تفصيلٌ ناعمٌ بعد السنةِ الآثمة إلى روح الأستاذ والصديق والفنان «سليمان الياسين»

تفصيلٌ ناعمٌ بعد السنةِ الآثمة  إلى روح الأستاذ والصديق والفنان «سليمان الياسين»

الأمر بدا عاديًا.
ألا يبدو عاديًا أن أنام... ثم أصحو؟
 تلك النقاط الفاصلة بين الفعلين اللاإراديين أعلاه كانت كل الفكرة؛ على إثرها قررت الكتابة «لك» في صباحٍ مسّتهُ برودةُ فقْدٍ أطالت سكون ما قبل التسليم للنعاس بوقاحة، لكن الفجر اقتطع من سديمه الأزرق هديةً مقدارها سبع ثوانٍ كحركة عين سريعة، ولّدتْ حصيلة تلك النقاط الفاصلة ما بين الفعلين؛ النوم واليقظة وارتياح تمدد لأيام! 
لقـد حلمتُ بك.

ترى كيف يمكن لفعل صغير/ غير ملاحظ - على الأغلب - مثل طيّ ورقة صغيرة، فعل الخلاص من شهر انقضى في «روزنامة»؛ أن يسرّب قشعريرة ملأى بالأسئلة التي تتردد على جوانب اليوم؟ أظنها لحظات الإدراك العميقةِ اللاحقةِ لفعلِ الطيّ ذاتهِ، والتي كانت مضطربةً بعبارةٍ واحدةٍ ساطعةٍ ومؤذية: 
«أنتَ لم تعد هنا».
شخصتْ حواسي في شعور يشبه الرضا، بعد أن ردّدت كلمة ودودة تخصك «ميخالف أبوي»، وابتسمتُ بحزن.
لقد كانت 2020 سنة آثمة جدًا.
حُبس العالم كله في الضيق، لأن الوهم كان يتربص بنا في اللاندري أين؟!
تُرى ما الذي آذاك وقتها؟ ولم يمض على أول الادعاء سوى أيام...
تربصُ الوهمِ أم الضيق منه؟ لعلها الأميال التي تفصلك عن ابنتيك سفرًا لم يكن له أن يتحقق؟
هل أوجعتك وحدتك؟ أم الكسل الذي دغدغونا فيه إجبارًا كي نكف عن مداعبة عصب الإبداع في رؤوسنا، ونستسلم لاختلاقاتهم؟
في المرّة الأخيرة لم يكن قلبك الذي خانك، كما اعتدنا.
في المرة الأخيرة راوغك «دماغك»/ معمل الحضور الإلهي في البراعة والإجادة والتكوين والتمكن والخلق...
في الطرافة أيضًا تلك التي تُقدمك بفرادة نحبها. 
لقد خانك لسبب مازلنا نجهله إذ حُبسنا كلنا في التيه،... أتراه - دماغك - قد «وسوس» لك عبر وعي أعلى، وعي فذّ، كي تتملص سريعًا نحو الضوء؟ وتتحرر؟
كان إنهاء «روايتي» طريقتي الخاصة في التحرر - حينها -، استكملتها، وصارت كتابًا لم تقرأه، ولم تبد رأيًا حوله، لأنه طُبِعَ بعد الذكرى الأولى لغيابك، كنا ما نزال «في التيه والتربص واللاندري»، واحترت كيف يمكنني تمديد فعل التحرر، آنذاك.
***
القشعريرة ارتداد الأسئلة عندي، أو توالي الشواهد من مساعدين على طريقي.
وأنتبه!
كيف يمكن لـ«إسماعيل فهد» أن يكون متورطًا بلطف يشبهه في علاقاتي الأعمق؟ فكلما استعرضتها وجدته مشتبكًا بترسيم يخصه.
صديقك «إسماعيل» كان يقدّم لي «معابر للروح» دون أن يدري، وأنتَ أحدهم - لو تدري-!
بالمناسبة؛ لقاؤنا الأول هل تذكر كيف كان سريع الألفة؟ وكم يشبه ترنيمةً متفقًا عليها سرًا بيننا تبادلناها ومضينا في ابتعاد/انشغال بوعد مضمر هو الآخر لكنه مُطَمْئِنْ، لأنه ما كان طويلاً، لقد تولّدت أقدارٌ جديدة بعدها لنكمل «مربعًا» لأرواح تعرفت ببعضها جيدًا، لأنها «انتبهت»، بينما كانت تخوض تجاربها الفردية ببسالة ويأس مجتمعين.
المبهر أننا كنا متفقين على مبدأ «العلامة الدالة» في العلاقات العميقة.
وقد وعدتني بملامح جادة ونبرة صدق وفي أكثر من موضع، بأنك ستكشف لي عن كونك «أنت» في حيواتنا المقبلة، بل ستقدم لي «إشارتك» وسأنتبه، قلت لي تماما «راح نعرف بعض متأكد، يمكن ضحتك أو نظرة أو فكرة عجيبة... راح نعرف بعضنا». كنت واثقًا من تلك المعرفة والاشتباك الآت، ووعدك الأوضح الذي أثق به كان خلال تدريباتنا الأخيرة لعرض مونودراما فلسفية كُتبَتْ لأجلك تحديدًا، في احتفاء لتأبين نديمك «إسماعيل»، ولم تكتمل، لقد خانك قلبك عشية يوم عرضها، أعلنا تعليقها، لتسلم لنا. 
ذلك «النص المسرحي» كان مدويًا كما بدا لنا حتى دون أن يعرض، لقد «نفخَ» أذهان المهتمين بالخشبة والاستئثار بالكتابة لها بالتساؤلات غير البريئة وكذلك قلوبهم، فارتبك نبضك وضعفتْ، آمننا - نحن مربّع الأرواح الشبيهة - ليلتها بأن يدًا إلهية قد تدخلتْ كي لا نخسرك، ووقتها وعدتنا أيضًا: 
«سنقدم العمل حين أستعيد عافيتي، وسنُسعد روح إسماعيل في الهناك... أعدكم».
كنا على شبه يقين، عقيل وأنا، بأن العمل سينام نومته الأخيرة في الورق بعد تلك الليلة، وكان إيماني الخاص بالتوازي؛ بأن لحضور «إسماعيل» في الماوراء تبعاتهُ التي عرقلتْ تحققَ العرض بإدراكٍ لم نصل إليه حتى اللحظة؛ هذا إيماني وأظنك توافقني عليه.
وددنا لو أن العرض أنجِزَ تلك الليلة تحديدًا، ولم... 
لكن نبرة الحنان في وعدك كأنها احتضنتنا بدفء يعادل عشرة آباء، برعاية أسطورية نسمع عنها في الحكايات فقط.
***
التفصيل الناعم كان قبل الصحو.
رأيتك بجلسة متربعة، «دشداشة» رمادية وشعرك كثيف أشيب، تعطي ظهرك لـمرآة لامعة لا تعكس شيئًا، أخبرتني بصوتك الواسع بالثقة عن حقيقة - لعلها كانت تشغلك - تبيّنت لك حين «ذهبت» لمكان يخصك «هناك»، تفصيل صغير لكنه سريّ ومطمئن لي/ بعدك على الأقل، وعدتك أنا هذه المرة بإيماءة رأس في حفظه، أنهيتَ عبارتكَ الأخيرة؛ فسحبتكَ المرآة لداخلها واختفيت تمامًا، ثم في انعكاسها رأيت صورة جسدي المستلقي في الفراش أول الصحو.
كانت سبع ثوانِ كحركة عين سريعة ثم ارتياح تمدد لأيام... وكتابة لك، فلا تغب! ■