نيفين فرغلي رهافة تشكيلية تتحدى جمود «الحديد»

نيفين فرغلي رهافة تشكيلية  تتحدى جمود «الحديد»

 لا تكف الفنانة المصرية نيفين فرغلي عن استكشاف وجوه جديدة للحديد، الذي دأبت عبر مشروعها التشكيلي على تحدِ صلابته وصورته النمطية، والقفز به إلى مستويات فنية خلاّقة تستلهم اللعب والحكايات.

 

قبل سنوات، استجابت نيفين فرغلي لشغفها بفن «النحت المتحرك»، الذي يخرج بالنحت التقليدي المُستقِر على قواعده إلى حيّز مليء بالحركة وموحي بها، عبر إطلاق العنان لطاقات خامة «الحديد» ومنحها خواص مشهدية قادرة على التحليق في فضاء بصري مُغاير، وتطويعه لخيالها الفني لتُكوّن بها منحوتات معدنية تستجيب للتحريك، بطريقة تذيب المسافة بين المنحوتات والمُتلقي، وخلق حوار تفاعلي بينهما، فلن تجد في معارضها لافتات مكتوبًا عليها: «ممنوع الاقتراب أو اللمس» كما في سائر معارض النحت، فجزء من العملية الفنية التي تسعى لها نيفين فرغلي هو ذلك التفاعل مع الخامة الفنية من جهة، وبين العمل الفني والمتلقي من جهة أخرى.
 ففي معارضها يمكنك تحريك أجنحة الطيور المعدنية، وكذلك الدُمى التي يمكن تحريك أطرافها، والأرجوحة يمكنك دفعها، وكذلك الحصان الشعبي المُتحرك، وهي مفردات ظهرت في معارضها الفردية ومنها: «ما زال هناك وقت للعب»، و«الحياة... حركة»، و«ضحك ولعب»، ومعرض «مع حبي» الذي اختارت الفنانة له كلمة، تحمل قبسًا من فلسفتها الفنية تقول فيها: «الحُب الذي يتولد ويسعى إلى الجمال هو حُبّ باقٍ ما بقي الإنسان، الحب قوة لا يمكن إدراكها، أسعى إلى التعبير عن العديد من أوجه مظاهر حب الحياة، بكل مفرداتها، بخامة الحديد، في محاولة لجعله أكثر ليونة بحسب كل شخصية وطريقتها في الاستمتاع  وحب الحياة».

تطويع الخامة 
تُبرز تلك الكلمة وعي وارتباط الفنانة بخامة الحديد، التي تتعامل مع تعقيداتها وخصوصيتها باستمتاع ومرونة، وجسارة فنية، تجعلها تخوض غمار التجريب مع تلك الخامة وإعادة النظر لخواصها فنيًا، بداية من التعامل مع التروس واللحام، والتقطيع اليدوي أو بالليزر للحديد، بمختلف تخناته، والانتقال به من المُسطّح إلى المُجسّم، وصولًا للحركة لتضفي من روح الفن الحُرة ديناميكية لمنحوتاتها، والوصول من تلك الخامة الشاقة بكل تعقيداتها، التي تتطلب تقطيعًا ولحامًا وجلفنة وغيرها من مراحل التعامل مع الحديد، إلى ملامح انسيابية لها حكاية ومشهدية حركية.
لا ترتبط منحوتات نيفين فرغلي المُتحركة بحجم مُحدد، فأحيانًا تكون بالغة الصِغر، بكل ما يستلزمه من عناية مضاعفة للتفاصيل والملامح الدقيقة كما في منحوتات الطيور والوجوه، وأحيانًا أخرى تكون كبيرة الحجم بما قد يُعادل طول الإنسان بما يستلزمه ذلك من ضبط متقن للكتلة ومقاييسها، وربما تؤسس مشهدًا فنيًا بتفصيلة مسرحية كإعادة تمثيل للحياة، كما قدمت في «بينالي بكين» عملاً نحتيًا يُمثل صبيًا وفتاة يلعبان وبينهما تُحلّق فراشة، وهي مفردات مشهد بصري لا يمكن أن يتصوّر المتلقي بشكل مُسبق كيف يمكن أن ينقل الحديد رهافة وتلقائية مشهد كهذا، وقد ضمّ البينالي هذا العمل الذي يحمل اسم «الفراشة» في متحفه الدائم بالعاصمة الصينية تقديرًا لهذا اللون الفني.
تخرجت الفنانة نيفين فرغلي في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان في مصر عام 1997، وحصلت على درجة الماجستير في عام 2001، وكانت رسالتها للدكتوراه عام 2007  في مجال الجداريات المتحركة، وحاليًا تعمل أستاذة بقسم التشكيل في الفراغ بنفس الكلية.
وشاركت في العديد من المعارض في مصر وخارجها، بما في ذلك بينالي فينيسيا عام 2010، وبينالي بكين عامي 2017 و2019.
تسمح فرغلي لتسلل الضوء إلى منحوتاتها، عبر خلق تجاويف زُخرفية في هياكلها، كبوابات مفتوحة على الفضاء الخارجي، كعنصر تشكيلي إضافي، وكذلك منح الرقائق المعدنية المُركبة مزيدًا من الخفّة خلال التحريك، وتعتمد هذه العملية الفنية بشكل أساسي على الميكانيكا لتحريك القطع المعدنية، ما يجعل المتلقي قادرًا على تحريك العمل في أي اتجاه يريده، وهي فلسفة فنية تسعى لهدم الجدار الوهمي الذي عادة ما يكون حاجزًا بين المتلقي والعمل المعروض.
وتُنسب بدايات فن النحت الحركي إلى الفنان الأمريكي ألكسندر كالدر (1898-1976)، الرائد الحقيقي لإدخال الحركة على النحت والتفاعل مع حركتها، وقامت عليه مدرسة الفن المتحرك Kinetic art، وقد سُمِّيت أعماله بهذا الاسم لأنها تتحرك عندما تدفعها التيارات الهوائية، وكانت مُكوّنة من أجزاء من الصفائح المعدنية. 
ولايزال النحت الحركي من الفنون غير الشائعة في الفعاليات الفنية في العالم العربي، ما يجعله قادرًا على خطف الأنظار، لجمعه بين تحديات الخامة والإبداع في بناء سردية بصرية غنيّة بالتفاصيل، ففي أعمال نيفين فرغلي، يمكن ملاحظة النقوش الدقيقة التي اعتمدتها الفنانة بديلًا عن الألوان مثلًا أو الكولاج، ما يمكن تأمله في فساتين الفتيات الصغيرات التي تُصيغ عليها بروزات معدنية، وكأنها تستلهم فن التطريز بتمويجاته عليها، وكذلك الورود التي توجد في أعمال معارضها كمفردات جمالية، تصنع لها تموجات وثنايا مُستلهمة من روح الطبيعة الحُرة ■