المفلس

المفلس

في الحديث الشريف الصحيح الذي رواه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه: «أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ». 
إنّ هذا المعنى المرعب للمفلس يوم الحساب، يدفع كل إنسان أن يعمل وسعه لتجنب هذا المصير، بالابتعاد عن مسببات الإفلاس وما يؤدي إليه. هذا عن مفلس الآخرة، فماذا عن مفلس الدنيا؟!
بالاسترشاد بالحديث الشريف، يمكن أن ندرك أنّ مفلس الدنيا هو الإنسان الخاسر لكل شيء، ولو كسب كنوز قارون؛ فمَنْ تركه أصحابه وتفرقوا من حوله لتجنب شره هو مفلس. ومَنْ هجرته زوجته وتركه أولاده لسوء خلقه فهو مفلس. ومَنْ تجنب الأقارب والجيران مخالطته أو الاقتراب منه لنذالته وخسته فهو مفلس. ومَنْ ابتعد عنه زملاء العمل لخبثه فهو مفلس. ومَنْ وجد نفسه وحيدًا لأنَّ الآخرين ينفرون منه فهو مفلس. ومَنْ تحجرت عيناه فلم يذرف دمعة على موقف أو مشهد إنساني مؤثر فهو مفلس. ومَنْ لم يخشع قلبه لآيات الله مسطورة ومنظورة فهو مفلس. ومَنْ لا يجد كتفًا يستند إليه، أو أحدًا يثق به، أو مقربًا يفضفض له، فهو مفلس.
إنَّ أدنى درجات الإفلاس في الدنيا هي إفلاس المال؛ فالمال يأتي ويذهب، ولكن يبقى مفلس المال، إنسان يُحترم - في الغالب - ولا ينفر منه الناس أو يقاطعونه، بل قد يستدر الشفقة والتعاطف، ويجد مَنْ يمد له يد العون والمساعدة، حتى يستطيع أن يعيش بكرامة. 
مفلس المال، قد يكون صحيح الجسم، سعيدًا، محبوبًا، يبذل جهده ليتجاوز إفلاسه، ويجد لذة في سعيه، وتغمره السعادة كلما ابتعد خطوة عن حالة الإفلاس، ولا يرضى أن يبقى مفلسًا إلى الأبد، فلا يهدأ أو يستسلم.
مفلس المال، قد يكون شهمًا، كريمًا، أفلسه بسط يده، وإنفاقه على الآخرين دون حدود، وهذا مفلس مال، ولكنه غني ثري بمَنْ حوله، وغني بأخلاقه وسمعته الطيبة وعلاقاته القوية وحب الناس له. مفلس مؤقت، وسرعان ما يعود أفضل مما كان، أو على الأقل سيغادر خانة الإفلاس، بسبب من الأرض أم بأسباب من السماء.
لا يعيبك أن تكون مفلس مال، فهذا نصيبك وقدرك، وهو اختبار وابتلاء، ولن يترك ربك، ولن يمنع عنك عطاءه. ولكن إياك إياك أن تكون مفلسًا حقيقيًا، ينفر منك مَنْ حولك، ويكرهونك ويمقتونك ويتجنبونك، ولا يذكرونك إلا بسوء. إياك إياك مما جنته يداك، فهذا قدرك كتبته بيدك، فإن أبيت وكابرت فأنت وشأنك، ولن تحصد إلا الخسران والوبال وسوء المآل ■