عادات وتمارين لصحة العيون

عادات وتمارين لصحة العيون

 

   بعد خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود ونصف في تدريب العيون من أجل إبصار أقوى، وتأسيس مدرسة لرؤية أفضل - School of Better Eyesight - ومؤلفات ضمن الأكثر مبيعًا حول تحسين الرؤية بصورة طبيعية، تؤكد مدربة النظر غلوريا جين - التي نجحت خلال مسيرتها المهنية في مساعدة آلاف الأشخاص على التخلص من النظارات الطبية بعد استخدامها لسنوات طويلة - أن تسعين في المئة من الرؤية يعتمد على جانب عقلي، بينما لا يشكل الجانب العضوي سوى عشرة في المئة. وإن معظم مشكلات العيون ليست بسبب إعاقة مادية في العين، بل نتيجة لشد عقلي غير واع، من جراء محاولات الرؤية غير المريحة.

 

 

تقول جين، ردًا على سؤال: لماذا يحتفظ بعض الناس برؤية جيدة طوال حياتهم، بينما تتراجع رؤية آخرين في وقت مبكر؟ إن من يتمتعون ببصر جيد، عادة ما يمارسون بضع عادات عقلية، ذات علاقة بالرؤية، بصورة غير واعية. وهذا يعني وجود فرصة أمام أصحاب الرؤية المعتلة لتحسين قواهم البصرية بممارستها. ومن أهم عادات العيون الطبيعية التي أشارت إليها: عادة الحركة، التي تشمل كلًا من تنقل العين من مكان لآخر، والأرجحة؛ وعادة التركيز بلا جهد؛ وعادة التصور العقلي الذي يتضمن التذكر، والتخيل، وجميعها عادات مرتبطة ببعضها.

وفي توضيح لعادة الحركة، ترى أن عنصر تنقل العين من نقطة إلى أخرى هو ما تفعله العين نفسها؛ أما فعل الأرجحة، فهو ما تبدو عليه الأشياء عندما تتنقل العين من مكان لآخر، حيث تبدو الأشياء وكأنها تتحرك أو تتأرجح في الاتجاه المعاكس لحركة العين. وتنصحنا بالحرص على نقل نظراتنا خلال ساعات اليوم من شيء لآخر وملاحظة ما بين الأشياء من تفاصيل ومراقبة الأرجحة التي تحدث.

أما عادة التركيز دون جهد، فهي لمساعدة العين على الاسترخاء؛ فالرؤية الطبيعية لا ينبغي أن تكون مجهدة، حيث يرى الإنسان مجال رؤية واسعًا ونقطة صغيرة جدًا ذات تفاصيل دقيقة في المركز. ولا يمكن الاحتفاظ برؤية التفاصيل بوضوح، دون نقل البصر، إلا لجزء من الثانية. ومع اعتلال البصر يضيق مجال الرؤية، ويتراجع وضوح المركز. فالرؤية بوضوح غير ممكنة إلا مع غياب بذل جهد، سواء كان ذلك بصورة واعية أو غير واعية. ولاستعادة عادة تركيز النظر بلا جهد، لا بد من التخلص من التوتر والشد، والبعد عن إغلاق أي مجال للرؤية. فلا نجتهد لرؤية أشياء أصغر مما نستطيع رؤيته.   

وفيما يتعلق بالصور الذهنية التي تتضمن الذاكرة والخيال، فترى غلوريا جين أن الصور الذهنية الواضحة التي يتم تذكرها أو تخيلها تؤدي إلى رؤية واضحة. وتعتقد أن كلًا من الذاكرة السليمة، والرؤية السليمة تتطلبان حالة ذهنية من الاسترخاء السليم. وبينما يورث الشد نظرًا معتلًا - ونتيجة لتعذر تزامن الشد مع الاسترخاء - فلا يمكن تواجد صورة ذهنية سليمة مع بصر غير سليم. ولوثاقة الصلة بين الذاكرة والخيال والرؤية تجد أنه يمكن استخدام الصور الذهنية لاستعادة سلامة البصر. ولهذا تقترح تنمية الذاكرة بعيون مغلقة تارة، ومفتوحة تارة أخرى.

 

إجهاد العين سبب العلة

يؤكد ليو أنغارت في كتابه «حسن بصرك بصورة طبيعية»، أن فكرة تمارين العيون جاءت على أثر فحص طبيب العيون الأمريكي الدكتور وليم بيتس - الذي عاش فيما بين عامي 1860و1931 لآلاف العيون سنويًا كجزء من عمله في مستوصف نيويورك للعيون، ثم تفكيره المستمر في حكمة نظريات العلماء السابقين في العلاج. فبعد أن فحص ثلاثين ألف زوج من العيون سنويًا في المستوصف، وفي مؤسسات أخرى، لاحظ تعافي حالات كثيرة من إضرابات الانكسار - حيث لا تتركز الأشعة الضوئية التي تدخل العين على الشبكية مما يتسبب في عدم وضوح الرؤية - أو تغير شكل الانكسار لديها بصورة تلقائية. ولم تكن التفسيرات المتاحة حينها مرضية بالنسبة له، فكان يقول: إذا كانت أخطاء الانكسار لا تتغير فلا يمكن معالجتها، ولا يمكن أن تتغير تلقائيًا. ثم اكتشف مع مرور الوقت حقيقة تأثر الرؤية بالإجهاد. 

ومع استحداث منظار فحص الشبكية، الذي يستطيع تحديد قدرة العين على التركيز، قام بيتس بفحص عيون مرضاه في مختلف الظروف، وعرف الكثير عن طرق تركيزهم. وعلى مدار ثلاثين سنة، استخدم هذا الجهاز، ودرس الانكسار في عشرات العيون - بعضها لطلاب مدارس، ومئات منها لأطفال صغار، وآلاف أخرى لحيوانات، كالقطط والكلاب والأرانب، والخيول، والأبقار، إضافة إلى طيور، وسلاحف، وزواحف، وأسماك - في ضوء النهار وفي ظلام الليل. وفي حالات الراحة، وأوقات الحماس، وأثناء محاولة الرؤية بصعوبة، وعند الكذب، وحين قول الحقيقة، والعيون مغمضة تمامًا، أو جزئيًا، وفي حالات التركيز أو أثناء تأرجح العيون من جهة لأخرى ومن أعلى لأسفل. ووضع يديه على حقائق عديدة لم تكن معروفة من قبل. ثم قادته استبصاراته إلى إجراء بعض التجارب، وجاءت النتائج متسقة مع ملاحظاته، بعدها لم يجد خيار غير رفض ما كان سائدًا من علاج. 

وبات من الواضح عنده أن العيون في حالة تغير سلبي وإيجابي، ويمكن أن تسجل قياسات مختلفة للعيون في كل ساعة، على عكس الاعتقاد الذي لا يرى سوى التدهور المستمر في البصر بسبب مشكلات في عدسة العين. وأكد على أهمية تقوية عضلات العين. ووضع طريقته الخاصة للعلاج - التي تعرف اليوم بطريقة بيتس - وشرحها في كتابه «بصر أفضل دون نظارات» الذي لا يزال يطبع بعد مرور أكثر من ثمانية عقود على صدوره. وتشهد هذه الطريقة رواجًا من الحركات الكلية في العلاج، التي تخاطب الإنسان كله، جسد، ونفس، وعقل، وروح، بينما تتجاهله الأوساط العلمية الرسمية إلا فيما ندر. 

 

مناصرون

أشار أنغارت إلى بعض مناصري هذا النهج مثل مارجريت كوربيت التي تعالج زوجها بهذه الطريقة، فأسست مدرسة لتدريب العيون في لوس أنجلوس، ودربت عديدًا من الناس. وألفت كتابًا في نهاية الأربعينيات وصفت فيه حالات عديدة تم شفاؤها بالفعل، وتخطت اختبارات نظر بعد فشل، والتحقت بوظائف ومعاهد تشترط قوة الإبصار. وفي منتصف الخمسينيات، نشرت كلارا هاكت كتابًا بعنوان «استرخ، وانظر»، كدليل يومي لرؤية أفضل، يتضمن برنامج تمارين عيون يمتد لاثني عشر أسبوعًا يخاطب مشكلات إبصار مختلفة، كقصر النظر، وطوله، وعمى الألوان. ومما يذكر أنها نفسها تعالجت بهذه الطريقة واستغنت عن النظارات الطبية بعد تسع عشرة سنة من استخدامها. 

أما سبب عدم شهرة طريقة بيتس في علاج العيون فيرجع إلى شح الكتابات والإعلانات عنها في الأربعينيات والخمسينيات، والمضايقات التي كان المعالجون يتعرضون لها من جانب السلطات الصحية التقليدية. فغالبية أطباء العيون وأخصائيي الإبصار لا يعرفون شيئًا عنها، ولم يدرسوها في الجامعة. ولهذا هم لا يتحمسون لتبنيها، أو لوصف تمارين العيون كعلاج. ويفضلون النتائج السريعة كتلك المتصلة باستخدام النظارات أو إجراء العلميات الجراحية.  

بعد ذلك شهدت الثمانينيات والتسعينيات الماضية صدور عدد من المؤلفات في هذا الموضوع. وبدأ انتشار طريقة بيتس لعلاج العيون في بلدان عديدة كالهند وبريطانيا وسواها. فتأسست جمعية بيتس لبريطانيا العظمى، وولدت حركات تدعو لتبني مداخل تكميلية للعلاج، وأخرى تنادي بيوغا للعيون؛ فقد بينت دراسة، أجريت على طلاب تمريض مارسوا يوغا العيون لثمانية أسابيع، انخفاض الشعور بإجهاد العين، حيث تحفز التمارين العضلات المحركة للعيون، وتقويها، وتخفف الضغط النفسي المرتبط بالشعور بالشد، مما ساعد الطلاب على تحسين تركيزهم. كما ثبت أن يوغا العيون تحسن استجابة الدماغ أثناء الرؤية بوصفها آلية طبيعية للتعامل مع الضغط النفسي والتوتر المرتبط بالصداع والقلق.

وهكذا، بدأ قبول الطريقة على نطاق أوسع، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف العلاجات الجراحية، وزيادة أعداد من يستخدمون النظارات الطبية والعدسات اللاصقة - وفقًا لبيانات عام 2021 مليارين ونصف شخص يستخدمون النظارات لتصحيح الرؤية في العالم. ومن المتوقع أن تتجاوز عوائد سوق النظارات ومستلزمات تصحيح البصر في آسيا وحدها 44 مليار دولار في 2024 مع معدل نمو يفوق الستة في المئة - بسبب عدة عوامل كالتعرض الطويل لشاشات الأجهزة الإلكترونية. وهكذا انطلقت دعوات توعوية حول العناية بالعيون كإجراء استباقي. 

 

تمارين مقترحة

كأي عضلة في الجسم، تحتاج عضلات العيون إلى صيانة وتقوية لتعمل على نحو جيد. وذلك عبر ممارسة التمرينات، التي تشكل نوعًا من العلاج الطبيعي، والتي لا تراها غلوريا جين سوى عادات العيون الطبيعية. ومن بين التمارين أو العادات المقترحة: التوقف عن إطالة النظر في نقطة بعينها، وترك العيون تتنقل بحرية من مكان لآخر. فوفق كلمات بيتس، لا يجهد أصحاب البصر السليم عيونهم. والعيون المرتاحة دائمة الحركة بطبعها، بينما يطيل أصحاب البصر المعتل النظر بصور غير واعية ليتحققوا مما يرون.

 وينصح المتخصصون باستخدام «ناقل العين» وهو عبارة عن أداة مستطيلة من البلاستيك أو الورق بها خطوط طولية، بينها فراغات تسمح بمرور الضوء، يحملها الشخص ويمررها أمام وجهه بعيون مفتوحة أو مغمضة، فتساعد عينيه على الحركة، ورؤية ما بين الفراغات حتى تبدو الأشياء وكأنها تتحرك أمامه. ويمكن استبدال هذه الأداة بالأصابع وما بينها من فراغات، أو بالسطور المطبوعة والفراغات البيضاء تسبقها وتليها، لدقائق تتراوح ما بين الخمس والعشرين، مرة أو مرتان يوميًا. 

وإلى جانب ذلك هناك تمارين عديدة كتلك التي تعتمد على تغيير مكان التركيز لتمرين عضلات العين وتحسين التركيز، وذلك برفع سبابة اليد اليسرى مع الجلوس باستقامة والتركيز على الإصبع، ثم تحريك الذراع ببطء إلى أقصى اليمين وتتبع السبابة بالعيون، ثم الحركة في الاتجاه المعاكس وتتبع السبابة بدون تحريك الرقبة أو الذقن. أو مسح الغرفة برؤية كل ما فيها ببطء وبصورة منتظمة وبلا تشنج. وتحريك العيون مع عقارب الساعة تارة، وضدها تارة أخرى؛ ومن اليمن إلى اليسار، والعكس؛ ومن الأعلى للأسفل، والعكس، لدقائق، مع تحريك الرأس مرة، وتثبيته مرة أخرى. كما يمكن أرجحة الجسم مع وضع الوقوف، ورؤية الأشياء المحيطة التي تبدو في حركة. بعد ذلك يمكن غلق الجفون وتذكر المناظر التي تمت مشاهدتها، أو تخيلها. أما رؤية الأشياء الثابتة متحركة، فتجعل العين تنتقل من مكان لآخر بصورة واعية، وهو المطلوب لسلامة العين وصحتها. 

وحسبما يرى المدربون، أن من أحبوا رؤية الأشياء الساكنة تتحرك نجحوا في تحسين قوة إبصارهم أسرع من غيرهم، وأن البصر مرتبط بالانتباه، فالشخص الفضولي بشأن ما حوله لديه فرصة أكبر لتحريك عينيه. كما اعتقد اليونانيون القدامى أن من يصاب بقصر النظر يكون مصابًا بضعف في روحه التي لا تمتلك الطاقة اللازمة للانتباه ومغامرة الاستكشاف البعيدة. ومنذ قرون اكتشف اليابانيون أن رمي السهام تحسن من المهارات البصرية. وراح الأستاذ الياباني يطلب من تلاميذه مد البصر إلى الشجرة، ثم إلى فرع منها، ثم إلى ورقة فيه، ثم إلى العروق التي في الورقة، لأن هذا التغاير في التركيز هو مفتاح الرؤية الواضحة. 

وفي عصرنا هذا قيل إن مشكلات النظر تبدأ في المدرسة بسبب الساعات الطويلة من تثبيت العين على القراءة دون راحة كافية، لا سيما أن الفترات القصيرة من الشد الذي تعاني منه العيون تحتاج إلى ساعات طويلة للشفاء حسبما ترى البحوث، ولعل هذا ما يفسر العلاقة بين الإنجاز الأكاديمي والرؤية، حتى قيل إن الدكتوراه عادة مع تنجز مع قصر النظر.

 

مساعدة وتوصيات

للمساعدة، توفر بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة والكثير من مقاطع يوتيوب ذات العلاقة تمرينات وبرامج تدريب للعيون؛ لخلق روتين يومي متنوع يمكن أن يبدأ قبل النهوض من الفراش من خلال تدليك منطقة ما حول العين، وتمارين استرخاء لتحسين تدفق الدم، كممارسة فرك اليدين لتوليد بعض الحرارة ووضعهما على الجفنين المغلقين لتوفير راحة الدفء والإظلام. وينتهي قبل الخلود إلى النوم بتمرينات الأرجحة البطيئة والتخيل والتنفس الجالب للراحة والشعور بالسلام. ويمكن معرفة مدى التقدم من قياس النظر قبل البدء بممارسة التمارين وبعده، أو من مدى تحسن القدرة على قراءة لوحة الحروف أو الأشكال المستخدمة في فحص النظر.  

ويوصي فريق آخر من المدربين بأن يصاحب التمارين، اهتمام بشرب الماء لترطيب العين وتفادي إصابتها بالجفاف، وتناول أطعمة غنية بالفيتامينات والأحماض الدهنية والأمينية كالجزر، والتوت الأزرق، واللفت، والمشمش، البطاطا الحلوة، والقرع والشمام والبازلاء والفلفل الأحمر والقرنبيط والسبانخ، والطماطم، والبرتقال، والأسماك واللوز، والبيض والألبان، وسواها، إضافة إلى التقليل من تناول السكريات والنشويات، والملح. والابتعاد عن التدخين الذي يعظم فرص الإصابة بأمراض العين. واستخدام إضاءات مناسبة، واستخدام النظارات الشمسية، لحماية العيون من الأشعة الضارة، والمشي في بيئات طبيعية وأماكن مفتوحة تسمح بامتداد البصر ■