لقاء لم يكتب له النشر أثناء حياته الروائي السوري الراحل حليم بركات:

لقاء لم يكتب له النشر أثناء حياته الروائي السوري الراحل حليم بركات:

الراحل حليم بركات واحد من الأسماء العربية البارزة في عالمي الأدب والبحث السوسيولوجي. يتميز بأسلوبه الروائي في معالجة القضايا الاجتماعية والنفسية والثقافية بالوطن العربي، لا يتورع في طرق موضوعات روائية، لصيقة بالتراث العربي القديم والميثولوجيا العربية ولا سيما تلكم التي نشأت بمملكة سومر وبمواقع حضارية أخرى عرفتها روافد بلاد النهرين، وسواها من المعالم التاريخية بالمشرق العربي، ولعل نصوصـــه الروائية «طائر الحوم» و«عــودة الطائر إلى البحر» و«نـــانة والبحر» تمثيل للحظــــات الطفولية واستعادة للأزمنة الهاربة، ونبش في السـجــــل الثقــافي والذاكرة المشتركة بين أبناء وبنات الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج.

 

نسجل بأن هذا اللقاء لم يكتب له النشر- للأسف - والكاتب على قيد الحياة، كنا قد التقيناه بمدينة أصيلة، شمال المغرب، ضمن فعاليات دورة سابقة لموسمها الثقافي، فكان معه الحوار التالي:
  في مستهل هذا الحوار، أود لو تعطينا فكرة عن المهرجانات الثقافية التي تنعقد في هذا القطر أو ذاك من الوطن العربي.
- أقول يهمني بالدرجة الأولى اللقاء مع المشاركين في الندوات والاحتكاك بالجماهير والحضور، وأيضًا الانخراط والمشاركة فيما يجري من لقاءات خارج الندوات، هذا ما يهمني أكثر، وهذا ما أتعطش إليه، كوني أعيش في غربة بواشنطن، فأنا أحرص - دائمًا - وفي كل فرصة على أن أزور فيها المغرب أو دولًا عربية أخرى حينما تسنح الفرصة من هذا النوع، أي المشاركة في الندوات أجدني مشدودًا بأكثر من خيط إلى الأجواء العامة التي تحيط بالفعاليات الثقافية، علمًا بأن الندوات تطرح موضوعات على جانب كبير من الأهمية.
   
الثقافة الاستهلاكية
● إذًا ما انطلقنا من سؤالنا هذا كونكم روائيًا عربيًا، مقيمًا في الولايات المتحدة الأمريكية، ما هو تقييمكم للتأثير الأمريكي على البنيات الثقافية في الوطن العربي؟
- الثقافة المعروفة والشائعة التي يتأثر بها العرب هي الثقافة الاستهلاكية، الثقافة التكنولوجية، وبمعنى آخر الثقافة التي لها مداليل اقتصادية كما لها أيضًا مداليل سياسية، أما التأثير الآخر، خاصة التأثير الثقافي المضاد في أمريكا فلم يصل إلينا بعد، بسبب وجود كوابح أمام هذا اللون من الثقافة حتى في أمريكا ذاتها لا لشيء سوى أنها مهمشة، لذا، لست أدري كيف سيتم هذا التأثير الذي ذكرت في سؤالك؟
طبعًا للمثقفين العرب دور مهم في ترجمة الاعتناء بهذه الثقافة المضادة التي نشأت في أمريكا، فمثلاً رواية «عودة الطائر إلى البحر» تترجم على الأرجح الثقافة المضادة، بل أذهب أبعد من ذلك لأقول بأن رواياتي تمثل بشكل من الأشكال ملامح من تلك الثقافة المضادة، وهذا لا يعني بالنسبة إلي الثقافة الأمريكية السائدة. من هذا المنطلق وغيره من المنطلقات السوسيولوجية الأخرى نستطيع اتخاذ موقف من الثقافة الأمريكية، بل تسجيل مآخذ عليها طالما أنها شددت على الشكليات، من قبيل الأزياء وأساليب وأشكال الموضة وأنماط من الاستهلاك وهلم جرا... لكن، مع ذلك فلأمريكا تجارب فنية أيضًا، لم يكتب لها - للأسف - أن تصلنا في اللحظة المناسبة، علمًا بأن كل جيل في الولايات المتحدة الأمريكية بإمكانه اتخاذ أشكال وأنماط فنية مبتكرة، لا تصل إلينا كما تصل الثقافة السائدة.
● أسألك عن حضور المنتوج الثقافي العربي في الولايات المتحدة الأمريكية إبداعًا وفكرًا، تُرى ما هي النسب أو الحدود التي يقف عندها هذا الحضور الثقافي العربي؟
- هناك جالية عربية كبيرة في أمريكا، ومنها شريحة من المثقفين نجدها متمركزة في الجامعات الجيدة والمشهورة بمردوديتها ومكانتها العلمية والأكاديمية، بالإضافة إلى وجود مثقفين عرب في أمريكا، كثير منهم يكتبون باللغة الإنجليزية، وفي كتاباتهم يتوجهون إلى الرأي العام الأمريكي، خاصة  الأكاديمي منه. لكن، بسبب الأوضاع السياسية يجد هذا الإنتاج الثقافي العربي نفسه في مأزق، فهو بالمناسبة إنتاج سياسي بالدرجة الأولى لما لدينا من مشاكل في علاقتنا بأمريكا، فقليل جدًا من العرب يكتبون أدبًا في اللغة الإنجليزية، هناك طبعًا إدوارد سعيد الذي تمكن من الوصول إلى الأمريكيين، خاصة المؤسسات الأكاديمية والأكاديميين في الولايات المتحدة الأمريكية.              
هناك أيضًا ترجمة لمجاميع شعرية وعدة نصوص روائية مكتوبة بالعربية، لكنها تقرأ من قبل الدارسين والباحثين، المعنيين بالدراسات باللغة العربية أو دراسات البيئات الثقافية بالشرق الأوسط مع الأسف الشديد، معظم الذين يطلعون على ترجمات الروايات العربية أو غيرها من الأجناس الأدبية، يتخذونها كوثيقة ليس غير، يستأنسون بها في مقارباتهم لواقع المجتمعات العربية، وكمصدرمعرفة عن العالم العربي، طبعا كمصدر معرفة ليس اقتصاديًا وسياسيًا، بل اجتماعيًا ونفسيًا وثقافيًا وغير ذلك أعتقد أن هذا قد يؤثر كثيرًا في ذهنيتهم، لكن حتى الآن لم يحصل الاهتمام بالثقافة العربية في أمريكا على صعيد العمل الفني كما حصل الاهتمام بالرواية العربية في أمريكا اللاتينية - مثلاً - في اعتقادي أن هذه الرواية كما سبق وقلت لم تصل بعد، لكن مع ذلك أعتقد أنها في تحسن ملحوظ من هذه الناحية، خاصة بين الأجيال الجديدة الصاعدة، التي بدأت تهتم بالثقافة العربية، خاصة الفئات المتخصصة بالثقافة قبل ذلك، كان الاهتمام - بالدرجة الأولى - بالسياسة أو باللغة كلغة وليس كأداة، الآن دخل خلال القرن الأخير الاهتمام بالأدب، رواية وشعرًا، وبالعلوم الاجتماعية، وبمعنى آخر فإن المجتمع الثقافي العربي كان حضوره خافتًا بل شبه مغيب قبل هذا. تجري الآن، أقصد هذه التظاهرة الثقافية بمدينة أصيلة المغربية تحت عنوان لافت وعريض «دراسة العالم العربي بمختلف هاته الاتجاهات والتوجهات»، أعني اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا، فالذي يدرس الواقع العربي أصبح مضطرًا ألا يكتفي باللغة كلغة فحسب، بل عليه أن يكون متعدد الاختصاصات، حتى يتيسر له النظر من جميع الزوايا والاتجاهات في القضايا المعروضة عليه، وهذا لعمري هو الطريق الصحيح الذي يبشر بالخير.
● لست أدري إن كانت تخالجكم أفكار بشأن الكتابة المبدعة باللغة الإنجليزية؟
- شخصيًا، أكتب باللغة الإنجليزية، بحوثًا ودراسات في علم الاجتماع، ونشرت كتابًا صدر عن دار مهمة جدًا هي جامعة كاليفورنيا، لكن، لا أفكر أن أكتب عملاً مبدعًا باللغة الإنجليزية، لأن اللغة العربية بالنسبة لي هي اللغة الأم، لغة الشعور والوجدان، هي «العربية» اللغة التي نحلم بها، اللغة التي نحس بها وليس فقط اللغة التي نفكر بها لعل الصور والأحلام والمشاعر تأتيني، بل ترد علي باللغة العربية، لم أحاول أبدًا تجريب الكتابة الأدبية باللغة الإنجليزية.

تجربة إنسانية
● ما الموضوعات التي تستأثر باهتمامكم أثناء ممارسة الكتابة المبدعة، أعني الكتابة الروائية تحديدًا، وما هي الموضوعات التي تلفت انتباهكم شعوريًا أو لاشعوريًا أثناء العملية الإبداعية؟
ــ تجربة إنسانية مهمة كل رواية كتبتها، بدأت بما أعتبره تجربة إنسانية مهمة، هزتني وانفعلت بها، بل اعتبرتها مهمة على الصعيد العربي العام (المجتمع العربي) لها تأثيراتها في المجتمع، فمثلاً تجربة هزيمة الخامس من يونيو، أو تجربة الستة أيام، شعوري أن المجتمع العربي مفكك وغير قادر على رفع التحديات، لكن، مشروع النهضة والاستفاقة مما نحن فيه من تخلف يبدأ بمشاعر وأحاسيس بوجود تجربة، الرواية تعني بالنسبة لي وبكلمة واحدة التجربة، وليس الفكرة أو العقدة أو الموضوع، فبعد أن أنفعل بهذه التجربة وأعتبرها مهمة وذات قيمة إنسانية، آنذاك أبدأ بالتفكير فيها وبها، ثم أضع ملاحظات عليها، وقد يستغرق مني ذلك سنة أو سنتين قبل أن أبدأ بالكتابة. أكتب حينما أحس أنها اختمرت في نفسي، في الكتابة الثانية أحاول أن أضع نفسي في مناخ خاص، يسمح لعالمي الداخلي بالتدفق، دون أن ألجأ إلى أي نوع من النقد الذاتي أو التقييم المعياري، سواء أكان هذا الأمر المعبر عنه جيدًا أو ليس جيدًا، بما في ذلك الموضوع أو الأسلوب الفني المتوسل به في الصوغ الأدبي. أريد أن تكون الكتابة الأولى نوعًا من الفيض، شبيه بالنهر الذي تجري مياهه حيث تشاء. بعد أن أنتهي من هذا اللون من الكتابة وبدون رقابة، وبدون تمزيق أوراق مهما كان السبب، أعود للكتابة الثانية، هاته الكتابة مرحلة العقلانية التي أقيم فيها ما كتبت في السابق، بمعنى، هل هو مهم أم غير مهم، هل هو عميق أم غير عميق هل وضع فنيًا بشكل جيد أم لا؟ تبدأ عملية التقييمين الفني والفكري في التجربة، وفي الحوارات وغيرها بعد ذلك، أقدم على الكتابة الثالثة في روايتي الأخيرة، قمت بإنجاز الكتابة الرابعة، لأنني أصبحت أقوم بالكتابة بوساطة الحاسوب، الذي يسمح لك بالكتابة والمراجعة في كل آن وحين، دون مشاكل ولا مشقة، إنه يتيح لنا القيام بعمليات سهلة جدًا وبسيطة.

نفي اختياري
● من موقع إقامتكم في الولايات المتحدة الأمريكية، كيف تشعرون وأنتم بعيدون عن الوطن الأم؟
- باختصار شديد هو شعور نفي اختياري، أي نفي قسري، أعتقد أنني أشعر باكتفاء خاص، طالما أن اشتغالي بالتدريس في الجامعة، يتيح لي المجال للبحث والكتابة، بمعنى آخر أن العمل بالتعليم العالي غير مرهق. أكيد هناك مشكلة، فيما يتصل بالكتابة الأدبية إن لم نقل أزمة مفادها شعوري بالبعد عن المشاعر العربية اليومية، بما في ذلك مشاعر الناس وقلقهم اليومي، فضلاً عن التحولات التي تحدث هنا وهناك، وبحكم أنني بعيد فإنني لا أستطيع رؤيتها، وهذا مصدر خوفي وقلقي بالنسبة لما أكتب أدبيًا، لكن مع ذلك، أحاول التغلب على ذلك، وعلى هذا القلق بالعودة وبالقدر الممكن بالاتصال بالمثقفين، كما أحاول في الآن نفسه الاطلاع طيلة الشهر على الشؤون الثقافية بالبلاد التي أحل بها ضيفًا.
● كيف تنظرون إلى الرواية العربية حاليًا؟                                
- أعتقد أن الرواية العربية اكتسبت نوعا من الثقة بالنفس، وبلغت مرحلة من النضج والقدرة على التجريد في رأيي، هناك محاولات عديدة في مختلف البلدان العربية، وبعضها ناجح جدًا، من جانب آخر نجد إقبالاً على الرواية، ليس فقط من قبل المعنيين بها مباشرة كالنخب المثقفة، بل حتى من قبل القارئ العادي، فالرواية لها أهمية خاصة في زماننا هذا لا لشيء سوى أننا أدركنا وندرك أن مشاكلنا ليست اجتماعية واقتصادية فحسب، بل هي مشاكل اجتماعية ونفسية معقدة. ولعل الرواية وحدها أكثر حضورًا وتوغلاً من بقية الأجناس الأدبية الأخرى في صلب هذه المشاكل. لذا، في تقديري فالرواية ترينا مختلف الأبعاد التي تؤثر في معاناة الناس اليومية اجتماعيًا وثقافيًا ونفسيًا بحيث تتولى الرواية وصف وتتبع تطور تفاصيل الأبعاد السالفة الذكر. الرواية تستطيع القبض ليس فقط على التجارب الفردية التي تعنى بالشخوص، بل تذهب لتلف المجتمع ككل من هنا، فالرواية ليست نفسية، بل اجتماعية، تهتم بالفرد والجماعة في الآن الواحد، مركزة على أحوالهم وهي قيد التشكل، ضمن سياق تاريخي معين... أهمية الرواية، مرة أخرى، لا تتجلى وتنحصر في منافستها لبقية الأجناس الأدبية الأخرى، بل في منافستها أيضًا للفلسفة والعلوم الاجتماعية، سعيًا وراء الكشف عن الذات الإنسانية.

التجربة المغربية
● ما رأيكم أو بالأحرى تقييمكم للتجربة الروائية المغربية؟
- قرأت روايات مغربية تنتمي لأجيال مختلفة، بدءًا من كريم غلاب ومحمد برادة ومحمد زفزاف وعبدالله العروي وغيرهم كثير، لا أعتقد أن هذه القراءات كافية للحكم على المتن الروائي المغربي. أعلم أن هناك روائيين آخرين من الشباب لهم تجارب جيدة جدًا، قد لا يكون لها صدى على الصعيد العربي، لكنها معروفة، بل ذائعة الصيت هنا بالمغرب. أقول لك - وبكل أسف - لم يكتب لي قراءة معظم النصوص الروائية المغربية، ومن باب الموضوعية أستطيع القول بأن للنصوص الروائية المغربية خصوصيتها وأجواءها المغربية، وألاحظ أن هناك اهتماما كبيرا بها خارج موطنها الأصلي، سعيًا وراء التعرف إليها، خاصة من قبل المشارقة، فهم يعلمون أن في المغرب تجارب جديدة وحساسية سردية مختلفة، تعود - بالأساس - إلى خصوصية البيئة الثقافية المغربية وإلى الاطلاع الواسع للمغاربة على التيارات الفلسفية والأدبية والمدارس النقدية الحديثة والمعاصرة التي شهدتها وتشهدها أوربا الآن، بحكم موقعيّ المغرب الثقافي والجغرافي، اللذين يميزانه عن بقية البلدان العربية.
لهذا وذاك، أعتقد أن هناك حاجة ملحّة في المشرق العربي للتعرف إلى الرواية المغربية بسرودها المختلفة، كما أعتقد بوجود نصوص روائية، تعتبر من بين طلائع الروايات ضمن المشهد الروائي العربي، خصوصًا تلك التي صدرت خلال العقود الأخيرة.
الجدير بالذكر أيضًا، أن خصوصية الرواية المغربية لا تأتي فحسب من نوعية التجارب التي تناولتها، بل وهذا هو الأهم في نظري، من الأسلوب والسرد الفنيين، المتوسل بهما في الكتابة الروائية. لكن مع ذلك كله، يبقى في تقديري الشيء المهم في المشرق العربي هو النقد الروائي الأدبي بالمغرب، فقد أصبحت في المغرب تجارب مهمة، ليس فقط في مجال السرد الروائي، بل في النقد الأدبي، إذ توجد دراسات وبحوث تحليلية، مبدعة في حد ذاتها، أتمنى أن يطلع عليها جمهور النقاد والروائيون في البلدان العربية الأخرى.
● على إثر ذكر النقد الذي يعرض للمتن الروائي في الوطن العربي، ما تقييمكم لمستواه الأكاديمي؟
- لست مرتاحًا له كل الارتياح، وهذا لا يعني - بالضرورة - أنني أصدر حكمًا سلبيًا. أستطيع القول بأن هناك خمولاً لدى القارئ العربي، كما أسجل وجود إعلام ثقافي، يشجع على تبسيط الأمور، وعطفًا على ما سبق، أعتقد بوجود شريحة من النقاد، يعملون لفائدة الصحف والمجلات، يقفون عند السطح أثناء قراءتهم للرواية، ربما لا يجشمون أنفسهم القراءة الجدية، رغم ذلك يعطون لأنفسهم الحق للحكم على هاته الرواية أو تلك. أستطيع القول مرة أخرى إن العمل الصحافي له متطلباته ومشاغله الكثيرة، الأمر الذي لا يتيح الفرصة للصحافيين لقراءة كل النصوص الروائية والأعمال الأدبية قراءة جدية، لكن، الأهم في العملية هو العمل النقدي الأكاديمي الذي ينجزه النقاد المتخصصون، الذي تعنى بنشره المجلات والدوريات المحكمة، وأتمنى من هؤلاء الأكاديميين التعمق في قراءة النصوص الروائية، قبل إصدار الحكم عليها، لأن الحكم على رواية ما أمر مخيف، بحيث يتم تداول رأيهم بشـأنها في العديد من الأوساط الثقافية والإعلامية، دون الرجوع إلى قراءتها قراءة موضوعية وعميقة، وقد يكون التفسير الأول أو القراءة الأولى خاطئة وهذه هي المشكلة.

نقاد الرواية
● هل بالإمكان إعطاءنا وجهة نظركم حول النقد الذي جعل من أعمالكم موضوع انشغاله؟
- غالبًا، النقد بالنسبة إلى أعمالي هو نفسه الذي تكلمت عنه في الرواية العربية، فبعد كل الجهود المبذولة، التي نقوم بها، نجد طائفة من نقاد الرواية، لا يكلفون أنفسهم المشقة من أجل تحليلها تحليلاً عميقًا.
● حدثنا قليلاً عن روايتك «نانة والبحر»؟
- هذه الرواية تفيد من الأساطير السومرية القديمة في العراق، بلاد الرافدين، فالشخصية الرئيسة امرأة، اتخذت هذا الاسم بهدف التمرد على مشيئتها الخاصة، لذا استعارت الاسم لتؤكد على دورها المهم في المجتمع وترفض الانصياع، لكنها اكتشفت أن اسمها مستعار، مما تسبب لها في المشاكل مع عائلتها وصديقاتها. أحداث الرواية تدور حول شخصية/ امرأة متمردة، مستمدة من حدث مهم، جرت فصوله في القرية التي ولدت فيها، وهي ليست سوى قرية سورية عربية في رأيي، «نانة والبحر» من الروايات التي تحاول استعادة عوالم القرية.
الجدير بالذكر أنني لما عدت إلى قريتي بعد عشرين سنة وجدتها قد غزت المدينة، لكن الواقع أن المدينة غزت القرية، فالنهر الذي يعبر القرية صار محاصرًا بالبنايات الإسمنتية هذه المرأة (الشخصية) المتمردة، المنشغلة بتمردها على نفسها، وجدت نفسها فجأة منشغلة بقضية عامة ألا وهي عودة النهر لنقائه. من هنا لا أنكر أهمية الجانب النفسي والتجربة الفردية في صوغ أي عمل روائي، فالإنســــان فــــرد من الجماعة التي ينتسب إليها.
 أشعر بحزن تجاه الشخص الذي ينشغل بقضاياه الشخصية فقط. أعتقد أنه سيجد صعوبة كبيرة للتغلب على مشاكله الخاصة، وما أكثرها اليوم في مجتمعاتنا العربية! إنه معني بمشاكله الخاصة والعامة في الآن الواحد، فإذا ما عني بالمشاكل العامة، يصبح أكثر قدرة على تجاوز مشاكله الخاصة ■