الجسدية والعقلية والاجتماعية للإنسان الماوري.
منذ ذلك الحين، تم اتخاذ إجراءات لتحقيق العدالة وإعادة إحياء الثقافة الماورية وتنمية المجتمعات الماورية في نيوزيلاندا. وقد تم إقرار تشريعات وسياسات تعزز حقوق ومكانة الشعب الماوري، وتعمل على تعويض الظلم التاريخي الذي تعرضوا له.

فرض الهوية الوطنية
واليوم... وبجهود قوية تسعى الحكومة النيوزيلاندية لاتخاذ بعض التدابير لتحقيق العدالة وتعزيز احترام الثقافة والتقاليد الماورية، باعتبارها جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية، وذلك بتعزيز قيم التعددية الثقافية والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة، فقامت بإجراءات لتعويض الشعب الماوري عن فقدان الأراضي التي نهبت منهم خلال فترة الاستعمار، وعملت على تعزيز اللغة بإعادة إحياء وتعزيز اللغة الماورية والثقافة من خلال برامج التعليم والتدريب، وتطوير المدارس الماورية ثنائية اللغة ومناهج تركز على الثقافة الماورية. 
كما حرصت الحكومة على تعزيز التمثيل السياسي للشعب الماوري من خلال تنظيم الحوار الوطني وتفعيل جلسات المشاورات لمناقشة القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتأسيس هيئات ومؤسسات تشريعية وسياسية خاصة بالماوريين، مثل المجلس الماوري والمناطق الانتخابية الماورية.
أينما تسير تجد ما يؤكد الطابع الأصلي للبلاد وهو الثقافة الماورية، سواء كان بوشوم رمزية على الوجوه والأذرع والسيقان أو من خلال الحرف اليدوية من نسج ونحت. فنونهم المتنوعة المزخرفة على بعض البيوت والمحال والكهوف منحوتة بنقوش ورموز توضيحية، وقد قاموا بتوثيق قصصهم وقصائدهم الشفهية إلى الشكل الكتابي، وطوروا من أغانيهم التقليدية وموسيقاهم ورقصاتهم الشعبية في السلم والحرب مثل رقصة الهاكا (Haka) المشهورة لإرهاب العدو، وتسجيل كل ذلك في محطات التلفزيون والإذاعة، وأسسوا فرقًا غنائية وجوقات ومزامير النفخ متجولة في كافة المدن، من خلال المهرجانات والعروض الثقافية وورش العمل التعاونية والفعاليات الاجتماعية شكلت إعادة إحياء للإرث الماوري الأصيل.

فنون الجمالية الماورية
الهاي تيكي (Hei Tiki) يعد من أحد أجمل فنونهم المحلية الرائعة وهي عبارة عن قطعة منحوتة من الحجر الأخضر البونامو (Pounamu)، تعد بمنزلة كنز في ثقافة الماوريين، وتحظى بتقدير كبير لجماله وصلابته، ويتم تصنيعها كقلادة للزينة أو معلقات للأذن، وأيضًا للأدوات وبعض الأسلحة. وكذلك الأقمشة والسجاد والعباءات الماورية المصنوعة من ألياف الكتان الجميلة بأشكال هندسية منقوشة باللون الأسود والأحمر والأبيض، التي نمت وتزايد إنتاج الأزياء المحلية في الألفية الثانية وتضاعفت صادراتها واكتسبت شهرة عالمية. كما لهم موسيقاهم الخاصة وأشعارهم التي تحوي حكم وعبر الأجداد ورقصاتهم المميزة والمختلفة لكل مناسبة.

جنة الله في الأرض 
لا تقول إلا سبحان مَن خلق وأبدع وصوّر هذا المشهد الرباني، خلال مسيرنا في جنوب مقاطعة وايكاتو اتخذنا طريقًا جانبيًا بين الأشجار لمدة عشر دقائق، حيث الجنّة المخفية بلو سبرينج (Blue Spring)، ترجلنا من السيارة وسرنا مسافة عشر دقائق أخرى حتى تكشفت الجنة بحياء، يا الله... يالسحر هذا المكان... أشجار عالية ونباتات مختلفة الأصناف، وفي الأسفل قليلًا يجري نهر نقي مصدره الينبوع الأزرق تي بونا (Te puna)، الذي يعتبر كنزًا طبيعيًا تشكَل من خلال الدمج الخاص والدقيق للجيولوجيا البيئية وبيولوجيا المياه العذبة على مدى مئات الآلاف من السنين، وهو يغذي 70 في المئة من مناطق نيوزيلاندا، نظيف جدًا وعالي الشفافية والصفاء لدرجة يمكننا مشاهدة الأحياء البحرية الدقيقة والصخور، وتتمايل النباتات بأحضانه بلطف وعذوبة وهدوء وانسيابية، تم تركيب حاجز خشبي موازٍ للنهر للمشي والاستمتاع بهذا الجمال. 

غليان أراضي روتروا 
تغريك الألوان المختلفة للينابيع الطينية المغلية مع الأبخرة المتصاعدة، فمدينة روتروا (Rotorua) التي بُنيت على قمة بركان خامد في الجزيرة الشمالية لنيوزيلاندا، تنبعث من تحت الأرض غازات حرارية وتضم عدة بحيرات كبريتية، فهي أكبر منطقة حرارية على وجه الأرض.
تعد واي أو تابو (Wai-o-Tapu) والتي تعني باللغة الماورية المياه الخائفة، منطقة التفاعلات البركانية منذ 160 ألف سنة، وأحد المنتجعات البركانية المفتوحة للزوار، فعلى مساحة 18 كم تجتمع عجائب الطاقة الحرارية الأرضية، متمثلة بالأنهار والحفر البركانية والكبريتية، وكذلك البحيرات الطينية والمائية الساخنة وتحتوي على العديد من النوافير الطبيعية، وأكبرها في النصف الغربي من الكرة الأرضية... وهي تغلي بدرجات حرارة متفاوتة تصل إلى 300 درجة سيليزية، كما أن نسبة انبعاثات الغازات السامة تصل إلى 0.025 بالمئة، بينما النسبة الضارة للإنسان تساوي 100 وما فوق، لذلك فهي آمنة للزوار، وقابلة للاشتعال بأي وقت.
الروائح كريهة جدًا... لأنها مرتبطة بمادة كبريتيد الهيدروجين، لكنها تتميز بألوان جميلة وذلك بسبب اختلاف المواد الكيميائية والمعادن التي تحتويها، مثل الكبريت الذي يظهر باللون الأصفر، وأكسيد الحديد باللون الأحمر، ويميل أكسيد المنغنيز للون البنفسجي، والكربون بالأسود وسيلسكا بالأبيض، وكلوريد الكبريت باللون الأخضر، حيث تمت تسمية الحوض بحمام الشيطان (Devil's Bath) وذلك لشدة خطورته.
مكان غريب بالنسبة لي لأنه جمع بين روعة الألوان والرائحة غير المحببة، لكنه فعلًا يستحق الاستكشاف.

مانغانوي الفاتنة
الجمال في كل بقعة، وها نحن في شمال شرق الجزيرة الشمالية، وتحديدًا في مدينة تاورانجا (Tauranga)، حيث تشتهر أكثر شواطئها رواجًا للسياح وهو شاطئ مانغانوي (Maunganui) المعروف بجبله الصغير وسط البحر، تصعد الجبل المطل على المدينة وتتمشى فيه وسط الخِراف بحريّة تامة، ويجاوره ملعب الغولف وملعب كرة قدم دولي كما تكثر أيضًا الرياضات البحرية وركوب الأمواج وتأجير قوارب الكاياك الفردية، وفي الجانب الآخر منه يوجد ميناء بحري وشاليهات، والمطاعم والكافيهات على امتداد الساحل... يستمتع الزوار بالأجواء الرومانسية الساحرة من حيث لون البحر وجمال الرمال والنباتات والأشجار المحيطة تشيع جوًا من الاستجمام والهدوء، فالتنزه فيها متعة للكبار والشباب.

كهوف وايتامو المشكَلة
كثيرة هي الكهوف الموجودة في الغابات والجبال، وتختلف بطبيعتها الجيولوجية وتكوينها ومحتواها من ماء على شكل برك وأنهار، أو ما يكسوها الملح، وبعضها تعيش فيه الحشرات المضيئة، مثل تلك الموجودة في الجزيرة الشمالية بكهف وايتومو (Waitomo Caves) وتعني باللغة الماورية مجرى الماء داخل فتحة في الأرض، فبفعل تساقط المياه المستمر عبر الزمن تكوّن نفق بداخله.
قمنا باستئجار قارب صغير مع الدليل الذي أخذنا في جولة لداخل الكهف، وكلما أظلم بدأنا نلاحظ نقاط من نور هنا وهناك، اتضح لنا أنه كهف تكثر فيه الديدان المضيئة باللونين الأخضر والأزرق، وكما العنكبوت فهي تنتج خيوطًا لزجة تساعدها في صيد غذائها من الحشرت الصغيرة والباعوض... يا لكثافتها وروعتها وكأنها نجوم في سماء ليل فاحم.

من الشرق إلى الغرب في يوم واحد
كانت فكرة مشوقة حين اقترح علي ابني القيام بها، لكن الأمر يتطلب الانتقال للجزيرة الجنوبية، وذلك إما برحلة طيران تستغرق ساعة و45 دقيقة لقطع مسافة 952 كيلومترًا، أو عن طريق النقل البحري بالعبّارة أو السفن الصغيرة... وكان الطيران هو الخيار الأمثل والأسهل.
هبطنا في كرايس شيرش (Christchurch)، واستأجرنا السيارة حيث يمكننا القيادة في البلاد بأي رخصة محلية لمدة عام كامل، أخذنا جولة في المدينة وزرنا متحف الفن الحديث وحديقة هاجلي (Hagley Park) التي تم إنشاؤها في عام 1855 يحاذيها نهر أفون (Avon River) ومرافق أخرى بالجوار، وفي اليوم التالي اتجهنا مبكرًا لمحطة للقطارات ريل واي (Railway Station) لأخذ رحلة من مدينة كرايس شيرش في الشرق إلى مدينة غرايموث (Greymouth) في أقصى الغرب والعودة في ذات اليوم، فما تمتاز به هذه الرحلة هي تلك التضاريس والبيئات المختلفة الجذابة التي مررنا بها على امتداد الطريق، وما شاهدناه من تنوع جغرافي ومناخي ما بين شمس ومطر ورياح، وسهول ووديان، وكذلك جبال ضخمة تنزل منها الخيوط من الماء مسترسلة، ثلوج وبراري وصحاري نباتات تتغير باختلاف الأمكنة، شاهدنا كل شيء في ذاك اليوم، فالمناظر أخاذة للغاية.

الكيوي عزيز الشعب النيوزيلاندي
طيور الكيوي النيوزيلاندية تعد رمزًا وطنيًا محبوبًا، إلا أن القليل من النيوزيلانديين رأوها في البرية... في أثناء وجودنا في مدينة كرايس تشيرش قمنا بزيارة لحديقة الحياة البرية ويلوبانك (Wilowbank) المختصة بعرض أنواع الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض من التراث الطبيعي النيوزيلاندي، يتم عرضها باستخدام تقنيات مبتكرة وخلق بيئة تفاعلية شخصية قريبة من الجمهور، وذلك بافتتاحها لأول منزل ليلي خال من الزجاج للكيوي في بيئته الطبيعية.
فهذا الطائر اللطيف يتميز بحجمه الصغير نسبيًا الذي يوازي حجم الدجاجة، إذ يصل طوله إلى حوالي 45 سنتيمترًا ويزن حوالي 2-4 كيلوغرامات، ويمتلك ريشًا ناعمًا وشعريًا، بالإضافة للمنقار الطويل المنحني بحاسة شم حادة، ومخالب بأرجله تساعده على الحفر في التربة وتحت الأوراق والحجارة، كما أنها طيور تنشط بشكل رئيسي في الليل لتبحث عن طعامها المتكون من الحشرات والديدان والفاكهة.
في الغابات والأراضي الوعرة تعيش هذه الطيور البدائية التي لا تطير مثل الكاكابو المحلية، فقد انخفض عددها وتناقص مؤخرًا بصورة تدعو للحذر من انقراضها، وتقدر السلطات المختصة بأنه لم يتبق سوى حوالي 70000 كيوي بري في نيوزيلاندا، وذلك بسبب ازدياد أعداد الحيوانات التي تفترسها من قطط وكلاب برية، وذلك لأنها لا يمكنها الطيران من جهة، وبسبب التوسع العمراني من جهة ثانية، الذي أفقدها مواطنها الطبيعية، مما دعا البلاد والمبادرات المجتمعية إلى اتخاذ إجراءات حماية مشددة وتكثيف حملات منع الصيد وإنشاء محميات طبيعية لها، ووضعها في برامج الحفظ والتربية في الأسر لزيادة أعدادها والحفاظ على تنوعها.
أما فاكهة الكيوي التي تشتهر فيها نيوزيلاندا فهي بالأساس موطنها سيريلانكا، وقد تم استيرادها واستزراعها وتطوير سلالتها وإنتاجها لتكون من الدول الأكثر إنتاجًا لفاكهة الكيوي اللذيذة.

رحلة الطريق إلى ملفورد ساوند 
رحلة أخرى قمنا بها من كوينز تاون في جنوب الجزيرة الجنوبية إلى بحيرة ملفورد ساوند (Milford Sound) في أقصى الجنوب الغربي من الجزيرة الجنوبية، التي تتصل بين (Tasman see) في نهايتها بالبحر الواقع بين نيوزيلاندا وأستراليا. 
كان مقررًا لها ثلاث ساعات بالسيارة، لكننا قضينا خمس ساعات إلى هناك، وذلك بسبب كثرة التوقفات التي قمنا بها عند كل مطل للاستمتاع بمشاهدة روعة البيئة الطبيعية، ما بين أنهار وجبال وبحيرات كالزجاج وطرق ملتوية أضفت على المسير متعة مغرية للمزيد من التوقف والمشاهدة. وبوصولنا هناك استأجرنا قاربًا أخذنا في جولة عبر البحيرة صادفنا فيها العديد من الدلافين وأسود البحر، فقد كان الجو فيها خيالًا، سبحان من أبدع.

أمن ورعب في الطريق
مهيبة هي الجبال... ترعبك ضخامتها وهي تحيط بك من كل الاتجاهات، فهي مذهلة قاسية خطيرة مرعبة وبذات الوقت مدهشة، نطوف حول خصرها عبر الطريق الملتوي والمكون من حارتين ضيقتين، واحدة للذاهب والآخر للقادم باتساق رهيب، لا أحد يربك قائدي المركبات، بسبب التزام الجميع بقانون المرور واحترامه ما يوفر القيادة الآمنة في أضيق الطرقات وأشدها وعورةً وانحدارًا.
لا يفوتنا التنعم بجمال تنوع تضاريس الجبال كلما سرنا مسافة ربع ساعة تقريبًا بالسيارة، حيث تكثر المطلَات للترجل وإلقاء نظرة على المشاهد الربانية المبهجة، بين أودية وأنهار وجبال عُشبية وأخرى صخرية بعضها تكسوها الأشجار الكثيفة، وتناغم مزهر بلوني الأصفر والبنفسجي أو ذات الورود الزرقاء.. فالبنية الطبيعية لنيوزيلاندا تختلف عن أوربا ودول شرق آسيا وحتى عن جارتها أستراليا.

واناكا وخيول الشواطئ 
بحيرة واناكا (Wanaka) الواقعة في منطقة أوتاجو (Otago) جنوبًا تبلغ مساحتها  193 كيلومترًا مربعًا، فهي مثالية للأنشطة الخارجية من صيد وتنزه وتزلج على الجليد، تحيطها جبال الألب الرائعة وتملأ المدينة فعاليات مختلفة من مزارع ومتحف للألعاب والمواصلات.
توقفنا في الطريق بثلاث محطات لمشاهدة الشلال الذي يبلغ طوله 127 مترًا، من الأعلى والمنتصف مرورًا بـ 261 درجة للأسفل، فلم نفوّت مشاهدة قوس الألوان المتكون نتيجة انعكاس أشعة الشمس على رذاذ الماء المتساقط، مع حركة الرياح. وعلى مقربة من الشلال يقع ميناء راجلان (Raglan Harbour) قرب المدينة البحرية الصغيرة ومركز للهوايات البحرية ومنها استئجار الخيول والتنزه على شاطئ بحرتاسمان (Tasman sea).

عسل المانوكا فخر الإنتاج النيوزيلاندي
جذبتني الرائحة عدة مرات خلال جولاتنا في المدن النيوزيلاندية، وتكررت مشاهدتي لمحال عدة لبيع عسل المانوكا ومنتجاته، دخلت إحداها لأجد أنه عسل وأكثر، يمتاز بنكهة ورائحة خاصتين مميزتين، وهو متعدد الأنواع والألوان والدرجات القيمية، فلكل منها عناصر خاصة بها كالوقاية من بعض الأمرض أو لمساعدة بناء الجسم بصورة صحية وطبيعية، أو النوم بشكل أفضل وتحسين الذاكرة، وتقوية العضلات وغيرها... إلى جانب منتجات أخرى يُصنّعونها كالصابون والعطور وكذلك الكريمات بأنواعها المختلفة والزيوت العطرية والتبخيرية والمأكولات التي يدخل فيها هذا العسل السحري. 
شجرة المانوكا المتوطنة في نيوزيلاندا يتغذى عليها نحل العسل الذي يجمع رحيق أشجار شجرة المانوكا (Leptospermum scoparium)، وهي الأولى عالميًا لاحتوائها على مركبات خصائص مضادة للبكتيريا ومضادة للالتهابات، وتستخدم لعلاج الجروح والحروق والقرحة الهضمية وتقوية المناعة، ولها تصنيف «العامل النشط للمانوكا» (UMF) الذي يعكس مستوى المركبات النشطة في العسل... فتؤخذ باستشارة طبية.
يقول جيم ماكميلان تي أتياوا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (The Tru Honey Co)، إن ملعقة من عسل مانوكا الثمين، ولا سيما تناوله مباشرة من الجرة له فوائد صحية لا مثيل لها، فهو عالي الأداء ومعروف على نطاق واسع بتعزيز المناعة وتخفيف أعراض البرد والإنفلونزا وتعزيز صحة الأمعاء. ويضيف: «من المؤكد أن له نكهة قوية مشابهة للحلوى - الحلوة والمالحة على حد سواء... وأشعر بالفخر بإنتاج عسل مانوكا عالي الجودة الذي يتطلب مجموعة استثنائية من الظروف البيئية جنبًا إلى جنب مع أقصى قدر من العناية والاهتمام بخلايا النحل وعملية نضج العسل».
فمن أجل تحقيق رقم قياسي عالمي في العسل، يتشارك جيم وفريقه مع ملاك الأراضي الذين لديهم أكشاك كبيرة من المانوكا البكر في ممتلكاتهم. فيقوم بنشر طائرات هليكوبتر لإسقاط خلايا النحل في مواقعها السرية للغاية، حيث تبقى طوال موسم ازدهار مانوكا قبل إخراجها، وهي طريقة حديثة يتم استخدامها منذ عشر سنوات، يقول جيم: «إنها عملية دقيقة، فاستخدام طائرات الهليكوبتر يعني أنه يمكننا وضع خلايانا في وسط أكشاك مانوكا الكثيفة النائية البعيدة، مما يضمن الحصول على أنقى رحيق مانوكا الجميل والنقي الذي ننتجه وهو الأفضل في العالم».

ختام جميل بشوق متجدد
إنها المرة الأولى التي تنشر فيها مجلة العربي استطلاعًا عن نيوزيلاندا، بلاد مثيرة وساحرة، لا تكفي فيها الأيام لتجربة كل شيء وزيارة كل مكان، دخول كل مركز سياحي وترفيهي والتلذذ بالتجربة الثقافية المفتوحة للجميع. 
ومن مقومات هذا البلد الجميل هو التعايش السلمي مع كافة الأطياف والأجناس، والرعاية الصحية الجيدة والتعليم الحديث المتجدد، فالسياحة تستحوذ على انتباه الوافد إليها والمقيم عليها، فيحتار الزائر في هذا الطقس الرائع الذي يسخّر كل متعِهِ حسب حرارة الأجواء، فينطلق لتجربة الأطعمة النيوزيلاندية التقليدية وزيارة المتاحف ومقرات الفنون الحرفية والموسيقية، والقيام بجولات في الملاعب والاستمتاع بالألعاب الكهربائية والمائية، وبأنشطة كالتنزه على البحر أو أخذ قوارب في البحيرات أو الانتقال للجزر المجاورة لاكتشاف ما تخبئه من تسلية، وحتى ركوب الأمواج وركوب الدراجات والخيول، وأيضًا استخدام المروحيات والطوافات وصيد السمك والحيوانات البرية في محميات معينة، ولا تفوته السباحة والجري والتجديف والصيد والغوص ورياضات الثلوج، وتجربة قيادة السيارات بأنواعها.
ومما لا شك فيه أن حضور المراكز الترفيهية للكبار والصغار، إضافة إلى أماكن الورش التي تدرب على الصناعات اليدوية المحلية والفنية، إضافة ثرية للمخزون النفسي والعقلي، وكذلك بهجة رحلات مشاهدة النجوم الكثيفة في أقصى الجنوب، وتسلّق الجبال وزيارة الحدائق الوطنية والمزارع الخاصة، فأهلها ودودون للغاية، مرحبون بالضيوف من حول العالم، أعجز عن حصر المتع فيها فهي ليست فقط جاذبة... وإنما جاذبة بامتياز ■

ميناء مدينة أوكلاند العاصمة السياحية لنيوزيلاندا /الطريق إلى أوكلاند /برج سكاي تاور المطل على المدينة /أنشطة مبهجة في الساحات /مظاهر احتفالات الكريسماس في شارع كوين ستريت

انعكاس الجبل على البحيرة (جان - Gunn) أشبه بالمرآة

الزميلة وفاء شهاب أمام أحد المطلّات العديدة المنتشرة على الطرق

عجائب الأشجار المعمّرة في حديقة ألبرت بارك Albert Park في مدينة أوكلاند

مدخل خلاب لمتحف الحدائق الحكومية في منطقة روتروا

منظر بانورامي ليلي لبحيرة واكاتيبو Wakatipu 

صورة عامة لاستديوهات فيلم الهوبيتون متضمنة بيوت الأقزام الشهيرة في سلسلة أفلام سيد الخواتم (lord of the rings) وفيلم (the hobbit)، في منطقة ماتا ماتا

الخراف النيوزيلاندية ثروة قومية وتفوق أعدادها عدد السكان التي وصلت في عام 2022 إلى 25 مليون رأس

بحيرة بديعة في منتزه الربيع الغربية Western Springs

استاد وايكاتو الرياضي في هاملتون  FMG Stadium Waikato

بحيرات واي أو تابو الغنية بكبريتيد الهيدروجين الأصفر، وأكسيد الحديد الأحمر

طائر الكيوي المحنّط المعرّض للإنقراض في أحد المتاحف النيوزيلاندية

أضواء ليلية من مرسى ميناء اوكلاند لليخوت والعبارات

مدينة وانغاناوي مساًء wanganui