مع عمر أبو ريشة

مع عمر أبو ريشة

كان الشاعر الكبير عمر أبو ريشة يؤلف الحكايات عن سيرته كما يؤلف القصائد. ولعل الفرق بينهما أن تأليف القصائد كان أنجح بما لا يقاس من تأليف الحكايات. ولذلك لا تقدّم أحاديثه مع الصحافة فائدة تُذكر لدارسي شعره لأنها مجرد تجسيد للأنا المضخمة، ولأنها عبارة عن حديث واحد كان يكرره في كل مقابلة صحفية. وقد كانت صداقتنا مدخلًا لكي يروي لي جوانب من سيرته كان يرددها هي هي في كل جلسة. من ذلك أنه روى لي مرارًا أنه عضو في جمعية شعرية دولية كانت عضويتها تقتصر على شاعرين اثنين هما هو وطاغور الشاعر الهندي الكبير. فلما توفيّ طاغور بقيّ هو العضو الوحيد في الجمعية. 
ومن أطرف الحكايات التي كان يستلّها من تجربته في العمل الدبلوماسي سفيرًا لسورية في الخارج حكاية دخوله إلى غابة من غابات البرازيل. قال لي مرارًا إنه عندما كان سفيرًا في البرازيل دخل يومًا غابة لم تطأها قدم إنسان قبله. في هذه الغابة وقعت عينه على حفرة دخلها فشاهد قصورًا سحرية مضاءة بالتريّات وكان يستفيض في وصف هذه القصور التي من وحيها كتب قصيدته «كوبا كابانا». 
وذكر لي مرارًا أنه حصل على جائزة في الشعر لم ينلها شاعر قبله. أما في باب نتاجه الشعري فكثيرًا ما ذكر أن لديه عددًا من المسرحيات الشعرية تحت الطبع. ذكر ذلك في ديوانه الأول الذي صدر عن دار مجلة الأديب في بيروت سنة 1949، وقال إن لديه مسرحيتين تحت الطبع عنوانهما «سميرا ميس والحسين بن علي». وأضاف بعد سنوات أن لديه مسرحية ثالثة اسمها «الشاعر والسلطان». ولم تصدر هذه المسرحيات أبدًا. 
ويبدو أن المبالغات انتقلت منه إلى إحدى ملهماته أو أن هذه الملهمة روت ما رواه لها. فقد قالت في كتاب لها عنه: «اسألوا عنه سجلات مكتبة الكونغرس السرية وشواطئ الدانوب في ڤيينا ومُتكا السلطنة في بورما ومجلس الدالاي لاما».
وهكذا فإن عمر الذي طالما حمل بضراوة على قصيدة النثر وشعرائها لم يكن له سوى قصيدة نثر واحدة خانها التوفيق. ولكن شعره القصائدي يعوّض عن هذه القصيدة النثرية التي أشرنا إلى بعض نصوصها في ما تقدم ■